أسرار الجمال مع وفاء سعفان

كل ما يخص جمالك عن مكياجك وطرق العنايه بالبشرة والشعر

* تعريف الاستشراق:
الاستشراق هو اهتمام فكرى مزدوج وذلك من خلال مقارنة عالمين "عالم الشرق وعالم الغرب"، حيث يقوم المستشرق بتقديم عالمه الغربي وفى الوقت ذاته تقديم العالم الشرقي (أو العالم الذي لا ينتمي إليه) الذي تكون لديه رغبة الانغماس فى دراسته والتعرف على آدابه وفنونه وتاريخه وثقافته.
فدراسة الشرق هو اهتمام بالشرق وحضارته فى علم التاريخ، الرحلات العلمية، بعثات التنقيب عن الآثار، ترجمة القرآن الكريم، الأدب، الموسيقى، العمارة، الرسم (فن التصوير) ... الخ.
أما المستشرق، فهو ذلك العالم المتخصص فى دراسة حضارة الشرق ويمكن وصفه أيضاً بأنه عالم اجتماع متمرس.
ومسرح أداء النزعة الشرقية هو الدول الغربية حيث تواجد المستشرقين، أي أن المستشرقين هم علماء الغرب الذين يرمون إلى دراسة حضارة الأمم الشرقية.
وعلى الرغم من أن الكثير من الأوروبيين أظهروا شغفهم بالشرق وقدموا صوراً إيجابية عنه، إلا هناك النقيض الذي قام بتوصيف الشرقي سواء أكان عربياً أم تركيا أم فارسياً (حسب الرؤية الاستشراقية) بأنه الصورة المُثلى للشهواني القاسي الذي يتمسك بدين متعصب ألا وهو الإسلام. وبذلك وضعوا الدين الإسلامي فى قفص الاتهام، الأمر الذي يؤكد على الطبيعة الاستعمارية للاستشراق التي تهدف إلى تكريس الجهود لفصل الشرق عن باقي العالم لأن له عمق تاريخي. بل وأن من بين المؤيدين للشرق كانت لهم آراء تتسم بالازدواجية من الافتتان وفى نفس الوقت الاستياء والرفض لأمور عديدة فى هذه الحضارة .. وجاء هذا الرفض فى المحاولات المتعددة من ترسيخ مجموعة من التقاليد والنظم التي تحمل طابع الغرب وتُلزم الشرق بها.

* بداية ظهور الاستشراق:
كانت بدايات شغف الغرب بالتعرف على الشرق فى أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر، وإن كان من الصعب على المؤرخين تحديد بداياته الفعلية ..
بدايات الاستشراق الحقيقية مع ظهور الإسلام، وشعور أوربا بأنه مصدر خوف دائم وخطر يحدق بها. وكانت ترجمة شعوب أوربا لهذه الرهبة من الدين الإسلامي هو بتوجيه عدم الاهتمام للمسلمين وعظمتهم، الذين تتوافر لديهم قوة إقناعية عالية فكان الهروب من هذا الاقتناع حافزاً على استعراض العلاقة بين الشرق والغرب .. وإن جاز القول يمكن تقسيم عصور الاستشراق إلى التالى مما يعلل سبب ظهوره:
أ- استشراق العصور القديمة: كان الوازع المسيطر عليه هو الوازع الديني، حيث وقع الشرق تحت سيطرة الغزو والاستعمار الذي تعدد أشكاله من الحروب الصليبية والحملة الفرنسية على مصر والشام.
ب- استشراق العصور الحديثة: وهنا لم يختفي الوازع الديني لتغلغل علماء الغرب فى الشرق، بل أضيف إليه الوازع التاريخي أو الرغبة فى السيطرة على تاريخ الشرق وحماية مصالح الغربيين فيه لأنه عالم مليء بالثروات.
ج- استشراق التقسيم: أي الاستشراق الأمريكي الذي وصل إلى درجة من الهيمنة والسيطرة التي تحد من حرية الشعوب الشرقية داخل بلدانها، والتوجه بصنع سياسة هذه البلدان الواقعة تحت سيطرتها.
فقد يختفي الاستشراق تحت ستار الموضوعية، والتي تظهر فى صورة حقائق علمية تتجه نحو العمق، وكل هذا بهدف استقطاب المسلمين وتوظيفهم لخدمة الأغراض الأوربية.
لذا نجد أن أهداف الاستشراق، لا تخرج عن الأهداف التالية مهما كان نوعه:
1- خدمة الاستعمار، حيث يمكن وصفه بأنه الجناح الفكري للتوسع السياسي.
2- الغزو الثقافي، الاستيلاء على الثقافة الشرقية والاستهانة بها. كما حدث فى الازدواج اللغوي الذي نجحت فرنسا فيه بنشر اللغة الفرنسية فى الجزائر وبريطانيا بنشر اللغة الإنجليزية فى مصر .. ويتضح هذا النوع من الثقافة الاستعمارية ما قاله الكاتب الفرنسي "أوجست برنارد": "إننا لم نحضر إلى الجزائر لإقرار الأمن بل لنشر الحضارة واللغة والأفكار الفرنسية".
3- النيل من الإسلام والمسلمين باضطهادهم وتشويه عقيدة الإسلام، وذلك بصرف المسلمين عن التمسك به وقيادة الحركة التنصيرية.

* العوامل/الأسباب التي أدت إلى ظهور الاستشراق:
- ترجمة قصص ألف ليلة وليلة:
إن قصص ألف ليلة وليلة أو قصص الليالي العربية كما يطلقون عليها فى الغرب

(Arabian Nights)
، كانت مصدر إلهام لكثير من الفنانين والرسامين والموسيقيين حيث قام الغربيون بترجمة هذا العمل الأدبي الضخم وأمعنوا فى تحليله.

