منذ أكثر من خمسة آلاف سنة استقرت الهجرات العربية في فلسطين ، ومنذ أكثر من أربعة عشر قرناً جاءها العرب المسلمون ليتسلموا مفاتيح القدس بحضور أمير المؤمنين الخليفة العادل عمر بن الخطاب ، الذي حضر إلى القدس لتدشين هذه المناسبة التي اشترط فيها المسيحيون على المسلمين أن لا يسمحوا لليهود بتعكير سلام القدس أو أمن فلسطين ، لهذا كان الوجود اليهودي في الأرض المقدسة قليلاً وضئيلاً ، بل أقل من قليل وأضأل من ضئيل على مدى أربعة عشر قرناً . ففي عام 1170 حضر السائح اليهودي بنيامين الطليطلي إلى فلسطين وزار القدس فلم يجد من اليهود سوى 1440 يهودياً في جميع أنحاء فلسطين حسب روايته . وفي عام 1257 زار القدس ناحوم جيروندي فلم يلق سوى عائلتين من اليهود في القدس .
مع ذلك ، إذا كان الصليبيون قد أبادوا اليهود في معبدهم عندما استولوا على القدس عام 1099 م ، فإن صلاح الدين الأيوبي رحمه الله قد سمح لليهود بالعودة إلى سكناهم في فلسطين بعد استرداده للقدس في عام 1187 . وفي عام 1845 لم يكن في فلسطين من اليهود إلا 12000 نسمة من مجموع السكان البالغ 350000 أي أقل من 4% . وفي عام 1880 كان عدد اليهود 25000 من مجموع السكان البالغ 500000 أي 5% بعد تنشيط الهجرة ووصول عدد من المهاجرين إلى فلسطين ، لاسيما بعد اضطهاد اليهود في روسيا عام 1882 التي كانت السبب في نزوح عدد من يهود روسيا إلى فلسطين ، تبعتها موجات من يهود بولونيا ورومانيا (59).
وبعد المؤامرة الكبرى على فلسطين بوعد بلفور، وتسليم فلسطين للإنكليز باسم الانتداب ، وتعيين صموئيل اليهودي مفوضاً سامياً على فلسطين ، واستخدامه صلاحيات واسعة وقاسية لتمكين اليهود من فلسطين ، بفتح باب الهجرة على مصراعيه ، وتمليك الأرض للوافدين بطرق شتى ، ازداد عدد اليهود زيادة ملموسة ، ووقع سكان فلسطين بين السندان والمطرقة فقام الإنكليز بإجراء إحصاء في 31/12/1922 ، وأعلنوا عدد سكان فلسطين 757000 منهم 663000 من العرب و83000 يهودي أي حوالي 12,3 %، وذلك بعد خمس سنوات من الانتداب وموجات الهجرة الأولى من أوروبا لاسيما من الذين نجوا من المذابح في روسيا وبولونيا ورومانيا (60).
إذا كان عدد اليهود عام 1880 قد وصل إلى 25000 من عدد السكان البالغ 500000 فإن العدد ارتفع إلى 50000 عام 1917 . لكن أكبر مجموعة كانت الموجة التي وصلت من ألمانيا بسبب معاداة هتلر لليهودية . إذ وصل إلى 400000 يهودي إلى فلسطين قبيل عام 1945 ، ولم يحل عام 1947 عشية الإعلان عن إنشاء الدولة اليهودية حتى كان عدد اليهود 600000 من مجموع السكان الكلي في فلسطين البالغ مليوناً وربع مليون نسمة .
