أسرار الجمال مع وفاء سعفان

كل ما يخص جمالك عن مكياجك وطرق العنايه بالبشرة والشعر

ارتبط الشعر العربي عبر مختلف عصوره بالغناء والموسيقى والنغم, وليس أدل على ذلك من كتاب "الأغاني" لأبي الفرج الأصفهاني, الذي حفظ للعرب أجمل ما يحفظ من تراثهم في مجال الغناء والانشاد, بما يسمو إلى مستوى النغم والتطريب, والذي يقلب صفحات "الأغاني" سوف يتحقق من مدى هذا التزاوج والترابط بين الشعر والغناء في حياة العرب, من خلال ليالي الأنس التي كان يحييها "إسحاق الموصلي" في "بغداد", ومن خلال "زمان الوصل بالأندلس" التي كان يحرك أسحارها صوت "زرياب", فكان للشعر والغناء جولات أثيرية اهتزت تحت إيقاعاتها السحرية قلوب العذارى وعشاق النغمة المسحورة والكلمة الشعرية المجنحة...

 

ولم يبلغ الغناء العربي مستوى التقدم في العصر العباسي وفي بلاد الأندلس, بمعزل عن الشعر العربي, بل كان وجود الشاعر محركاً لقريحة الفنان, وكان طبيعياً أن تكون أشعار "لسان الدين بن الخطيب" تتردد على ألسنة الملأ أهازيج وأنغاماً عذبة وقد زادتها الألحان رونقاً وبهجة يطرب لها الناس, ويحفظها الزمن, وترددها أصداء الأيام والليالي ..

كذلك كان الغناء العربي رديفاً للشعر, معانقاً للكلمة السحرية المبحرة في الجمال والخيال, فكان الغناء هو الشعر, وكان الشعر هو الغناء, حيث تكشف لنا المرجعية التراثية للغناء العربي ذلك الزخم الغنائي الذي ظل يتغذى على الخيال الشعري للشاعر العربي, ما تزال آثارها وأصداؤها تعيش بيننا الى اليوم, ترددها حناجر المطربين, وتلتقطها آذان المستمعين, في انتشاء وانحناء, ورغم انقضاء مئات السنين, فان الأذن العربية ما زالت تلتقط قول الشاعر القديم :

"قل للمليحة في الخمار الأسود         ماذا فعلت بناسك متعبد

قد كان شمر للصلاة ثيابه                 حتى وقفت له بباب المسجد

ردي عليه صلاته وصيامه              لا تقتليه بحق دين محمد .."

كما لا تزال القصائد الشعرية الغنائية القديمة تتردد أصداؤها على لسان المستمع العربي المعاصر, بعد إعادة إخضاعها لألحان جديدة, كما صنع "عبده الحمولي" في مطلع هذا القرن العشرين مع قصيدة أبي فراس الحمداني:

"أراك عصي الدمع شيمتك الصبر     أما للهوى نهي عليك ولا أمر?

نعم أنا مشتاق وعندي لوعة             ولكن مثلي لا يذاع له سر

اذا الليل أضواني بسطت يد الهوى      وأذللت دمعاً من خلائقه الكبر

تكاد تضيء النار بين جوانحي           اذا هي أذكتها الصبابة والفكر..

معللتي بالوصل والموت دونه            اذا مت ظمآناً فلا نزل القطر .."

وهي القصيدة التي أعاد صياغة لحنها بعبقرية متفردة عملاق الموسيقى العربية"رياض السنباطي", وتسامت بها "أم كلثوم" الى نهاية الابداع بعبقرية صوتها وأدائها, بالمعنى الذي يؤكد التزاوج العميق بين سحر الشعر وجمالية النغم, بين المرجعية التراثية القديمة والمرجعية التراثية المعاصرة, ليتواصل هذا التزاوج العميق ويتبلور بصورة جلية مع اطلالة النهضة العربية, فنجد التطور في الموسيقى العربية ينساب جنباً الى جنب مع رقرقة الشعر, وتطالعنا أدبيات المرحلة المعايشة اليومية للشاعر والفنان والاحتكاك الدائم بين قطعة اللحن وقطعة الشعر, فلا يدهشنا احتضان أمير الشعراء "أحمد شوقي" للموسيقار الشاب "محمد عبد الوهاب", فيخرج من بين هذا الاحتضان