قصص ألف ليلة وليلة فن قصصي من الحكايات الشعبية الأسطورية، يتراوح عددها من (170-200) حكاية، البعض منها يستغرق ليلة واحدة والبعض الآخر يمتد لأكثر من ليلة بل ويصل إلى ثلاثين ليلة. كل الحكايات والقصص مقدمة فى كتاب واحد بأسلوب لغة عربية فصحى وعامية كما يوجد بها شعر ركيك.
وإن كان هناك اختلاف عن أصولها، حيث أن البعض يرجعها إلى أصل هندي والبعض الآخر يرجعها إلى أصل بغدادي .. إلا أنه هناك اتفاق نوعاً ما عن أصولها التي ترجع إلى بلاد الفرس حيث عُرف عنهم سبقهم فى تأليف الخرافات، وما يدعم هذه الأصول الفارسية لقصص الليالي العربية أن كتاب ألف ليلة وليلة كان معروف باسم "هزار - إفسان" وهذا اسم فارسي معناه "ألف خرافة"، وعلى الرغم من أصولها فإن أكثر البيئات ظهوراً فى هذه القصص هي العراق وسوريا ومصر لأنها تقدم بعض الحكايات المأخوذة عن العرب.
هناك ظن بأن هذه الحكايات تم تأليفها ما بين القرن الثالث عشر والرابع عشر، وحكايات ألف ليلة وليلة محورها شخصان الرجل "الملك شهريار" والمرأة "شهرزاد" حيث تقوم شهرزاد كل ليلة برواية حكاية للملك شهريار التي لا تكملها حتى لا تموت ويأمر الملك بقطع رأسها كما كان يفعل مع زوجاته من قبل، والسبب وراء ذلك أن الملك شهريار قد علم بطريق الصدفة خيانة زوجته له الذي وأمر بقطع رأسها. بدأ ينتقم من النساء حيث يتزوج كل ليلة واحدة ويأمر بقطع رأسها فى الصباح .. ولم تعد هناك فتيات يتزوج منها الملك، إلى أن نما إلى علمه أن وزيره لديه ابنة اسمها شهرزاد وأمره بأن يتزوجها. علمت شهرزاد بقصته وقبلت التحدي، حيث اتفقت مع شقيقتها بأن تأتى للقصر ليلة زواجها وتطلب منها أن تقص عليها وعلى الملك قصة قبل موتها فى الصباح. وبالفعل تم تنفيذ الاتفاق وبدأت فى حكاية أولى القصص التي لم تنتهي منها وتوسلت إلى الملك أنه لو أبقاها حية ستُكمل له القصة فى اليوم التالى، وهكذا وصلت إلى الألف ليلة وهى ما زالت على قيد الحياة حتى أحبها الملك ورجع عن فكرة القتل.

هناك تصنيفات عديدة لقصص ألف ليلة وليلة:
- الحكايات الأسطورية.
- الحكايات الاجتماعية.
- الحكايات التاريخية.
- الحكايات الوعظية.
- حكايات الجان.
كما أن هناك تصنيفات للقصص من حيث الشخصيات التي تقدمها:
- شخصيات حقيقية مثل قصص هارون الرشيد.
- شخصيات أسطورية.
- شخصيات خيالية عامية كما فى قصص: على الزيبق، السندباد ... الخ.
- شخصيات خيالية علمية مثل البساط السحري.
* بعض الأمثلة لحكايات ألف ليلة وليلة:
- حكاية معروف الإسكافي.
- حكاية هارون الرشيد مع على العجمي.
- حكاية الحاسد والمحسود.
- حكاية أبى قير وأبى صير.
- حكاية قمر الزمان.
- حكاية مدينة النحاس.
- حكاية الملك شهريار وأخيه الملك شاه الزمان.
- حكاية علاء الدين.
- حكاية الملك يونان والحكيم دويان.
- حكاية الحمال مع البنات.

وصحيح أن الشرق كان بمثابة العدو لأوربا (إلا أنه لا مانع من الأخذ من ثرواته التي لا تنضب) وكان من بينها الأدب الشرقي المتمثل فى حكايات ألف ليلة وليلة حيث ساهمت فى خلق صورة خيالية مبهرة عن الشرق نُقلت إلى الغرب الذي لم يكن قادراً على الذهاب بنفسه للإطلاع عليها. ولذا توالى ترجمة هذه الحكايات إلى العديد من اللغات الأجنبية، مثل: اللغة اللاتينية منذ البداية ثم إلى اللغة الفرنسية حيث قام بهذا العمل المستشرق "أنطوان جالان" الذي قام بجمع هذه الحكايات مكتوبة بعد تجوله فى مقاهي القاهرة وبغداد وعاد إلى بلاده ومعه عدداً من المخطوطات لهذه القصص باللغة العربية واستغرق العمل فيها حوالي (13) عاماً أهداها بعد ذلك إلى الملك "لويس الرابع عشر". وكانت ترجمة قصص ألف ليلة وليلة إسهاماً واضحاً فى إنعاش الحركة الأدبية فى أوربا بأكملها، وترجمت بعدها إلى الإنجليزية ثم الألمانية ومن بعدها البولندية.
والجدير بالذكر أن الطبعة الكاملة لهذه الحكايات كانت فى مصر.

