ومن قصائد الذمّ , منظومة القاضي جمال الدين علي بن عبد الله الإيرياني المتوفى عام  1323 هـ حيث يقول في قصيدته ذامّاً القات وماضغيه :

تـولّعتـم بالقـات , والقات قاتل

وفي حذف حرف اللام منه دلائل

وكـم قد رأينـا من رجال تولعوا

فقـد ثكلتهـم بعـد ذاك الثواكل

إضـاعـة مـال ثـم فقر وفاقة

ويبس يضر الجسم والجسم ناحل

وما هو إلا الضرّ من غير شبهة

ويقطـع بالإكثـار منه التناسـل

ومنه يزول العقل من غير مرية

ومنه السهـاد الأعظـم المتطاول

     3 ـ أوراق نبات الكوكا :

   تحتوي على عدة أنواع من أشباه القلويات والتي من أهمها الكوكايين . وإذا مضغ الإنسان أوراق نبات الكوكا ذات الطعم المر يشعر بتخدير في الفم .

   تستعمل في البلاد الفقيرة جهلاً كي تمحو الشعور بالآلام من جوع أو عطش أو آلام مرضية (  آلام الرأس ـ البطن ـ السعال ...ألخ ) . وتستعمل بمقادير طبية معينة كمنشط للدورة الدموية كما يستعمل منقوعها للغرغرة لتسكين آلام الحلق , وتستعمل خلاصتها في المشروبات الغازية ( الكوكا كولا ) علماً بأنها مصنفة مع الأدوية الشديدة السمية .

خامساً : بعض النباتات والتي اعتبرتها الدول من المخدرات , والقانون يعاقب على  تداولها وتعاطيها وتجارتها :

 1 ـ الحشيش :

يرجع تاريخ الحشيش إلى الصينيين والهند والإغريق وفارس وغيرهم .  ولم يعرف العرب الحشيش إلا بعد أن اختلطوا بالفرس والهنود  وهذا ما يؤيده قول علي بن الشاعر في الحشيش حيث يقول :

ألا فاكفف الأحزان عنا مع الضر = بعذراء زفت في ملاحفها الخضر

هندية في أصل إظهـار أكلها   =  إلى الناس لا هندية اللون كالسمر

تزيل لهيب الهمّ عنـا بأكلهـا  = وتهدي لنا الأفراح في السر والجهر

 أما الإمام بن تيمية الذي حارب الحشيشة حرباً لا  هوادة فيها ووضع رسالة في الحشيشة جاء فيها :

وهذه الحشيشة فإنه أول ما بلغنا أنها ظهرت بين المسلمين في أواخر المائة السادسة وأوائل السابعة , وكان ظهورها مع ظهور سيف جنكيز خان . ثم قال : تورث هذه الحشيشة الملعونة الخيالات فتضل العقل والدين والخلق , وهي شر من الشراب المسكر , لأنها تسكر آكلها فيبقى مصطولاً , وتورث التخنث والدياسة , وتورث الجنون , والمعتاد عليها يصعب فطامه عنها أكثر من الخمر.  ولذا يرى بن تيمية أن قصاص مستعمل الحشيشة يجب أن يكون أشد من قصاص شارب الخمر .

وعندما نجح المماليك في إيقاف زحف المغول غرباً وذلك في معركة عين جالوت سنة 1260 م , وفي غمرة هذه الأحداث يأمر الملك الظاهر بيبرس بمنع تداول القنب أو تعاطيه , ومعاقبة من يخالف ذلك , لما لاحظه من تأثيره السيئ على معنويات جنوده حتى والمغول لا يزالون يهددون سلامة البلاد

 ويطيب لنا أن نبين أن أطباء العرب عرفوا سوء تأثيرها ولم يخدعوا بما قال عنها مروجوها . فقد ذكرها ابن البيطار في مفرداته ومما قاله فيها : ومن القنب نوع آخر يقال له القنب الهندي يسمى بالحشيشة يسكر جداً حتى أنه يخرج الإنسان لإلى حدّ الرعونة , وقد استعمله أقوام فاختلت عقولهم , وأدى بهم الحال إلى الجنون والقتل .

