لمّا تمَّ للإسكندرِ المَقدونيّ فتح البِلاد أمرَ بالقبضِ على لصٍّ من لُصوصِ البحر، ولمَّا جِيء به بينَ يديه سأله: بأيِّ حقٍّ تسرقُ مالَ الغير ؟!

فقالَ له: أنا أسرقُ بسفينةٍ صغيرةٍ فيسمُونني لِصّاً، وأنتَ تسرقُ بأسطولٍ كبيرٍ فيسمُونكَ فاتحاً !

تمجيدُ الأقوياءِ هو دأبُ هذا الكوكبِ منذ آلافِ السّنين، ويبدو أنّه سيبقى دأبه فيما تبقّى، ما دُمنا نُمجّدُ القوة على حساب الحقّ فسنبقى عبيداً مهما ادّعينا الحضارة ! 

فالحضارةُ ليستْ في ارتفاع الأبنية ولا في تطوّر وسائل الاتصال والمُواصلات ولا في عدد المصَانع وطفرة الانتاج، هذه مدنيّة ! 

أما الحضارة فلها شأن آخر مقياسُه القيمُ والمبادئ، وما ترضاه لغيركَ لا ما ترضاه لنفسك هو معيارُ تحضّرك ! 

فالذي يُحلِّق بطائرته صباحاً ليقتل أطفال الغير ثم يذهب مساءً إلى مطعم فاخر برفقة أولاده ليأكل بالشَّوكةِ والسِّكين ليس متحضراً بقدر ما هو وحشٌ مُتمدِّن

هذا العَالمُ غابة على وجهِ الحقيقةِ لا المجاز، فليسَ الشّجرُ والمفترسُون والطرائد هي التي تجعل بقعة ما من الأرضِ غابة، وإنما الشّريعة التي يتحاكم فيها هؤلاء! القويّ يأكل الضّعيف لأنّه قوي فقط، ونحن كذلك، مع فارق جوهريّ أنَّ الحيوانات تقتلُ لتعيش أما البشرُ فيقتلونَ للحصُول على رفاهيّةٍ أكبر !

في هذه الغابةِ يمكنُ لجيوشكَ أن تنتشرَ في كلّ أصقاعِ الأرض، وتحتلَّ دُولاً وتنهبَ خيرات شعوب، وبشحطةِ قلم تطيح برئيسِ مُنتخب، وبشحطة قلم أيضاً تُثبّت دكتاتوراً مكانه، ثم تحصلُ على جائزةِ نوبل للسَّلام ! جائزةُ نوبل التي اخترعها « ألفرد « تكفيراً عن اختراعه للديناميت يبدو أنّها صارت من نصيبِ من يستخدمُ الديناميتَ أكثر! ما دام لديك جيوشٌ جرارة وتسكنُ في البيتِ الأبيض يمكنكَ أن تحصلَ على لقب ملكة جمال العالمِ لو أردت !

في هذا الغابةِ يُمكنُ لدبابةٍ إسرائيليّة أن تدهسَ طفلاً ثم تستدعي أباه إلى المحكمة لتسأله ماذا يفعل ابنه أمام الدبابة، وليسَ له الحق أن يسألَ ماذا تفعل الدبابةُ فوقَ ابني !

تنفقُ فقمةٌ في القطبِ فيتداعى العالمُ لدراسةِ الأسبابِ ! ويتبعثرُ مئاتُ الأطفالِ بالبراميل المُتفجّرةِ فيقلقُ سيادةُ الأمينِ العَام، ويدعُو لقمةٍ على التَّراخي ! يُعدّون فيها مشروع قرار إدانة، أيْ مجرّد كلامٍ مكتوبٍ قيمتُه الفعليّة أرخصُ من الورقِ والحبرِ المكتوب فيه، ولكن روسيا تستخدمُ حق النقض الفيتو فتقيم على أميركا الحُجَّة كما أقامتها هي عليها حين تعلّق الأمر بغزّة ذاتَ مجزرة ! يمكنُ لما يقربُ مئتي دولة أن تجتمعَ وتتفقَ على أمرٍ ما ثم تُقرر دولةٌ قوية أن تستخدمَ حقَّ النقضِ الفيتو، والفيتو هو تعبير أنيق لـ:

« طُز بكم جميعاً أيها السادة عودوا إلى بلدانكم هذا الأمر لن يتم ».

منقول 


 

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 74 مشاهدة
نشرت فى 4 يوليو 2019 بواسطة wshatnawi

ساحة النقاش

Wael Shatnawi

wshatnawi
»

أقسام الموقع

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

75,449