بعد ما افتضحت المؤامرة بكل أركانها ضد شعب فلسطين ، وكانت بريطانيا رأس الحربة في تنفيذ هذه الجريمة اللئيمة ، وتبعتها بعد ذلك أمريكا وفرنسا والاتحاد السوفياتي ومعظم دول أوروبا ، وجميعهم حكموا بإعدام أبناء فلسطين على مذابح المطامع الصهيونية . وبعد تنفيذ هذه الجريمة الدولية بدأت عملية الاجتثاث المنظم للشعب الفلسطيني المنكوب بلؤم الصهيونية وأحقاد عدد من الدول الغربية الكبرى . وبعد أن كان عدد الفلسطينيين 650000 في عام 1949 لم يبق منهم سوى 160000 بعد نزوحهم إثر المذابح المرعبة التي أوقعها بهم الصهاينة من أعضاء المنظمات الإرهابية . لكن وبسبب الخصوبة وكثرة المواليد ارتفع عدد الفلسطينيين إلى 450000 في نهاية عام 1970 (61). وكشفت رابطة حقوق الإنسان في إسرائيل أنه في الفترة من 11/6/1967 وحتى 15/11/1969 دمر اليهود 20000 منزل بالديناميت في إسرائيل وفي الضفة الغربية ، ورغم أن اتفاقية جنيف الصادرة في 12/8/1949 والتي تنص المادة 49 منها على أنه لا تستطيع القوى المحتلة القيام بأي نقل لجزء من سكانها المدنيين إلى الأراضي التي تحتلها ، وحتى هتلر لم ينتهك القانون الدولي ، فهو لم يسكن أي مستوطن مدني ألماني في الأراضي التي طرد منها الفلاحين الفرنسيين (62).
تدمير القوى العربية
ولتزوير الجغرافيا كما زوروا التاريخ ، ولمحو ذكرى وجود السكان الزراعيين والتأكيد على أسطورة (بلد صحراوي بلا شعب) دمرت الدولة الإسرائيلية وليست المنظمات الصهيونية فقط معظم القرى العربية ومحتها من الوجود ، وأزالت منازلها وأسوارها وحتى مقابرها وقبورها ، وقد أورد الأستاذ إسرائيل شاحاك عام 1975 قائمة بأسماء 385 قرية عربية دمرت بالبلدوزر، وذلك من بين 475 قرية كانت مسجلة في عام 1948 ، وقال شاحاك كما أورد في كتابه : (عنصرية دولة إسرائيلية ص 152 وما بعدها) : وليتسنى الإقناع بأن فلسطين قبل إسرائيل لم تكن سوى صحراء دكت مئات القرى ، وسويت بالأرض ، واستمر زرع المستوطنات الإسرائيلية ، وتسليح اليهود ، وازداد عددها منذ عام 1979 في الضفة الغربية مع تسليم للمستوطنين ، وبعد طرد ما مجموعه مليون ونصف مليون فلسطيني أصبحت الدولة اليهودية كما يقول العاملون في الصندوق القومي اليهودي تمثل 93% من فلسطين بعد أن كانت 6,5 % عام 1948 (63).
وكل من رفع إصبعه أو صوته أو احتج على هذه المظالم الرامية إلى إفناء الشعب ومصادرة وطنه وتغيير تاريخه وجغرافيته ، كان مصيره القتل والاغتيال على سمع الدنيا وبصرها ؟ فالوسيط الدولي الكونت فولك برنادوت الذي وصف في تقريره الأول السلب الصهيوني على النطاق الواسع وتدمير القرى دون ضرورة عسكرية ملحة ، اغتيل في 17/9/1948 بعد يوم واحد من تقديم تقريره في 16/9/1848 ، كما قتل مساعده الفرنسي الكولونيل سيرو في الجزء الذي يحتله الصهاينة في القدس . ومن قبل عندما أعلن اللورد موين الوزير المفوض البريطاني في القاهرة أمام مجلس اللوردات البريطاني في 9/6/1942 أن اليهود ليسوا أحفاد العبرانيين القدماء ، وأنهم لا يملكون المطالبة الشرعية بالأراضي المقدسة ، قام اثنان من عصابة شتيرن التابعة لإسحاق شامير باغتياله في 9/11/1944 (64)!!



ساحة النقاش