لم يعد أمرا منتقدا أن تتضمن التشريعات تعريفات للمصطلحات الواردة فيها، خصوصا التشريعات التي تتميز بدرجة عالية من التخصص. ولاشك أن تعريف هذه المصطلحات يبدو أمرا مهما لحسن تطبيق هذه التشريعات من جانب المحاكم.
ومن هذه التشريعات في القانون المصري نذكر علي سبيل المثال: قانون البيئة رقم 4 لسنة 1994، وقانون المنافسة 3 لسنة 2005، وقانون تنظيم الاتصالات رقم 10 لسنة 2003. وقريبا، وبعد إقرار مجلس الشعب لمشروع قانون تنظيم الأنشطة النووية والاشعاعية، نشهد قانونا جديدا يتضمن مصطلحات جديدة في عالم القانون، وهي مصطلحات القانون النووي. ومن هذه المصطلحات علي سبيل المثال : المنشآت النووية، دورة الوقود النووي، الوقود المستهلك، والأمان النووي، وإثراء اليورانيوم، وغير ذلك من المصطلحات النووية المتخصصة.
ويساير مشروع القانون منهج بعض التشريعات المقارنة في إعطاء تعريفات للمصطلحات النووية. ومن هذه التشريعات نشير إلي: قانون الأمان النووي والتنظيم النووي في كندا في 20 مارس 1997، وقانون الطاقة النووية في سويسرا في 21 مارس 2003، وقانون الاستخدام السلمي للطاقة النووية والحماية من مخاطر هذا الاستخدام في ألمانيا في 23 ديسمبر 1995، وقانون الوقاية الاشعاعية والأمان والأمن النووي في الأردن رقم 43 لسنة 2007.
ومع ذلك، فإن المنهج الذي اتبعه مشروع القانون المصري يبدو مختلفا عن القوانين الأخري، وذلك من عدة نواح.
فمن ناحية، فقد قام المشروع بتعريف عدد كبير جدا من المصطلحات يصل إلي مايقرب من التسعين مصطلحا، وهو عدد أكبر بكثير من المصطلحات الواردة في أي تشريع مقارن. وعلي الرغم من ذلك، فان بعض هذه التعريفات في حاجة إلي مراجعة. فالمعجلات لاتعتبر في نظر المشروع من المنشآت النووية، بينما يعتبر القانون الفرنسي في 13 من يونيو 2006 بعض طوائف من المعجلات من المنشآت النووية الأساسية.
ومن ناحية ثانية، فقد تميز مشروع القانون بتوزيع تعريفات المصطلحات في ثلاثة أبواب من الأبواب السبعة للقانون. فقد ظهرت هذه التعاريف في الأبواب الأول والخامس والسادس، بينما منهج القانون المقارن بل والقانون المصري في التشريعات التي سبقت الاشارة إليها أن ترد التعريفات جملة واحدة في بداية القانون. ومن اللافت ان المصطلحات الواردة في الباب الأول هي مصطلحات تتعلق بالقانون بأكمله، بينما المصطلحات الأخري الواردة في البابين الخامس والسادس تخص فقط كل باب علي حدة. وهذا المنهج يبدو في نظرنا محل نظر، فإما أن ترد جميع المصطلحات في بداية القانون، أو أن توزع علي أبواب القانون، ومن الملاحظ، أن المصطلحات الواردة في الباب الأول استغرقت اكثر من ست صفحات، بينما نصوص مواد هذا الباب تزيد قليلا علي الصفحة الواحدة.
ومن ناحية ثالثة وأخيرة، أليس تحقيق حد أدني من التناسق ووحدة المصطلحات يعتبر أمرا ضروريا علي مستوي المشروع بأكمله؟ فكيف يمكن أن يتضمن المشروع مصطلحات تختلف من حيث اللفظ، بينما تتحد من حيث المضمون؟ هل يمكن أن يستخدم المشروع علي سبيل المثال اصطلاحي الطاقة النووية والطاقة الذرية، وهل يمكن للمشروع أن يستخدم المشروع اصطلاحي المشغل والقائم بالتشغيل؟ ولانظن ان التعليل الخاص بضرورة احترام مصر لالتزاماتها الدولية يقف عائقا دون توحيد هذه المصطلحات، فهل خالفت الدول التي تستخدم تشريعاتها اصطلاح "المستغل" وليس "المشغل" التزاماتها الدولية؟ إن البحث عن المصطلح الدقيق ليس له علاقة بفكرة الالتزامات الدولية لمصر.
لاشك أن مشروع قانون تنظيم الأنشطة النووية والاشعاعية كان نتيجة جهد كبير من المسئولين العلميين والقانونيين في وزارة الكهرباء. كما لايفوتني الإشارة إلي الجهد الرائع الذي بذلته لجنة الصناعة والطاقة بمجلس الشعب، وكان لي شرف الإشتراك في المناقشات التي تمت في هذه اللجنة، ومع ذلك، فان مناقشة المشروع أمام مجلس الشعب سوف تتيح بالضرورة مجالا كافيا لمراجعة هذا القانون في جميع جوانبه، ومنها بشكل خاص تعاريف المصطلحات الواردة فيه.
المصدر: المصدر: الأهرام اليومى بقلم: محمد عبداللطيف
نشرت فى 25 أغسطس 2011
بواسطة yamhnd
مركز ابن عبد الله للدراسات والبحوث والمعلومات والاستشارات والتقنية
هذا الموقع أنشئ في يوم الأربعاء الثامنِ من مايو عام أحدَ عشرَ وألفين. وهو يهدف -ضمن ما يهدف- لنشر العلم والمعرفة. ويؤمل أن يحوي أقساماً مختلفةً مؤتلفةً، فالأقسامُ وإنِ اختلفتْ وتنوعتْ فبعضُها يَمُتُّ إلى بعض بصلة، بل كل منها رديف صاحبه يأخذ منه ويعطيه. فنسأل الله العون والتوفيق والسداد. المهندس »
أقسام الموقع
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
100,477
ساحة النقاش