جاءت تصريحات وزير البترول، خلال المؤتمر الصحفى الذى عقده منذ ثلاثة أيام، لتحمل فى طياتها إمكانية لجوء مصر إلى استيراد الغاز من خلال خط الغاز العربى، وهو ما أشعل فتيل الجدل المثار حول حقيقة الأرقام الرسمية التى كانت تعلنها الحكومة عن الاحتياطيات، خاصة أن هناك جدلا دائما وقديما بين الحكومة والخبراء حول مسألة الغاز فى مصر، والاحتياطيات الفعلية الموجودة منه، وما إذا كانت كافية لتغطية الاستهلاك المحلى، الذى يتزايد سنويا بمعدل 6%، تبعا لأرقام وزارة البترول، خاصة أن مصر تصدر جزءا كبيرا من إنتاجها.
فبينما تُقدر الحكومة هذا الاحتياطى بنحو 77 تريليون قدم مكعب، فإن تقديرات بعض محللى البترول والغاز تذهب إلى نصف هذه الأرقام تقريبا، لتبلغ 34 تريليون قدم مكعب حجم الاحتياطيات المؤكدة (التى يمكن إدخالها فى خطط التنمية الصناعية والخدمية، أو تصدير بعض منها). وبالرغم من أن وزارة البترول بررت احتمال لجوء مصر إلى استيراد الغاز، برغبتها فى الاستفادة من انخفاض الأسعار العالمية، إلا أن العديد من الخبراء المستقلين يرون أن السبب الرئيسى وراء ذلك هو تراجع إجمالى احتياطيات مصر من الغاز، وعدم قدرة الحكومة على إخفاء هذه الحقيقة أكثر من ذلك.
ويقول ممدوح حسنى، وكيل لجنة الصناعة والطاقة بمجلس الشعب وعضو أمانة السياسات بالحزب الوطنى، إنه حضر اجتماع وزير البترول بأعضاء مجلس الشعب، والذى أثيرت فيه هذه القضية، معتبرا أن الصحافة تناولتها على نحو غير دقيق، حيث إن فكرة استيراد مصر للغاز الطبيعى، تبعا له، طُرحت فى إطار رغبة الصناعات المصرية كثيفة استهلاك الطاقة فى شراء الغاز الطبيعى من دول مثل العراق، التى تصدر الغاز بأسعار أقل من الأسعار التى تشترى بها هذه المصانع الغاز من مصر.
وأكد عضو أمانة السياسات أن الحديث عن استيراد الغاز جاء فى سياق الحديث عن إمكانية استفادة المصانع المصرية من انخفاض الأسعار العالمية، وبأن تصبح مصر مركزا لتجارة الغاز الطبيعى، وليس فى إطار الحديث عن احتياجات الدولة من الغاز.
وبحسب أرقامه، تقوم الصناعات كثيفة استخدام الطاقة، كالأسمنت والأسمدة، بشراء الغاز من مصر بسعر 3 دولارات للمليون وحدة حرارية بريطانية، بينما تبيعه العراق فى الوقت الحالى بدولار و80 سنتا فقط، وبالتالى «فمن الممكن أن تستفيد هذه الصناعات من استيراد الغاز من العراق بسعر أقل، وأن تستفيد الدولة فى نفس الوقت عن طريق الإيرادات التى ستجنيها من خلال الرسوم التى تفرضها مقابل نقل الغاز لهذه المصانع»، على حد قول حسنى.
«هذه التقديرات فكاهية، وقد تحولت قضية الغاز المصرى إلى مسرحية عبثية من الدرجة الأولى»، على حد تعبير عمرو حمودة، خبير بترول ومدير مركز الفسطاط للدراسات. ويوافقه الرأى إبراهيم زهران، خبير بترول ورئيس شركة خالدة للبترول سابقا، الذى قال إن «هذا السعر الذى تدعيه الحكومة غير موجود بالمرة، فلا توجد أى دولة تُصدر الغاز بأقل من 6 دولارات للمليون وحدة حرارية بريطانية، فلا يمكن لأى حكومة أن تضيع ثروتها القومية»، بحسب تعبيره.
