طرائق تدريس اللغة العربية
بين تحديد المفهوم و الممارسة الصفية
<!--
بقلم : الدكتور الوارث الحسن*
يعرف نظامنا التعليمي حراكا متناميا ، رغم عدة إكراهات منهجية و تدبيرية، و ذلك باعتماد إصلاح التعليم ببداغوجيات حديثة ( الأهداف ، الكفايات ، الإدماج ، ...) ، بهدف تطوير الحقل التربوي و الارتقاء به إلى مصاف الدول المتقدمة من حيث الجودة و المردودية استجابة لما لحق المجتمع المغربي من تطور على الصعيد الثقافي و الاجتماعي و السياسي .
و إذا كان الإصلاح المنشود يسعى لتجديد النخب التعليمية و إرساء دعائم المدرسة المغربية الجديدة ، فإن مراجعة طرائق التدريس ، أصبح أمرا لا محيد عنه للحاق بمتطلبات العصر و مقتضيات الحداثة التعليمية في السياسة التربوية .
ترى ما هي الطريقة الأنجح في ظل هذه الحداثة ، لتدريس مادة اللغة العربية في السلك الثانوي التأهيلي ؟ و هل مازالت الكتب المدرسية الحالية لمادة اللغة العربية في ظل هذا الطور صالحة للتدريس بالبيداغوجيا المستحدثة ؟
أولا- مفهوم طرائق التدريس :
إن مفهوم الطريقة في الحقل التربوي ، يختلف باختلاف وجهات نظر المتخصصين ، حول النظرة إلى مفهوم المنهج و دور المعلم و المتعلم في العملية التعليمية التعلمية ، إذ تهدف العملية حسب بعضهم « إلى إحداث تغيرات مرغوبة في سلوك المتعلم ، من خلال إكسابه المعلومات و المعارف و المهارات و الاتجاهات و القيم المرغوبة ، من أجل تحقيق هذه الأهداف التي تسعى إلى إحداث تلك التغيرات السلوكية ، إذ تعد طريقة التدريس ، هي الأداة أو الوسيلة الناقلة للعلم و المعرفة و المهارة ،و كلما كانت ملائمة للموقف التعليمي و منسجمة مع عمر المتعلم و ذكائه و قابلياته و ميوله ، كانت الأهداف التعليمية المتحققة عبره أوسع عمقا و أكثر فائدة»(1).
و من تم ، فإن طريقة التدريس هي تلك الخطة التي يوجه بها المعلم متعلميه داخل جماعة القسم ، و يبني عليها توجهه العام لبناء الدرس . بل و هي الأسلوب الأمثل الذي يستعين به المعلم لشرح محتويات الدرس و توجيه نشاط المتعلمين من أجل تحقيق التعليم المنشود لديهم . إنها أيضا : الإجراء العملي و العلمي الذي يؤدي تطبيقه الكامل إلى التعليم و الفهم .
و مهما يكن من أمر ، فإن الطريقة التعليمية تحتاج إلى دراية مبنية على الفطرة أولا ، و التكوين ثانيا ، و التدريب ثالثا ، و أصعب ما فيها هو المواجهة المباشرة مع المتعلمين بمختلف مستوياتهم العلمية و التحصيلية و القدرة على إشراكهم في محتويات الدرس و بنائه و سلب نشاطه و ما يبذله من جهد لخلق الانسجام الفكري و التواصل المعرفي ليصل به إلى استيعاب المادة و فهمها .
من هنا ، يجب التذكير أن اختيار الطريقة المناسبة للتدريس يقع على عاتق المتعلم نفسه ، حيث أن المعرفة التواصلية و الطريقة الجيدة و الذاكرة العلمية مع القدرة و الاستعداد و النمو الفكري المتواصل لديه ، كلها عوامل تتضافر فيما بينها لتجعل منه معلما ناجحا قادرا على الإفهام ، مهما اختلفت الفروقات الفردية لدى المتعلمين داخل الفصل .
و لاشك أن المعلم الناجح ، هو في حقيقته طريقة ناجحة ، توصل الدرس إلى المتعلم بأيسر السبل ، فمهما كان المعلم غزير المادة و لكنه لا يملك الطريقة الجيدة في التلقين و بناء الدرس و إفهامه ، فإن النجاح لن يكون حليفه في عمله . يقول أحد المتخصصين: « إذا أراد المعلم أن يحسن في طرائقه و أساليبه التعليمية فعليه أن يلتزم بعمله من المبادىء و الأمور التي تكون بمثابة مفاتيح لعملية التدريس و منها أن تكون طرائقه و أساليبه قائمة على نشاط الطالب ، إذ تقع على عاتقه مسؤولية تنظيم المحتوى بطريقة تساعد على تفريد التعليم و بشكل يراعي فيه تنظيم المعرفة الخصائص النمائية للمتعلمين من خلال مراعاة القدرات و الاستعدادت و الميول و استثمار ذلك استثمارا صحيحا »(2).