وتحدثنا كتب التاريخ عن رجل يدعى حسن الصبّاح عمد في أواخر القرن الحادي عشر الميلادي إلى تأسيس شبه دولة واتخذ له مقراً / حصناً / على جبل قريب من بحر قزوين دعاه حصن الموت , أو عش النسر , وكان هذا الرجل يدعوا أتباعه لتناول شراب يضع فيه الحشيش واهماً إياهم بأنهم يتذوقون به مذاق الجنة , وكانوا إذا ما شربوا منه , غدوا قساة القلوب , مستعدين لارتكاب أعظم الكبائر , وقد أطلق عليهم أسم الحشاشين .

وأورد المقريزي قصة عن شيخ للفقراء في خرسان يدعى حيدر , فقال عنه بأنه شعر بكآبة وضيق نفس فذهب إلى البرية , وكان الحر شديداً والنباتات ساكنة لا تتحرك باستثناء نبات شاهده يتمايل فأكل من أوراقه فشعر بسرور ومرح ودعا أصحابه لتجربته , وسميت هذه الحشسيشة باسمه , فقال فيها الشاعر :

دع الخمر واشرب من مدامة حيدر  =  معنبرة خضراء مثل الزبرجد

وفيها معان ليس في الخمر مثلهـا   = فلا تستمع فيها مقـال مفـنـد

هي البكر لـم تنكح بماء سحابـة  =  ولا عصرت يوماً برجل ولا يد

2 ـ الأفيون :

يعتبر الأفيون من أقدم المواد المخدرة التي عرفها الإنسان , ومن المحتمل أن الأقوام التي كانت تقطن بلاد ما بين النهرين هم أوائل من زرع نبات الخشخاش لخواصه المسكنة والمنومة .

 وقد كان السومريون يطلقون عليه اسم بوبي Poppy وتعني نبات الكيف أو النبات المفرح . ولا شك أن الآشوريين والفرس والفراعنة والإغريق قد استعملوا الأفيون أيضاً كعلاج لعدة أمراض .

وكلمة أفيوم أبيوم Opium مشتقة من الكلمة اليونانية Opium وتعني العصير.

 وفي عام 1773 بدء التجار الإنكليز في كلكوتا عن طريق شركة الهند الشرقية يلعبون دورا رئيسيا في نشر  تعاطي الأفيون في بلاد الشرق الأقصى وشجعت الناس على تدخينه تأميناً للأرباح بغنى النظر عن أبسط الاعتبارات الإنسانية .  وقدر عدد المدمنين على الأفيون في الصين بحوالي 28  % من المجموع الذكور البالغين من السكان . ولما رأى الإمبراطور الصيني  يونغ شن الحالة المؤلمة التي أصبح عليها سكان بلاده من جراء تفشي الإدمان على المخدرات حظر استيراد الأفيون .

إلا أنه وبتحريض من شركة الهند الشرقية ومن يدعمها من مصاصي الدماء تجار الشعوب . اندلعت نار الحرب بين الصين وبريطانيا عام 1829 واستمرت حتى عام 1840 م وسميت بحرب الأفيون وتغلبت بريطانيا على الصين في هذه الحرب , ونتيجة لذلك وقعت الدولتان معاهدة تانكين عام 1943 وبمقتضاها استولت إنجلترا على هونج كونج وفتحت أبواب الصين أمام الأفيون الهندي . وبعد مضي ما يقارب الخمسة عشر عاماً , أعلنت الحرب ثانية بين الدولتين بسبب الأفيون أيضاً , وفي هذه الحرب اشتركت فرنسا في النزاع كحليفة لبريطانيا , وتمكن الإنكليز والفرنسيين من فرض شروطهم على الصين المغلوبة على أمرها إذ أجبراها على عدم زراعة نبات الخشخاش في بلادها للاستهلاك  المحلي ,  والسماح باستيراد الأفيون من الهند . والغاية من هذا العمل  واضحة , وهي تحطيم الروح المعنوية للشعب الصيني تمهيداً لاستعماره من جهة , وامتصاص دمه عن طريق احتكار بيع الأفيون له وجني الأرباح الضخمة من جهة ثانية .

وفي أمريكا الشمالية والولايات المتحدة بوجه خاص شاع تدخين الأفيون بين بعض الناس أثناء الاحتلال الإنكليزي وذلك عام 1968 م . وزاد عدد المدخنين بعد الاستقلال عن طريق الجالية الصينية , حيث استخدمت الولايات المتحدة أعداداً كبيرة من العمال الصينيين أثناء مد السكة الحديد عبر القارة .

