رقي الإنسان والمجتمع، ليس في المباني والشوارع والمنجزات المادية، بل في تطوير ذهنية الإنسان، واحترام حقوقه، ووجود قيم مشتركة يحميها الناس بطبيعتهم، وليس بسبب القوانين المفروضة عليهم. وقد أثار الأسبوع الماضي فوز المتسابقة الهندية شيلبا شيتي بالجائزة في برنامج (الأخ الأكبر) التي تعرضه القناة الرابعة في بريطانيا جدلا كبيرا، يكشف عن جوانب مهمة في تعامل المجتمعات مع العنصرية، وأهمية الرأي العام.
وكانت الفتاة الهندية تعرضت للتعامل بقسوة وعنصرية من قبل زميلتها البريطانية جايد جودي، بل أنها أطلقت عليها عبارات وصفت بالمهينة، وأدى ذلك الى موجة غضب عارمة في بريطانيا، وصوّت غالبية البريطانين على طرد جودي من منزل (الأخ الأكبر). وتلقت القناة أكثر من أربعين ألف شكوى تتهم القناة بالعنصرية، كونها سمحت ببث عبارات تفوح منها العنصرية. وهددت شركات تمول البرنامج بالانسحاب. بل أن رئيس الوزراء البريطاني توني بلير علّق في مجلس العموم على هذه الحادثة وقال: «علينا أن نعارض العنصرية في كل صورها».
في هذه الحادثة، الجهات الرسمية لم تمارس التدخل، بل من تدخل، كان جمهور الناس الذين تصرفوا تلقائيا ضد النبذ العنصري والتهجم على شخص بسبب لونه أو دينه أو عرقه.
وهذا يذكرني بموقف لقناة الـ «بي بي سي» مع المعلق ومقدم أحد البرامج الحوارية كيلروي سيلك بعد نشره مقالة في جريدة الديلي إكسبريس، اتهم فيها العرب بأنهم لم يقدموا للحضارة الإنسانية أي شيء. واعتبر كثيرون أن مقالته هذه تحمل بعدا عنصريا، فألغت القناة عقدها معه، وتعرض لهجوم من مؤسسات وأفراد قد لا تحمل ودا للعرب، لكنها ترفض العنصرية كمبدأ.
إن الحس الإنساني وشعور الفرد بمسؤوليته تجاه القيم التي يؤمن بها هما المحفز لخلق الرأي العام الذي له قوة تتجاوز حدود القرار الرسمي. هذا النوع من الوعي والتفاعل لا يأتي نتيجة تلقين إعلامي أو توجيه حكومي, بل نتيجة تراكمية للثقافة والمعرفة اللتين تنميان الحس الإنساني وتساهمان في بروز قواسم مشتركة، يتفق عليها شرائح المجتمع.
إن معدن الإنسان الحقيقي، يبرز في تعامله مع الآخرين, سواء شخص يلتقي به للمرة الأولى, او عامل لديه في المنزل. فالقيم والمثل واحدة وتطبيقها يكون على الجميع. فتطوير المجتمع يعتمد على القدرة في ترسيخ ثقافة حقوق الانسان، وتثيقف الأفراد على الحوار، واحترام حق الاختلاف، فبقدر ما نحترم الآخرين فإننا نضع معايير جديدة للرقي الإنساني.
اليوم الثامن:
كل المظاهر الخارجية تنتهي
عند لحظة صدق واحدة ..