و خلاصة القول ، إن طريقة التدريس تحددها و لاشك ، الفلسفة التربوية التي يستخدمها المعلم لإيصال المادة العلمية للمتعلم ، و كذا من خلال نظرته الذاتية لعملية التعليم بشكل عام . فإذا كان يرى أن التعليم عملية تلقين فإنه يختار طريقة تناسب ذلك مثل الإلقاء و الإملاء ، و إذا شعر أنه موجه و باحث و مرشد و يعطي للمتعلم فرصا للتقدم الجماعي بالنشاط التعليمي ، فإنه عليه أن يسلك هذا المسلك في التدريس عن طريق البحث و العرض و المناقشة . و بذلك ، فإن الطريقة الذاتية المختارة وفق التوجه العام لدى المتعلمين ، و استخدام الأساليب التعليمية الملائمة ، لهذا و ذاك ، ستؤدي لا محالة إلى الاتصال الجيد مع المتعلمين لتمكينهم من التعلم .
ثانيا- طرائق تدريس اللغة العربية :
تتعدد طرائق التدريس لمادة اللغة العربية ، بتعدد الكفايات و المهارات التي يحتضنها ذهن المعلم ، كما تختلف باختلاف الاتجاهات و الميولات الذاتية لديه. و من تم ، فقد ظهرت تبعا لذلك ، آراء و نظريات مختلفة في طريقة التعليم اللغوي و الأدبي بشكل عام . فتاريخ التربية يذكر منذ القديم أن الطريقة الأولى المستخدمة في تدريس الطلاب هي التلقين و الإملاء المباشر(الشيخ و المريد) ، حيث كانت التربية اللغوية في كثير من الحالات تكتسب من الشيخ الذي يتولى تعليمها « فالشيخ المعلم كان في الواقع هو المنهج و الطريقة ، هو الذي يمنح تلاميذه الإجازة في فرع لغوي ما »(3). و قد دعا العالم ابن سينا( 370هـ / 438هـ )، إلى رعاية النمو الجسمي و العقلي للطفل المتمدرس كي يكون مستعدا لتعلم القراءة و الكتابة ، حيث كتب : « فإذا اشتدت مفاصل الصبي و استوى لسانه ، و تهيأ للتلقين ووعي سمعه أخذ يتعلم القرآن و صورت له حروف الهجاء »(4).
كما انتقد ابن خلدون (732هـ / 808 هـ) معلمي عصره انتقادا مرا في عدم رعايتهم للنضج العقلي و الجسمي و اللغوي للأطفال و طالبهم بالتدرج في التعلم يقول : « اعلم أن تلقين العلوم للمتعلمين إنما يكون مفيدا إذا كان على التدريج شيئا فشيئا ... فإن قبول العلوم و الاستعداد لفهمها ينشأ تدريجيا »(5).
و في أوائل العصر الحديث استفادت طرائق التدريس من الحضارة الغربية و الاتصال بالثقافات الأجنبية عن طريق البعثات الطلابية و الاستعمار الإمبريالي ، فانتهت إلى مفهوم علمي قوامه تنمية المهارات لدى المتعلم بإحداث أساليب التلقين التي تؤدي إلى تنمية القدرات المعرفية عن طريق القراءة و الاستماع و الكتابة و المحادثة .
و مع التقدم العلمي و التكنولوجي و تعدد التوجيهات و البرامج التربوية المؤطرة و تطور الحقل التربوي في العصر الحالي ، عرف تدريس اللغة العربية كسائر العلوم الأخرى نشاطا ملحوظا بفضل النهضة العلمية و الثقافات الغربية و نمو التجارب التربوية و تطور البحوث و التطبيقات العلمية ، فأصبح بذلك علما له ركائزه من العلوم الإنسانية و المناهج التعليمية ، و قاده ليخضع لمجموعة من الطرق و الأساليب في التلقين و التحصيل الحديثة .