"يا جارة الوادي طربت وعادني         ما يشبه الأحلام من ذكراك"

وروائع غنائية ثنائية من نوع "مجنون ليلى" مع الراحلة "اسمهان", كما لا يدهشنا الارتباط الفني الطويل بين "أم كلثوم" والشاعر "أحمد رامي" على النحو الذي أنجب للغناء العربي المعاصر روائع من نوع :

"لبست ثوب العيش لم أستشر            وحرت فيه بين شتي الفكر

وسوف أنضوا الثوب عني ولم          أدرك لماذا جئت, أين المفر?"

ولن نتعجب من اقتران أشعار"بشارة الخوري" بألحان الموسيقار الخالد "فريد الأطرش", فأظهر الى الوجود أغنيات تطرب لها الأذن وتهتز لها الأفئدة, حين يردد مفتخراً بأمجاد أمته العربية حين وقفت متحدة "في حرب فلسطين سنة ,1948 من قصيدة "زهرة من دمنا" :

"سائل العلياء عنا والزمانا  هل خفرنا ذمة مذ عرفانا?..

المروءات التي عاشت بنا    لم تزل تجري سعيراً في دمانا"

كما تألقت النغمة الموسيقية بالومضة الشعرية في صورة عجيبة في هذا الارتباط الوثيق بين "فريد الأطرش" والشاعر الغنائي المتميز "كامل الشناوي" حين يقول هذا الأخير من خلال حنجرة ولحن الموسيقار المتفرد :

"لا وعينيك يا حبيبة روحي       لم أعد فيك هائماً فاستريحي

سكنت ثورتي فصار سواء       أن تليني أو تجنحي للجموح

واهتدت حيرتي فسيان عندي    أن تبوحي بالحب أو لا تبوحي

وخيالي الذي سما بك يوما      يا له اليوم من خيال كسيح

والفؤاد الذي سكنت الحنايا      منه أودعته مهاب الريح.."

وعلى هذا النحو ارتقى الغناء العربي, وارتفع بمستوى الذوق الفني للمستمع العربي, ولم يكن ذلك متاحاً أو ميسراً لولا الشعراء وصناع الكلمة الشعرية المنغمة, الذين كان لهم الفضل الكبير في توجيه الأغنية إلى طريق الابتداع والابتكار, بما يجعل من الفن الغنائي العربي يضاهي ويتجاوز أحياناً روائع الموسيقى في العالم, وهذا انطلاقاً من كون النص الشعري هو الذي يوجه قريحة الملحن, ويوقظ فيه عبقرية النغم والإلهام, والفنان الملهم هو من يقدر على استنباط الصور والمعاني الجميلة المعبرة التي يوحي بها النص الشعري, وهذا لن يتأتى اإلا إذا كان الفنان الملحن صاحب موهبة حقيقية وصاحب ثقافة فنية وتكوين أدبي وحامل رسالة فنية, كما يمكن أن نلمس هذه الحقيقة في قصيدة الشاعر "جورج جرداق" التي أبدع في تلحينها الموسيقار"محمد عبد الوهاب":

"هذه ليلتي وحلم حياتي                    بين ماض من الزمان وآت

الهوى أنت كله والأماني                    فاملأ الكأس بالغرام وهات

بعد حين يهجر الحب دارا                  والعصافير تهجر الأوكارا..

وديار كانت قديماً ديارا                     سترانا كما نراها قفارا

سوف تلهو بنا الحياة وتسخر              فتعال أحبك الآن أكثر.."

