مفاعل
وجد نفسه محتارا!
الناس حوله أشتات: معاضد، معارض، محايد. فكل على شاكلته يعمل، وكل ميسر لما خلق له، وكل يسعى ويكد ويجد، وما تجني براقش إلا على نفسها.
أما هو، فأخذ يتدبر أمره. فهو يحاول أن يدرك كنه نفسه.
ظاهري مَهُولٌٌ مُهِيلٌ، مُحَاطٌ برعاية، يُدَبَّرُ أَمْري بِحِنْكَةٍ ودِرْبَةٍ ودِرَايَةٍ.
حولي –لا لي- ثلاثة أحزمة. كل له ما يقومه.
حزام قاصٍ قاسٍ، لا أكاد أجد ريحه. تارة يحوي من يعاديني هاتفاً: لا، لا لهذا الهراء. يردد وراءه كل ببغاء. فهو يَهْرِفُ بما لا يَعْرِفٌ، ويقول ما قد تُدْرِكَهُ العقول.
وحزام فيه – جنبي – يُقَامُ. وجيراني على أهبة استعداد، على سفر وإن أظهروا التوطن، فهم يبدون ويخفون. قلوبهم لدى الحناجر، تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت، يحسبون كل صيحة عليهم أو بالأحرى لهم أو هما معاً، فقد تشابه الأمر عليهم وفيهم بل ولهم، فهم رُقَبٌ تُبَّعٌ حاذِرون، صحوناً ونوماً.
وحزام يكاد يضغطني حتى أنِّي لأظن أن سَيُكَسِّرُ أضلاعي. فمن فيه. أشتات متعاونون! منهم من يميل إليه قلبي وينشرح له صدري وتَعْشِق سماع صوته أذني! ومنهم كل معتدٍ أَثِيمٍ عُتُلٍّ بعد ذلك زَنَيمٍ، يَسْعَى لنيل مصلحة هو يرجوها، ويجري وراء سَرَابٍ يَحْسَبَهُ ماءً.إن قلبي ليتقطع لرؤياه، وإن عيني لتتمنى ألا تراه.
حولي دُثُور مُتَعَدِدَةٌ. منها الحاوي ومنها الواقي.
أبدو مُفْرِحاً مُتْرِحاً!
تبايُنٌ غَرِيبٌ!
من نظر إليَّ في الصورة، قال: ما أَجْمَلَ هذه المعمورة! وما دَرِيَ أنِّي مَظْمُورَةٌ.
قد تُحَدِثُه نفسُهُ بِوُلُوجِ هذا المبنى الرَّهِيبِ العجيب. فيتقدَّمَ إليَّ قي بسالةٍ ويَدْنُو مِنِّي في حرارةٍ، ويراني أحتويه بذراعَي، فيتقدّم في لهفة إليِّ، فأقول: على رَسْلِكَ!
فما يكاد يلج، حتَّى كأنما هَوَتْ به الريح في مكان سحيق! قد تَنْقَبِضُ أنْفاسُهُ ويُصِيبُهُ الدُّوَارُ ويرجو السلامة وتُصِيبُهُ – من بعد فرحةٍ- الندامة!
إنَّهُ لم يُقَدِّرْ فَيُقَدَّرُ، فقد نسِيَ أن كل شيءٍ بقدر، فمن قَدَّرَ قُدِّرَ.
فمن كان جَلِداً وذا حظٍ عظيم ويسَّرَ له ربه الكريم الرحيم، فَزُوِّدَ بإرشاداتٍ وتوجيهات فاتَّبَعَها واجتنب المنهيات، فقد سلم في نفسه واغْتَنَمَ ما أُتِيحَ له من نعم وهبات.
صاحبي هذا يراني رأي العين، ويتدبر في ويتأمل. فيعرِفُني عن بعضِ قرب. فيعلم أن لي جلداً يُغَطَّي أَعْضَائي ويَسْتُرُها ويلمها ولا يبعثرها، فهو لي كساءٌ وإزارٌ ورداءٌ. ويَجِدُ أنَّ ليَ أحْشَاءً وأَمْعَاءً وقلباً. كل عضوٍ فيَّ مركب من عدَّةِ أجْزاءٍ. كلٌّ منها يقوم بدوره في تكامل وإخاءٍ، متيحاً لنفسه ولإخوته فرصة البقاءِ واستنشاق الهواءِ واستعذاب الماءِ ذاكراً ربه واسع العطاء.
