ولأن بناء المفاعل النووي المصري وتحقيق ثمار امتلاك تقنيات الطاقة النووية وتفعيل استخدامها في الأغراض السلمية لتحقيق التنمية المستقلة للوطن حلماً لطالما راود جماهير الشعب المصري، قال المهندسون كلمتهم بوصفهم جزء من نسيج الوطن فهم يرون أن على عاتقهم مسئولية وأمانة مساندة أي توجه صادق لقيام النهضة الصناعية والاقتصادية المستقلة، ودعوا أن يتم المسارعة في بدء هذا المشروع القومي العملاق وآلا يكون الإعلان عنه مجرد فرقعه إعلامية ثم تتلاشى كالسراب .

شارك في الندوة كل من الخبير المخضرم في مجال الطاقة النووية والرئيس الأسبق لهيئة المفاعلات النووية المهندس حافظ حجي والمهندس الدكتور عزت عبد العزيز وكوكبة أخرى من المهندسين والإعلاميين في حين غاب عن الندوة أي ممثل للحكومة أو صناع القرار .
استهل الدكتور عزت عبد العزيز كلمته قائلاً إن البديل النووي قد عاد إلينا بعد أن تخلفنا كثيرا في هذا المجال، بل وسبقتنا العديد من الدول كانت قد بدأت بعدنا ولم يكن لديها أي إمكانيات كالهند التي لديها اليوم أكثر من 10 مفاعلات .
وأكد عبد العزيز أنه يوجد حوالي 442 مفاعل نووي في 32 دولة، إضافة إلى مجموعة مازالت تحت الإنشاء. وقال إن قضية الطاقة هي قضية أمن قومي، لافتاً إلى أن مخزون البترول يكفي ما بين 20 : 30 عاما أي أنه طاقة ناضبة ، وأشار إلى أنه إذا ما كنا نتخيل أن بوسعنا الاعتماد على محطات الفحم، فإن للفحم أضرار بيئية عديدة، أبرزها انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون والذي قدر مؤخراً بحوالي 6 بليون متر مكعب على الكرة الأرضية وهو لاشك رقم خطير، كما أن الفحم تنطلق منه اشعاعات أكثر من الإشعاعات التي تنطلق من المحطات النووية ذاتها. نوه عبد العزيز خلال كلمته إلى أن المعارضين للطاقة النووية يتعللون بحادث مفاعل تشرنوبل وحادث ثري مايل آيرلند إلا أنه يؤكد أن المفاعل النووي من شأنه إنتاج طاقة نظيفة وآمنه، خاصة بعد أن حدث تطور هائل في المفاعلات، كما بدأ تصميم جيل جديد من المفاعلات يمكن تطويره.
وحول موضوع أمان المحطات النووية الذي يقلق البعض فقال : ليس حلالا أن نعمم الحادثتين الشهيرتين ونقتل هذا المشروع العملاق، حيث إن حادثتين من بين 442 محطة تعد حوادث لا تذكر بالنسبة لمشروع عظيم كهذا . واردف قائلاً : نعم حادث تشرنوبل كان كبيراً لاشك، ولكن مجرد حادث لا يعني توقف صناعة رائدة كهذه . كما أن هذه الحوادث تراجعت تراجعا كبيراً حيث أصبح التحكم في هذه المحطات أكثر تطوراً حتى إن أي خطأ يحدث في هذه المحطات يجعل المحطة تتوقف تلقائيا. منعاً لحدوث كوارث. ومن ناحيته قال المهندس حافظ حجي إنه لأجل المضي قدماً في مشروع عظيم كهذا لابد من البعد عن الاحتكارات الأجنبية عند بداية تنفيذ المشروع بمعنى ضرورة اعتمادنا على الوقود المملوك لنا وكذلك الالات التي نمتلكها. حتى لا نكون تحت رحمة أي جهة أجنبية فيما بعد. وقال قبل توقف البرنامج النووي في الثمانينات قام مجموعة من الخبراء كان هو على رأسهم بعمل برنامج لتصنيع مكونات المفاعل محلياً، وذلك بالتعاقد مع خبراء أمريكان وكنديين .
