تعريفات الأزمة:
الأزمة هي نقطة تحول مصيرية في مجرى حدث ما، تتميَّز بتحسّن ملحوظ أو بتأخر حاد، وترتبط بتجاذبات قديمة لا بد أن تزول لتحلّ محلها ارتباطات جديدة، وتورث تغيرات كمّية ونوعية في هذا الحدث. الأزمة كمصطلح قديم ترجع أصوله التاريخية إلى الطب الإغريقي – "نقطة تحول" بمعنى أنها لحظة قرار حاسمة في حياة المريض – وهي تُطلق للدلالة على حدوث تغيير جوهري ومفاجئ في جسم الإنسان. في القرن السادس عشر شاع استخدام هذا المصطلح في المعاجم الطبية. وتم اقتباسه في القرن السابع عشر للدلالة على ارتفاع درجة التوتر في العلاقات بين الدولة والكنيسة. وبحلول القرن التاسع عشر تواتر استخدامها للدلالة على ظهور مشكلات خطيرة أو لحظات تحوّل فاصلة في تطور العلاقات السياسية والإقتصادية والإجتماعية. والعام 1937 عرّفت دائرة معارف العلوم الإجتماعية الأزمة بأنها "حدوث خلل خطير ومفاجئ في العلاقة بين العرض والطلب في السلع والخدمات ورؤوس الأموال".

ولقد استعمل المصطلح بعد ذلك في مختلف فروع العلوم الإنسانية وبات يعني مجموعة الظروف والأحداث المفاجئة التي تنطوي على تهديد واضح للوضع الراهن المستقر في طبيعة الأشياء، وهي النقطة الحرجة، واللحظة الحاسمة التي يتحدَّد عندها مصير تطور ما، إما إلى الأفضل، أو إلى الأسوأ (مثل الحياة أو الموت، الحرب أو السلم) لإيجاد حل لمشكلة ما أو انفجارها. كما عرّف (ألستار بوخان – Alastair Buchan) الأزمة في كتابه "إدارة الأزمات" بأنها تحدٍّ ظاهر أو ردّ فعل بين طرفين أو عدة أطراف، حاول كل منهم تحويل مجرى الأحداث لصالحه.

أما (كورال بل – Coral Bill) فإنها تعرّفها في كتابها "إتفاقيات الأزمة – A study in Diplomatic Management, the Conventions of Crisis" بأنها ارتفاع الصراعات إلى مستوى يهدد بتغيير طبيعة العلاقات الدولية بين الدول.
ويشير (روبرب نورث Robert North) إلى أن الأزمة الدولية هي عبارة عن تصعيد حاد للفعل ورد الفعل، أي هي عملية انشقاق تحدث تغييرات في مستوى الفعالية بين الدول، وتؤدي إلى إذكاء درجة التهديد والإكراه. ويشير نورث إلى أن الأزمات غالبًا ما تسبق الحروب، ولكن لا تؤدي كلها إلى الحروب إذ تسوّى سلميًا أو تجمّد أو تهدأ، على أنه يمكن دراستها على اعتبارها إشتراك دولتين أو أكثر في المواجهة نفسها.

كما يعرّفها (جون سبانير John Spanir) بأنها "موقف تطالب فيه دولة ما بتغيير الوضع القائم، وهو الأمر الذي تقاومه دول أخرى، ما يخلق درجة عالية من إحتمال اندلاع الحرب.

وفقاً لذلك فإن الأزمة هي "موقف مفاجئ تتجه فيه العلاقات بين طرفين أو أكثر نحو المواجهة بشكل تصعيدي نتيجة لتعارض قائم بينها في المصالح والأهداف، أو نتيجة لإقدام أحد الأطراف على القيام بتحدي عمل يعدّه الطرف الآخر المدافع، يمثل تهديدًا لمصالحه وقيمه الحيوية، ما يستلزم تحركًا مضادًا وسريعًا للحفاظ على تلك المصالح، مستخدمًا في ذلك مختلف وسائل الضغط وبمستوياتها المختلفة، سواء أكانت سياسية أو اقتصادية أو حتى عسكرية.