هكذا ، تداول الباحثون التربويون عدة طرائق في تدريس اللغة العربية ترتكز في مجملها على أسس علمية قوامها تنمية مهارات الأداء اللغوي للمتعلمين انطلاقا من القدرة على اكتساب الأساليب التي تؤدي أثرها في تعديل سلوكهم حتى يصل إلى مستـــواهم المنشود في الفهم و التحليل ، وقد صنفها المتخصصون في الطرائق الآتية :
أ. طريقة وحدة النص :
تقوم هذه الطريقة على تدريس اللغة العربية ، باعتبارها وحدة مترابطة و متماسكة و ليست فروعا مختلفة و متناثرة .و من خلالها يتخذ المعلم النص الأدبي وحدة موضوعية يعالج مشكلاته من الناحية اللغوية و النحوية و الأسلوبية . « فطريقة الوحدة لا تعترف بحصة أو بدرس معين لفرع من الفروع»(6). و هي طريقة تشكل في حد ذاتها ترابطا لفروع اللغة المختلفة من قراءة و تعبير و نحو و خصائص فنية تمكن المتعلم من احتواء مضمون النص في شكل أو أنشطة تطرد الملل و تخلق له نوعا من الاتساق في العمل .
إن طريقة الوحدة ، في تعليم اللغة العربية و تدريس نصوصها الأدبية تعتمد بعد ذلك ،على أسس عدة منها ما هو لغوي و آخر تربوي و ثالث نفسي »(7) . فمن الناحية اللغوية ، فالمتعلم في الطور الثانوي مثلا ، يجد في وحدة النص عناصر لغوية مترابطة لا فكاك لها تبدأ من العنوان و تنتهي إلى الخلاصة التركيبية و بينهما عبارات و ألفاظ تختزل ثقافتنا اللغوية كوحدة عضوية متناسقة و منسجمة . و من الناحية التربوية ، فإن التلقين الموحد لا يشتت الأفكار و يفرق ذهن المتعلم ، و إنما يضمن و بدون شك ، ترابطا لفروع اللغة التي تسير في مخيلته في انسجام و توافق تام . أما من الناحية النفسية ، فقد أكد علماء النفس على عامل الوحدة بجانبيه العضوي و الجسمي في التعلم ، فعندما نتعلم على هذا الجانب ، يمتلك المتعلم قدرات تحفيزية و ذهنية تمكنه من الاستيعاب على أساس أن النص وحدة لغوية متسلسلة . « و هذا يلائم طبيعة الذهن في إدراك المعلومات»(8) ، و فهمها .
ب . طريقة التقسيم الفرعي :
يرى أصحاب هذه الطريقة أن دراسة النص الأدبي ، على أساس تقسيمه إلى فروع ، لكل فرع منها ، اتجاهه و مضامينه التحليلية ، في تركيب دقيق و نسقي يبتدأ بتأطير عام للنص ، و ما يتضمنه من معارف الخارج نصية ، و يمر بفهم معانيه الأساسية عبر وحداته الرئيسية و الفرعية و يمتد إلى تحليل الخصائص اللغوية و البلاغية و الأسلوبية و النقدية للنص ، و ينتهي بإنشاء خلاصة تركيبية لمختلف العمليات و المعطيات السابقة . و هذا كله يشكل في حد تفكير تيار التقسيم الفرعي ، دافعا قويا لدى المتعلم للتركيز و العناية ببعض المعطيات و المعارف اللغوية و التعبيرية و الأسلوبية سواء في القراءة (المطالعة) أو الأدب أو التعبير و كذا العروض و النقد « و ذلك الأمر لا يكون عادة في طريقة الوحدة »(9) .
و الحق ، أن طريقة الفروع و تقسيم النص إلى وحدات تحليلية « تعمل بشكل أو بآخرعلى تمزيق وحدة اللغة و في ذلك بالتأكيد تفتيت لمعلومات الطلبة، و بالتالي عجزهم عن استعمال اللغة استعمالا صحيحا في المواقف التي تتطلب القدرة على التعبير فيها ربط لفروع اللغة من أدب و نحو و صرف و بلاغة و نقد و عروض و غير ذلك »(10) . فضلا عن ذلك كله ، فإن دراسة النص بشكل فرعي يفقد لدى المتعلم على حد اعتقادنا ، ذلك التوازن المعرفي بين فرع و آخر ، فقد تجد حماسته تشتد في جزء على حساب الآخر ، مما يؤثر سلبا على مستقبل تحصيله ، قد يصل إلى حد الاضطراب في فرض النمو العقلي من جانب امتلاك ناصية التحليل و مدى القدرة على التجاوب مع متطلبات النص باعتباره وحدة عضوية و موضوعية .