وكان هناك صندوق يسمى صندوق الطاقة البديلة خصصه الزعيم الراحل محمد أنور السادات بحيث إذا زاد البترول عن 30 دولارا للبرميل تدخل الزيادة في الصندوق لتمويل مشروعات الطاقة البديلة، ثم انتهت العملية بحجة التمويل مشيراً إلى أن مصر مُضيعة للفرص . ونصح بأن أي مشروع قومي لابد أن يكون مستقل عن الحكومة، قائلاً إن المشروع يعرض على الوزراء وكل وزير له رأي وبذلك تتوه القضية وسط كل الأراء ما بين المؤيد والمعارض . وأشار إلى مشروع السد العالي كمثال ناجح وعزا السبب في ذلك إلى أن المشروع كان برنامجاً مستقلا يتبع رئيس الجمهورية، وبذلك لم يتأثر بتغيير حكومة أو وزارة . وحول موضوع الأمان النووي قال حجي إن حادثتي تشرنوبل ومايل آيلاند كان لابد من وقوعهما حتى نستفيد من أخطاء السابقين وحتى تكتب العديد من الدراسات والأبحاث حول هذا الموضوع لافتاً إن مصر تمتلك من البنية الأساسية لقيام المشروع وتحقيق عنصر الأمان حيث نمتلك ثلاث هيئات نووية .
وقد كانت هناك العديد من المداخلات خلال الندوة وقد حذر أحد الحضور من أن يتحول المشروع إلى صورة أخرى لمشروع توشكي الذي يتنصل المسؤولين منه اليوم . وكان لشبكة الأخبار العربية محيط تساؤلاً وجهناه للمهندس حافظ حجي مفاده طالما أن المشروع ذو جدوى اقتصادية عالية وسيتحقق فيه عنصر الأمان إذن لماذا فشل المشروع في الثمانينات ولماذا تم التفريط في موقع الضبعة . أجاب المهندس حافظ حجي قائلاً إن المشروع بالدرجة الأولى قرار سياسي وأود أن أقول أن هناك شعبة الطاقة النووية مهمتها أخذ مشروعات قومية ودراستها ووضع التصور الهندسي وغير الهندسي لها، وقد تم وضع سيناريو لأنواع المحطات المطلوبة إلا أنه للأسف لم يتحقق شئ في كل مرة يتم فيها الحديث مع المسؤول الأول للطاقة في مصر . وأود أن ألفت إلى أنه عام 1994 ذهبت إلى الأستاذ محمود عبد العزيز رئيس البنك الأهلي في ذلك الوقت ، عرضت عليه المشروع وقلت إننا نحتاج 1.2 مليار دولار لتمويله وكان الرجل مرحبا للغاية وقال حينئذ أنا مستعد وبذلك كان البنك الأهلي سيمدنا بالمال والكنديين بالعنصر الفني لكن لم استطع نزع القرار السياسي من الرئيس ذلك الوقت.
أما بالنسبة لموقع موقع الضبعة فهذا موقع لاشك أنه متميز جداً لتدشين المشروع عليه حيث إنه يسع 8 مفاعلات، كما أن التكلفة سوف تزيد أضعافاً إذا ما تم تدشين المشروع في موقع آخر غير الضبعة . هل التكلفة بسيطة ، وإذا كان الجواب بـ لا إذن ما الجدوى الاقتصادية التي سوف تتحقق خلال العشرين العام القادمة بحيث تعوض حجم التكلفة ؟ قال حجي : صحيح إن التكلفة الرأسمالية عالية جداً ، لكن على مدى 30 عاماً قادمة ستكون الجدوى الاقتصادية عالية أيضاً .
فإذا
ما قارنا بين المحطة النووية والمحطة الحرارية سنجد أن الوقود المستخدم في
السنة لمحطة نووية يساوي 600 ميجا و 100 مليون دولار في العام . وفي حين
إن المحطة النووية عمرها 60 عاماً نجد أن الحرارية يتراوح عمرها الافتراضي
ما بين 30 إلى 40 عاماًَ، ومن هنا يتضح أن الطاقة النووية منافس جدا
ًاقتصادياًَ . ناهيك عن أننا نحتاج إلى 18 ألف ميجاوات من الكهرباء
فلنتخيل بعد 20 عاماً مع الزيادة السكانية من أين نأتي بهذه الطاقة؟ ولذا
أؤكد أنه لابد من عدم التفريط فيما صرف على ميناء الضبعة من دراسات
مستفيضة، ويجب الإستفادة من طاقات الخبراء في هذا المجال، كما أنه لابد من
الإصرار على عدم ترك قرار التمويل لأي جهة أجنبية بل ولابد أن تشارك
الصناعة المصرية في معدات ومكونات هذه الصناعة .