إن الصور الجميلة والمعاني التي تزخر بها قصيدة "هذه ليلتي" هي التي أوحت لـ"محمد عبد الوهاب"" بأن يخرج لنا ألحانه التعبيرية الرائعة المبثوثة على كل بيت بل كل كلمة أو جملة أملتها شاعرية "جورج جرداق", وبنفس الرؤية الفنية تعامل"رياض السنباطي" مع قصيدة"الأطلال" فأخرج للغناء العربي ذلك العمل الفني العملاق الذي اجتمعت فيه عبقرية الشاعر "ابراهيم ناجي" وعبقرية الملحن وعبقرية صوت وأداء "أم كلثوم", فجاءت "الأطلال" كأجمل وأكمل عمل غنائي يتميز بالدرامية, نحس ازاءه بالجهد الضخم الذي بذله صانع اللحن الخالد حتى تماثل هذا العمل الدرامي الى مرتبة الابداع والكمال, ومع كل مقطع درامي نقف على أنفاس الشاعر, ونحس بالتراجيديا تلقي بظلالها على أجواء الملحن وهو يجلس ليخرج "الأطلال" إلى الوجود والخلود .... وقد فهم الشعراء العرب (وهم قلة) خطورة النص الشعري في العملية الإبداعية والتطورية للأغنية, فتحملوا تبعاً لإحساسهم بذلك مسؤولية المساهمة الفعلية في ترقية النغم العربي والسمو بالفن الغنائي إلى ما يستحقه من تقدم وتطور وارتقاء, وأخذوا على عاتقهم مسؤولية الانخراط في المنظومة التي تتولى صناعة الغناء والموسيقى, ولم يتركوا المجال حكراً على الملحن أو المغني, فنرى "أحمد رامي" - على سبيل التمثيل - ينقطع إلى هذه المهمة ويرافق "أم كلثوم" إلى آخر حياتها يمدها بروائع أشعاره, ويدلها على قصائد غيره من الشعراء لتغنيها, إيماناً منه بمسؤولية صانع الكلمات في الارتقاء بالفن, وجعله لا يتوقف عند حدود التطريب الاستهلاكي, بل يتعدى ذلك إلى تثقيف الناس وتنوير عقولهم وأخيلتهم, وترقية أذواقهم, ويهذب طباعهم, ويفتح أذهانهم على صور الجمال, والحب, والفلسفة, والتأمل, من غير إغفال الجانب التطريبي والترفيهي الذي لا ينزل بالمستمع إلى الدرك الأسفل من الانحطاط والتردي الذي يبتعد بالفن عن رسالته ومراميه.

وكذلك شعراء العرب من أولئك الذين ذاع صيتهم مع فلسفة الغناء العربي, من أمثال "بشارة الخوري" و "كامل الشناوي" والأمير "عبد الله الفيصل" وشقيقه "خالد الفيصل" و "محمود حسن اسماعيل"و "صالح جودت" و "الهادي آدم" و "سعاد الصباح", ومن الجزائر "سليمان جوادي" و "محمد الأخضر السائحي" و "عبد القادر السائحي" وغيرهم ممن لا يسع المقام لذكرهم...