إدارة الأزمات مسألة قائمة بحد ذاتها منذ القدم. وكانت مظهرًا من مظاهر التعامل الإنساني مع المواقف الطارئة أو الحرجة التي واجهها الإنسان بعد أن جوبه بتحدي الطبيعة أو غيره من البشر. ولم تكن تعرف آنئذٍ بإسم إدارة الأزمات وإنما عرفت تسميات أخرى مثل براعة القيادة، أو حسن الإدارة. وكانت هذه الممارسة هي المحك الحقيقي لقدرة الإنسان على مواجهة الأزمات والتعامل مع المواقف الحرجة بما تفجره من طاقات إبداعية، وتستفزّ قدراته على الإبتكار. 2- مفهوم إدارة الأزمة:
فالمفهوم البسيط لإدارة الشيء، هو التعامل معه للوصول إلى افضل النتائج الممكنة، بما يحقق مصالح القائم بالإدارة. ومن هنا فإن إدارة الأزمة تعني "التعامل مع عناصر موقف الأزمة باستخدام مزيج من أدوات المساومة – الضاغطة والتوفيقية – بما يحقق أهداف الدولة ويحافظ على مصالحها الوطنية. وهي أيضًا عبارة عن "محاولة لتطبيق مجموعة من الإجراءات والقواعد والأسس المبتكرة، تتجاوز الأشكال التنظيمية المألوفة وأساليب الإدارة الروتينية المتعارف عليها، وذلك بهدف السيطرة على الأزمة والتحكّم فيها وتوجيهها وفقًا لمصلحة الدولة .

وقد أصبح موضوع إدارة الأزمات على رأس الموضوعات الحيوية في العالم منذ العام 1962 والأزمة الكوبية، وتكمن أهمية هذا الحدث في تصريح وزير الدفاع الأميركي روبرت مكنمارا بقوله لن يدور الحديث بعد الآن عن الإدارة الإستراتيجية وإنما ينبغي أن نتحدث عن (إدارة الأزمات).
إذًا إدارة الأزمات تعني: "العمل على تجنب تحوّل النزاع إلى صراع شامل، بتكلفة مقبولة، لا تتضمن التضحية بمصلحة أو قيمة جوهرية" .


بعد تقدير الأزمة وتحديدها تحديدًا دقيقًا، يقوم مدير "إدارة الأزمة" بمساعدة معاونيه بتحليل حالة الأزمة وعناصرها المختلفة ومكوناتها، بهدف اكتشاف المصالح الكامنة وراء صنع الأزمة، والأهداف الحقيقية غير المعلنة التي يسعون لتحقيقها. 3- تحليل الأزمة:

ومن هنا يتم تحليل الموقف (أو حالة الأزمة) المركب إلى أجزائه البسيطة ثم إعادة تركيبه بشكل منتظم، بحيث يتم التوصل إلى معلومات جديدة، عن صنع حالة الأزمة وكيفية معالجتها.
وفي هذه المرحلة، يتم استخدام النماذج الرياضية لقياس حالة الأزمة وتحليلها. ويعتمد هذا بالطبع على الإختيار الدقيق والصحيح لأدوات القياس والتحليل والتي من أهمها:
أ‌- تحليل علاقات الإرتباط والإنحدار للمتغيرات والثوابت الخاصة بعوامل حالة الأزمة وعناصرها والعوامل المساعدة على إيجاد الأزمة، ومدى تأثر كل منها وتأثيرها على صنع الأزمة وعلى تشكيل حالة الأزمة.
ب‌- تحليل أسباب التوتر على أساس المعلومات التي تم الحصول عليها والوصول إلى العوامل التي دعمته، وأيضًا تحديد مستويات التوتر التي بلغتها الأزمة، ومراحل الإستقرار والتعادل التي استطاعت قوى كبح الأزمة الوصول إليها.
ج- تحليل مواطن القوة لدى كل من الأطراف الصانعة للأزمة وكذلك الطرف الكابح لها، ومواطن الضعف لدى الطرفين.
د- تحليل طبيعة الخطر الذي تشكله الأزمة، وتكاليف استمرارها وأعباؤه، ومدى تأثير كل ذلك على الكيان الذي نشأت به الأزمة.
وبعد هذا كله، يتم تحويل ما توصلنا إليه من تحليلات إلى عناصر كمية ورمزية، واستخراج المؤشرات والنتائج والحلول الكلّية والجزئية والبدائل المختلفة التي يتعيَّن الإختيار من بينها، الأمر الذي يقلل من إحتمالات الخطأ والتحيّز غير الموضوعي عند القيام بعملية التخطيط لمواجهة الأزمة .


