قصه وعبرة
يقول : د . عبدالعزيز الأحمد حفظه الله .
(فواز) من طلابي الإيجابيين ، ذو التسعة عشر ربيعًا ،صاحب خُلق و جد ، يدرس في المستوى الثاني قسم اللغة الإنجليزية ، وكنت أدرسهم مادة "مهارات التفكير"
كان من ضمن موضوعات المقرر : " مهارة حل المشكلات "
والتي تدور حول الإحساس بالمشكلة ،وتحديدها ، وجمع بياناتها ، وتبويب البيانات ، ومعرفة الأشخاص الذين لهم علاقة بها ، ثم وضع الحلول المتعددة و البدء بالأسهل ، ثم التطبيق ، وأخيرًا التقييم ، مع التأكيد على أهمية الدقة والموضوعية .
كان من ضمن أسلوب حل المشكلات ، ملحظ حيوي جدًا ، وهو أنّه أثناء السعي لحل المشكلة ، لابد للشخص من الشعور بأنه جزء من المشكلة حتى يتحمل جزءًا من الحل ،
ومن هنا تبدأ القصّة ..
كنتُ أعطي الطلاب على أيّ موضوع تطبيقًا ، وكان ذلك بالنسبة لي ولهم كامتحان أعمال السنة ، من هؤلاء كان " فواز " كلماتنا في المحاضرة حفزته ، وبدأ يفكر و يتأمل ، و بدأ يحكي قصته :
أبي و أمي شبه منفصلين وهما في بيت واحد ، الشجار ديدنهما ، يدخل أبي البيت بعد عمله مجهدًا ، وأمي مشغولة بإخوتي أو بإعداد الطعام أو نظافة البيت ، فليس الوضع مهيأ ، ينزعج جدًا فيرفع الصوت ، فتغضب أمي ، ثم يبدأ الصخب والسباب ....!!!
نحن في البيت عددنا كبير ..
أنا في الجامعة ، أختي في الثانوية ، إخوة لي في التعليم الاساسي (الاعدادي والابتدائي) ، وجميعنا نشاهد ذلك الصخب ، فينقلب ألـمًـا في نفوسنا وبكاءً في عيوننا ، تطور الأمر حتى طلق أبي أمي مرتين ولم يبق سوى الأخيرة ، تطور الشقاق و أصبح أبي يتناول حبوب الاكتئاب ، ولا يحب الجلوس في البيت ،أمي معظم الوقت متضايقة و متوترة ، يقول :
لـمَّـا أخذت مهارات التفكير وأهميتها وكيف أهملناها ؟
و بدأت أمارس التفكيرالناقد ، والتفكير الابداعي ..!!
فعلاً أحسست بأني كنت مهملاً نفسي وحياتي ، وكيف بلغت بي السلبية إلى عدم وجود أي أثر أو مشاركة لي في البيت ، فقط أدرس ، آكل ، أشرب ، أنام ، وقد ألعب مع إخواني ، ولي طلعات مع أصدقائي ، أختي مثلي كذلك ، كلانا نعزف نغم السلبية في بيتنا ، يقول فواز :
و لَـمَّـا مررنا على إستراتيجيات حل المشكلات ، و طبقت ومارست ،عرفت كم أنا مقصر مع نفسي و أبي و أمي ؟
كنت أتصور أن المهمات والمسؤوليات على أبي و أمي فقط ، أما نحن فلا ..
وقد حركني تجاههما أمران قلتهما يا دكتور ، إذا احسست بمشكلة حولك فلن تحلها حتى تحس بأنك جزءًا من المشكلة و الحل ، والأمر الآخر أنه لا شيء مستحيل ، هنا فعلاً فكرت لماذا أنقد والدي و والدتي ولم أنقد نفسي ..!
أين دوري ...؟
ثم فكرت بأسباب المشكلة ، فوجدت من أبرزها ؛ أن هناك ضغطاً جسدياً ونفسياً على الوالدين ..!!
فالأب يعمل في الصباح حتى قبيل العصر ؛ ثم يأتي مجهدًا فيتابع البيت
و متطلباته ، ومتابعتنا تعليمياً و تربوياً ، إضافة إلى مهام الأسرة و الأقارب ..الخ
لاحظت أن أبي لديه ١٤ مهمة ، وأمي لديها مثلها في البيت ،
وأنا وأختي لا نشارك إطلاقًا ، فوضعت خطة لتحمل أربع مهام .
من مهام والدي : المشتريات ، متابعة دروس أخي الصغير ،القيام " بمشاوير " الوالدة ، إضافة الى إحداث جلسة للأسرة في بعض المغربيات
أديرها أنا و فيها سوالف و فوائد و طرائف ..!!
أيضا أختي ناقشتها و اقتنعت بإعانة أمي ، فتقوم بأربع مسؤوليات ؛تقوم بالإشراف على سفرة الطعام تقديمًا ، وتنظيفًا ، تعين في تنظيف البيت ، تُشرف على نظافة أختي الصغيرة ،و تدرس أختي الصغيرة الأخرى .
بقينا ننفذ ذلك لمدة شهر ،
لاحظت تغيرًا واضحًا في نفسية الوالد ،أمي هدأت أكثر ، نحن بدأنا نحس بدورنا في البيت ، وغاب ٦٠ ٪ من المشكلة ...‼
قلت :
حقيقة أعجبت بهذه المبادرة والذكاء من فواز فحفزته ، وشجعته ، وحثثته على شكر أخته وأن يعطيها هدية كحافز ، بعد ذلك اقترحت عليه أن يطلب من أبيه طلبًا والمهمة نفسها تقوم بها أخته ..!
وهو أن يعطيا والديهما : " إجازة الوالدين من الأسرة "
بحيث يطلبان منهما أخذ اجازة ويذهبان بمفردهما إلى مكان في بلدهم ، أو خارجها لمدة ثلاثة أيام وينسيان هموم البيت و الأسرة والأولاد ليستجمّا ويرتاحا ، ثم يعودا أكثر نشاطًا ، وقلت له ربما يرفض الوالدان من باب الخوف عليكما ...
فجهز حلاً مناسبًا ، وهو تذهبان لبيت جدك و جدتك يومًا ، واليوم الآخر تأتي جدتك إليكم ، وفعلًا فواز وأخته نظما الأمر واختارا وقتًا مناسبًا ، و هيـئا الوضع ، وطلبا من والديهما أن يرتاحا عدة أيام ليجددا الحياة ، في أول الأمر رفضا خوفًا عليهما من تركهما وحدهما وحياء ربما ولكنهما في الأخير اقتنعا.
وفي الأسبوع الذي يليه حزما حقائبهما وسافرا ظهر الأربعاء ، ولم يرجعا إلا العاشرة ليلة السبت ، وكان بينهما وأولادهما الهاتف ، قال لي فواز وهو يضحك :
رجع والدايَ والله كعروسين ، ووجه أمي ينضح بالبُشرى والارتواء كأنها عروسة اللحظة ، أما أبي فلقد كان سعيدً
ساحة النقاش