وضرب زهران مثالا بعدد من الدول، منها روسيا التى كانت تبيع الغاز للخارج بسعر 11 دولارا للمليون وحدة حرارية بريطانية، وقامت بزيادته إلى 12 دولارا منذ أربعة أيام، كما تصدر قطر الغاز المسال بسعر 7 دولارات، ونيويورك بنحو 6 دولارات.
وأكد حمودة هذه البيانات، مشيرا إلى أن العراق المرشحة أن تكون الدولة التى ستقوم مصر باستيراد الغاز منها، عبر خط الغاز العربى، لا تصدر بأقل من الأسعار العالمية، فهناك اتفاقية بين شركة شل العالمية ومدينة البصرة، تقضى بتصدير الأخيرة إلى شل الغاز لمدة السنوات العشر المقبلة، بسعر 8 دولارات للمليون وحدة حرارية بريطانية.
وفى مقابل ذلك، تقوم مصر بتصدير الغاز إلى إسرائيل بسعر 1.25 دولار للمليون وحدة حرارية بريطانية، كما تصدر لإسبانيا بسعر 3 دولارات، بحسب حمودة. ومن ناحية أخرى، تُنتج مصر 5500 مليون قدم مكعب من الغاز يوميا، حصة مصر من هذا الإنتاج تبلغ 50%.
وهذه الحصة هى نصيبها الذى تحصل عليه بدون مقابل، وهذه النسبة لا تكفى للاستهلاك المحلى، وبالتالى تقوم الحكومة بإعادة شراء جزء من حصة الشركاء الأجانب الذين يستثمرون فى مصر فى هذا القطاع. ويشير زهران إلى أنه بالرغم من أن عقود الشراكة المبرمة بين الحكومة والشركاء الأجانب تنص على أن السعر الذى يبيع به هؤلاء الشركاء للحكومة لا يتعدى 2.65 دولار للمليون وحدة حرارية بريطانية، إلا أن هذا السعر وصل إلى 16 دولارا فى بعض الحقول خلال السنوات الثلاث الأخيرة، وهو ما يؤكده أيضا حمودة.
«وإذا كان سعر تصدير الغاز عالميا لا يتعدى 6 دولارات فى أحسن الأحوال، وفى المقابل تصدر مصر بـ1.25 دولار، فمن أين ستأتى الحكومة بهذا الفارق»، يتساءل زهران، متوقعا «أن يدفع المواطن الثمن، من خلال زيادة سعر أنبوبة البوتاجاز، كما أنه عندما تأخذ المصانع الغاز بسعر أعلى، فإنها ستحمله للمواطن»، تبعا للخبير.
ويتخوف كذلك حمودة من أن «يتحمل المواطن المصرى فاتورة ذلك»، مبديا «رعبه الشديد من الفترة المقبلة، حيث إن مصر قادمة على مرحلة حرجة جدا»، بحسب تعبيره.
وتبعا لزهران، فإن حصيلة صادرات الغاز المصرى لإسرائيل تبلغ 164 مليون دولار سنويا، وفى المقابل تصل فاتورة واردات مصر من غاز أنابيب البوتاجاز إلى 3 مليارات دولار سنويا، كما أن فاتورة استيراد المازوت تبلغ 1740 مليون دولار فى السنة، بحسب بياناته.
العراق منفذ مصر الوحيد للاستيراد
أوضح زهران أن الدولة الوحيدة التى يمكن لمصر أن تستورد منها الغاز هى العراق، فجميع البدائل الأخرى غير متاحة، حيث إن قطر لا يمكنها توصيل الغاز لمصر إلا عبر السعودية، والأخيرة لا يمكن أن تفتح أى منفذ لقطر، تبعا للخبير، كما أن السعودية نفسها لا يمكنها أن تصدر، لأنها سبق وأن اتخذت قرارا بعدم تصدير الغاز خام، حيث يتم تصنيع جميع إنتاجهما محليا، ثم يبيعانه للخارج، ويذكر أن إنتاجهما يبلغ ضعف الإنتاج المصرى.
