authentication required


لمخدرات والمسكنات والمنشطات والمهلوسات

الكيميائي طارق إسماعيل كاخيا

المخدرات والمسكنات والمنشّطات والمهلوسات :

عرف الإنسان منذ أقدم العصور تارة بالصدفة , وتارة بالتجربة , خواص بعض النباتات الضارة والنافعة واكتشف قدرة بعضها على تسكين الآلام أو شفاء عدد من الأمراض التي كانت تنتابه , ووجد للبعض الآخر تأثيرات غريبة عليه لدى مضغها أو استنشاق دخانها , ومن هذه النباتات الخشخاش والكوكا والقنب الهندي والقات وغبرها , والتي تسمى اليوم بالنباتات المخدرة . ولما كانت المخدرات تشكل خطراً على الأخلاق والصحة العقلية والبدنية للإنسان , وتهدد الكيان الاجتماعي والثقافي والاقتصادي لبعض الأمم , الأمر الذي دفع بالدول لاتخاذ الإجراءات التي تكفل الحد من شرها , وسنت القوانين العقابية الصارمة  وفرضت المراقبة على زراعتها وتصنيعها وتجارتها ونقلها وحيازتها , كما أنشأت المستشفيات والمصحات لمعالجة المدمنين عليها وإصلاحهم .

 ,بسبب خطورتها وآثارها الاجتماعية والصحية السيئة .

وقانون مكافحة المخدرات  ينظر إلى المتعاطي بأنه مريض ويجب معالجته , وأوجب القانون على وزارة الصحة إنشاء مصحات لمعالجة المدمنين على تعاطي المخدرات , ومن يتقدم من المتعاطين إلى السلطة الرسمية بغية العلاج من تلقاء نفسه أو بطلب من زوجته أو أحد أقرباءه حتى الدرجة الثانية .

وحدد القانون أصحاب الجهات المسموح لها من قبل وزارة الصحة باستيراد وتصدير المواد المخدرة .

كما وضّح القانون العقوبات الجزائية لجرائم المخالفة , 8. والتي تصل في بعضها إلى عقوبة الإعدام .

وأهم هذه المواد الخطيرة المسببة للإدمان , والمؤثرة على القدرات العقلية والنفسية والتى  تحطم صحة الإنسان  وحياته وتسبب في كثير من الكوارث الاجتماعية والصحية والاقتصادية هي : الخمور , والأفيون ومشتقاته , والحشيش , والحبوب المنومة ( الباربيتورات والميتا كولون ) , والكوكايين , والحبوب المنبهة ( الامفيتامين والكبتاغون ) , والمهلوسات ( L .S . D  وفيناسكليدين ) , ومواد الاستنشاق مثل مذيب البوية والغراء ( خلات الايثيل ) .

أولاً ـ مشكلة الخمور :

وتعتبر الخمور من أخطر المواد المسببة للإدمان , وأوسعها انتشاراً في العالم أجمع , وقد ازداد إنتاج العالم واستهلاك المشروبات الروحية المقطرة منها كالعرق والويسكي , وغير المقطرة كالبيرة والنبيذ أكثر من 500 % خلال العقدين الماضيين حتى وصلت إلى أعماق الأرياف وإلى مجاهل أفريقيا التي يموت سكانها من الجوع , وهذا تخطيط استعماري رهيب .

أذكر عندما استدعيت في عام 1999 م إلى جمهورية ساو تومي وهي جزيرة في وسط الأطلسي غربي جمهورية الكابون لدراسة إقامة صناعة هناك , لم أجد فيها من مصنع سوى مصنع للبيرة كان البرتغاليون الذين استعمروا هذه الجزيرة أكثر من 500 عام ( استقلت الجزيرة عام 1994 م ) قد أقاموه للاستهلاك المحلي فقط , ليجعلوا سكان الجزيرة مدمني هذه المادة .

وتنتشر الخمور بصورة خاصة في المجتمعات الأوربية والأمريكية وروسيا واستراليا , وقد كان إدمان الخمور في نهاية النصف الأول من القرن العشرين شبه مقصور على الذكور , حيث كان هناك تسعة مدمنين في مقابل كل مدمنة , أما الآن فهناك مدمنة مقابل كل ثلاثة مدمنين من الرجال .

ويؤدي ذلك إلى أن نصف نزلاء المستشفيات العقلية هم من مدمني الخمور , وأن ربع نزلاء جميع المستشفيات هم من مدمني الخمور .