جوهري- فلبي-فيه وَقُودٌ: مصدر الطاقة والعطاء، فيه مُبَرِّدٌ يُلَطِّفُ الأجواء، فوقتي كل صيف لا يُحَسُّ فيه شِتَاءُ، فيه مُهَدِئ مُهَيِئٌ للقاء حاشدٍ للجيوشِ كَيْلا تفرَّ عند اللقاء وتثبت في ساحة الفناء ملبية، بكل صدق، النداء في عزيمة ومضاء. فيه عيون تقوم بدورها -مُتْقَناً- بتجرد ومسئولية وصفاء مرسلة ما تسجل في حينه من غير تلبث ولا إخفاء. فَتَهْرَع أخرى –بعد قرارٍ- معطية الدواء مطفية ثورة ما كان لها أن تتركني -بعدها- أتنفس الصعداء.
أُؤدي عملي في دقة ما يكون لي أن أحيد عنها وإلا حلَّ بِيَ الفناء وأصبحت ساحتي هباءً فناءً.
وقودي مُتْقَنٌ مُقَنَّنٌ!
فقد يكون حبيبات كحبيبات البندق. مُنَعَّمَةً مُغَلَّفَةً ثُمَّ إنَّها مسلوكةً نَظْماً داخل وعاء حاوٍ خصيصاً لها صُنِعَ.
وهذا الوعاء المنسق يضم حُزَماً حُزَماً ليكون أساسي.
بين هذه الحزم والرزم تُنَسَّقُ بِانْتِظامٍ وبِرَوِيَّةٍ أعمدة مراقبةٍ وتحكمٍ.
وأعمدة المراقبة ذات إحساس مرهف وشعور نبيل وهي عالية الضمير تؤدي دورها بلا تقصير ولا تنتظر تحفيزا ولا تنظر إلى تدبير، فهي منذ أعِدَّت مُيَسَّرَةٌ لما صنعت له مقتنعة به راضيةً بما قُسِمَ لها مُؤَدَّيةً عملها على قَدْرِ مَا تُعْطِي لا مَا تُعْطَى.
ومِثْلُهَا، في إخلاصِها ووفائها وتجردها، أعمدة التحكم التي ما أن تَصِلَها إشارةٌ حتَّى تُشَمِّرَ إزارَها وتَكْشِفَ عن ساقِها مُبْدِيَةً عاِمةً غير نادِمةٍ.
والإشارةُ تأتِيَها فَوْرَ وجوبِها من جهةٍ أمينةٍ مؤْتَمَنةٍ لا من جهات غير متخصصة تُحْسَبُ جميعاً وقلوبُها شَتَّى.
فتُلَبِّي الإشارةَ من غير تردد.
تُلَبِّيها بِقَدْرٍ واقْتِدَارٍ لا تهاب في ذلك بأس النزال. فهي مجندة تعلم أنها تؤدي دوراً مناطاً بها وإن لم تقم به فقد فتحت ثَغْرةً ما كان لها أن تُتْركَ. ومن تركها –غير مُتَحَرِفٍ أو مُنْحاز إلي فئة- فقد ولى الدبرَ وحَقَّ وُرُودُهُ السٌّعُر.
ولما كانت ترجو هنا وهناك، فقد آلت على نفسها أن تزرع خيراً كي تحصده. فمن قدَّمَ خيراً خيراً يَجِد ومن أساء فعلى نفسه وما يَحِيقٌ عليه من ظلم من ربه.
وهي في قيامها بواجبها غير مُسْرِفَةٍ ولا مُقْتِرَةٍ. فهي لا تسقط في جبِّها دَفْعَةً واحدة بلا مُقْتَضَى، ولكنها تنزِل رُوَيْداً رُوَيْداً في هدوء وطَمْأَنِينَةٍ كي ثُهَدِئَ رَوْع قلب قد بدَت تَتَسَارَعُ خَفَقَتُه نتيجة ما يتولد فيه من حرارة مصدرها معلوم إن ألجمَ انْقَطَعَتْ شَأْفَتُها، وإن ضُبِطَتْ سَرَتَ تُوقَدُ فيه الحياةَ فيَضُخَ خيره له ولغيره.
]دورة الوقود النووي
مخطط توضيحي لدورة الوقود النووي
مفاعلات القوى
الانشطار النووي
آفاق نووية
الحمد لله خالق الأكوان، مكور الليل على النهار، ومكور النهار على الليل، آية للخلق وإعماراً واعتباراً، مبديء الخلق ثم معيده. والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين الذي جاء بالهدي القويم المستقيم، الذي تركنا على المحجة البيضاء التي لا يزيغ عنها إلا هالك، وعلى من سار على نهجه إلى يوم الدين .
أما بعد، فهذه لمحات تنير الطريق وتثير الرفيق. فتجعله يمد العنق مشرئباً ويشحذ الذهن متلبباً مستهماً في إطراق طويل وتأمل أصيل عساه أن يروي بعض غليل. فقد طال ظمأه ورهف في طلب الري سمعه ورق حسه. فأضحى في انتباه تام حتى تكاد تحسبه – من همه – لا ينام. فالنهار في كد وجذب وحركة دءوبة غير محدودة، والليل فيه السراج مضيئة للبحث والتنقيب. فالشغف قد أسهره والتعب قد أنحله.