هؤلاء الشعراء الذين سخّروا قرائحهم ووضعوا أشعارهم في خدمة الأغنية العربية وترقية الأذن الموسيقية والشعرية كانوا على دراية كبيرة, وعلى وعي عميق بقيمة الجملة الشعرية التي يتخذها الفنان الملحن كخميرة لإبداعه الفني الذي يتحول على يديه إلى بناء معماري متكامل يظهر العبقرية العربية في أسمى خصوصيتها, بما يفيد أن لا تقدم للغناء والموسيقى بمنأى عن الشعر, وعن مضامين النص الشعري القائم على الرؤية الفنية المتفردة المتميزة.. ولقد تميز شعراء الأغنية العربية المعاصرة بميزة هامة مشتركة, وهي تحرير الأغنية من معاني الابتذال التي كانت تسود الأغنية, إذ كانت حناجر المغنيين لا تنفك تخاطب الجسد لذاته, ودعوة الحبيب إلى المضاجعة في السرير, والحنين الى معانقة الطرف الآخر على فراش النوم, وغيرها من المعاني التي يمقتها الفن وينفر منها الذوق الفني السليم وهي المعاني التي ما تزال البضاعة المفضلة عند العديد من أشباه الفنانين من الذين ابتليت بهم الساحة الفنية في هذا الزمن الردئ الذي يسوده الجهل وتتحكم فيه الأمية الثقافية من الوريد الى الوريد, وعن طريق الشعراء الذين تألقت أسماؤهم وأشعارهم في سماء الأغنية العربية, ارتفعت حاسة الذوق الفني, وقفز النص الغنائي الى مرتبة الابداع الذي تتجلى فيه خيوط العبقرية والتوهج والتفرد, إلى الحد الذي نرى الشاعر الغنائي قد تحول إلى مصور رسام, يبدع أغانيه بالريشة والألوان حين يجلس ليرسم للمستمع هذه اللوحة المترعة بألوان الفن والجمال فيصبح المستمع لا يتذوق القطعة الغنائية عن طريق أذنيه فحسب بل تشترك عيناه أيضاً في الاستمتاع بهذا الجمال, حين يستمع إلى "أحمد رامي" يشدو على لسان "أم كلثوم":

"أغار من نسمة الجنوب     على محياك يا حبيبي..

وأحسد الشمس في ضحاها  واحسُد الشمس في الغروب

وأغبط الطير حين يشدو       على ذرى فرعه الرطيب

قد ترى فيهما جمالاً..          يروق عينيك يا حبيبي.."

وليس أروع من نغمة الوتر بسحر اللون, حين يأخذ شاعر الكلمة بأذن المستمع ليكشف له عن مواطن الجمال والجلال من خلال لوحة فنية رائعة لا يكفي أن نطرب لموسيقاها أو نهتز على إيقاعاتها; لا يكفينا أن نعجب بجمالية تناسقها, بل لا بد أننا واجدون أنفسنا حيالها أمام لوحة فنية رائعة الحسن, لا يقل تأثيرها في نفوسنا عن لوحات "دافنشي" و"رفائيل" و "فان غوخ" و "دي لاكروا" و "محمد راسم" و "نصر الدين دينية" وغيرهم من عباقرة الفن القائم على الرؤية المجردة للعين, والفرق بين النص الغنائي العربي واللوحة الفنية عند الرسام والمصور, أن هذا الأخير يبهرك بألوانه ومناظره, ولكنه يسد أمامك منافذ الخيال والتحليق, على غير الشاعر الذي يطربك برقة كلماته وأشعاره, وفي الوقت ذاته يتيح لخيالك الجموح الانسياب مع الصور الجميلة التي يصورها النص الذي يردده على مسمعك الشاعر على لسان المغني المقتدر المتمكن من فنه, حين يضعك أمام هذه اللوحة الغنائية :

"سمعت في صوتك الجميل   ما قالت الريح للنخيل

يسبح الطير أم يغني           ويشرح الحب للخميل

أغصنٌ تلك أم صبايا           شربن من خمرة الأصيل"

أو يضعك أمام هذا المشهد الفني الرائع الذي نخال أنفسنا ونحن في غمرة الانتشاء والامتلاء بجماله كأننا إزاء إحدى أروع اللوحات الفنية لعصر النهضة الايطالي, تزخر فيه صور الرومانسية, وتنضح بالخيالات والتأوهات المترعة بالحب والشوق والحنين, تكشف بوضوح عن الشعرية التي ينفرد بها الغناء العربي, نلمس هذا في أغنية "القمر الأحمر"التي ترنم بها الفنان المغربي "عبد الهادي بلخياط" حيث يقول مطلعها:

"خجولاً أطل وراء الجبال    وجفن الدجى حوله يسهر

ورقراق ذاك العظيم            على شاطئيه ارتمى اللحن والمزهر

وفي موجه يستحم الخلود     وفي غوره ترسب الأعصر.."