وهناك تساؤلا آخر طرح خلال الندوة مفاده كيف يتم تحقيق المشاركة الجماهيرية لمشروع عملاق كهذا ؟ عاد الدكتور عزت عبد العزيز ليقول إن قضية المشاركة الشعبية وقضية التقبل الجماهيري لن يتم تحقيقها إلا من خلال الإعلام، لابد من وجود حملة إعلامية تصاحب القرار ، فضلاً عن ضرورة خلق رأي عام شعبي قادر على الضغط على هذا الطريق . وتطرق حجي إلى موضوع المفاعل النووي الإسرائيلي من واقع تقرير فانونو موردخاي ودراسات أخرى رفض التصريح عن مصدرها كشفت عن وجود 119 مصنع ووحدة لإنتاج اليورانيوم بجانب لجان طاقة نووية ومعامل أجهزة نووية مسخرة، والعديد من وحدات الكوبلت كلها مخصصة للبرنامج النووي.
وأكد حجازي أن كل الجهود في إسرائيل موجهة للجهد العسكري الحربي والترسانة العسكرية ورغم حجم المفاعلات النووية التي يمتلكونها إلا أنه ليس لديهم محطة لتوليد الكهرباء! بل وإن إسرائيل لديها نقص شديد جداً في الطاقة هل هناك من استشار خبراء الطاقة النووية والذرية في مصر قبل الإعلان عن المشروع في مؤتمر الحزب الوطني ؟ أجاب الدكتور حجي لم يحدث أي استشارة للمهندسين ، بل كانت مفاجئة لنا، وبالنسبة لي أنا لا لم استدعى علماً بأن جميع الدراسات كانت بقيادتي. وخلال الندوة تم توزيع بيان من تجمع مهندسون ضد الحراسة يحوي بيانات ومعلومات أساسية عن الطاقة النووية . أوضح البيان أن الطاقة النووية تزود دول العالم بأكثر من 16% من الطاقة الكهربائية فهي تلبي ما يقرب من 35% من احتياجات دول الإتحاد الأوروبي ودولة مثل فرنسا تحصل على 77% من طاقتها الكهربائية من المفاعلات النووية ومثلها ليتوانا .
أما اليابان فتحصل على 30% من احتياجاتها من الكهرباء من الطاقة النووية . بينما بلجيكا وبلغاريا والمجر واليابان وسلوفاكيا وكوريا الجنوبية والسويد وسويسرا وسلوفينيا وأوكرانيا فتعتمد على الطاقة النووية لتزويد ثلث احتياجها من الطاقة النووية على الأقل . في حين أن استراليا التي تمتاز بوفرة مصادرها من الفحم الحجري لا تمتلك محطات نووية لتوليد الطاقة ؟، وإنما لديها محطة ابحاث فقط . أنواع المفاعلات ثمة نوعان من المفاعلات النووية مفاعلات البحث وأخرى لتوليد الطاقة . تستخدم مفاعلات البحث لإجراء الأبحاث العلمية ، وانتاج النظائر لأهداف طبية وصناعية ، وهي لا تستخدم لإنتاج الطاقة . على مستوى العالم هناك أكثر من 248 مفاعلا نووياً للأبحاث النووية في 56 بلداً أما مفاعلات الطاقة فيتم استخدامها لتوليد الطاقة الكهربائية . وتعمل المفاعلات النووية على مبدأ الإنشطار النووي وذلك من خلال إنشطار نواة الذرة مما يؤدي إلى إطلاق طاقة حرارية .
وتعتبر مادة اليورانيوم 235 هي الوقود الرئيسي المستخدم من المفاعلات النووية . كيف يحدث الإنشطار النووي لذرات اليورانيوم بإطلاق النيوترونات ، واصطدام هذه النيوترونات مع ذرات أخرى يسبب انشطارها فيتم تحرير المزيد من النيوترونات ، وهكذا يتم التفاعل المتسلسل مسبباً توليد كمية هائلة من الطاقة الحرارية ، ويجب أن يتم التحكم بمعدل الإنشطار النووي في المفاعل كما يجب أن يتم استخدام نظام تبريد مائي للتخلص من الحرارة المفرطة التي تنتج أثناء العملية ، ويستخدجم البخار الذي تم توليده لتدوير الالات التي تولد الطاقة الكهربائية كما يمكن تحلية مياه البحار المستخدمة للتبريد .
