"على الغرب خاصة بريطانيا وكلب الحراسة الإسرائيلي أن يدركوا بأنهم لا يمكنهم أن يعتبروا أوغندا وأفريقيا عموما بقرة يحلبونها بوحشية دون أن يتركوا لها الحد الأدنى من العلف الذي يبقيها على قيد الحياة". الرئيس الأوغندي عيدي أمين عام 1972.
أفريقيا جمعت المتناقضات، فهي أرض الجمال وأرض الحروب، وهي أرض الفقر وأرض الذهب، وكم كان لافتا أن سمى البرتغاليون ساحل أفريقيا بساحل الذهب لما وجدوا فيه كميات هائلة من الذهب.
أفريقيا التي تضم 12.5% من مجموع سكان العالم وتحتفظ بنحو 3% من إجمالي احتياطي البترول، وبـ5% من احتياطي الغاز، ونحو ثلث احتياطي اليورانيوم، و55% من احتياطي الذهب، و90% من الكروم و77% من الماس هي نفسها التي استحوذت على ما نسبته 32% من الدول الأقل نموا في العالم، كما أنها هي نفسها التي لا يتعدى نصيبها من الناتج العالمي 1.6%.
وسكان أفريقيا الذين يقارب عددهم 850 مليون نسمة يعيش نصفهم تقريبا دون رعاية صحية ولا مياه شرب، وتموت نسبة 40% منهم قبل بلوغ الـ35.
بل أبعد من ذلك تبلغ ديون القارة ضعفي ديون أي منطقة أخرى في العالم، وتتجمع فيها نسبة 11% من الديون الدولية، مقابل 5% من الدخل العالمي، علما بأن خدمة الديون تقدر بحوالي 31% من صادراتها.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو أين تذهب خيرات القارة؟ ومن يقف وراء تفاقم ديونها بهذا الشكل المريب؟
<!-- TOKEN -->
الديون الأفريقية كيف تراكمت
<!-- /TOKEN -->"
اعتبارات
سياسية أخرجت من المعفيين من سداد الديون كل الدول التي تدهورت علاقتها
بالدول الكبرى مثل زيمبابوي بسبب التوترات بين نظام روبرت موغابي والغرب،
والسودان بسبب أزمة دارفور
"
"كل طفل أفريقي يولد وفي عنقه دين لا يستطيع سداده طيلة حياته العملية". هكذا قالت دراسة أعدت لحساب منظمات الإغاثة الدولية.
لقد تراكمت الديون الأفريقية مع استلام العسكر لزمام الأمور في عموم دول القارة خلال فترة الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، وزادت بشكل كبير بعدما تضخم حجم الودائع في المصارف الغربية نتيجة ارتفاع أسعار النفط، ما دفعها إلى منح القروض للدول الوليدة دون أخذ كيفية إنفاقها بالاعتبار أو معرفة مدى قدرة تلك الدول على السداد مستقبلا.
وفي منتصف الثمانينيات، ومع ظهور الأزمة النفطية في اقتصاديات الدول الغربية التي سادها الركود، تراجعت أسعار السلع الأولية، ما أدى إلى عجز الكثير من الدول الأفريقية المدينة عن السداد واندفاعها إلى الاستدانة بفوائد عالية من أسواق المال.
لقد زادت الديون الخارجية في الدول الأفريقية في السنوات الماضية من حوالي 110 مليارات دولار أميركي عام 1980م إلى 350 مليار دولار أميركي عام 1998م، بما يمثل 65% من الناتج المحلي الإجمالي للقارة.
وتفاقمت الأزمة مع انهيار أسعار السلع الأساسية، خاصة أن 50% من عوائد التصدير لأكثر من 40 دولة أفريقية يقوم على سلعة أو اثنتين
.
الشروط الظاهرة والحقائق الغائبة
ما
أعلنته المكسيك في مطلع الثمانينيات من أنها لا تريد الإيفاء بديونها
المستحقة للجهات المانحة ثم توقفها عن سداد ديونها الخارجية نبه المؤسسات
المالية والمصرفية في الدول الكبرى إلى أن تلك الدول إذا استمر إغراقها في
المديونية ستتحول إلى دول متمردة.