وفي الدول الاسكندنافية وخاصة السويد , فإن 5 % من مجموع السكان هم منغوليون , بسبب إدمان الأبوين أو أحدهما على الكحول , ولذلك فرضت الدولة هناك الضرائب والرسوم الباهظة على المشروبات الروحية , ولا تسمح للفرد أن يشتري أكثر من زجاجة واحدة في الشهر , وحددت أماكن معينة مرخصة لبيع المشروبات الروحية ولمن هو فوق الثامنة عشر من عمره .

والمشروبات الكحولية بأنواعها : ـ [ عرق ـ بيرة ـ ويسكي ـ كونياك ـ شامبانيا ـ مزر ( نبيذ الحنطة أو الشعير ) ـ السكركة ( نبيذ الذرة ) ـ البوزة ( نبيذ منقوع الخبز اليابس ) ـ البتع ( نبيذ العسل ) ـ المصع ( نبيذ الفواكه ) ـ السكر ( نبيذ الرطب ) ـ الفضيح ( نبيذ التمر ) ـ الخمر ( نبيذ العنب الأحمر أو الأبيض ) ـ المثلث ( المطبوخ من النبيذ إذا ذهب ثلثي ماءه وبقي الثلث ) ـ الخليطان ( نبيذ من ماء الزبيب وماء التمر المختلطين ) ] ـ كلها ضارة وتسبب الإدمان , وتزيد من طرح عنصر المغنزيوم من الجسم , وهذا يؤثر على عمل القلب وعواقبه وخيمة , إضافة للعديد من المشاكل الصحية والاجتماعية التي سنذكرها .

ولعل هذه الأسماء التي تجدها في قواميس اللغة الأجنبية والعربية تؤكد الحديث الشريف عن رسول الله ( ص ) حيث يقول : ليشربن أناس من أمتي الخمر يسمونها بغير أسمائها .

وأما المشاكل والجرائم الاجتماعية فيكفي أن نذكر من أن أكثر من 50 % من جرائم القتل وجرائم الاغتصاب وجرائم الاعتداء على المحرمات من الأخوات والبنات والأمهات . وحوادث الانتحار تمّت تحت تأثير الخمر . لأن الخمر تشعل نار الشهوات في النفس فتحمل السكران على ارتكاب المحرمات وارتكاب المحظورات بسبب الخلل الذي يصيب أجهزة الجسم .

على سبيل المثال ما حدث في ضاحية حلب عام 1976 م بأن دخل الزوج السكران إلى بيته تدفعه الأهلاس التي دفعته إلى ذبح زوجته الخائنة ( على حدّ  زعمه بسبب السكر ) , ثم أقدم على ذبح أولاده الأربعة وهم نيام .

ويحدثنا القرآن عن ثمود قوم صالح عليه السلام فإنه لم يتجرأ على عقر  الناقة أحد حتى المفسد منهم والشقي إلاّ بعد أن شرب الخمر ليصبح جريئاً على الفعلة التي هو مقدم عليها وهو عقر الناقة التي أرسلها الله آية لهم , فتمت الفعلة  ووقع البلاء . يذكر القرآن لنا ذلك في سورة الحشر فيقول : ( فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقر ) . وصاحبهم هذا هو أحد الرهط المفسدين في المدينة الذين قال عنهم في سورة النمل : ( وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون ) , وهو الذي قال عنه في سورة الشمس ( إذ انبعث أشقاها )وتسبب الخمور أكثر من 50 % من حوادث المرور , حيث يلاقي ما لا يقل عن 100.000 شخص حتفهم سنوياً في الولايات المتحدة بسبب الخمور  وهذا مصداق قول الرسول ( ص ) في الحديث الذي رواه الطبراني : إن الخمر أم الفواحش وأكبر الكبائر , ومن شرب الخمر ترك الصلاة , ووقع على أمه وخالته وعمّته .

إن الذين يعتقدون أن للخمر فوائد ترجى هم واهمون ويخدعون أنفسهم , إذ أن النشاط المؤقت الذي يشعره شارب الخمر هو شعور كاذب , والدفء الذي يحسه هو دفء كاذب , والحرارة التي يشعر بها هي على حساب الجسم ذاته بما يفقده من الحرارة المهدورة , لأن هذا الدفء لا يلبث إلا أن يزول ليعقبه برد ,نتيجة ما فقده الجسم من حرارة , حيث أن الخمور لا تدفئ الجسم بل تخرج منه الحرارة الطبيعية وتزيده برودة مما يسبب خطراً كبيراً على السكران كالنزولات المتنوعة الخطيرة , أضف إلى ذلك التأثيرات المتسببة عن الإدمان وما ينتج عنه من : تصدع في الشرايين , وقصور في القلب , والذبحة الصدرية وتشمع الكبد الخطيرة , والتهاب غشاء المعدة , والصداع , والتهاب الأعصاب , وفقدان الذاكرة , وضعف العقل , وتشتت الفكر , وتغيير في تركيب الدم , وضعف مقاومة الجسم للأمراض , وفقدان الرجولة , والتهاب الكلى , وقرحة المعدة والإثنى عشرية والقولون , وتشنج عصبي , وغير ذلك من الأمراض التي تفتك بالجسم .