تسيطر حالة الأزمة متى وصل النزاع الدولي إلى مستوى عالٍ من العدائية يبدو معه لصنّاع القرار أن الحرب هي على وشك الوقوع أو أن احتمال حصولها أصبح حتميًا. 4- المستويات الثلاثة لإدارة الأزمة:
فالنزاعات غالبًا ما تمرّ بمرحلة الأزمة قبل أن تندلع الحرب، وعلى أية حال فإن إدارة الأزمات هي ليست وسيلة جديدة في العلاقات الدولية ، بل كانت في صميم آلية التوازن في أوروبا حيث نجحت الدبلوماسية المتعددة الجانب في الحفاظ على السلام قبل حروب نابليون وبعدها ولغاية اندلاع الحرب العالمية الأولى.
أما الذي تغيّر بعد الحرب العالمية الثانية فهو:
أ‌- نظام التسلح وأخطره الأسلحة النووية.
ب‌- الأنظمة الإقتصادية: نظام إقتصادي ليبرالي، نظام اقتصادي اشتراكي، والعولمة الإقتصادية.
ج- الأنظمة السياسية، النظام الرأسمالي والنظام الإشتراكي، والعولمة السياسية.
وكان في الماضي، ولغاية العام 1945، أي في القانون الدولي التقليدي، مقبولاً استعمال أقوى الأسلحة فتكًا وتدميرًا، كوسيلة أخيرة ممكن اللجوء إليها للدفاع عن حق دولة ما أو تعزيزًا لمصالحها.
أما في العصر النووي، وهو عصرنا هذا، فإن اللجوء إلى إستعمال الأسلحة النووية وخصوصًا بين الدول الكبرى التي تملك تلك الأسلحة، أصبح ضربًا من الجنون لأن الدولة البادئة بالضربة والدولة المستهدفة والمستعدة للردّ كلتاهما معرضتان للفناء.

ومع أن الولايات المتحدة قد هددت العام 2003، أكثر من مرة، وعلى لسان مسؤوليها الأمنيين ونائب الرئيس بوش (ديك شيني) بإحتمال استعمال الأسلحة النووية التكتيكية المحصورة ضد كوريا الشمالية وايران، فإن هذا الإحتمال يبقى ضمن الإحتمالات الأميركية المطروحة لمحاربة الإرهاب.
وكانت اسرائيل في تشرين الأول من العام 1973، وببداية الأيام الأولى للهجوم السوري والمصري لإسترداد الجولان وسيناء المحتلتين من إسرائيل منذ العام 1967، والتي كانت فيه دفة الحرب مائلة لصالح العرب، قد هدَّدت باستخدام الأسلحة النووية ضد كل من سوريا ومصر.
أما الواضح من هذا فهو أن إمكان استخدام أسلحة نووية من دول تملكه (دولة نووية) ضد دول لا تملكه (دولة غير نووية) هي أكبر من حالة استعمال دولة نووية ضد دولة نووية أخرى، لأنه في الحالة الأولى سيُسجَّل البقاء، وبكل الإعتبارات، للدولة النووية مع إمكان تأثرها من قريب أو بعيد بتلك الضربة وخصوصًا إذا كانت الدولة المستهدفة قريبة من حدودها، بينما في الحالة الثانية، الدولتان معرضتان للفناء.
أما المستويات الثلاثة لإدارة الأزمات فهي:



1- الأساس الإستراتيجي 2- التخطيط للطوارئ 3- نطاق العمليات.

إن نجاح إدارة الأزمات يعني بوضوح تطبيق سياسة متوسطة أو طويلة الأمد تمنع بموجبه نشؤ الأزمات أو امتدادها أو تلافي تلك الأزمات قبل تفاقمها.
1- الأساس الإستراتيجي:
وتتطلب إدارة الأزمات المعاصرة ملاحظة دقيقة ودائمة للسياسة الدولية وللتسلح وللسياسات الإقتصادية والإجتماعية.
كما أن تحليل أهداف السياسات الداخلية للدول يجب أن تُقيّم في ضوء التغيرات الحاصلة ضمنها. وإن الوصول إلى المعلومات ليس وحسب هو عمل مخابرات وتجسس، بل ممكن الوصول إليها عبر التحليل الصحيح للمواد المنشورة، والمتيسرة للجميع في الصحف والمجلات والإنترنت أو المرئية والمسموعة عبر الإذاعات والمقابلات التلفزيونية وغيرها.

من هنا فإن التعرّف المسبق بواقع الأزمات ممكن أن يسمح بمنع حصول تلك الأزمات، أو على الأقل يساعد بأن تكون آثارها أقل كارثية. وهذا الشكل هو ما يطلق عليه الأساس الإستراتيجي وهو مهم جدًا لإدارة الأزمات.
إن الخيار الإستراتيجي يجب أن يكون طويل الأمد بحيث تحدّد التقنيات المطلوبة وتتقارب القطاعات المفروض عملها مع بعض، في أثناء إدارة الأزمة. وإن وضع الخطط المسبقة والشاملة، والمساهمة القصوى من جميع القطاعات تضمن تحقيق الأهداف المرجوة وهي بالتالي أهداف سياسية، لأن الأولويات السياسية سوف تحدد وتحكم أي عمل عسكري يتخذ في أثناء الأزمة. ومع أن هذا المفهوم ممكن ألاَّ يكون مقبولاً لدى العسكريين الذين يشعرون بأن الإعتبارات العسكرية يجب أن تسود في حالة الأزمة.