ومن ناحية، لكى يصل الغاز الإيرانى إلى مصر، فلابد من إنشاء كوبرى فوق العراق، ونتيجة للقيود الدولية المفروضة على إيران، فإنه لا يمكن إنشاء مثل هذا الكوبرى. وبالتالى فلا يوجد اختيار آخر سوى العراق.
وتبعا لزهران، فإن مسألة استيراد مصر للغاز كانت متوقعة منذ عام 2005، فالخبراء قدروا حدوث ذلك، وتوقع حمودة أن تلجأ الحكومة للاستيراد بداية من العام المقبل، وهو ما رجحه أيضا زهران، متوقعا أن يصل العجز فى الاستهلاك المحلى إلى 50% فى 2011، نتيجة زيادة الطلب على الغاز، ونقص الإنتاج فى المقابل. لا يوجد بدائل أخرى متاحة للطاقة حالياً
انتقد حمودة السياسة التى اعتمدها المجلس الأعلى للطاقة التى تقوم على أن تعتمد مصر فى إجمالى الطاقة التى تحتاجها، والتى تُعرف باسم «مزيج الطاقة»، على الوقود الأحفورى (البترول والغاز والفحم) بنسبة 67%.
ويتكون مزيج الطاقة من البترول والغاز والطاقة المائية والطاقة الشمسية وطاقة الرياح والكتلة الحيوية والطاقة النووية، وبالنسبة للطاقة الشمسية فإنها غير مفعلة بالمرة فى مصر، كما أن الطاقة المائية وصلت لحدها الأقصى، وستأخذ طاقة الرياح وقتا أطول حتى تستطيع المشاركة بنسب كبيرة من إجمالى الطاقة التى تحتاجها مصر.
ومن ناحية أخرى، فإن البديل النووى أمامه وقت طويل، تبعا لحمودة، فأى محطة طاقة نووية تحتاج لإنشائها مدة لا تقل عن عشر سنوات، وحتى تتمكن الطاقة النووية من المشاركة بنسبة تتراوح ما بين 15-20%، فإننا نحتاج لبناء 8 محطات على الأقل. وبالتالى مع عدم وجود بدائل أخرى متاحة حاليا، فإن الاستيراد هو السبيل الوحيد أمام الحكومة مع قلة احتياطات الغاز والبترول.
المقارنة مع إيران ظالمة
قام الوزير باستعراض تجربة إيران، خلال مؤتمره الصحفى، على أنها قوة إقليمية ومركز عالمى لتجارة الغاز الطبيعى تقوم باستيراد وتصدير الغاز منذ عدة سنوات، مشيرا إلى خطة الحكومة لأن تصبح مصر مركزا محوريا استراتيجيا واقتصاديا وتجاريا فى مجال الغاز والزيت الخام، للاستفادة من موقعها الجغرافى، على حد تعبيره.
«مقارنة وزير البترول وضع مصر بإيران، التى تستورد غازا طبيعيا أكثر مما تنتج، مقارنة غير صحيحة»، تبعا لمجدى صبحى، الخبير بمركز الأهرام للدراسات الاقتصادية، مبررا ذلك
بأن إنتاج إيران وصادراتها من الغاز أقل بكثير من إمكانياتها الطبيعية، وهذا يرجع إلى العقوبات الدولية المفروضة عليها، التى تقيد استثمارات الشركات العالمية الموجودة بها. علاوة على أن نسبة كبيرة من حقول الغاز فى إيران متركزة فى الغرب، بينما توجد احتياجات استهلاكية للغاز فى شمال وشرق إيران، وبالتالى اتجهت حكومتها إلى استيراد الغاز من الدول القريبة من احتياجاتها الاستهلاكية فى منطقة بحر قزوين، تبعا لصبحى.