وتعاطي كميات قليلة من الكحول تعطي الإحساس بالحيوية والشعور بالألفة والثقة بالنفس . ويحب تعاطي الكميات الأكبر من الكحول ٌدر معين من الإثارة , ومن مظاهره الضحك لأتفه الأسباب , والتحدث في موضوع أو غير موضوع ( مجرد الثرثرة ) , ويحمر الوجه , وتلمع العيون , ويسرع النبض , ويفقد المرء جزءاً من اتزانه , وتضعف قوة إرادته , وقد يصبح حديثه أكثر فكاهة ولكنه أبعد ما يكون عن الوقار , وقد تصبح حركاته أكثر حيوية ولكنها تبعد كثير عن الاحترام , وقد يبدو عدم الاتزان في نوبات مجنونة من الغضب المفاجئ أو في فترات حالمة من الغزل والرقة والتشبيب , ويضيع الشعور بالمسؤولية , ولا يمكنه التمييز بين التافه والمهم , ولا يراعي المخمور شعور الآخرين .

وعند الاستمرار في تجرع المزيد من الخمر , تصعب الحركة , ويثقل الكلام , وتترنح الخطوة , وقد يحدث غثيان وقيء ثم نوم عميق , قد تعقبه غيبوبة تامة تشبه غيبوبة التخدير إذ يبطئ فيها التنفس ويدكن الجلد . وإذا استمرت الغيبوبة أكثر من 12 ساعة فإنها غالباً تنتهي بالموت بسبب الهبوط في التنفس .

ثانياً ـ مشكلة المخدرات :

( الأفيون ومشتقاته , والحشيش , والحبوب المخدرة ) :

لقد تفاقمت مشكلة المخدرات في السنوات الأخيرة وأصبحت مشكلة عالمية تقضّ مضاجع المسئولين وأجهزة الدولة , وترتبط هذه المشكلة بمشاكل أخرى عديدة , مثل انتشار الجريمة والزنى واللواط وما يعقب ذلك من إجهاض وأمراض فتاكة كالسيلان والإيدز وغيرها , وما يصحب ذلك من تفكك عرى المجتمع وتحطم كيان الأسرة , وموجات القلق والكآبة والانتحار .

ونحن نؤكّد دور الغرب والشرق ومن ورائهم  اليهود في نشر تجارة المخدرات , وترويج السموم البيضاء , ليكسبوا من ورائها المليارات , وليسيطروا على مقدرات الشعوب والأمم , مستهدفين في ذلك الشباب خاصة لإضعاف القوى الإنتاجية . يشجعون على زراعة الأفيون والحشيش في دول العالم الثالث الفقيرة , وتقوم عصابات دولية من ورائها الموساد والمخابرات الأمريكية على نقلها إلى الولايات المتحدة وإسرائيل , حيث تقوم المصانع الأمريكية والإسرائيلية بتحويل الأفيون إلى مورفين وهرويين . ومن هناك تهرب ثانية إلى دول العالم التي يريدون أن يسيطروا عليها ويسلبوا أموالها وطاقات شبابها .

خذ الحبوب المنومة والمنبهة مثلاً ألا تزال احتكاراً أوربياً وأمريكياً , حيث تقوم شركات الأدوية العملاقة بإنتاج آلاف الأطنان من هذه الحبوب سراً وعلانية , ويغرقون بها مصر ومنطقة الخليج وغيرها من دول العام الثالث .

أهم الأسباب لانتشار المخدرات في العالمين الإسلامي والعربي :

1 ـ ضعف الوازع الديني .

2 ـ التفكك الأسري .

3 ـ أجهزة الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية , والتي تدعو صراحة إلى الإباحية , خذ مثلاً :  أغنية الدنيا سيجارة وكاس لعبد الوهاب والتي انتشرت في النصف الأول من القرن العشرين والتي أصبحت لا غبار عليها اليوم إلى حدّ ما أمام السيل الجارف من أغاني العري الحديثة الهابطة التي يؤدّيها النجوم والكواكب كما يسمّونهم , والذين معظمهم مصابون بإدمان الخمور والمخدرات والجنس , والذين أصبحوا للأسف أمثلة حيّة يقتدي بها شباب الأمة.