- ترجمة رباعيات عمر الخيام:
من هو عمر الخيام؟
الخيام اسمه بالكامل: "غياث الدين أبو الفتح عمر بن إبراهيم الخيام والمعروف باسم عمر الخيام، وهو شاعر وعالم وحكيم وفلكي إيراني فارسي وُلد فى مدينة "نيسابور" ما بين عامي (1048-1131 م) وسُمى بالخيام لأن أبيه كان يصنع الخيام ويقوم ببيعها.
وقد اهتم المستشرقون الغربيون أكثر من العرب فى بادىء الأمر بهذا الشاعر وعالم الرياضيات الفذ، حيث لم تُكتشف عبقرية هذه إلا بعد مرور (700) عاماً من وفاته إلى درجة أنه اختطف الأضواء من شكسبير لفترة طويلة من الزمن.
وكانت مجالات إبداعاته:
- فى الجبر وأول من اخترع حساب المثلثات، وأول من وضع علامة (×) ليصبح رمزاً عالمياً للعدد المجهول.
- كما وضع التقويم الفارسي المتبع حتى الآن.
- وكان فيلسوفاً ومبدعاً أكثر من كونه شاعراً، وقد صفه البعض بالزندقة والإلحاد إلا أن الكثير من كتبه قد ضاعت فى هذا المجال.
- ترجع شهرته الواسعة إلى "الرباعيات"، وهى قصائد شعرية قد قام بتأليفها تتكون من أربعة أبيات تكون قافية البيت الثالث فيها مختلفة عن الأبيات الثلاثة الأخرى (الأول والثاني والرابع) التي تشترك فى القافية.

ومن أمثلة شعر الرباعيات:
لا تشغل البال بماضي الزمان
ولا يأتي العيش قبل الأوان
واغتنم من الحاضر لذاته
فليس فى طبع الليالي الأمان

فى الفناء السريع للحياة:
يا عالم الأسرار علم اليقين
وكاشف الضر عن البائسي
ن
يا قابل الأعذار عدنا إل
ى
ظلك فاقبل توبة التائبي
ن


وعن عدد الرباعيات التي قام بكتابتها عمر الخيام باللغة الفارسية يصل عددها إلى حوالي (66) رباعية وهناك العديد من الرباعيات الأخرى التي لم يتم الجزم بنسبها إليه قد تصل إلى المئات بل الألوف.
وعن ولع الغربيين بعمر الخيام، نجد أن "فيتز جيرالد" هو من أول من قام بترجمة الرباعيات إلى اللغة الإنجليزية والتي منها ترجمها الشعراء العرب إلى اللغة العربية. ومن شدة الإعجاب بها وبعد وفاة "جيرالد" بحوالى عشر سنوات تأسس نادٍ فى لندن يحمل اسم "الخيام".
وكان "لوركا" المستشرق الأسباني من ضمن المولعين بشعر عمر الخيام الذي أثر على تكوينه الشخصي والأوربي كما جاء على لسانه.
تمت ترجمة "فيتز جيرالد" للرباعيات على نمطين:
1- ترجمة نثرية حرفية التزمت بكل ما هو مقدم فى النص المكتوب باللغة الفارسية.
2- ترجمة شعرية بلاغية، التي لا تخلو من التصرف أحياناً.
وكانت هناك محاولة فى ترجمة الرباعيات قبل قيام "جيرالد" بهذه المهمة لكنها لم تنل اهتمام الناس، وكانت هذه المحاولة تُنسب إلى أستاذ اللغات الشرقية فى جامعة أكسفورد "توماس هايد".

وكان من خلال هذه الآراء الغربية ترسيخاًً لشغف الغرب باقتباس كل ما هو قوى وجديد عن الشرق.

أما عن الشعراء العرب الذين قاموا بترجمة رباعيات الخيام من اللغة الإنجليزية أو الفارسية إلى اللغة العربية كان عددهم عشرة (عدد التراجم عشرة):
- محمد السباعي (ترجمة شعرية عن الفارسية).
- محمد الهاشمي (ترجمة شعرية عن الفارسية). 
- أحمد الصافي النجفى (ترجمة شعرية عن الفارسية).
- احمد رامي (ترجمة شعرية عن الفارسية).
- جميل صدقي الزهاوى (ترجمة نثرية عن الفارسية).
- محمد غنيمى هلال (ترجمة نثرية عن الفارسية).
- أحمد الصراف (ترجمة نثرية).
- عبد الحق فاضل (ترجمة شعرية).
- أحمد زكى أبو شادي (ترجمة شعرية عن الإنجليزية).
- والشاعر الأردني/مصطفى وهبي التل.

- افتتاح قناة السويس واحتفالات البذخ التي أقامها الخديوي إسماعيل:
كان حفل الافتتاح الذي أقامه الخديوي/إسماعيل لقناة السويس له أكبر الأثر فى ذهول الغربيين وشغفهم بنقل الكثير عن الشرقيين ودراسة حضارتهم.
فبهذا الاحتفال الضخم كان الخديوي/إسماعيل يريد أن يلفت النظر إلى حضارة مصر وكانت محاولة منه أيضاً لإظهار الاستقلال عن الآستانة، إلا أنه أوقع مصر تحت طائلة الديون نتيجة للمصاريف الباهظة التي تكبدتها الخزانة المصرية لإقامة مثل هذا الحفل الذي بهر زوجة الملك "نابليون بونابرت" التي كانت فى مقدمة المشاركين فى حفل افتتاح قناة السويس.
أما فكرة حفر قناة السويس كانت بغرض ربط البحر المتوسط بالبحر الأحمر (المعروف ببحر القلزم فى القدم) وخاصة لموقع مصر الجغرافي الذي يربط بين الشرق والغرب.