ويختلف الوضع مع مصر، حيث إن حقول الغاز متركزة فى الدلتا والساحل الشمالى، وهى المناطق التى تتسم بالكثافة السكانية المرتفعة، كما أنه لا توجد مناطق غنية بالغاز على الحدود الجنوبية فى مصر، يمكن أن يتم الاعتماد عليها فى الاستيراد كتشاد أو شمال السودان.
ثم طالعتنا الدستور ببلاغ للنائب العام يوم11-5 ببلاغ من السفير ابراهيم يسرى بوقف تعاقد الهيئة العامة للبترول مع الشركة القابضة للغاز وشركة بريتش بتروليم لاستنزاف مصر فى ثرواتها الطبيعية...مدة 20 عاماً
أقام أمس السفير إبراهيم يسري ـ مساعد وزير الخارجية السابق ـ دعوي قضائية أمام محكمة القضاء الإداري لإلغاء قرار تعاقد الهيئة العامة للبترول مع الشركة القابضة للغاز وشركة «بريتش بتروليوم» علي احتكار إنتاج أكبر حقول الغاز الطبيعي المصري «حقل شمال الإسكندرية» لمدة 20 عاماً، وأكد يسري أن تعاقد الهيئة العامة للبترول مع الشركة القابضة للغاز وشركة «بريتش بتروليوم»، علي احتكار إنتاج «حقل شمال الإسكندرية» لمدة 20 عاماً وهو أكبر حقول الغاز الطبيعي في مصر يعد قراراً خاطئاً وكارثياً ومخالفاً للدستور والقانون؛ لأن هذا التعاقد أو الاتفاقية لم يتم عرضه علي مجلسي الشعب والشوري وأنه سوف يتسبب في خسارة مصر ملايين الدولارات سنوياً، ويبدو أن وزير البترول أصبح يتصرف في قطاع البترول والغاز علي أنه ملكية خاصة، يتصرف فيه كيف يشاء، وتساءل يسري كيف تتم مثل هذه الاتفاقيات في الخفاء دون الإعلان عنها أو عرضها علي ممثلي الشعب في البرلمان؟
من جهة أخري تقدم أمس أنور عصمت السادات ـ النائب السابق ووكيل مؤسسي حزب الإصلاح والتنمية ـ ببلاغ للنائب العام طالبه فيه بالتحقيق بخصوص واقعة تعاقد الهيئة العامة للبترول مع الشركة القابضة للغاز وشركة «بريتش بتروليوم» علي احتكار إنتاج أكبر حقول الغاز الطبيعي المصري «حقل شمال الإسكندرية» لمدة 20 عاماً وتحويل مصر إلي مستورد لثرواته الطبيعية لما في ذلك من شبهة إهدار للمال العام وسوء إدارة الموارد الطبيعية للدولة.
وأضاف السادات في بلاغه أن التعاقد علي الشراء بمتوسط سعر 3 دولارات لكل مليون وحدة حرارية في نفس الوقت الذي تتعاقد فيه مصر علي تصدير نفس الكمية بـ 2 دولار لكل من الأردن وإسرائيل وفرنسا وإسبانيا مما يضاعف خسائر الهيئة العامة للبترول ويزيد من عجز الموازنة العامة للدولة.
من جانبه تقدم النائب طلعت السادات ـ عضو مجلس الشعب ـ ببيان عاجل لكل من رئيس الوزراء ووزير البترول حول ما نشر بشأن التعاقد مع شركة «بريتش بتروليوم» علي احتكار إنتاج أكبر حقول الغاز الطبيعي المصري « حقل شمال الإسكندرية » لمدة عشرين عاماً.
وهو ما يؤدي لتحويل مصر إلي مستورد لثرواته الطبيعية لأهمية وخطورة هذا النوع من العقود ولما تتضمنه من إهدار للمال العام والثروة الطبيعية.
وأوضح السادات في بيانه: «نود كممثلين عن الشعب التأكد من وضوح الجدوي الاقتصادية للعقود ودراسة البدائل الأخري التي قد تخرج الهيئة العامة للبترول مما هي فيه من خسائر جسيمة تحت الإدارة المالية.
ساحة النقاش