بات ارتياد مقاهي الانترنت من قبل الأطفال والمراهقين ظاهرة متفشية، ليس فقط في أيام الاجازات بل طوال العام، وهو ما يمكن ملاحظته عند ارتياد أي من تلك الأماكن التي توفر تصفحاً للشبكة ومشاهدة الأفلام وألعاب الفيديو .
ويلجأ بعض أصحاب المقاهي الى ابتكار طرق وأساليب مختلفة لاجتذاب المراهقين، وهو ما جعل من الميدان حلبة للتنافس في جذب المراهقين من خلال فتح الأبواب نحو المحظور، وإضافة كل ما هو ممنوع ومرغوب، وإن كان مخالفاً للعادات والتقاليد والأعراف الاجتماعية والدينية .
كما وفرت لهم الخصوصية اللازمة للتصفح بحرية من دون أن يشعر بتطفل أي من الموجودين وذلك من خلال حواجز يتم وضعها لتوفير السرية المطلوبة .
إلى جانب ذلك فإن مقاهي الانترنت تحرص على تخصيص أقسام بداخلها لبيع المشروبات والحلويات وغيرها من الأطعمة التي توفر مدخولاً أضافياً، وفي نفس الوقت تسمح لهم بقضاء أوقات طويلة بداخلها .
نظراً لابتعاد تلك المواقع عن دائرة الرقابة والمتابعة من قبل الجهات المختصة فإن التدخين يعتبر واحداً من الأمور التي يمكن ممارستها في تلك المواقع، على الرغم من أنها مغلقة وترتادها فئات عمرية مختلفة منهم الأطفال الذين قد يتأثرون صحياً ونفسياً من خلال محاولات تجريب تلك العادة السيئة .
والغريب في الأمر، أن بعض تلك المقاهي تم منحها ترخيصاً لمزاولة مهنتها على مدار الساعة، الأمر الذي يشرع الأبواب لتلك الفئات لقضاء أوقات طويلة والسهر، ولو على حساب أوضاعهم الصحية والنفسية والاجتماعية، وأيضا مذاكرتهم .
يقول الدكتور صالح الخطيب، مدير مركز الارشاد النفسي بجامعة العين للعلوم والتكنولوجيا، إن تواجد الأطفال في مقاهي الانترنت يشكل خطورة بالغة وذلك لعدم وجود رقابة على البرامج التي يتعرضون لمضامينها .
وأشار الى دراسة بحثية تم اجراؤها مؤخرا، أوضحت أن أكثر من 60% من مرتادي مقاهي الانترنت هم من الفئة العمرية دون العشرين عاماً، الأمر الذي يؤكد أهمية وضع تلك المواقع تحت مجهر الرقابة، وفرض قوانين وضوابط تمنع أي نوع من التجاوزات أو المخالفات، أو اضافة أية خدمات قد تؤدي الى إفساد أخلاقيات الأجيال القادمة، أو اكسابهم عادات وتقاليد غريبة ترفضها المجتمعات العربية والاسلامية .
كما لا بد من الأخذ في الاعتبار تحديد شروط معينة تضمن توفر مستويات علمية وثقافية معينة للشخص الذي يطلب ترخيصاً لممارسة أنشطة مقاهي الانترنت وذلك لضمان عدم الخروج من خلال تلك المقاهي عن كل ما هو غير مألوف أو مسموح به في مجتمعاتنا المحافظة . إلى جانب ذلك يجب تنظيم برامج ومحاضرات توعوية للأسر توضح من خلالها الآثار السلبية والأضرار الناجمة عن تلك المقاهي، وأيضا توعية الطلبة من خلال المدارس بطرق التعامل الصحيحة والايجابية مع التقنيات الحديثة وكيفية الاستفادة منها .
إن مقاهي الانترنت تعتبر سلاحاً ذا حدين حيث إنها تتيح لتلك الفئة التي لا يتواجد في منازلها مزود لخدمة الانترنت فرصة الاطلاع على تلك التقنية والاستفادة منها، إلا أنه في نفس الوقت يشكل تواجده واختلاطه مع مرتادين آخرين من فئات عمرية وثقافات وبيئات مختلفة خطرا لا بد من أخذه في الاعتبار، حيث إن وجوده في تلك البيئة غير المراقبة يكسبه قيماً ومفاهيم وعادات مختلفة قد يرفضها وسطه الاجتماعي، وبالتالي يلجأ إلى ممارستها بعيداً عن أعينهم، اضافة إلى الخطر الأخلاقي والذي قد يستمده من المتواجدين في المقهى، أو من خلال ما يتعرض له من مواد على شبكة الانترنت، وما ينتج عن ذلك من مشاكل نفسية مثل الشعور بالعزلة والادمان على الانترنت وغيرها .