وعندما وضعت الحرب الأهلية في أمريكا أوزارها كان هناك عدد كبير من الجرحى الذين اعتادوا على أخذ المورفين عن طريق الحقن الجلدية , وقد نقلوا هذه العادة إلى غيرهم من الأصحاء . حتى قيل أن عدد المدمنين على أخذ الأفيون عن طريق الحقن الجلدية في الولايات المتحدة وحدها كان بعد الحرب العالمية الأولى قد بلغ حوالي مائتي ألف مدمن , والآن يتجاوز الملايين وخاصة بين طبقة السود الفقراء . والحرب الآن سجال بين الولايات المتحدة ودول أمريكا الجنوبية من أجل منع تهريب الأفيون وأوراق الكوكا والمخدرات الأخرى إلى داخل الولايات المتحدة .

المواد المهمة المستخرجة من الأفيون والتي تستخدم في المجال الطبي

تقسم المواد المهمة والتي تستخدم في المجال الطبي وتستخرج من الأفيون إلى مجموعتين مهمتين من المجموعة الكيميائية :

آ ـ مجموعة الفينانثرين , وتحتوي هذه المجموعة على المواد التالية :

1 ـ المورفين : ويشكل 10 % من وزن الأفيون الخام , وهو المادة الأساسية الفعالة في الأفيون , ويعتبر أقوى مسكن عرفه الإنسان .

2 ـ الكودايين : ويشكل نسبة 0.5 – 1 % من وزن الأفيون الخام , ويستخدم في الأدوية المضادة للسعال والأدوية المسكنة للألم .

3 ـ الثيبايين : ويشكل نسبة 0.2 % فقط من وزن الأفيون الخام , ولا يستخدم في الطب لأنه يسبب الصرع ونوبات تشنجية , وليس له أثر في تسكين الألم .

ب ـ مجموعة إيزو بنزيل كونيولين :

وتحتوي هذه المجموعة على مواد لا تسبب إدماناً ولا تسكيناً للألم , واهم مادتين تستخرج منها هما :

1 ـ  البابا فرين : المستخدم لمنع تقلصات العضلات وتوسيع الأوعية الدموية ويشكل 1 % من وزن الأفيون الخام , لذلك يستعمل لمعالجة العجز الجنسي لدى الرجال .

2 ـ النوسكايين : ويشكل 6 % من وزن الأفيون الخام , ويستخدم كمهدئ للسعال , وهو أفضل من الكودايين لأنه لا يسبب الإدمان عليه .

مورفينات الدماغ والجهاز العصبي

 وبهذه المناسبة لا بدّ لنا إلا أن نتعرض لموضوع هام هو موضوع مورفينات الدماغ والجهاز العصبي :

 لم يكن معروف حتى بداية السبعينات من القرن العشرين الماضي إلا عدد محدود جداً من المواد الكيميائية التي يفرزها الدماغ أو بعض خلايا وغدد الجسم وتعمل كموصل عصبي , والتي من أهمها : الأسيتيل كولين , والأدرينالين , والنور أدرينالين والدوبامين . واتسع نطاق الاكتشافات الطبية بشكل متسارع ومذهل بعد ذلك التاريخ وتمّ اكتشاف أكثر من مائتي مادة من المواد البروتينية البسيطة والتي تعرف بالببتيدات والتي يمكن أن تلعب دوراً هاماً في توصيلات الدماغ الكهربائية , التي لها دور في توصيل المعلومات العصبية من خلية إلى أخرى , والتي من أهمها الإنكفالين والإندورفين . وهذه المواد الطبيعية التي تشبه المورفين تفرزها خلايا الدماغ , والجهاز العصبي , والغدة النخامية بل والجهاز الهضمي , وهي تعمل كمواد طبيعية في داخل الجسم ولها وظائف عديدة , ومن أهمها الشعور بالسعادة والدعة والراحة والسكون وتخفيف الألم . وهي منة من الله الكريم الرءوف الرحيم , حيث جعل إفرازها يزداد لدى الحوامل وحين الولادة لتخفف عن الأم ما تجده من ألم ومشقة أثناء الحمل والطلق والولادة . ونجد أن هذه المواد يزداد لإفرازها لدى بعض الأشخاص , وقد تبين أن الإبر الصينية التي تستخدم لإزالة الألم أو تخفيفه أو التخدير بدلاً من المواد الكيميائية تزيد في إفرازات هذه المورفينات الدماغية  , بحيث تجعل الشخص لا يحس بألم الجراحة ولا بمبضع الجراح .