هي مرحلة رسم السيناريوهات ووضع الخطط وحشد القوى لمواجهة الأزمة والتصدي لها. 2- التخطيط للطوارئ:
في البداية، يتم وضع مختلف الأطراف والقوى التي تم حشدها من قبل صانعي الأزمة، وتحديد بؤر التوتر وأماكن الصراع، ومناطق الغليان بصفتها جميعًا "مناطق ساخنة". ومن خلال هذه الرؤية العلمية الشاملة المحيطة بعملية الأزمة وبالأطراف المتعددة المرتبطة بالأزمة يتم رسم خريطة التحرك على النحو التالي:
أ‌- تحديد الأماكن الأكثر أمنًا والمحصنة تمامًا لإتخاذها كمناطق ارتكاز وقواعد للإنطلاق.
ب‌- تحديد الأماكن الآمنة لتكون سياج أمن للقواعد الخاصة بالإنطلاق، فضلاً عن حاجز امتصاص للصدمات إذا ما تدهور الموقف فضلاً عن مناطق إنذار ومناطق تهدئة للضغوط.

ج- تحديد أسباب الأزمة المتصلة بالنظام، أي رموز النظام أو رموز القيادة في الكيان الإداري الذي يمكن التضحية به وإعداده لهذه التضحية، والتمهيد لدخول رمز جديد له شعبية، ترتاح إليه، قوى صنع الأزمة.
د- تحديد خطة امتصاص الأزمة الحالية عن طريق الإستجابة لبعض المطالب والتوافق مرحليًا مع قوى صنع الأزمة من خلال المراحل التالية:






ه- توزيع الأدوار على قوى مقاومة الأزمة وبصفة خاصة على أعضاء فريق المهام الذي تم تكليفه بمهمة التدخل المباشر لمعالجة الأزمة.
و- التأكد من استيعاب كل فرد للخطة العامة الموضوعة، وكذلك من التتابع الزمني للمهام وفقاً للسيناريو الموضوع لمعالجة كل من إفرازات الأزمة والقوى الصانعة لها، من أجل السيطرة على مسرح الأزمة بشكل فعال.
ز- حشد كل ما تحتاجه عملية التعامل مع الأزمة وتزويد فريق المهام احتياجاته من الأدوات والمعدات التي يتطلبها ويحتاجها الموقف.
ح- تحديد "ساعة الصفر" أو التوقيت المحدد لبدء العملية وتنفيذ المهمة المحددة بشكل فعّال وحاسم، على أن تتم متابعة ما يحدث أولاً بأول، والوقوف على رد فعل الأطراف الأخرى .
1- مرحلة الإعتراف بالأزمة. 2- مرحلة التوافق والإستجابة المرحلية لمطالب الأزمة. 3- مرحلة التحقيق والتثبت من أسباب الأزمة. 5- مرحلة المشاركة في الحل المقترح ونقل عبء حل الأزمة للقوى الصانعة لها. 6- مرحلة ركوب الأزمة والإنحراف بها وحماية الكيان الإداري من تأثير الأزمة والإحتفاظ بحيويته وأدائه. 4- مرحلة تشكيل لجان للمناقشة والإشتراك في حل الأزمة.

إن نجاح إدارة الأزمة تعتمد على الوقت - لذلك يقول (تشارلز هيرمان) أن الأزمات تتألف من ثلاثة مكونات هي: المفاجأة، التهديد الخطير للقيم المهمة، والوقت القصير المتاح لإتخاذ القرار - وعلى الآلية الإدارية، وعلى العمليات. فإن الإنخراط السريع أو ما يطلق عليه بالتدخل لمعالجة الأزمة، واتخاذ القرارات السريعة لصنّاع القرار، وهو فريق عمل متجانس يعرف بعضه البعض الآخر، ويعمل بسرعة قصوى وبفاعلية أكبر من الحالات العادية والروتينية. وكان فريق المهمات الأميركي لإدارة الأزمة الكوبية يتألف من 17 شخصًا. أين الفعل؟
ومن خلال المعرفة والإحاطة الشاملة والكاملة "بالسيناريوهات البديلة"، والسيناريو المعتمد والمجاز للتدخل في الأزمة، وإسناد المهام وتوزيع الأدوار على فريق المهام ويكون مدير إدارة الأزمات قد حدّد كل شيء ووضع لكل عنصر الإحتمالات وفقًا لإتجاهات محددة.
3- نطاق العمليات:
وتتم معالجة الأزمة على أنها مجموعة مهام: أساسية وثانوية وتكميلية. أين الفعل
أ‌- فالمهام الأساسية تقوم على الصدام والدحر والمواجهة السريعة والعنيفة والإمتصاص والإستيعاب والإستنزاف.
ب‌- في حين أن المهام الثانوية تقوم على عمليات تهيئة المسارات، وإعداد مسرح الأزمة، وتقديم الدعم والتأييد لفريق المهام الخاصة لمعالجة الأزمة بشكل علني مؤثر أو بشكل سري وفقًا لما تقتضيه وتحتاجه الحالة.
ج- أما المهام التجميلية فهي تقوم على إزالة الآثار والإنطباعات السيئة التي تركها فريق المهام "الخاص بمعالجة الأزمة" في مسرح الأزمة، وتحسين هذه الإنطباعات وإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل الأزمة .