وربما تحرم تلك الدول الجهات المانحة والدول المقرضة من الامتيازات التي حصلت عليها على أثر تلك القروض والمنح التي هي في حقيقتها طريقة ملتوية أخرى لمزيد من استنزاف خيرات تلك الدول.
لقد تخوفت الدول الصناعية من أن يشجع موقف المكسيك الدول اللاتينية في أميركا الجنوبية وأن تنتشر العدوى إلى دول أفريقيا وآسيا.
وما يزيد الطين بلة أن الديون المستحقة على الدول الأميركية الجنوبية تعود إلى مؤسسات مصرفية، لذا فإن أي توقف عن سداد تلك الديون سوف يعرقل تلك المؤسسات المصرفية ويمنعها من استقطاب رؤوس الأموال من الدول المغلوبة على أمرها عن طريق القروض وفوائد القروض، ما سيهدد مراكزها المالية بالانهيار.
وربما تشب تلك الدول عن الطوق ويتحرر المستعمَر من المستعمِر، ومن هنا هرعت حكومات الدول الكبرى للتوصل إلى حلول وسط بين دول أميركا اللاتينية والمصارف الكبرى، قبلت بمقتضاها الدول اللاتينية الالتزام بسداد الديون مقابل إلغاء جزء منها وإعادة جدولة جزء آخر.
مثلا أعفيت دولة بنين من ديونها التي بلغت 1.8 مليار دولار عام 2003، في حين لم تفد نيجيريا من الإعفاء، رغم أن ديونها وصلت إلى 34.9 مليار دولار 2003، وهي تعد أكبر دولة مدينة في أفريقيا، وتأتي بعدها مصر بمبلغ 31 مليار دولار، كما استبعدت معظم الدول العربية في القارة من هذه المبادرة التي تمت عام 2005.
من الواضح أن اعتبارات سياسية أخرجت من المعفيين من سداد الديون، كل الدول التي تدهورت علاقتها بالدول الكبرى مثل زيمبابوي بسبب التوترات بين نظام روبرت موغابي والغرب، السودان بسبب أزمة دارفور.
بل إنه حتى الساعة يشترطون على حكومة الخرطوم قبول القوات الدولية على أراضيها لمعالجة بعض ديونها، أضف إلى ذلك أن موريتانيا لم يتم إلغاء ديونها المستحقة حتى اعترفت بإسرائيل كدولة وأصبح هناك تبادل للسفارات بينها وبين إسرائيل.
<!-- TOKEN -->
والسيناريو
نفسه طبق مع حكومة حماس في فلسطين ولكن بوضعية مختلفة، إذ ضيق الخناق على
حماس من الداخل المتمثل في منظمة التحرير الفلسطينية، والخارج المتمثل
بالدول العربية والغربية وإسرائيل طبعا حتى تعترف بإسرائيل كدولة.
<!-- /TOKEN -->"
إذا كانت الدول الثماني تريد
تخفيض ديون البلدان البائسة فليس ذلك عطفا منها عليها ولا حبا لها، وإنما
خشية أن تنهار وتتحول إلى بؤر توتر، ما سيؤثر على استمرار تدفق الموارد من
الجنوب البائس إلى الشمال السيد
"
وبما أن حماس لم تستجب لهذه المطالب حتى الآن فما كان من هذه الجهات إلا أن دعت إلى إسقاطها تحت شعار حكومة وحدة وطنية.
وإذا كانت الدول الثماني تريد تخفيض ديون هذه البلدان البائسة فليس ذلك عطفا منها عليها ولا حبا لها، وإنما خشية أن تنهار هذه الدول البائسة وتتحول إلى بؤر توتر، ما سيؤثر على استمرار تدفق الموارد من الجنوب البائس إلى الشمال السيد.



ساحة النقاش