وعن تجارب حفر قناة السويس منذ القدم:
أ- قناة سنوسرت الثالث (1874) قبل الميلاد.
ب- قناة سيتي الأول (1310) قبل الميلاد.
ج- قناة نخاو (610) قبل الميلاد.
د- قناة دارا الأول (510) قبل الميلاد.
هـ- قناة بطليموس الثاني (285) قبل الميلاد.
و- قناة الرومان (117) قبل الميلاد.
ز- قناة أمير المؤمنين (640) بعد الميلاد.

يبلغ طول قناة السويس (195) كم وعرضها (190) متر وعمقها حوالى (17) متراً.
وقد قوبلت فكرة حفر القناة بالرفض العديد من المرات، نتيجة للاعتقاد الذي كان يسود بأن منسوب مياه البحر الأحمر أعلى من منسوب مياه البحر المتوسط. لكن الحفر الفعلي لها بدأ فى نوفمبر عام (1859) وتم افتتاحها فى نوفمبر عام (1869) فى عهد الخديوي/إسماعيل، وقد فاق حفل الافتتاح الحكايات الأسطورية.

ومن مظاهر البذخ الذي بات سمة واضحة لحفل افتتاح قناة السويس:
1- رصف الطريق من القاهرة إلى السويس.
2- دعوة ملوك ورؤساء العالم وزوجاتهم، وعلى رأسهم زوجة "نابليون بونابرت".
3- أقيمت ثلاث منصات مكسوة بالحرير الأخضر: الكبرى للملوك والأمراء، الثانية على اليمين لرجال الدين الإسلامي والثالثة على اليسار لرجال الدين المسيحي.
4- وصل عدد المدعوين إلى ستة آلاف مدعو.
5- عدد الطباخين من الخارج (500) طباخ.
6- استيراد الأسماك واللحوم والخضراوات لبورسعيد، موائد الأطعمة (غذاء وعشاء) بالإضافة إلى الخمور.
7- إعداد الزينات والألعاب النارية وحفلات الموسيقى.
8- الدعوات المجانية، وإقامة الزائرين وجولاتهم كانت على نفقة مصر.
9- المراكب الحربية التي اصطفت على شكل نصف قوس داخل ميناء بور سعيد.

فكل مظاهر البذخ هذه أذهلت الغرب، ووقعت مصر تحت قبضة الاحتلال البريطاني عام (1882) ميلادية.

- الحملات الصليبية:
إحدى صور الطمع الغربي فى الشرق، وسُميت بالحروب الصليبية أيضاً. والأسباب التي أدت إلى قيامها:
1- الزعم بضرورة تخليص المسيحيين من اضطهاد الحكم الإسلامي والدعوة إلى تحريرهم، أما الدافع الحقيقي الذي كان يكمن وراء هذه المقولة هو الرغبة فى نشر النفوذ المسيحي ودفع تهديد السيطرة الإسلامية.
2- النظام الإقطاعي السائد فى أوربا آنذاك، فكان هناك الأسياد ويقابلهم المعدمين. وكانت الدعوة إلى الخوض فى حروب صليبية مع الشرق للحصول على أراضى لهؤلاء المعدمين أو لمزيد من الأملاك للإقطاعيين. وهكذا وجد الفقراء فرصة لحياة أفضل والخروج من حياة العبودية كما كانت فرصة للأغنياء لمزيد من الثراء والجاه.

تعدد الحملات الصليبية:
1- الحملة الصليبية من الفقراء:
وهى الحملة التي قام بها عامة الشعب من الفقراء بقيادة "بطرس الناسك"، والتي وصلت إلى القسطنطينية عاصمة الدولة البيزنطية وهزمها الأتراك فى عام
(1096).
2- الحملة الصليبية الأولى:
لعبت الخلافات التي دبت بين الحكام المسلمين دوراً كبيراً فى الهزيمة على يد الصليبيين مما أدى إلى احتلال القدس (1099) والسيطرة على البلاد الشامية والفلسطينية فيما بعد.
3- الحملة الصليبية الثانية:
بدأت هذه الحملة فى عام (1147) واستمرت لمدة عامين، وكانت أول حملة يشارك فيها ملوك الغرب: الملك "لويس التاسع" ملك فرنسا والإمبراطور "كونراد" إمبراطور ألمانيا إلا أنه لحقت بهم هزائم عظيمة.
4- الحملة الصليبية الثالثة:
بعد تحرير صلاح الدين للقدس فى معركة حطين فى عام (1187)، تمت الدعوة للحملة الصليبية الثالثة لاسترجاع القدس. وكان قائد الجيوش فى هذه الحملة الثالثة الملك "ريتشارد الأول" ملك إنجلترا، "فيليب أوجست" ملك فرنسا و"فريدريك الأول" إمبراطور ألمانيا حيث غرق هذا الإمبراطور فى نهر اللامس عام (1190). كم توترت العلاقات بين ملك فرنسا وإنجلترا حيث عمل الأخير على توسيع النفوذ فى صقلية مما أدى إلى عودته إلى فرنسا فى عام (1191)، وعقد ملك إنجلترا الصلح مع صلاح الدين.
5- الحملة الصليبية الرابعة:
كانت بهدف التوجه إلى مصر لضرب القوة الإسلامية الكبرى، لكن تم توجيهها عمداً إلى القسطنطينية عاصمة الدولة البيزنطية التي ألحقت بها تخريب كبير، وكان توجيه الحملة بفعل أهل البندقية لأن الصليبيين لم يدفعوا لهم المبلغ المتفق عليه.
6- الحملات الطفولية:
هذه الحملات باءت بالفشل ووقع الجيش فى أيدي القراصنة، وتم بيع الجنود كعبيد فى أسواق النخاسة. أما عن تسميتها بهذا الاسم فقد اختلفت الأقاويل عليها، فهناك من يقول أنها مجرد استعارة للجموع التي كانت موجودة من الفقراء الذين يشكلون جنود هذه الحملة ولم يكن هناك وجود للأطفال، والبعض الآخر يرجعها إلى وجود الأطفال واشتراكهم فى هذه الحملة بالإضافة إلى الكبار معهم.
7- الحملة الصليبية الخامسة:
هذه هي الحملة التي تمكنت من الوصول إلى مصر، واستولوا على محافظة دمياط عام
(1219) وكانت بقيادة الجيوش التالية: المجرية والنمساوية وانضمت إليها القوات الألمانية والهولندية ووصلوا إلى محافظة المنصورة. إلا أن فيضان النيل قد ساعد على إلحاق الهزيمة بهذه القوات وغرق المئات منهم فى مياه الفيضان وأسر الملك "لويس التاسع".
8- الحملة الصليبية السادسة:
كانت بقيادة الإمبراطور الألماني/فريدريك الثاني الذي تفاوض مع السلطان/الكامل وتم عقد صلح بينهم دام لمدة (10) سنوات مقابل تنازل السلطان الكامل عن القدس.
9- الحملة الصليبية السابعة:
قادها الملك "لويس التاسع" وتوجه إلى مصر وتمت السيطرة على دمياط والمنصورة، لكنه وقع فى الأسر وتم فديه، ثم انتقل إلى عكا وبقى فيها أربع سنوات تقريباً ثم عاد إلى فرنسا بعد ذلك.
10- الحملة الصليبية الثامنة:
بعد الهزائم المتتالية التي لحقت بالحملات الصليبية السابقة (والتي فقدت مصداقيتها)، فكر الملك "لويس التاسع" ملك فرنسا فى الحملة الثامنة لكنها قوبلت بمعارضة الفرسان الفرنسيين .. وبالرغم من هذا الاحتجاج قاد الملك "لويس" الحملة وتوجه هذه المرة إلى تونس. فى البدء وصلت المفاوضات إلى طريق مسدود إلى أن دب وباء بين صفوف الحملة الذى توفى على إثره الملك "لويس" ثم رأس قيادة الحملة من بعده أخيه الذي نجح فى قيادة بعض المعارك أمام "المستنصر" أمير تونس، إلا أنه عُقدت معاهدة صلح غادرت على أساسها جيوش الحملة وخرجت من تونس.