- 2 –إدارة الأزمات والإدارة بالأزمات

الإدارة بالأزمات هي فعل يهدف إلى توقف نشاط من الأنشطة أو انقطاعه، أو زعزعة استقرار وضع من الأوضاع بحيث يؤدي إلى إحداث تغير في هذا النشاط أو (الوضع لصالح مدبّره) .
ومن الأمثلة على ذلك، تفتعل (بدلا من تخلق) دولة أحيانًا مشكلة ما على الحدود مع إحدى جاراتها لإحداث أزمة تهدف من ورائها إلى ترسيم الحدود أو الحصول على مكاسب معينة على المستوى السياسي.
والواقع أن الإدارة بالأزمات يقابله أسلوب آخر من قبل الطرف المقابل وهو إدارة الأزمات. إذ أن هذا الموقف المتأزم الذي أوجده (خلقه) الطرف الأول يستدعي قيام الخصم بتكثيف جميع إمكاناته، وتسخير كامل قواه للخروج من هذه الأزمة بمكاسب أو بأقل الخسائر.

والواقع أن النتائج ليست دائمًا مرضية لمن خلق الأزمة. فقد يصاب بخيبة أمل وعض أصابع الندم ويتمنى لو لم يخلق مثل هذه الأزمة التي جلبت عليه الخسارة.
إذًا، الإدارة بالأزمات يقابلها إدارة الأزمات، وقد تنجح الأولى وتخفق الثانية، وقد يحدث العكس بل وقد يخسر الطرفان وأحيانًا قد يكسب الجميع.
وتعتبر الأزمة في المرتبة الرابعة من الأطوار المتتالية لتطور النزاع. فالطور الأول يكون بشكل (حالة، موقف) يعبّر عنه بشكل تنازعي. أما الطور الثاني فقد يطرح ردّ فعل الأطراف على ادعاءات معلنة وتظهر في شكل نزاع سياسي أو قانوني. أما الطور الثالث فهو انجرار الأطراف إلى تعقيد للعلاقات المباشرة وغير المباشرة بحيث ينشأ شكل من النزاع طابعه سياسي إعلامي دعائي، ولكن يصبح الكلام يدور عن قابلية هذا النزاع لتهديد حفظ السلم والأمن الدوليين. أما الطور الرابع فهو أزمة سياسية دولية من شأن استمرارها أن يعرض للخطر حفظ السلم والأمن الدوليين، وتستخدم الأطراف المتنازعة كل ما تملك من وسائل ايديولوجية وإقتصادية وسياسية. أما الطور الخامس فهو انتقال أحد الأطراف إلى الإستعمال الفعلي للقوة العسكرية بأهداف تظاهرية أو بنطاق محدود، منها حشد للقوات المسلحة أو تهديد باستعمال القوة. أما الطور السادس فهو النزاع المسلح، وهو لجوء أحد الأطرف إلى استخدام القوة . وهناك عوامل تؤثر في عملية صنع القرار والتي تؤدي إلى الأزمات وهي تشمل:


التفكير الجماعي يعبر عنه بإدارة بوش الحالية والتي أجمعت على غزو العراق من دون الأخذ بالاعتبار آراء الدول (وخاصة روسيا، فرنسا، ألمانيا، والصين التي كانت معارضة للحرب) والأمم المتحدة وحتى الرأي العام الأميركي. 1- التفكير الجماعي "بعيدًا" عن مصالح الآخرين وآرائهم:

أما سوء الإدراك فيعبّر عنه في الأزمة الكوبية العام 1962، من جهة الولايات المتحدة والإتحاد السوفياتي على السواء. فالولايات المتحدة قللت من إحتمال تحرك القوات السوفياتية، أو حتى أثارت رد فعل عسكرية سوفياتية بعد أن استخدمت القوة العسكرية ضد كوبا في نيسان/ ابريل 1961 (عملية خليج الخنازير لإسقاط نظام كاسترو)، أو عند نصبها صواريخ نووية في تركيا. واعتقد السوفيات من جهتهم أنهم يستطيعون نصب صواريخ نووية في كوبا سراً، وأن الولايات المتحدة سوف تتقبل الأمر عندما يتم اكتشافها وتصبح كأمر واقع.