ج . الطريقة التوفيقية :
و هي الطريقة التي تجمع بشكل توافقي بين الوحدة و الفروع ، ذلك أن أنصار هذه الطريقة صاروا يدرسون اللغة وفق وحدة متماسكة و أن فروعها ليست منفصلة عنها ، بل هي جزء لا يتجزأ منها ، و كل واحدة منهما تكمل الآخر ، و أن التقسيم بالتالي ، لا يعدو أن يدخل في تيسير العملية التعليمية في دراسة النص . و بذلك ، يشعر المتلقي من المتعلمين ، أن اللغة وحدة مترابطة العناصر و متداخلة في الشكل و المضمون . يقول أحد أنصار هذا الاتجاه : « إن اللغة وحدة متآلفة العناصر متكاملة الأجزاء ، فلا يعد أي فرع من فروع اللغة العربية قسما قائما حد ذاته منفصلا عن غيره ، بل تعد الفروع جميعها أجزاء شديدة الاتصال بكل واحد »(11)
فدرس النصوص مثلا ، أو النص الأدبي بشكل عام ، يعد فضاء للتعبير و التذوق و المحادثة ، زيادة على أنه مجالا للتدرب على القراءة و الإملاء و القواعد النحوية و الصرفية و البلاغية و الفنية ، و هو أيضا ساحة أدبية للاستعمال الصحيح للغة سواء منه النثري أو الشعري . و من تم ، فإن تحليله بشكل عام و عبر فروعه و أجزائه في وحدة عضوية يجد فيه المتعلم القدرة النفسية و التعلمية على اكتساب الثروة الثقافية المعرفية ، و كذا المتعة التذوقية في الاستعمال اللغوي بجانب الفهم و التحليل و الاستنتاج لظواهر جودة النص و فنيته .
إن الطريقة التوفيقية بعد هذا ، تعد نظريا عند أنصارها و مجربيها ، و القائمين على تطبيقها ، طريقة موفقة ، في إبراز مكامن النص و خصائصه ، و تدفع حقا و لاشك ، السأم و الملل التحليلي لدى المتعلم ، الذي يشعر به سواء في طريقة وحدة النص أو الطريقة الفرعية ، حيث أن الجمع بينهما يمنح دراسة لغة النص ، وحدة عضوية متينة ، و تقدم فروعها بطريقة طبيعية تساير و ظيفهتا المعرفية و مقصدية استعمالها ، تقول سعاد عبد الكريم الوائلي « إن اللغة العربية هي لغة الأمة و هي الرابط بين أفرادها في كل مكان وفي أي زمان ، فعلى معلمي اللغة العربية إن تتضافر جهودهم للنهوض بالدرس العربي أن نخدمها من خلال المحافظة على وحدة فروعها و تكاملها و اتساقها مع بعضها البعض »(12) .
تـم بـحـول الله هـذا الـبـحـث
مراجع للاستئناس
1- طرائق تدريس الأدب و البلاغة و التعبير ، سعاد عبد الكريم الوائلي، دار الشروق ، ط 1 ، 2004 م .
2- كتاب السياسة لابن سينا ، تعليق علي محمد اسبر، الناشر بدايات للطباعة و النشر ، ط 1 ، 2007 م .
3- مقدمة ابن خلدون ، ج 4 ، ص : 1233 طبعة الدكتور الوافي دار يعرب ، ط1 ، 2004م .
4- أصول تدريس العربية بين النظرية و التطبيق للمرحلة الأساسية العليا ، عبد الفتاح البجة ، دار الفكر ، عمان ن الأردن ، 1999م
5- تدريس فنون اللغة العربية عبد الله علي مصطفى ، ئئءء ئئ آرام للدراسات و النشر ، دبي 1994م .
-أستاذ باحث
(1) طرائق تدريس الأدب و البلاغة و التعبير ، سعاد عبد الكريم الوائلي، ص : 27.
(2) نفسه، ص : 28.
(3) نفسه، ص : 30.
(4) كتاب السياسة لابن سينا ، تعليق علي محمد اسبر، ص : 30.
(5) مقدمة ابن خلدون ، ج 4 ، ص : 1233 طبعة الدكتور الوافي
(6) طرائق تدريس الأدب و البلاغة و التعبير ، سعاد عبد الكريم الوائلي، ص : 30
(7) نفسه، ص : 34
(8) نفسه، ص : 34
(9) نفسه، ص : 35
(10) راجع في هذا الشأن: أصول تدريس العربية بين النظرية و التطبيق للمرحلة الأساسية العليا ، عبد الفتاح البجة ، ص : 35 ، دار الفكر ، عمان ن الأردن ، 1999م .
(11) تدريس فنون اللغة العربية عبد الله علي مصطفى ، ص : 35 آرام للدراسات و النشر ، دبي 1994م .
(12) طرائق تدريس الأدب و البلاغة و التعبير ، سعاد عبد الكريم الوائلي، ص : 27.
ساحة النقاش