4 ـ السفر إلى الشرق والغرب أوربا وأمريكا التقليد الأعمى للعادات هناك , معتقدين أن الغرب والشرق قد صعدوا القمر بعريهم وسكرهم وانحطاطهم الخلقي , ولم نعلم بأن تقدمهم الحضاري والعلمي والسفر بين الكواكب والنجوم تمّ بفضل علمائهم الذين يواصلون العمل الجاد المفيد ليل نهار بدون ملل أو كسل .

5 ـ القوانين الوضعية التي تبيح الخمور وصناعتها ونشرها .

6 ـ المكاسب المالية الضخمة  من وراء زراعة وصناعة المخدرات .

 

تعريف المخدّرات

في القانون والطب واللغة

التعريف القانوني والطبي :

يطلق اسم المخدرات عند أجهزة الأمن والإعلام والقانون على مجموعة متباينة من العقاقير التي تختلف في تأثيرها الأقرباذينية والنفسية والجسدية . ومن أمثلة ذلك الأفيون ومشتقاته , ومجموعة المنوّمات والمهدّئات ( أي المثبطات للجهاز العصبي ) والتي تشمل مجموعة واسعة من العقاقير مثل الكحول والباريتورات والميتاكولون ... ألخ , كما تشمل مجموعة واسعة من العقاقير المنبّهة ومن أهمها : الكوكاكين الذي يستخرج من نبات الكوكا في أمريكا اللاتينية , ونبات القات في اليمن والحبشة والصومال و والأمفيتامين ومشتقاته , والفنتلين  ( الكبتاجون ) . كما يشمل عقاقير تسبب الهلوسة مثل عقار L . S . D وفينسيكليدين , وبعض أنواع الفطر والحشيش .

والغريب أن هناك  بلاداً تعتبر بعض هذه المواد مخدرة يعاقب القانون على حيازتها وتعاطيها والاتجار بها , بينما بعض البلاد الأخرى لا تعتبر بعض هذه المواد مخدرة يعاقب عليها القانون بل تعتبرها مادة شعبية اجتماعية كالقات في اليمن .

كما أن هناك قائمة من العقاقير يعتبرها الطب مؤدية للإدمان أو سوء الاستعمال ولكنها لا تدخل في قائمة قانون المخدرات , كالتبغ والمشروبات الروحية بأنواعها وجوزة الطيب ومزيل ومذيب البوية مثلاً , مع إن تعاطي هذه المواد يؤدي إلى الإدمان وإلى أضرار مشابهة لاستخدام الباربيتورات والمورفين والهرويين .

    وبصورة عامة فإن هذه العقاقير تسبب لدى المتعاطي نوعين من الإدمان :

1 ـ الإدمان النفسي :

حيث يحدث لدى المتعاطي رغبة قوية للاستمرار في تعاطي عقار معين اعتاد عليه , وقد تصل هذه الرغبة إلى درجة القهر بحيث تفرض على المتعاطي البحث عن هذا العقار قبل البحث عن الطعام والشراب .

وهذا الإدمان قد لا يكون مصحوباً بأي إدمان جسدي , بحيث أن المتعاطي لو ترك هذا العقار لا تظهر عليه أثار بدنية حادة مثل الإسهال والصرع مثلما يحدث في عقاقير الإدمان الجسدي .

ومن أشهر هذه المجموعة : النيكوتين في التبغ , والحشيش ( الماريونا ) , وجوزة الطيب , والأمفيتامين , والقاتين في نبات القات , والكافيين في القهوة والشاي والكاكو . والكوكايين من نبات الكوكا .

2 ـ الإدمان الجسدي :

إن الإدمان الجسدي على بعض العقاقير , ومن أشهرها الخمور والباربيتورات والأفيون ومشتقاته هو من أشد خطورة من ظاهرة الإدمان النفسي , وذلك لأن الامتناع عن تناول العقار يؤدي إلى ظهور عوارض جسدية خطيرة , حيث تحدث نوبات صرع شديدة وصعوبة في التنفس وانصباب اللعاب في الفم  مع وجود قيء وقلق وارتعاش , وتتسع حدقة العين , وتحدث آلام شديدة في الساقين والقدمين مما تدفع بالمصاب إلى محاولة تحريكهما بقوة واضطراب , ولا يلبث المصاب أن يدخل في مرحلة من النوم العميق المتوتر , مصحوب بارتفاع في درجة الحرارة , وقد يتوفى المصاب وهو في هذه الحالة.