وهي القصيدة التي كتبها الشاعر "عبد الرفيع الجوهري ووضع لحنها" عبد السلام عامر", وكل مقطع منها, يشكل لوحة فنية قائمة بذاتها يحار أمامها عقل المصور, وتشتاق لرسمها ريشة الفنان الملهم ...

وعلى مستوى الموضوعات التي تناولها النص الغنائي العربي, فانه يمكن القول إن الشاعر بتعاونه مع صاحب اللحن قد طرق موضوعات متنوعة ومتعددة, ذات علاقة بوجدان الانسان العربي وبقضاياه الجوهرية, وذلك بصورة تتجاوز ما هو سائد في الغناء حالياً على مستوى الأقطار العربية, وحتى الأوروبية, فعندما كتب الشاعر الجزائري قصيدته "أدعوك يا أملي" لتغنيها الفنانة "وردة الجزائرية" في الذكرى العاشرة لاستقلال الجزائر, من تلحين الراحل "بليغ حمدي", استطاع "صالح خرفي" أن ينجز لنا نصاً غنائياً رائعاً مزج فيه بين الحب الذي يجمع حبيبين, وبين فرحة النصر باستقلال الجزائر, بالمعنى الذي يوحي للمستمع أنه أمام لوحة غنائية يتراءى فيها الحب في أسمى معانيه, حين يجمع قلبين متحابين على وطن يحتفل بذكرى انتصاره على جراحه وآلام شعبه, فليس أروع من هذه العاطفة التي ترتفع بالحب إلى ذروة الوطن, وتتسامى باذن المستمع إلى مرتبة الصفاء والتجلي, حين تصبح فرحة الوطن هي الفرحة الكبرى في قلب الحبيب, حين تخاطب الحبيبة قلبها الآخر ويعلو صوت الوطن فوق صوت الحبيب:

"من بعيد أدعوك يا أملي     وأهتف من بعيد

أنا لم أزل للحب                  للحب الوحيد

للذكريات الخالدة                 للزفرات الصاعدة

يوم المسير إلى الفدا          وغداة تلبية النداء

صوت بلادي يا حبيبي          صوت أعز من الحبيب

                  صوت الجزائر يا حبيبي

 

وقد أبدع في تلحين هذه الأغنية الرائعة "بليغ حمدي" بامتياز عندما طعم لحنه بمقطع لحني مستمد من إحدى أشهر الأغنيات الفلكلورية الجزائرية, وهي أغنية "ما نيش منا", وذلك في محاولة فنية لربط هذه الأغنية ذات الجوهر النضالي الجزائري, بالتراث الغنائي الأصيل النابع من الفلكلور الجزائري, فأعطى ذلك بعداً فنياً للأغنية..  وتتوسع موضوعات الغناء العربي المعاصر, لتتناول فلسفة الحب والجمال, من منظور شفاف تتجلى فيه الرومانسية الفنية في أرق معانيها وأبهى صورها, وذلك مع تجربة "فيروز" مع بعض نصوص وأشعار "جبران خليل جبران", التي تحولت مع صوت "فيروز" إلى لوحات ملونة بألوان الرومانسية الحالمة, فنجد أنفسنا منبهرين أمام فلسفة مترعة بالفن والجمال, تعكس للمستمع المتذوق التصور السليم والفهم العميق للفن, حين تتغنى "فيروز" بهذه الكلمات الموغلة في الرومانسية الجبرانية ومن ألحان "محمد عبد الوهاب":

"سكن الليل وفي ثوب السكون تختبئ الأحلام

وسعى البدر وللبدر عيون ترصد الأيام..