وهناك العديد من الحملات الأخرى، الحملة الصليبية على الإسكندرية التي قادها ملك قبرص "الملك بطرس الأول" وغيرها من الحملات والتي كانت آخرها الحملة الصليبية ضد الإمبراطورية العثمانية.

وإذا كانت للحملات الصليبية تأثيراً سلبياً على الولايات الإسلامية، فلها تأثيرها الإيجابي الأعظم على الشعوب الأوربية لما نقلته من حضارة الإسلام والمعرفة العلمية الأخرى سواء أكانت اقتصادية أم تجارية أم معمارية وخاصة اقتباسهم لطريقة بناء القلاع الضخمة التي رأوها فى الشرق.

- الحملة الفرنسية على مصر وكتاب وصف مصر:
بعد الانتصارات التي حققها "نابليون بونابرت" ضد إيطاليا، بدا تفكيره يتجه إلى الشرق لإقامة إمبراطورية هناك، وكانت من أقواله التي يرددها لنفسه بعد احتلال الشرق: "حلمي تجسد فى الشرق بينما كاد يتحول إلى كابوس فى الغرب"..
فهذا يوضح مدى إعجابه وتمسكه بالشرق قبل أن يغزوه وترسخ هذا الإعجاب بعد الغزو، كان هدف نابليون فى المقام الأول من احتلال مصر والشام هو اتخاذها قاعدة عسكرية يصل منها إلى الأملاك البريطانية فى الهند هذا من ناحية، أما من الناحية الأخرى لكي ينهب ثروات الإمبراطورية العثمانية التي أصبحت ضعيفة.
بدأت الحملة الفرنسية على مصر والشام (1798-1802) أي استمرت لمدة ثلاث سنوات، حيث كان عمرها قصيراً ولم تدم لفترة طويلة من الزمن.
كان استيلاء نابليون على مصر سهلاً لأنها كانت خاضعة آنذاك لحكم المماليك الضعيف، فى حين أنها اصطدمت بالعديد من الصعوبات فى الشام. كانت الحملة الفرنسية مكونة تقريباً من (30) ألف جندياً فرنسي بالإضافة إلى أسطول مكون من (26) سفينة أبحرت من ميناء طولون حيث وصل هذا الأسطول بعد حوالي (12) يوماً من مغادرته لميناء طولون إلى العجمي ونزلت القوات سيراً إلى الإسكندرية.
وما يهمنا الدور الذي لعبته الحملة الفرنسية فى عملية الاستشراق أو دراسة الشرق، فقد ساهمت بجانب كبير فى نقل حضارات الشرق إلى أوربا حيث رافقت هذه الحملة مجموعة من العلماء وصل عددهم إلى أكثر من (150) عالماً وأكثر من (2000) فناناً ورساماً وأطباء وفلكيين وغيرهم.
وقام العلماء الفرنسيين بتسجيل كل أمور الحياة فى مصر بكافة تفاصيلها فى كتاب "وصف مصر" الذي كان بمثابة الموسوعة التي ضمت (24) مجلداً مشروحة بالصور والرسومات واللوحات التي تمثل النشاط المصري بالإضافة إلى الكنوز التاريخية والفنية والدينية والحياة النباتية والحيوانية المعدنية.
بالإضافة إلى كتاب "فيفان دينون (رحلة إلى مصر العليا والسفلى أثناء حملة نابليون)، وقد ظهر هذا الكتاب قبل إصدار موسوعة "وصف مصر" بسنوات لذا كان له أكبر الأثر فى تشكيل الطابع الشرقي فى فن التصوير الفرنسي. وقد ضم هذا الكتاب صور للحياة والبيئة المصرية، الطقوس الدينية، كما سجل وصف دقيق للمعابد الفرعونية المصرية القديمة فى الوجه القبلي والبحري، صور أنماط الكتابة الهيروغليفية، سير المعارك التي قادها بونابرت فى مصر، أنماط العمارة الإسلامية، مظاهر الحياة الطبيعية من نبات وحيوان، شخصيات من مختلف القوميات أتراك ومماليك وعرب وأقباط، وكان "دينون" يهتم بالناحية الوثائقية فى عمله لكي يعكس الحقائق مما أبعده نوعاً عن الطبيعية وجمود وصفه فى رسوماته.

