الطاقة النووية للحرب والسلام


لقد سبق وأن نوقشت الطاقة النووية من النواحي التقنية وبعض جوانبها السلبية والأيجابية بخطوط عريضة في مقال سابق. اما الآن فسنحاول مناقشة كيف يمكن ان نستفيد من الطاقة النووية للأغراض المدنية بدون مخاوف استعمالها للأغراض العسكرية.
حينما تذكر الطاقة النووية فان المستمع او القارئ يتبادر ذهنه الى قدرتها التدميرية الهائلة! ويستعرض في ذهنه صور مدينتي هوريشيما ونكزاكي في اليابان والدمار المروع الذي أحدثته القنابل الذرية في نهاية الحرب العالمية الثانية. ولعل تلك الحادثة المؤلمة هي التي دفعت اليابان الى الأستسلام ووضع نهاية للحرب العالمية الثانية واتمناعها عن ممارسة نشاطات عسكرية وخاصة النووية منها!
حاليأ هناك العديد من الدول التي تملك ترسانة اسلحة نووية ودول أخرى تملك تقنيات صناعة الطاقة النووية ولكنها لا تملك ترسانة من الأسلحة مثل اليابان وألمانيا والعديد من الدول الغربية والشرقية. أما الدول التي تملك اسلحة نووية رسميأ فهي الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وأنجلترا وفرنسا والصين والهند وباكستان. ولكن هناك عدد من الدول التي تملك اسلحة نووية ولكنها لم تصرح بها مثل اسرائيل. وهناك دول تسعى الى امتلاك أسلحة نووية ولكن من دون الأعلان عن ذلك. ولعل الدافع وراء ذلك هو هواجس الدفاع وليس الهجوم!
وهناك جانب تجاري لهذا الموضوع قلما يطفو على السطح من قبل الدول والشركات. والحق ان عمليات البحوث والتطوير لها ثمن! وعلى الدول والجهات المستفيدة ان تدفع ذلك الثمن. ولكن الثمن يجب ان يكون معقولأ ولا يخضع لعملية احتكار للمعلومات والتقنيات تحت حجة عدم انتشار الأسلحة النووية!
من أجل وضع أسس لأستعمال الطاقة النووية للأغراض السلمية وخاصة في مجال الطاقة فان هناك موضوعان مهمان يجب مناقشتهما على المستوى الدولي والأتفاق على ضوابط عريضة تحكم استعمال الطاقة وتطمئن الأطراف الدولية من ضبط المخاطر المحتملة.
التصاميم وضوابط الأمن والسلامة:
ان السبب الذي يدعو الى وضع مثل هذا الشرط على المستوى الدولي له علاقة بالأخطار التي يمكن ان تشمل العديد من دول وشعوب العالم ولا يخص دولة محددة والتي يقع فيها حادث مؤسف جراء تشغيل المفاعلات النووية. فحادث مفاعل تشرنوبل في الأتحاد السوفياتي قد عرض العديد من الدول الغربية لمخاطر الأشعاعات الذرية فضلأ عن أوكرانيا وغيرها من الدول الشرقية المجاورة! وهكذا فان خضوع التصاميم لضوابط صارمة من قبل جهة علمية محايدة ضرورة اساسية وكذلك مراقبة عمليات التشغيل ومستوى مراعاة ضوابط الأمن والسلامة.
وهناك فضلات المفاعلات النووية والتي هي الأخرى يجب ان تخضع الى رقابة واساليب أمينة للتخلص منها أو اعادتها للخدمة كوقود. وأظن ان ذلك ينطبق على مادة البلوتونيوم الناتج من المفاعلات النووية المستخدمة لليورانيوم 238 كوقود وكذلك أنواع الوقود الأخرى التي يتم تطويرها للأستخدام النووي.
مناقشة للجانب العسكري:
ان عسكرة الطاقة النووية الأنشطارية ناتج اما بدافع السيطرة او بدافع الخوف او كلاهما. ويمكن ملاحظة الدول الكبرى انها امتنعت من استعمال هذا السلاح منذ تجريبه في نهاية الحرب العالمية الثانية. ولكن ذلك لم يمنعها من تطوير الأسلحة النووية ووسائل ايصالها الى أهدافها المحتملة من خلال الصواريخ العابرة للقارات او تطوير الغواصات العاملة بالطاقة النووية والتي يصعب رصدها وتحييدها بسبب حركتها الدائمة وامكانية تخفيها. وان تطوير الأسلحة الهيدروجينية قد حصلت بعد الحرب العالمية الثانية وهي أشد فتكأ من نظيرتها الأنشطارية. وقد تمكنت كلتا الدولتان الولايات المتحدة والأتحاد السوفياتي سابقأ الى تخزين اسلحة نووية ما يمكنها احراق العالم العديد من المرات! ويبدو ان قادة المعسكرين توصلا الى نتيجة ان لا فائدة من هذا السباق الجنوني والذي لا طائل منه غير هدر موارد البلدين.
كانت سلسلة من الأجرآت ضمن اتفاقية الحد من الأسلحة النووية بين الدولتين. وخرجت وكالة الطاقة الذرية من رحم منظمة الأمم المتحدة عام 1957 والتي تقوم بدور المراقب والمساعد على استخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية. ولكن عمل هذه المنظمة يقتصر على الدول التي تنظم اليها طوعأ ولذا نرى ان هذه المنظمة لا يطول عملها اسرائيل مثلأ ولم تستطع ان تعمل في باكستان او الهند وهما لاعبان جديدان في مجال تطوير الأسلحة النووية. والمنظمة الآن تحاول بالقيام بدور في جمهورية ايران الأسلامية والتي تنتمي اليها من خلال ضغوط دولية كبيرة والتي يشك في دوافعها السياسية.