علماً أن سرعة الإدمان في الأفيون ومشتقاته وخاصة الهيرويين هي أكثر بكثير من سرعة الإدمان في الكحول والباربيتورات , وقد تكفي حقنتان أو ثلاث من الهيرويين لإصابة الشخص بالإدمان النفسي والجسدي لهذا العقار .

تعريف المخدرات في اللغة :

تعتبر اللغة العربية من أبدع اللغات , حيث تعطي اللفظة المستخدم معاني دقيقة للكلمة ومترادفاتها الكثير .

 فالمسكر : هو ما غطى العقل .

والمفتر : هو كل شراب يورث الفتور والخدر وهو مقدم السكر وإن لم ينته إلى حدّ الإسكار وهو ما يورث ضعفاً بعد قوة , وسكوناً بعد حركة , واسترخاءً بعد صلابة , وقصوراً بعد نشاط  .

وكلمة المخدّر : جاءت من الخدر بفتح الخاء , أي الاسترخاء وهو عكس الحركة , والكسل والفتور وهو عكس النشاط ,  فخدر العضو إذا استرخى فلا يطيق الحركة , وخدر العين فتور أو ثقل فيها , وكل ما يسكر يعتبر مخدراً , ومنها الخدر بكسر الخاء وهو ستر يمدّ للجارية في ناحية من البيت , قال امرؤ القيس

ويوم دخلت الخدر خدر عنيزة      فقالت لك الويلات إنك مرجلي

وكل ما يختفي في الأجمة وفي الغابة يعتبر خدراً , قال كعب بن زهير :

من خادر من ليوث الأسد مسكنه    في بطن عثّر غيل دونه غيل

وفي عدن يطلقون لفظ ( المخدرة ) على خباء كبير لحفلات الزواج لأنه يستر المدعوين ويظلهم .

وهكذا تدور معاني كلمة الخدر حول معنى كلمة الستر والكسل والفتور والاسترخاء , والمادة المخدرة تؤثر على مناطق المخ العليا فتسترها عن أداء وظائفها وتسبب الكسل والفتور والاسترخاء لبقية أعضاء الجسم .

وهكذا نجد أن التعريف الغوي والطبي يتطابقان , وفي نفس الوقت يختلفان مع التعريف القانوني , حيث يدخل رجال القانون في لفظ المخدرات مواد منبّهة , والمنبّه على نقيض المخدر من ناحية اللغة والطب .

المخدرات في الفقه الإسلامي :

لم يستخدم الفقهاء لفظ المخدرات إلا في القرن العاشر الهجري , أما قبل ذلك فقد تحدث الفقهاء عن الحشيش والأفيون وغيرها من المواد , وذكروها ضمن المواد المفتّرة أو المواد المسكرة .

نزلت الآيات في القرآن الكريم تباعاً توضح الطيبات والخبائث , وتجعل من أكبر الخبائث الخمر التي سماها رسول الله ( ص ) أم الخبائث وأم الكبائر , قال تعالى في سورة المائدة :

إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون * إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون .

ويجمعها قول الرسول  ( ص ) : كل مسكر خمر , وكل خمر حرام

وهكذا تعرّف الخمر لغة بأنها كل مسكر مخامر للعقل مغط له , وخمر الشيء ستره , وخمر الشهادة سترها , وخمر وجهه غطّاه , وأخمر توارى , وخامر الشيء خالطه , وخامر القلب داخله , وخامره الداء أي دخل جوفه , والخمار الغطاء الذي تضعه المرأة على وجهها ونحرها وصدرها . ووظيفة الخمر هي إزالة العقل ( من عقل الناقة أي ربطها وشدّ وثاقها ) وهي تستر الدماغ أو المراكز العليا منه , والتي يعبر عنها بالعقل . وقد فرق الفقهاء بين المواد المختلفة التي تؤثر على العقل فقسموها إلى ثلاثة أقسام :

آ ـ المسكرات : والمسكر ما غيّب العقل دون الحواس مع نشوة وفرح ومن أمثلتها الخمر .

ب ـ المفسدات : والمفسد ما غيّب العقل دون الحواس لا مع نشوة وفرح كعسل البلاذر .

ج ـ المرقّدات : والمرقد ما غيّب العقل والحواس كالشيكران المصري .

وتنفرد المسكرات عن المرقدات والمفسدات بثلاثة أحكام : الحدّ , والتنجيس , وتحريم اليسير , والمرقدات والمفسدات لا حدّ فيها ولا نجاسة , وإنما فيها التعزير .

والإسلام جاء لحماية الكليات الخمس وهي :

الدين  , والنفس , والعقل , والعرض , والمال  .