وبذلك نجد أن نابليون قد شكل تحالفاً بين القوة من خلال الهيمنة العسكرية والمعرفة متمثلة فى الاستشراق وما جلبته الحملة من علماء معها.

- الإمبراطورية البيزنطية:
يُطلق عليها بلاد الروم مؤسسها الإمبراطور "قسطنطين عام (335) ميلادية، وجعل عاصمتها القسطنطينية. وكانت الإمبراطورية البيزنطية تضم الولايات التالية: هضبة الأناضول- أجزاء من اليونان – الشام – مصر – فلسطين – ليبيا – تونس – الجزائر – آسيا الصغرى – أرمينيا- أجزاء من شمال بلاد النوبة – جزر بحر إيجة،
وكلمة بيزنطي جاءت من كلمة بيزانتيوم الاسم الإغريقي لمدينة تقع على البوسفور.
وكان الإمبراطور/ قسطنطين هو أول إمبراطور مسيحي للإمبراطورية الرومانية والذي أعطى حرية كبيرة للمسيحيين حيث كانوا يتعرضون للاضطهاد والتعذيب من قبل الحكام الرومان. وأدت هذه الحريات التي منحتها الإمبراطورية البيزنطية للمسيحيين إلى نشوب النزاع بين كنيسة الإسكندرية فى مصر وسلطات الحكم فى القسطنطينية حيث فُرضت الضرائب على الأهالي وعم الفساد مما أدى إلى كراهية المصريين للإمبراطورية البيزنطية
.

* أنواع الاستشراق:
تعددت أساليب الغرب فى الاستشراق وذلك طبقاً لمناهج البحث العلمي ومدارس العلوم الإنسانية عندهم.

- الاستشراق السياسي:
الاستشراق السياسي هو الفكر الذي يُنكر النزعة القومية لدى شعوب الشرق ويسعى جاهداً لطرحها جانباً. فهو استشراق يخلو من الإبداع، وتكتشف معه أن قصة الاستفادة من التكنولوجيا والعلوم ما هي إلا مجرد قصة قديمة .. فهو فى جوهره استقصاء حول الشرق.
حيث يتحول الاستشراق هنا من دراسة الماضي إلى دراسة الحاضر لمعرفة مستقبل هذه المنطقة الشرقية وخاصة لما يتوافر لها من موقع استراتيجي هام وكنوز من النفط والمواد الأولية بالإضافة إلى أسواقها التجارية التي لا تقل فى الأهمية.
وقد يميل هذا النوع (الذي يمكن أن نسميه بالاستشراق  السياسي أو الاستعماري أو العسكري أيضاً) إلى الخوض فى دراسات عميقة من أجل التحكم فى الشرق وإظهار جميع سلبياته، فنجد أن الطابع الذي يغلب على المستشرق السياسي عند وصفه للمواطن العربي أو الشرقي هو طابع الشجب والإدانة، ويصفه بالتالي:
- عقلية المواطن العربي تخضع للعواطف وليس التفكير العقلاني.
- المواطن العربي يميل إلى التناحر على حساب إخوانه، لكنه مع ذلك فهو تناحر متحضر قادر على إحلال السلام.
- يعشق المواطن العربي كبريائه ويخشى الفضيحة.
- المواطن العربي لا يواكب العصر، ويتكبل بمفهوم التقاليد حيث يرى أصالته فيما يتمسك به من تقاليد وقيم قديمة قد لا تخدمه بتقدم العصر.
- الإنسان العربي أو الشرقي متقلب، وهذا التناقض يجعله يتعامل مع الآخرين بقسوة وهو ما أسموه بالتعقيد الذهني.
- الإنسان الشرقي غير موضوعي أو واقعي بل هو ذاتي يعوزه الحس بالزمن.
ومثل هذه الأفكار المقدمة عن الشرق متمثلة فى شخصية المواطن العربي تعمل على إدامة الصراع وبالتالي إتاحة الهيمنة.

- الاستشراق الديني:
كانت صياغته على يد المبشرين الذين زاروا الشرق أثناء الحروب الصليبية، وكان من نتائجه العداء لثقافة الشرق ودينه الإسلامي مما أدى إلى توالى الحملات العسكرية والحملات التبشيرية.

- الاستشراق التاريخي:
ظهر من أجل خلق شعوب موالية للغرب، من خلال تحويل غرض الاستشراق إلى جمع أكبر كم ممكن من المعلومات والثقافات عن الشعوب غير الأوربية من أجل إحكام السيطرة الغربية على الشعوب السوداء فى إفريقيا والسمراء فى العالم الإسلامي والصفراء فى آسيا والشرق الأقصى.