فتعالي يا ابنة الحقل نزور كرمة العشاق

علنا بذياك الرحيق نطفئ حرقة الأشواق"

واستطاع الشاعر الغنائي أن يأخذ بيد المستمع العربي إلى دوحة الارتقاء الفكري والوجداني, من خلال موضوعات تتناول فلسفات انسانية, أبدعتها عبقرية الموسيقى العربية التي كانت سباقة إلى استيعاب المعاني الفلسفية المصاحبة للانسان, والمعبرة ببلاغة فائقة عن تطلعات وأحلام الإنسان في هذه الحياة, حيث يوقفنا النص الشعري على نماذج رائعة لفلسفة غرقى في الدعوة إلى الاغتراف من اللذات والجمال, والارتماء في أحضان اللهو والطرب من منظور فلسفي تحضر فيه "الوجودية" بعنف, من خلال "رباعيات الخيام" بصورة خاصة :

"أولى بهذا القلب أن يخفقا      وفي ضرام الحب أن يحرقا

ما أضيع اليوم الذي مر بي       من غير أن أهوى وأن أعشقا"

ونجد هذه الفلسفة تتصاعد أكثر مع "اسمهان" عند أدائها لقصيدة الشاعر "بشارة الخوري" التي يقول مطلعها:

"اسقنيها بأبي أنت وأمي     لا لتجلو الهم عني أنت همي..

املأ الكأس ابتساما وغراما فلقد نام الندامى والخزامى ..

صبها من شفتيك في شفتيا   ثم غرِّق ناظريك في ناظريا..

                   واختصرها, ما عليك أو عليا..."

مقابل هذه الفلسفة الحسية ذات البعد الوجودي, يضعنا الغناء العربي أمام فلسفة الجمال الصوفي والروحي فلسفة تبني ذاتها من نفحات "محمد اقبال", وفي الوهج الديني الصوفي في أغاني "رابعة العدوية" وفي "نهج البردة" و "القلب يعشق كل جميل" و "إلى عرفات الله" وغيرها من المطولات الغنائية للسيدة "أم كلثوم" وإلى جنب موضوعات التصوف الفلسفي الديني, لم يكن الغناء العربي بمعزل عن معايشة القضايا القومية للأمة التي ينتمي إليها ويعبر عن آمالها وتطلعاتها, وقد تجسدت هذه الفلسفة في أغنية "دعاء الشرق" التي يقول مطلعها:

"يا سماء الشرق طوفي بالضياء       وانشري شمسك في كل سماء

ذكريه واذكري أيامه                       بهدى الحق ونور الأنبياء"

وهي القصيدة التي صاغ كلماتها الشاعر "محمود حسن اسماعيل" وبلغ في تلحينها "عبد الوهاب" مرتبة الكمال الفني, وأغنيات أخرى زاخرة بهذه المعاني, على عهد يكشف مواطن فلسفة الشعر والجمال والابداع في الغناء العربي المعاصر, ويؤكد مدى تأثير الشعر العربي في تطوير مسار الأغنية العربية, ومدى تغلغل كلمات الشاعر في وجدان الفنان والملحن, بصورة تدفعه إلى التعمق في الإبداع, والسير قدماً باللحن إلى ما يستحقه من إبداع وتطور, جدير بإعجاب المستمع وباحترام الجمهور, وجدير بالخلود في وجدان التاريخ **

 

wsa3fan

http://www.facebook.com/group.php?gid=22010831247

  • Currently 140/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
47 تصويتات / 2614 مشاهدة
نشرت فى 15 فبراير 2007 بواسطة wsa3fan

ساحة النقاش

وفاء سعفان

wsa3fan
خبيرة تجميل مصريه متخصصه فى المكياج اللبنانى والخليجى ومكياج السواريه وكل تجهيزات العروسه أقدم كورسات فى فن المكياج وتصفيف الشعر لراغبات الاحتراف لى مقال أسبوعى ثابت فى جريدة الشارع كل يوم جمعه ص 22 أسرار الجمال وايضا جريدة الوفد وجريدة البستان »

أقسام الموقع

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

610,553