أما الميل إلى المجازفة فيتمثل بغزو صدام حسين للكويت العام 1990 من أجل مضاعفة احتياطي العراق من النفط من 10 إلى 20 % من الإحتياطي العالمي، ولتحسين وضع العراق الجيوستراتيجي في رأس الخليج العربي ، بالإضافة إلى مجازفات هتلر والتي أدت إلى الحرب العالمية الثانية.
2- سوء الإدراك: 3- الميل إلى المجازفة:
- 3 –مناهج تشخيص الأزمات

يُعدّ التشخيص السليم للأزمات هو مفتاح التعامل معها، وبدون هذا التشخيص السليم يصبح التعامل مع الأزمات ارتجالاً، وأساس التشخيص السليم هو وفرة المعلومات، المعرفة، الخبرة والممارسة. ومن هنا فإن مهمة التشخيص الدقيق لا تنصرف فقط إلى معرفة أسباب وبواعث نشوء الأزمة، والعوامل التي ساعدت عليها، ولكن بالضرورة إلى تحديد كيفية معالجتها، ومتى وأين تتم معالجة الأزمة، ومن يتولى أمر التعامل معها، وما تحتاجه عملية إدارة الأزمة من معلومات واتصالات وأدوات مساندة، وسيناريوهات اساسية وبديلة للتعامل مع الأحداث الأزموية ووقف تصاعدها، واحتوائها وامتصاص الضغط الأزموي المتحذفحذفحذف عنها ... إلخ.
فالأزمة تعد بمثابة مرض فجائي أصاب إنساناً معيناً ويهدد حياته ويحتاج إلى:
- معالجة سريعة.
- معالجة حاسمة.
- شفاء المريض.
ولن نستطيع تحقيق أي من هذه الأهداف دون تشخيص حالة المريض، ليس فقط لمعرفة ما هو المرض الذي أصابه، ولكن أيضاً لمعرفة مدى قدرة المريض على تحمل العلاج المقترح، والبدائل المناسبة للتعامل مع الحالة المرضية على أقصى درجة من السرعة، والدقة، والكفاءة وهي أمور كلها تمارس تحت ضغط الأزمة الرهيب.

ويستخدم في تشخيص الأزمات عدة مناهج أساسية وفيما يلي عرض لكل منها بإيجاز:

يقوم هذا المنهج على تحديد مظاهر الأزمة وملامحها العامة والنتائج التي أفرزتها وتأثيرها على الوضع العام في الدولة. وينتهي هذا المنهج بتوصيف الأزمة وعرض أبعادها وجوانبها والمرحلة التي وصلت إليها والتداعيات التي قد تصل إليها.

يعمل هذا المنهج وفقاً لنظرية أن أي أزمة من الأزمات لا تنشأ فجأة وليست وليدة اللحظة، ولكنها نتاج تفاعل أسباب وعوامل نشأت قبل ظهور الأزمة تاريخياً، ومن هنا فإن أي تعامل مع هذه الأزمة يجب أن يبنى اساساً على معرفة كاملة بالماضي التاريخي وكيفية تطورها، فالتعمق في تشخيص الأزمة، وردها إلى أصولها التاريخية الحقيقية هو المقدمة الضرورية لطرح المعالجة وأدوية العلاج.
على سبيل المثال أن "حرب الأيام الستة" عام 1967، وما أحدثته من نتائج وإفرازات لا يمكن أن يتم دراستها بشكل علمي دقيق دون البدء بالتتبع التاريخي لمحذفحذفحذفها منذ قيام ثورة 23 تموز 1952 وأزمة الأحلاف العسكرية، وأزمة كسر احتكار السلاح، وأزمة سحب العرض الغربي لتمويل السد العالي والمساهمة في بنائه – وأزمة تأميم قناة السويس – وأزمة الوحدة المصرية السورية – وأزمة حرب اليمن – وأزمة التنمية الإقتصادية والإستقلال الإقتصادي – وأزمة الحصار الإقتصادي الذي فرض على الجمهورية المتحدة "مصر". وهي جميعاً محطات واضحة في تاريخ الصراع الأزموي بين إدارة الأزمة وصناع الأزمة، حتى بلغت ذروتها في أزمة "حرب 1967".