وهي لمحات خاطفات تدور حول شأن البحث فيه – عندنا – قليل بل – ربما – دخيل. أدخله البحث العلمي وسير الحياة الدراك. بعض الناس يتهيبه، وكثير يتجنبه وقليل منهم من يعشقه. فهم تجاهه متخير ومتحير.
متخير اختاره له ديدناِ فيه ينهج وبه يلهج، داعياً لنشره وغرسه بين أهله وعشيرته وبني جلدته بل والعالم أجمع. فهو- وقد درسه – يعلم أهميته ومستقبليته. وقبل ذلك يعلم أنه فتح من الله الفتاح العليم وهبة ونعمة يجب أن يحمد صاحبها فيعبد ولا يعصى .
ومتحير سماع تباع ولغير المنطق والعقل منصاع. فهو يحكم بما يسمع – من غير خبرة ولا دراية – ظلماً واعتداء في كل مجمع بأن الشأن خطير وفيه كل التدمير ولا فائدة منه ولا تعمير، أن ضره أكبر من نفعه. فهو يلهج بما لا ينهج ويهرف بما لا يعرف. ولئن سئل ما أفتى ولا أغنى ولا أقنى. إنه تابع شافع لا يعرف ما يهمه مما يذمه. فهو منبت لا ظهراً أبقى ولا أرضاً قطع، ويحق عليه قول الشاعر :
وعاجز الرأي مضياع لفرصته حتى إذا فاته شيء عاتب القدرا
أما المتخير غير المتحير، فهو يسعى لرقي أمته وتأسيس سيادته//ا تأكيد ريادتها ويرنو بها إلى الأمام في عزة وشموخ نحو السؤدد. شعاره " وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله و المؤمنون". وهو يمضي في خطىً ثابتة صابراً محتسباً موقناً بأن النصر مع العسر، فما كان لعسر أن يغلب يسرين. فهو يسير ولسان حاله بل لسان مقاله يقول :" بالصبر والعزم والإصرار يتحقق الانتصار". ولا يصده غوغاء كثر ولا قلة مكابرة، صابر مصابر محتسب، فكم من فئة قليلة غلبت-بإذن الله- كثيرة، والله ينصر من يشاء وهو العزيز الحكيم .
والمتحير إمعة مع الناس إن أحسن الناس أحسن، وإن أساءوا – تبعاً لهم – أساء. فهو لا يعرف الطريق – خلا الناس – ولو بعد توهم .أما نقيضه المتخير، فهو مميز ينظر في الأمور بعقل وتدبر ومنها ينتقب – لأمته – ويختار ولا يحتار. وهو مع الناس في إحسانهم ومباين لهم في إساءتهم، ولا يكتفي بذلك، بل يختار ما يفيد وفيه يسعى يطور ويزيد. والله يفعل ما يريد .
ويقدم اختياره لقومه لمحات بينات واضحات جليات مبينات مبينات كي ينير عقولهم ويوسع آفاقهم ويزيل همومهم ويفتح لهم أبواباً كانت – من قبل – موصدة منذ أمد بعيد متراكب عليها الغبار الذي يجب أن يزال، فيزيح عنها الصدأ فيوشيها من بعد أن يجليها، فتصبح جاذبة للأنظار جالبة للأنصار محققة للرقي والازدهار والانتصار.
واللمحات كثيرة متعددة المشارب والمنابع والمصادر. فهي متعددة بتعدد ميادين الحياة، ومتجددة بتجدد فنونها وشئونها .
واللمحات تشمل فيما تشمل لمحات تومض فتضئ الطريق في علم طريف طارف. قد غشي الناس فيه غبش لقلة اهتمامٍ وإهمال إطلاع وغرض يراد وهوى متبع وصد مقصود وباب موصود .
وهذا العلم المشار إليه هو علم النواة وما يختص بها من طاقة ومعالجات وأفكار وقيم تضاهي ولا تضاهى.
ولمحات هذا العلم قد اختير لها أن تكون تحت عنوان : " آفاق نووية" .
آفاق نووية – بعون الله وتوفيقه – ستتوالى في حلقات تترى كل منها – بإذن الله – يأخذ بعنق الأخرى . وسوف تنطلق من الواضح الجلي إلى الواضح المغشي ثم الخفي في أسلوب بسيط يحاول إفهام من ليس له إلمام وتوسيع دائرة إدراك من له اهتمام وإنارة الطريق لكل حب مستهام.
ساحة النقاش