كيف يمكن للدول ان تضمن استعمال سلمي للطاقة النووية من دون خوف استعمالها للأغراض العسكرية؟
ويمكن تقسيم السؤال السابق الى الأسئلة التالية: هل يمكن للأمم المتحدة ان تفرض على الدول جميعأ قوانينها الخاصة بالأستخدام السلمي للطاقة الذرية؟ والسؤآل الثاني هو ماذا عن ترسانات الدول التي سبق وان امتلكت اسلحة نووية؟
السؤآل الأول يعني تنازل الدول عن جزء من سيادتها. وأظن ان ذلك ضريبة مقبولة لتوفير طاقة نظيفة نسبيأ وبكميات كبيرة لجميع الدول وبلا استثناء. وحينما تتساوى جميع الدول لنفس الأجرآت فلا يبقى معنى للسيادة بهذا السياق. فالكل سواسية امام الأجرآت التي تتطلبها وكالة الطاقة الذرية الجديدة.
ولكن تبقى مساحة يجب ان توفر الأجابات المناسبة لها مثل اقناع بعض الدول بالأنضمام لهذه المنظمة او عدم التزامها ببنود الأتفاقية. يقترح ان تعالج هذه الحالات بشكل سلمي من خلال المقاطعة الشاملة لتلك الدولة او الدول. ويجب استبعاد استعمال القوة في هذه الحالات.
اما السؤآل الثاني فانه يتطلب من دول العالم عامة والدول ذات العلاقة خاصة ان ترتقي الى مستوى المسؤلية والمرحلة التي يعيشها العالم المعاصر. ولعل تلك الدول التي وصلت الى درجة كبيرة من النضج السياسي والعلمي والأقتصادي والعسكري حرية بأن تبادر الى استبعاد الحلول العسكرية وخاصة النووية منها. فهي تدرك مدى الأخطار المترتبة على استعمال مثل تلك الأسلحة على الحياة برمتها على الكرة الأرضية.
كيف تتخلى الدول الكبرى عن اسلحتها النووية والتي قد تجد طريقها لبعض الدول غير المستقرة والتي تعاني من فقدان الحكمة والتوازن؟ ان ذلك الموضوع جدير بالدراسة ويمكن علاجه اذا توفرت الأرادة والنية المخلصة للوصول الى الهدف. وأظن ان الأجابة على السؤال الأول يمكن ان يكون الجواب المناسب اذا تحقق من خلال تظافر الجهود الدولية على تحقيقه.
هل يمكن تحقيق هذا المشروع؟
نعم يمكن ان يتحقق هذا المشروع ويجلب للأنسان طاقة عملاقة ولفترة طويلة من الزمن. ويمكن ان تكون الطاقة النووية رافد مهم مع باقي روافد الطاقة التقليدية والروافد الحديثة كالطاقة الشمسية والريح والجوفية وغيرها. ولكن ذلك لا يمكن ان يحدث بدون ارادة سياسية من قبل الدول الكبرى الفاعلة في الساحة العالمية ومن دون نشر الوعي اللازم بين شعوب العالم عن الفوائد والمضار التي تترتب على تبني او عدم الألتزام بهذا المشروع ومن دون وضع برنامج واضح للتخلص من ترسانات الأسلحة النووية حاليأ.
خاص بالوسط

  • Currently 165/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
55 تصويتات / 1158 مشاهدة
نشرت فى 17 يونيو 2010 بواسطة wwwalzra3acom

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

548,222