ويقوم هذا المنهج على دراسة الأزمات التي تمت في الماضي ومقارنتها موضوعياً بالأزمات التي نواجهها في الحاضر، ومن خلال الدراسة المقارنة يتبين أوجه الإتفاق، وأوجه الإختلاف، ومن ثم يتم تجربة استخدام العلاج فيما اتفق ونجح في الماضي، واستحداث علاج فيما اختلف في الحاضر.
وأساس المقارنة وفقاً لهذا المنهج قد يكون أحد الأسس التالية:
- مقارنة زمانية تاريخية
- مقارنة مكانية جغرافية.
- مقارنة نشاطية يتصل بالنشاط الذي حدثت به الأزمة.
- مقارنة من حيث الحجم الذي بلغته الأزمة أو الشدة التي وصلت إليها .
1- المنهج الوصفي التحليلي: 2- المنهج التاريخي لتشخيص الأزمات: 3- منهج الدراسات المقارنة لتشخيص الأزمات:
- 4 –دستور التعامل مع الأزمات

وهي تمثل دستور مبادئ يتعين على كل متخذ قرار أن يعيه جيداً عند التعامل مع أي أزمة تواجهه، وأن لا يتناسى أو يتجاهل إحدى هذه المبادئ التي هي شديدة الأهمية والخطورة، وهي:










ويعتمد تطبيق هذه المبادئ على توافر روح معنوية مرتفعة ورباطة جأش، وهدوء أعصاب، وتماسك تام خلال أحرج المواقف، وقدرة عالية على امتصاص الصدمات ذات الطابع العنيف المتحذفحذفحذفة عن الأزمات الكاسحة.
فضلاً عن ضرورة توفر جهاز استخبارات كفؤ لتوفير المعلومات الكافية واللازمة والتفصيلية والدقيقة والحديثة والكاملة عن الأزمة وتطوراتها وعواملها، ومن ثم التعامل معها في إطار معرفة شبه كاملة .
1- توخي الهدف. 2- الإحتفاظ بحرية الحركة وعنصر المبادأة. 3- المباغته. 4- الحشد. 5- التعاون. 6- الإقتصاد في إستخدام القوة. 8- الأمن والتأمين للأرواح والممتلكات والمعلومات 9- المواجهة السريعة والتعرض السريع للأحداث. 10- استخدام الأساليب غير المباشرة كلما كان ممكناً. 7- التفوق في السيطرة على الأحداث.
- 5 –خطوات التعامل مع الأزمة

يتم التعامل مع الأزمات، وإدارتها إدارة علمية رشيدة بسلسة متكاملة ومترابطة من الخطوات المتتابعة وفيما يلي عرض موجز لكل خطوة منها:
أولاً – تقدير الموقف الأزموي
يقصد بتقدير الموقف الأزموي تحديد جملة التصرفات التي قامت بها قوى صنع الأزمة، وقوى كبحها، شاملة تقدير مكونات هذه التصرفات وما وصلت إليه الأزمة من نتائج، وردود أفعال، وآراء ومواقف محيطة مؤثرة أو متأثرة بها.
ويشمل تقدير الموقف تحليلات لمضمون العلاقات، ومكونات القوة للطرفين، ومصادر الوصول إلى النتائج الحالية، وأسباب نشوء الموقف الراهن، وروافد تطوره، وعلاقات المصالح، والصراع، والتنافس والتكامل، التي ارتبطت به أو بعدت عنه .
تقدير الموقف الأزموي
ثانياً – تحليل الموقف الأزموي:
بعد تقدير الموقف الأزموي وتحديده تحدياً دقيقاً، يقوم مدير الأزمة بمساعدة معاونيه بتحليل الموقف الأزموي، ويتم التحليل بهدف الإستدلال وصولاً إلى اليقين: عن طريق التمييز الواضح بين عناصر الموقف الأزموي، لتوضيح عناصر الأزمة، ومم تتركب، وتقسيمها إلى أكبر عدد ممكن من الأجزاء ليتسنى لنا إدراكها بأقصى وضوح ممكن، ومن هنا يتم تحليل الموقف الأزموي المركب إلى أجزائه البسيطة، ثم إعادة تركيبه بشكل منتظم، بحيث يتم التوصل إلى معلومات جديدة عن صنع الموقف الأزموي، وكيفية معالجته، ومن هنا يتم تحليل الموقف الأزموي إلى ما يتركب منه من عناصر مبسطة بهدف الإحاطة بها على وجه سليم.