 وهذه الكليات الخمسة قد تصاب نتيجة تعاطي المخدرات . ولذا فهي محرمة .

ما هو المخدر  :  

وإذا عرفنا المخدر بأنه كل مادة تسبب تشويشاً في الذهن والقدرات العقلية , وإذا تكرر استعمالها تسبب الإدمان عليها نفسياً أو جسدياً أوكلاهما . فإننا نجد قوائم طويلة من أهمها ما يلي :

أولاً :  بعض نباتات الفصيلة الباذنجانية ومنها :

    1 ـ البنج وهو نبات الشيكران ويسمى السكران المصري , والبنج الأبيض , والقبيسي , وسم الفراخ , والقنقيط .

2 ـ الداتورة أو الطاطورة أو الجليجلة أو الدريقة أو النشيحة .

3 ـ البلادونا أو ست الحسن .

4 ـ الباذنجان غير الناضج وأقماعه يحتوي على مادة السولانين السامة .

5 ـ البطاطا عندما تتبرعم أو تصبح قشورها خضراء اللون إذا خزنت بوجود الضوء والحرارة تزداد كمية مادة السولانين السامة فيها . كما أن البطاطا النيئة خطرة إلى حدّ ما ولا يجوز تناولها , كما يجب إهمال القسم غير الناضج من المطبوخة.

6 ـ الطماطم . يمنع مضغ أو تناول أوراقها لسميتها , ويمكن للمرء أن يتقي لسع البعوض بتعليق بعض أوراقها في غرفة نومه فإن ذلك يطرد البعوض

وكل نباتات الفصيلة الباذنجانية تحتوي على مواد قلويدية , وهي الهايوسيامين والأسكوبالمين والأتروبين والسولانين .

وقد استخدمت هذه النباتات في الطب منذ أزمنة قديمة , فقد استخدم الأطباء العرب المسلمون نبات السكران بكثرة لإجراء العمليات الجراحية , وقد استخدم الهنود الداتورة في الطقوس الدينية , كما استخدمها اللصوص لتخدير من يريدون سرقته , واستخدمها الملوك للتخلص من أعدائهم , ولا نريد الدخول في التفصيلات .

ثانياً : مجموعة النباتات والمواد التي تستعمل في إصلاح الطعام ولها تأثير مخدر مثل :

    1 ـ جوزة الطيب :

وتعتبر من نباتات المناطق الحارة , وموطنها الأصلي ماليزيا وتوجد في أندنوسيا وسيلان وبعض جزر المحيط الهادي .

وهي تحتوي على مادة الميريستسين وهي مادة منومة إذا أخذت بكميات كبيرة , ومفترة بكميات أقل , ويشعر متناولها بالجذل والسعادة وعدم القدرة على التفكير وعدم القدرة على الحركة مع خدر في الأعضاء وهلوسات في التفكير وشعور في الغثيان وإحساس شديد بالغربة وعدم معرفة الزمان والمكان وعدم معرفة الأشياء مع جفاف في الحلق واحتقان في الوجه وملتحمة العين وحدوث إمساك مع زيادة في الرغبة الجنسية . ولكنها تسبب الإدمان ولها تأثير سمّي على الكبد إذا أكثر الشخص من استخدامها .

وقد اتفق الفقهاء الأقدمون على حرمة أكل الكثير المسكر من جوزة الطيب .

2 ـ الزعفران والعصفر :

يستخدم الزعفران والعصفر في إصلاح الطعام وفي الطب الشعبي وكمادة ملونة وقد ذكر الملك المظفر يوسف بن عمر الرسولي ملك اليمن في كتابه : المعتمد في الأدوية المفردة خصائص الزعفران النباتية والطبية فقال : وأنه يهيج الباه ويساعد على الهضم ويذهب بالغازات ويساعد على الولادة وتعسر نزول المشيمة , والزائد على الدرهم سمّ قاتل ( الدرهم 3.2 غرام ) , وهو يسكر سكراً شديداً إذا جعل في الشراب , ويفرح حتى أنه يأخذ منه مثل الجنون .

3 ـ العنبر :

   وهو مادة يفرزها الحوت من أمعاءه , فتوجد طافية على سطح البحر في المناطق الاستوائية , ويستخدم في الطيب مع المسك وغيره . وقد ذكر الملك المظفر يوسف بن عمر الرسولي ملك اليمن في كتابه : المعتمد في الأدوية المفردة خصائص العنبر وذكر فوائده الطبية العديدة فقال : وهو نافع من أوجاع المعدة ومن الرياح الغليظة , ومن الشقيقة والصداع والقوة إذا تبخر به , ويقوي الأعضاء , ثم يقول وهو يسكر سكراً سريعاً إذا طرح منه شيء في الشراب .