- الاستشراق الثقافي (اللغوي والأدبي):
 اهتم أولاً بالتركيز على اللغة وتعلمها لمعرفة كيفية التخاطب مع الشعوب الشرقية، ثم الرغبة من بعدها فى التعرف على الأدب ومنها على الثقافة بوجه عام ولذا ظهرت القواميس والمعاجم وكتب قواعد اللغة.

- الاستشراق الأنثربولوجى والاجتماعي:
وهو الاستشراق الذي ينصب اهتمامه على الإنسان نفسه وسلوكياته وعاداته ورؤيته للعالم، كما يهتم بدراسة ذاكرته حتى يمكن الاستيلاء عليه للأبد لكي يقع تحت براثن الاستعمار الحضاري التحولي.

- الاستشراق الصحفي:
وهنا يمثل اختلاط الاستشراق بالإعلام، حيث أصبح موضوعه الأساسي "علاقة الإسلام بالغرب" وما يمثله من خطر مزعوم، ونجده متمثلاً فيما يكتبه كبار المستشرقين فى أعمدة الصحف.

- الاستشراق السياحي:
الذي انضم إلى صفوفه أساتذة الجامعات وطلاب الدراسات العليا من خلال الحضور إلى العالم الإسلامي وملاحظة ما يدور فيه. بل وتحولت معظم أقسام الدراسات الإسلامية والعربية فى الجامعات الغربية إلى أمثال هذه الدراسات المعاصرة.

- الاستشراق الفني:
إن الفن يدخل ضمن إطار العلوم والمعارف التي تناولها الباحثون الغربيون فى النزعة الشرقية، فالفن يمثل إحدى أوجه الثقافة الشرقية وتاريخها.
أ- الاستشراق فى الموسيقى:
نجد من أولى علامات الاستشراق الموسيقى آلات الاوركسترا التي تعود إلى أصول عربية، بالإضافة إلى تجلى روح الاستشراق فى الألحان الموسيقية نفسها فى التخلي عن التمسك بالروح القومية فى تأليف القطع الموسيقية، وظهر امتزاج الموسيقى الكلاسيكية الغربية الأوربية بتلك الشرقية فلم يكتفى بدراستها وإنما تم إدخالها إلى المؤلفات الغربية بإيقاعاتها، ومن الأمثلة الجلية على امتزاج الموسيقى الغربية بتلك الشرقية:
موسيقى "تشايكوفسكي" فى جزء من (كسارة البندق).
موسيقى ريمسكى كورساكوف فى (شهرزاد).
موسيقى فيردى فى (عايدة).
ب- الاستشراق فى الرسم:
الرسم هو فن التصوير، من خلال الاكتشافات الأثرية للرحلات العلمية وأثناء تواجد المستعمرين فى منطقة الشرق زادت معرفة الغرب بكيفية ترجمة رسومات الآثار وما يوجد على جدرانها من نقوش ورسومات.
وسجلوا شتى مظاهر الحياة فى الشرق تناولت حياة السلاطين والأمراء، الأعياد، الطبيعة، بل وصورا التجار الأوربيين بالزى العربي. بالإضافة إلى تسجيل معالم البيئة، الأزياء، العادات والتقاليد، أسواق العبيد، السجاد بألوانه الزاهية الجذابة، البيوت والمساجد وخطوطها الإسلامية ومشاهد الطرب.

"بائع البرتقال" - 1920 (للفنان الأمريكى آرثر فريدريك بريدجمان)

وإذا كان البعض اعتمد على الخيال فى رسم صور الشرق، إلا أن البعض الآخر نقلوا الصور الحقيقية عنه بالسفر إليه وحمل آلات التصوير الفوتوغرافية معهم كما فعل الفنان الإيطالي "فوستو زونارو" الذي أعاد رسم الصور الفوتوغرافية التي التقطها فى الجزائر والقاهرة واسطنبول إلى رسومات بالألوان المائية والزيتية والقلم الرصاص.
كما أقيمت المعارض التي بيعت فيها اللوحات بأسعار خيالية، وكان يتم تصديرها للشرق، والتي شهدت إقبالاً كبيراً عليها لأنها بمثابة صورة مرئية لتاريخ هذه البلدان.

* النزعة الشرقية فى الفن التشكيلي:
إن الرسم التسجيلي والوثائقي الذي قام به الغربيون فتح أعينهم على جماليات الفنون الشرقية.
فالشرق استقطب اهتمام النقاد والدارسين والمختصين فى الفن التشكيلي من ذوى الخبرة والشهرة والتجربة الأكاديمية والميدانية لاستنارة طريق التشكيل وصناعة اللوحة والصورة البصرية التشكيلية الناطقة بلغة اللون والفرشاة.

كما شكل الشرق أرضية خصبة لإرضاء النزوع نحو التلوين ونظرية التوليف بين الفنون والأجناس الفنية، فقد استطاع الشرق أن يقدم أجوبة على أسئلة إبداعية كثيرة كانت تمثل محور مشكلات لعلاقة الفنان بثقافته الفنية ومجتمعه. والنزعة الشرقية فى الفن التشكيلي ما كانت إلا صورة تعكس الاحتكاك الثقافي ما بين الشرق المتوسط وأوربا.

والاستشراق الفني ما هو إلا تصوير للشرق من قبل فنانين مبدعين تأثروا بالطبيعة الشرقية وفنها، أو تطعيم بين حضارتي الغرب والشرق والتواصل بين ثقافتهما.
وكل فنان تشكيلي له أدواته وريشته وألوانه التي تشكل رؤيته الخاصة بالحياة والإنسان والأحداث. وكانت إبداعات الفنان الذى يعشق النزعة الشرقية لا تقتصر على ما هو بصري دلالي وإنما كانت تذهب إلى أبعد من ذلك حيث تقدم اللوحة الدلالة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية فضلاً عن قيمتها الجمالية والفنية  .. حيث لا تنفصل هوية الفنان التشكيلي عن هوية المجتمع الذي ينتمي إليه.