وذكر أن مقاهي الانترنت تسمح بدخول أي شخص واستخدامه لأجهزة الحاسوب الموجودة فيها مقابل دفع دراهم معدودة من دون النظر إلى الفئة العمرية التي تقبل عليها، الأمر الذي يتطلب فرض قوانين تحدد الفئات العمرية التي يسمح لها بدخول تلك الأماكن خاصة أن الطفل أو المراهق يحتاج الى الرقابة التي تردعه من الاطلاع عليها .
كما يتطلب الانتشار الكبير لتلك المقاهي متابعة مستمرة من قبل الجهات المختصة، لضمان عدم توفير البرامج الممنوع تداولها والتي تقوم بفتح المواقع المغلقة من قبل الشركة المزودة، خاصة أن البعض يحرص على تزويد المقاهي بكافة الوسائل والبرامج التي تجتذب بعض تلك الفئات لتحقيق الربح المادي .
وأشار الى أهمية ايجاد بدائل للأبناء يتمكنون خلالها من قضاء أوقات معينة أمام شاشات الحاسوب لتصفح الشبكة العنكبوتية تحت رقابة متخصصين، والنأي بهم عن أيدي العابثين، وذلك من خلال المدارس والنوادي الاجتماعية لتجنيبهم الانجراف نحو السلوكيات الشاذة عن المألوف اجتماعياً وأخلاقياً .
أكد الدكتور محمد عطا عفيفي، استاذ مساعد بكلية الهندسة والتقنية أنه من الصعب بل من المستحيل التحكم في نوعيه المواد أو المعلومات التي يمكن للفرد تناولها على شبكة الانترنت بسبب وجود الكثير من البرامج القادرة على تعدي أنواع الحماية التي ينفق عليها مزودو خدمات الانترنت أموالا طائلة الأمر الذي يتطلب ايجاد قوانين واضحة ورادعة لتحديد وتوصيف الارشادات والتعليمات التي يجب أن تتبع من قبل أصحاب المقاهي والزامهم بضوابط محددة تقيد الاستخدام المفتوح والحر للشبكة من قبل الأطفال الذين يرتادون تلك المواقع .
إن الأطفال في سن المراهقة يستخدمون شبكة الإنترنت بشكل يومي لتنفيذ المهام والواجبات المدرسية، الى جانب الاستخدامات الأخرى كالتثقيف والترفيه وغيرها، مما يجعل تقييد أو منع الوصول إلى الإنترنت بمثابة الحرمان من أحد أهم سبل التعلم في العصر الحديث، حيث ان سرعة انتشاره جعلت منه حتمية خاصة بين الأطفال والمراهقين أكثر من البالغين .
وقال: إن جميع خدمات شبكة الانترنت، والتي أهمها الشبكة العنكبوتية والبريد الإلكتروني والتراسل الفوري والدردشة العامة والقوائم البريدية المحددة، لا تخضع بأي حال من الحوال للرقابة الصارمة من قبل أي جهة، حيث أنه من الصعب بل من المستحيل وضع نظم أو قوانين لضبط المعلومات أو المواد التي يتم تداولها عبر شبكة الانترنت، على الرغم من الجهود العديدة ومحاولات منع أو الحد من انتشار هذه المواد في مجتمعنا الاسلامي .
كما أن غرف الدردشة، التي يحرص غالبية الأطفال والمراهقين على الخوض فيها، تعتبر من أخطر المواقع التي قد تحول أبناءنا الى ضحايا، حيث ان غالبية مرتكبى الجرائم عن طريق الانترنت يتعرفون إلى ضحاياهم في غرف الدردشة .
ناقوس الخطر
وأكد الدكتور عفيفي أهمية ادراك أولياء الأمور للمخاطر الناجمة عن تجاهلهم لمتابعة الأبناء أثناء استخدام الانترنت، ووعيهم بالسلوكيات التي قد تظهر على الأطفال والمراهقين والتي تشكل ناقوس خطر ينذر الأهالي، ومنها مبالغة الطفل أو المراهق في استعمال الكمبيوتر خاصة الانترنت وقضاء فترات طويلة من الوقت على شاشاته، لا سيما أثناء الليل .