ثالثاً : مجموعة النباتات والمواد المنشطة والتي لا تسبب الإدمان وليس لها تأثير مخدر :

1 ـ حبوب نبات البن :

 ينتمي نبات البن إلى الفصيلة الشفوية , وهو شجيرة دائمة الخضرة , بذورها تحتوي على مادة الكافئين والعفص وحمض التريجونيلين الذي يحول إلى حامض النيوكوتينيك أثناء تحميص الحبوب , وتتوقف درجة التحول على درجة الحرارة  والمدة التي تستغرقها عملية التحميص . فالبن الغامق يحتوي على نسبة أعلى من حمض النيوكوتينيك . ويعتبر مشروب البن منشطاً ومنعشاً للقلب والجهاز العصبي ومدراً للبول لغناه بعنصر البوتاسيوم , ولكنه منبه للأعصاب وقابض ورافع لضغط الدم . والإدمان على البن له تأثير سيء على الصحة .

 ولكن الإفراط في تناول مشرب البن يسبب : القلق ـ الأرق ـ نوبات العصبية ـ عطش شديد ـ آلام معدة ومثانة ـ اضطرابات قلبية .

والاستمرار بتعاطيه يسبب : الهزال ـ اضطراب الوجه ـ رجفان اليدين واللسان ـ نقص الذاكرة ـ نوم مضطرب ـ آلام عصبية ـ ألام في القلب خاصة حين النوم ـ انحطاط جسماني .

   2 ـ حبوب نبات الكاكاو :

 يحتوي أيضاً على مادة الكافئين المتحدة مع مادة الثيوبرومين المدرة للبول , ومشروب الكاكاو منبه للأعصاب ومقو للقلب , لكنه ضار للبعض وخاصة في حالة الحصوات الكلوية والرواسب البولية , كما قد يسبب للبعض الحساسية والطفح الجلدي .

   3 ـ أوراق نبات الشاي :

 تحتوي أيضاً على مادة الكافئين المتحدة مع مادة الثيوبرومين المدرة للبول , كما تحتوي على العفص المسببة لمنع امتصاص حديد الطعام في الجهاز الهضمي , ومشروب الشاي منشط للدورة الدموية , كما ينبه المراكز الفكرية في الدماغ . ولكن الإكثار منه يؤثر سلبياً على الكبد والأعصاب والقلب , وقد يسبب الصداع والأرق ثم الضعف العام وفقر الدم .

     4 ـ مشروب نوى التمر المحمص :

الأبحاث الحديثة على نوى التمر تبين أنها تحتوي على ضعف ما تحتوي أوراق الشاي من مادة الكافئين . وهذا يفسر لنا لماذا كانت إبل المدينة المنورة تسير مسافات أطول لتناولها طحين نوى التمر الذي يعطيها النشاط ويبعث فيها القول , وتحدثنا كتب التاريخ والسيرة أن نساء المدينة تدمل أيديهن من الدق لنوى التمر لأنها صلبة وغير سهلة الكسر .

رابعاً : بعض النباتات المسببة للإدمان والتي سمحت الدول بتعاطيها :

1 ـ التبغ او التتن أو التمباك أو الطباق :

ذهب الكثير من الفقهاء لتحريمه منذ أن ظهر في حدود الألف الهجرية وذلك  لأضراره الصحية والنفسية والاجتماعية التي أثبتتها الأبحاث الطبية والاجتماعية , فهناك ضرره الاقتصادي الكبير , إذ فيه إسراف وإضاعة للمال , ومن الناحية الطبية يعتبر تناول التبغ بكافة طرق استعماله ( تدخيناً أو مضغاً أو نشوقاً أو لصوقاً ) من المواد لتي تسبب الإدمان النفسي , وفي بعض الحالات الإدمان الجسدي . وإن كان التبغ مادة غير مسكروإن كمية النيكوتين الموجودة في أربعة سجاير كافية للموت خلال 12 ساعة إذا استخلصها الإنسان وتعاطاها .

والأركيلة ( كما تسمى في سورية ولبنان ) أو النرجيلة ( كما تسمى في بعض البلدان الأخرى لأنها نصنع من النرجيل الذي هو جوزة الهند ) أو الجوزة ( كما في مصر ) أو المداعة ( كما في اليمن ) أشد ضرراً من أنواع التدخين الأخرى :

    ـ  للوقت الطويل الذي يقضيه مدخن الأركيلة 2 ـ 4 ساعات وهو يدخن .