ثالثاً – التخطيط العلمي للتدخل في الأزمة:
وهي مرحلة رسم السيناريوهات ووضع الخطط والبرامج، وحشد القوى لمواجهة الأزمة والتصدي لها، وقبل أن يتم هذا بكامله يتم رسم الخريطة العامة لمسرح عمليات الأزمات بوضعه الحالي، مع إجراء كافة التغيرات التي تتم عليه أولا بأول.
وعلى هذا المسح يتم وضع كافة الأطراف والقوى التي تم حشدها من قبل صانعي الأزمة ومن جانب مقاومي الأزمة، وتحديد بؤر التوتر وأماكن الصراع، ومناطق الغليان، باعتبارها جميعاً "مناطق ساخنة" ومن خلال هذه الرؤية العلمية الشاملة المحيطة بأبعاد "المسرح" الأزموي، وزوايا الرؤية المتعددة للأطراف المتعلقة المرتبطة بالأزمة، يتم رسم خريطة التحرك على النحو التالي:
أ‌- تحديد الأماكن الأكثر أمناً والمحصنة تماماً لإتخاذها كمناطق ارتكاز وقواعد للإنطلاق.
ب‌- تحديد الأماكن الآمنة لتكون بمثابة سياج آمن للقواعد الخاصة بالإنطلاق، فضلاً عن حاجز امتصاص للصدمات إذا ما تدهور الموقف، فضلاً عن مناطق إنذار وتصفية وتحطيم الأمواج، أو مناطق تفريغ وتهدئة للضغوط الأزموية.
ج- تحديد أسباب الأزمة المتصلة بالنظام، وأي من رموز النظام أو رموز القيادة في كيان الدولة يمكن التضحية به، وإعداده لهذه التضحية، وتوجيه السخط له، والتمهيد لدخول رمز جديد له شعبية ترتاح إليه قوى الصنع.
د- تحديد خطة امتصاص الضغوط الأزموية الحالية عن طريق الإستجابة لبعض المطالب والتوافق مرحلياً مع قوى صنع الأزمة من خلال المراحل العلمية الآتية:






ه- توزيع الأدوار على قوى الأزمة وبصفة خاصة على أعضاء فريق المهام الذي تم تكليفه بمهمة التدخل المباشر لمعالجة الأزمة.
و- التأكد من استيعاب كل فرد للخطة العامة الموضوعة، وكذا من التتابع الزمني للمهام وفقاً للسيناريو الموضوع لمعالجة كل من إفرازات الأزمة، والقوى الصانعة لها، وكذا للتضامن مع بعض عناصرها، وكذا للسيطرة على المسرح الأزموي بشكل فعال.
ز- حشد كل ما تحتاجه عملية التعامل الأزموي، وتزويد فريق المهام باحتياجاته من الأدوات والمعدات التي يتطلبها ويحتاجها الموقف الأزموي.
ح- تحديد "ساعة الصفر" أو التوقيت المحدد لبدء العملية وتنفيذ المهمة المحددة بشكل فعال وحاسم، على أن يتم متابعة ما يحدث أولا بأول، والوقوف على رد فعل الأطراف الأخرى.
وأياً ما كانت العملية التخطيطية، فإنه نتيجة للضغط الأزموي وما تتسم به العملية الأزموية من عدم وفرة الوقت الكافي للتخطيط، يلجأ متخذ القرار إلى مجموعة "السيناريوهات الجاهزة" READY MADE التي أعدت من قبل لمواجهة المواقف الأزموية الصعبة واستخدامها، أو إجراء تعديل طفيف عليها لتكون صالحة للإستخدام الفعلي.
1- مرحلة الإعتراف بالأزمة. 2- مرحلة التوافق والإستجابة المرحلية لمطالب الأزمة. 3- مرحلة التحقيق والتثبت من أسباب الأزمة. 5- مرحلة المشاركة في الحل المقترح ونقل عبء حل الأزمة للقوى الصانعة لها. 6- مرحلة ركوب الأزمة والإنحراف بها، وحماية الكيان الإداري من تأثيرها والإحتفاظ بحيويته وأدائه. 4- مرحلة تشكيل لجان المناقشة والإشتراك في حل الأزمة.
رابعاً – التدخل لمعالجة الأزمة:
من خلال المعرفة والإحاطة الشاملة والكاملة والدارية "بالسيناريوهات البديلة"، والسيناريو المعتمد والمجاز للتدخل في الأزمة، وإسناد المهام، وتوزيع الأدوار على فريق المهام الأزموية يكون متخذ القرار في إدارة الأزمات قد حدد كل شيء، ووضع لكل عنصر احتمالاته، وحسب اتجاهاته، ثم اتخذ القرار.
وتتم المعالجة الأزموية مجموعة مهام أساسية ومهام ثانوية ومهام تكميلية تجميلية. فالمهام الأساسية تقوم على الصدام والدحر، والمواجهة السريعة العنيفة، والإمتصاص، والإستيعاب، والإستنزاف، وتحويل المسار الخاص بقوى صنع الأزمة.
في حين أن المهمات الثانوية تنصرف إلى عمليات تهيئة المسارات وتأمين الإمدادات وحماية قوى مواجهة الأزمات وتوفير المساندة والمؤازرة لها، أما المهام التكميلية التجميلية فتنصرف أساساً إلى معالجة الآثار الجانبية السلبية المترتبة عن الصدام مع قوى صنع الأزمة، وإمتصاص أي ما من شأنه أن يوجد غضباً أو خوفاً أو رعباً في المجتمع الذي حدثت فيه المواجهة الأزموية.

 

المصدر: منقولة
  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 120 مشاهدة
نشرت فى 24 أكتوبر 2011 بواسطة wwwaboqircom

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

1,086,031