وقالت مرفت أمين دقماق، أستاذة علم النفس التربوي بجامعة العين للعلوم والتكنولوجيا، إن انتشار الحاسوب وألعاب الفيديو والتلفاز في السنوات الأخيرة ادى إلى بروز دورها بوضوح في حياة الأطفال للتسلية والترفيه، حتى أنها أسهمت في عزوف الأطفال عن ممارسة الألعاب التقليدية التي كانت تدفعهم نحو التواصل وتنمي فيهم مهارات حياتية واجتماعية ونفسية .
وذكرت أن أساس المشكلة يتمثل في أن البعض ليست لديه خطة واضحة ومحددة لكيفية شغل أوقات فراغ طفله، بالاضافة الى غياب دور الأهل حيث إن ولي الأمر يمثل دور حارس البوابة، من خلال اختيار وسائل الترفيه المناسبة لطفله التي تضمن عدم تعرضه لمحتويات تتعارض مع الدين والعادات والتقاليد المجتمعية، وأيضا تجنبه التعرض للآثار الصحية والنفسية السلبية الى جانب تحديد زمن معين للعب لا يزيد على ساعة في اليوم الواحد، والحث على قضاء أوقات الفراغ الأخرى في ممارسة الأنشطة اليومية الأخرى .
وأوضحت، أن اندفاع الطفل نحو ألعاب الفيديو والكمبيوتر والتلفاز يحمل في طياته الكثير من الأمور الإيجابية، إلا أنه لا يخلو من بعض المخاطر الصحية والسلوكية التي ينبغي الالتفات إليها، حيث إن المغالاة في استخدام الأطفال الانترنت وغيرها من الأجهزة كالتلفاز والالعاب الالكترونية تؤثر سلبياً في تطورهم فكرياً ونفسياً، ذلك ان الأطفال يولدون كغيرهم بمواهب وقدرات فكرية وطاقات ذكاء متكافئة، إلا أن الفارق يتمثل في صرف أوقات طويلة أمام الكمبيوتر، الأمر الذي يعني عملية كبح للتطور النفسي والفكري العادي .
وأشارت الى أهمية تشجيع أولياء الأمور للأطفال على الاستفادة من أجهزة الحاسوب والانترنت، ولكن في نفس الوقت لا بد من تجنيبهم الآثار الضارة التي قد تنتج عن استخدامه من آثار نفسية قد تقود الى اضطراب وتغير عادات النوم لدى الأطفال، إلى جانب المشكلات الأخرى المترتبة على ذلك مثل تدني مستوى التحصيل الدراسي، كما أن الاستغراق في الإنترنت يؤدي الى توقفهم عن ممارسة الهوايات والأنشطة الأخرى المحببة لديهم ، في حين يمتنع أطفال آخرون عن التنزه والخروج الى الحفلات ومقابلة الأصدقاء والتجول في الأسواق ومشاهدة الفيديو والتلفزيون .
وأوضحت أن الخطر من التعامل مع هذه التكنولوجيات لا يقف فقط عند الانترنت بل إن هناك العديد من الألعاب الالكترونية الموجودة في الأسواق والتي يقتنيها أطفالنا ويقضون أمامها ساعات طويلة تشكل خطورة بالغة وذلك لما تحتويه هذه الألعاب من مشاهد عنف يرتبط بها الطفل، كما أنها تخلق طفلاً غير اجتماعي، منطوياً على ذاته، وذلك على عكس الألعاب الشعبية التي تتميز بالتواصل، وتعلم المهارات والأدوار الاجتماعية، الى جانب أنها تصنع طفلاً أنانياً لا يفكر سوى في إشباع حاجته من هذه اللعبة . كما أن الشخصيات الكرتونية المستخدمة، بعيدة عن الواقع وتنمي مساحة الانفصال عن الواقع الذي عندما يلتحم به فإنه يتعامل بمنطق هذه الشخصيات الخيالية، وهو ما يفجِّر طاقات التوتر، والعنف، والتحدي، والخصومة الدائمة مع المجتمع المحيط .
وهناك العديد من المخاطر الصحية التي تنتج عن الاستخدام الطويل للانترنت أو الألعاب الالكترونية، ومنها ضعف النظر نتيجة تعرضه لمجالات الأشعة الكهرومغناطيسية قصيرة التردد المنبعثة من شاشات التلفاز التي يجلس أمامها ساعات طويلة، وحدوث اصابات في الجهاز العضلي والعظمي بين الأطفال، وسوء التغذية، والاعتياد على وجبات غير صحية بسبب حرصهم على متابعة اللعب وعدم التوجه لتناول الوجبات مع الأهل . <!-- / message -->
ساحة النقاش