مميزات الطاقة النووية كمية من الوقود النووي المطلوبة لتوليد كمية كبيرة من الطاقة الكهربائية هي أقل بكثير من كمية الفحم أو البترول اللازمة لتوليد نفس الكمية ، فعلى سبيل المثال طن واحد من اليورانيوم يقوم بتوليد طاقة كهربائية أكبر من تلك التي يولدها استخدام ملايين من براميل البترول أو ملايين الأطنان من الفحم . كما أنه لو تم الاعتماد على الطاقة الشمسية لتوليد معظم حاجة العالم من الطاقة لكانت كلفتها أكبر بكثير من كلفة الطاقة النووية . تنتج محطات الطاقة النووية جيدة التشغيل أقل كمية من النفايات بالمقارنة بالطرق الأخرى لتوليد الطاقة ، فهي لا تنتج غازات ضارة في الهواء مثل غاز ثاني أكسيد الكربون أو أكسيد النيتروجين أو ثاني أكسيد الكبريت التي تسبب ارتفاع درجة الحرارة العالمية والمطر الحمضي و الضباب الدخاني .
إن مصدر الوقود اليورانيوم متوفر بكثرة وبكثافة عالية وهو سهل الإستخراج والنقل على حين أن مصادر الفحم والبترول محدودة . ومن الممكن أن تستمر المحطات النووية لانتاج الطاقة في تزويدنا الطاقة لفترة طويلة بعد قصور مصادر الفحم والبترول على تلبية احتياجاتنا . تشغل المحطات النووية لتوليد الطاقة مساحات صغيرة نسبياً من الأرض بالمقارنة مع محطات التوليد التي تعتمد على الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح .
فنحن بحاجة إلى حقل شمسي بمساحة تزيد عن 35 ألف فدان لإنشاء محطة تدار بالطاقة الشمسية لتوليد طاقة تقدر ب 1000 ميجاوات . كما أن مساحة الحقل المعرض للرياح لانتاج نفس الكمية حوالي 150 ألف فدان أو أكثر . في حين أن محطات التوليد النووية التي تتمتع باستطاعة توليد طاقة بمقدار 1900 ميجاوات تشغل مساحة 500 فدان ومصممة لتستوعب ثلاث محطات توليد .
مخاطر الطاقة النووية وفق ما ذكرته الوكالة الدولية للطاقة الذرية iaea فإن بعض العناصر الموجودة في الوقود المستهلك وفي النفايات مثل عنصر البلوتنيوم ، وهي ذات فاعلية إشعالية عالية ، وتبقى كذلك وتبقى كذلك لمدة آلاف السنين، ولا يوجد حالياً نظام آمن للتخلص من هذه النفايات ، والخطط المقترحة للتخلص من النفايات عالية الإشعاعية وتخزينها لا يضمن حماية للأفراد أو المياه الجوفية من التلوث الإشعاعي .
من
الحوادث المتعلقة بالمفاعلات النووية حدوث تسرب إشعاعي جزئي في مفاعل ثري
مايل آيلاند النووي قرب بنسلفانيا عام 1979 ، وذلك نتيجة لفقدان السيطرة
على التفاعل الانشطاري ، وهو ما أدى إلى انفجار كميات كبيرة من الإشعاع ،
لكن تمت السيطرة على الإشعاع داخل المبنى وبذلك لم تحدث وفيات عندها ولكن
الحظ لم يحالف حادثة التسرب الإشعاعي المماثلة في تشرنوبل بروسيا عام 1986
فقد أدت إلى مقتل 31 شخصاً وتعريض مئات الآلاف إلى الإشعاع ، ويمكن أن
يستمر تأثير الإشعاعات الضارة بحيث تؤثر على الأجيال المستقبلية .
ولقد نص قانون نقابة المهندسين رقم 66 لسنة 76 على اعتبار النقابة أعلى
هيئة استشارية للدولة في المشروعات القومية الكبرى وعلى ضرورة تجميع قوى
أعضائها للمشاركة الفعالة لتحقيق برامج التنمية الوطنية . وحيث أن نقابة
المهندسين مازالت واقعة تحت الحراسة رغم قرارات الجمعية العمومية
للمهندسين في 13/2/2006 برفع الحراسة رغم صدور الحكم القضائي الذي يؤيد
مطالب المهندسين فقد رأى تجمع مهندسين ضد الحراسة أن الأمانة العامة
تستوجب ضرورة تقديم رؤية المهندسين الوطنية عن هذا المشروع الكبير حيث إن
النقابة عاجزة ومغتصبة من قبل الحراسة . وندوة الطاقة النووية من منظور
وطني هي التطبيق العلمي لهذا الدور وتأكيد لجميع الشركاء في الوطن أن
الإصلاح يحتاج إلى جهود الجميع ، وأن طريق المشاركة الحقيقة يبدأ برفع
القهر عن عقول وإرادة كل أبنائه



ساحة النقاش