    ـ استنشاقه لغازي أول وثاني أكسيد الكربون الناتجين عن الاحتراق الكامل وغير الكامل لفحم الأركيلة

   ـ والمعسّل أشد ضرراً من التنباك , حيث تتحول مادة الجليسيرين إلى مادة الأكرولين السام .

أضف إلى ذلك الأموال الضخمة التي تنفق على استيراد مواد لا بدّ منها لصناعة السجائر  . خذ مثلاً على ذلك :

شركة التبغ في سورية تستهلك سنوياً ما مقداره :

1 ـ   2000 طن من مادة أسيتات السيليلوز التي يصنع منها فلتر السجاير, والتي تزيد قيمتها عن 2 مليار ليرة سورية , وهذه المادة محتكرة من فبل الشركات الأوربية والأمريكية , وتصنع من المواد الأولية المستوردة من بلادنا والتي أساسها مادة اللنت المنتج الثانوي في صناعة زيت بذور القطن , والتي لا يتجاوز ثمنها عشر هذه القيمة , وإذا صنعت محلياً هل تأخذها شركة التبغ , ولماذا أصلاً لا تصنعها محلياً .

2 ـ  200 طن من مادة تري أسيتين ( ثلاثي خلات الجليسيرين ) والتي تستعمل لترطيب التبغ من جانب , ولتجعل السيجارة تستمر في الاشتعال إذا توقف المدخن لحظة عن التدخين , عل عكس السيجارة اللف .

3 ـ عشرات الأطنان من خلاصة عرق السوس , كأحد منكهات التبغ , والذي يصدر من بلادنا بسعر بخس , ثم يعود إلينا مادة مصنعة بسعر باهظ .

    2 ـ القات :

لم يعرف القات في اليمن إلا في النصف الثاني من القرن العاشر الهجري ( القرن السادس عشر الميلادي ) , ولو أن له وجود قبل هذا التاريخ لكنا وجدنا له ذكراً في كتب ذلك القرن , ومن يتأمل كناب الملك الأشرف يوسف بن عمر الرسولي المتوفى عام 665 هـ والمسمى ( المعتمد في الأدوية المفردة ) , وهو معجم بأسماء الأعشاب والنباتات والمعادن وخواصها الطبية يجده لم يتناول ذكر القات . بينما تعرض للتانبول أو التنبل , وهو أشبه بالقات من حيث الكيف . وطعم ورقه كطعم القرنفل وريحه طيبة , ولو كان للقات وجود في عصره لكان أشار إليه كما أشار إلى التنبل .

 وذكر المقريزي المؤرخ المعروف 1364 – 1442 م في كتابه : الإلمام فيمن بالحبشة من ملوك الإسلام  : أن في تلك البلاد شجرة يأكل الناس أوراقها , ويقال لها :  جات , وهي بدون ثمر وتشبه النارنج , وبأنها تفرح وتزيد من الذكاء وتذكر بالماضي وتضعف الشهية والرغبات الجنسية وتنبه الأعصاب , وكان انتشارها بين أهل العلم والمتصوفة بصورة خاصة . ومن المعتقد أن زراعة القات انتقلت من الحبشة إلى اليمن عام 1424 م .

وقد أبدع الشعراء اليمنيون بذكر القات , ونظموا بذلك قصائد جميلة , بين مؤيد ومعارض , بين مدح وزمّ .ومن قصائد المدح منظومة الأديب عبد الله بن يحيى شرف الدين المتوفى عام 973 هـ , والتي يقول فيها

أدر غصون يواقيـت من القـات

زبـرجديّات أوراق وريقـاتـي

يجلـو تنـاوله قلبي , ورؤيتـه

طرفي , وتحلو به حالي وأوقاتي

أين القدود وتلويـن الخـدود , و

تنعيم الورود , ولـذات المذاقات

كله لما شئـت من دنيـا وآخرة

وجلـب نفـع ودفـع المضرات

وما أردت ارتقاقاً في سما نظري

في الكون إلاّ جعلت القات مرقاتي

ومن قصائد الذمّ , منظومة القاضي جمال الدين علي بن عبد الله الإيرياني المتوفى عام  1323 هـ حيث يقول في قصيدته ذامّاً القات وماضغيه :

تـولّعتـم بالقـات , والقات قاتل

وفي حذف حرف اللام منه دلائل

وكـم قد رأينـا من رجال تولعوا

المصدر: الكيميائي طارق إسماعيل كاخيا
  • Currently 58/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
19 تصويتات / 3997 مشاهدة
نشرت فى 8 أكتوبر 2010 بواسطة wwwaboqircom

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

1,086,070