  وما نسوة المدينة أصحاب امرأة العزيز حين قطعن أيديهن , حيث لما رأين يوسف عليه السلام , وانشغل الدماغ بهذا الجمال الباهر وصحب ذلك إفراز غامر من مورفينات السعادة الدماغية , جعلتهن لم يشعرن بألم القطع . 

وأحمد شوقي في مسرحيته عن قيس المتيّم بليلى لم يشعر بلذعة النار وهي تحرق يده لأن ليلى بجانبه , فهو يعيش في غمرة من السعادة لا تشعره بلذعة النار ولا بحرق راحتيه .

قيس : ليلى بجانبي ؟ كل شيء إذاً حضر

ليلى : ويح قيس تحرقت راحتاه وما شعر . فإذا كان حب فتاة قد جعلت حبيبها لا يشعر بالألم وراحتيه تحترقان , فما بالك إذا تملكت النفوس حب الله . فقد ورد أن الإمام علياً رضي الله عنه لم يشعر بآلام الطعنة التي طعنه إياها الشقي عبد الرحمن بن ملجم وهو ساجد يصلي بالناس صلاة الفجر , ولم ينتبه حتى انتبه المصلون خلفه للدم ينبعث من الجرح .

وعندما أصيب الإمام علي بن الحسين ( زين العابدين ) بورم عرض عليه الطبيب الجراح أن يشرب البنج

( نبات الشكران ) حتى لا يحس بآلام الجراحة, فرفض أن يتناول ما يغيب العقل , وقال : إذا دخلت في الصلاة فافعلوا ما بدا لكم , فلما دخل في الصلاة وغاب في تلك المناجاة الروحية اللذيذة قام الجراح باستئصال الورم دون أن يشعر .

 وفي معركة بدر يسرع الصحابي الشاب معاذ بن عمرو بن الجموح إلى أبو جهل وحوله كوكبة من فرسان بني مخزوم تحميه , ولكن عكرمة بن أبي جهل يبادر فيضرب معاذاً على عاتقه , فتتدلى ذراعه من منكبها فتعيقه عن القتال , فما يلبث معاذاً إلا أن يضع ذراعه فوق صخرة ويجزها بالسيف من منكبها بيده الأخرى ثم ينطلق يقاتل . غير شاعر بالألم لأن الجنة ماثلة أمامه تجعل كل صعب هيّناً , وكل ألم لذة . ولعل مورفينات دماغه كانت تفرز في تلك اللحظة بكميات كبيرة تهوّن عليه الألم , وتعطيه دفقات من الشعور بالسعادة .

نعم تؤثر هذه المواد الدماغية على الجهاز العصبي , فهي تؤثر على الحالة المزاجية للإنسان وعلى سلوكه وعلى حالته العقلية , وتنظم الجهاز العصبي اللاإرادي , وتنظم تناول الطعام ودرجة الحرارة , وتؤثر أيضاً على وظائف الهرمونات المختلفة فتعدل منها أو تزيد من نشاطها .

ونقص هذه المورفينات الدماغية هي المسئولة عن كثير من الأمراض التي تصيب الإنسان مثل :

   آ ـ  مرض باركنسون .

 ب ـ ومرض رقص هنتجتون حيث يتحرك المصاب بحركات عنيفة لا إرادياً.

ج ـ ومرض الخرف المبكر , في حالات الزيهايمر

  كما تمنع هذه المورفينات الدماغية الإحساس بالألم , والإحساس بالألم ظاهرة طبيعية لحماية الجسم من المؤثرات القوية الخارجية أو الداخلية التي تؤدي إلى هلاك الجسم . فوخز الإبرة أو الدبوس أو لسعة النار تسبب ألماً تجعل الإنسان يسرع في إبعاد الجزء المصاب عن الإبرة أو الدبوس أو النار  

وكذلك الإحساس بالألم في المرض , يجعل هذه المورفينات الدماغية تنقل الإحساس بالألم من المنطقة المريضة إلى الدماغ الذي يأمر بإفراز المادة المورفينية الدماغية المضادة والمسكنة للألم . وإذا لم تكن هذه كافية لتسكين الألم هنا يتدخل الطبيب بحقن المريض بمورفينات خارجية .

 

 

المصدر: الكيميائي طارق إسماعيل كاخيا
  • Currently 85/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
28 تصويتات / 558 مشاهدة
نشرت فى 9 أكتوبر 2010 بواسطة wwwaboqircom

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

1,086,072