فالنزعة الشرقية فى الفن التشكيلي هي صور الشرق فى الخيال الغربي والذي خرج إلى حيز التعبيرات البصرية.
حيث اعتمد الباحثون والرسامون بوجه خاص على مخاطبة شعوبهم من خلال الرسم والصور والمعارض ويمكننا تسميته باسم "الاستشراق التصويري" لأنه لا يحمل نص كتابي مفسر وموضح، وإنما نص تصويري تعبيري تم الاستعاضة به عن الكتابة.
وكانت المواد التصويرية الأولى فى بداية القرن الثامن عشر من خلال الرسم الأكاديمي الاستشراقى تعتمد على نصوص الفلاسفة أو العلماء الذين زاروا الشرق وتعرفوا على حضارته، لأن الرسامين الكلاسيكيين فى ذلك الوقت لم تطأ أقدامهم أرض الشرق وكانت رسوماتهم من الخيال والاستناد على ما يصفه العلماء لهم .. أو من خلال الرسوم الأولية للرحالة أثناء تنقلهم فى البلدان العربية والإسلامية.
كانت موضوعات هذه الرسوم تدور حول المشاهد التالية:
الحريم (وخاصة الحريم العاريات) أو المرأة الشرقية، كان من الصعب تصوير المرأة الشرقية والدخول إلى عالم النساء الموجود فى البيوت المغلقة. ونتج عن هذا الغموض الذي كان يحاول الإنسان الأوربي دائماً اكتشافه الاستيهام بتصوير المرأة الشرقية عارية لأنه بالنسبة له عالم مجهول وفى نفس الوقت يمثل جاذبية خاصة تحيطه القدسية. لكنه ما كان إلا فانتازيا شرقية وليس شرق حقيقي، فهي تصورات ذاتية بالاعتماد على موديلات نسائية أوربية فى مراسم روما وباريس ولندن.
وإذا تحدثنا عن الشرق الحقيقي فسنتذكر سوياً الفنان الشهير "دولاكروا" الذي شاهد الحرملك بالجزائر وهو فنان فرنسي نجح فى نسخ المرأة الشرقية اعتماداً على الذاكرة حيث رسم لوحته الشهيرة "نساء الجزائر" التي تعكس عالم البيوت الشرقية بأسلوب الزينة الزخرفية.

"نساء عاريات تستحم" - 1889 للرسام (جين ليون جيروم)

ومن الموضوعات الأخرى التي تناولها الرسامون الاستشراقيون فى لوحاتهم: صور ورسومات للحكام المستبدين والحروب، ورسومات للجمال والصحراء والمقدمة من خلال ديكور معماري إسلامي  ... الخ
وكانت الرسومات فى بعض الأحيان تمثل فانتازيا الشرق لرسامين لم يروه وإنما نسجوا صوره من خيالهم وبالتالي أصدروا أحكام مسبقة عليه قد لا تكون موجودة فيه .. وفى البعض الأحيان الأخرى لم تكن فانتازيا وإنما حقيقة لما يوجد عليه الشرق بالفعل.
ونجد من وسائل انتشار الرسم الأكاديمي عن الشرق، كان بإقامة المعارض الدولية فى المدن الأوربية فى خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وكان من أهم تلك المعارض التي أقيمت "معرض باريس عام (1900) وزاره حوالي (39) مليون شخص. ونتيجة لقلة انتشار الصور الفوتوغرافية فى البداية فكانت معارض الرسومات هي الفرصة الوحيدة لزيارة الشرق ونيل المعرفة عنه – بالطبع لمزيد من السيطرة والتحكم.
لم يقف الأمر على المعارض لتقديم الرسومات التى تغلب عليها النزعة الشرقية، وإنما تواجدت أيضاً فى شكل ديكورات لعروض السيرك والمسرحيات.
لم يظل الرسم الذى سيطر عليه النزعة الشرقية مقتصراً على تصوير بنى البشر فى الشرق، وإنما امتد ليصل إلى الحياة النباتية والحيوانية. لم تكن هذه الرسوم منتشرة بين طبقات الشعب، فظلت مقتصرة لفترة من الزمن على النبلاء والعائلات الكبيرة ولم تصل إلى طوائف الشعب إلا مع ظهور التصوير الضوئي بعد عام (1860)، حيث أصبحت صور الشرق فى متناول عدد كبير من جمهور العامة، بالإضافة إلى تطور تقنيات الطباعة التي نقلت هذه الرسومات وخرجت بها من نطاق النبلاء إلى نطاق العامة.
ثم ظهرت البطاقات البريدية التي رسخت رسومات الشرق الاستشراقية والتي ظهرت للمرة الأولى فى عام (1893).
 

wsa3fan

http://www.facebook.com/group.php?gid=22010831247

  • Currently 263/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
88 تصويتات / 26687 مشاهدة
نشرت فى 22 يوليو 2007 بواسطة wsa3fan

ساحة النقاش

وفاء سعفان

wsa3fan
خبيرة تجميل مصريه متخصصه فى المكياج اللبنانى والخليجى ومكياج السواريه وكل تجهيزات العروسه أقدم كورسات فى فن المكياج وتصفيف الشعر لراغبات الاحتراف لى مقال أسبوعى ثابت فى جريدة الشارع كل يوم جمعه ص 22 أسرار الجمال وايضا جريدة الوفد وجريدة البستان »

أقسام الموقع

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

610,055