حياتك من صنعك أنت.. من صنع اختياراتك في الحياة وقراراتك

أعرف أن هذا السؤال قد يصدمك.. خصوصاً أنه مقال متخصص في التنمية الذاتية وليس مقالاً دينياً.


بما أنني أحب التفكير المنطقي والعلمي، طرحت على نفسي هذا السؤال، دون انتظار إجابات مسبقة من نوع: طبعاً كل شيء جيد له أصل في الإسلام.


تعالوا نتساءل معاً.. هل هناك تعارض؟


فرق شاسع
في التنمية الذاتية وتطوير الشخصية هناك قاعدة ذهبية مفادها: أنك كي تطوّر من حياتك يجب أن تؤمن تماماً أن حياتك من صنعك أنت، من صنع اختياراتك في الحياة وقراراتك.


فلو كنت فقيرا ًفلا بد من سبب له علاقة بك أنت..


هل اخترت العمل الخطأ؟


هل قصّرت في السعي وإقامة علاقات عمل أقوى لتجد عملاً أفضل؟


هل من المفروض أن تكمل تعليمك أو أن تطوّر المزيد من المهارات؟


هذه القاعدة لا تتنازل عنها أبداً.. سبب ما أنت فيه ليس شخصاً أو شيئاً آخر.. بل هو أنت.. قاعدة مهمة لمست تأثيرها في حياتي الشخصية وحياة الكثيرين حولي؛ حين توقّفوا عن لوم الظروف وبدءوا في تحدي هذه الظروف.


ماذا عن الإسلام؟
هل لهذا علاقة بالدين؟، حين بحثت في الموضوع وجدت شيئاً يبدو مختلفاً:


فكلمة الإسلام ذاتها معناها: التسليم لله؛ أي أن تقبل وتطيع أوامر الله، وأن تؤمن أن كل شيء بيد الله، وتقبل بقضاء الله وقدره خيره وشره، وأنه لا سلطان لك في شيء بل هي مشيئة الله، ومعناه في اللغة الاستسلام والإذعان والانقياد لله.


هل هناك تعارض ها هنا؟
ظللت لفترة طويلة أحاول أن أحل أطراف هذا اللغز.. هل الإسلام حقاً عكس التنمية الذاتية؟، هل من الخطأ أن أعتقد أن حياتي من صنع اختياراتي أنا في الحياة؟


بل يجب أن "أسلّم لله"، وأن أقبل أنه لا حيلة لي في أي شيء؟


ما رأيك أنت؟


هل ترى تناقضاً بين الفلسفتين؟


كنت أنوي أن أنهي الموضوع عند هذا الحد، وأكمل في الأسبوع القادم.. إلا أن هذا سيثير حنق الكثيرين؛ لذلك دعونا نواصل الحديث الآن..


الأسطرلاب!
ظللت لفترة طويلة أحاول فك هذا اللغز.. بالتأكيد لا يوجد تناقض.. لسببين:

أولا:
لأنني مسلم، ولا أشعر بهذا التناقض الوجداني في داخلي؛ بمعنى أنني حين أفكر بهذه الطريقة (حياتي في يدي ومن صنع اختياراتي)، لا أشعر أنني بذلك أبتعد عن الله سبحانه وأعصيه، وأن إيماني به سبحانه يقلّ.


فهناك أشياء كثيرة لا سلطة لي عليها فعلاً، كتوفيق الله، والصدف الجيدة، وتيسير الظروف بشكل لا يد لي فيه أصلاً.. إلخ؛ إلا أن هذا لا يعني أن قاعدة التنمية الذاتية نفسها خاطئة.. لا أزال مؤمناً أن الناجحين يصنعون حياتهم باختياراتهم، ولا أزال أرى أناساً ضيّعوا حياتهم لأنهم يلومون الظروف، ولا يشعرون أن حياتهم من صنعهم هم، ليبدءوا في تغييرها!


ثانياً:
لأن الإسلام استطاع أن يبني حضارة عظيمة في يوم ما.. لو كان هؤلاء الناس لا يفكرون في تطوير أنفسهم وحياتهم؛ فلماذا صنعوا -مثلاً- الأسطرلاب (جهاز فلكي اخترعه علماء الأندلس)؟.. لماذا وضع الخوارزمي أسس الجَبْر، لو لم يكن يفكر في تطوير الحياة ذاتها؟


التسليم لله
ظللت لفترة أحاول أن أعرف، هل التسليم لله يتناقض مع الإيمان بقدرتنا على صنع حياتنا؟ إلى أن وجدت الإجابة.


أثناء قراءتي لعرض كتاب "الإسلام بين الشرق والغرب" لـ"عزت بيجوفيتش" (حاكم البوسنة السابق)، وجدت أنه قد أفرد فصلاً كاملاً بعنوان: التسليم لله!


يقول في هذا الفصل، ما حلّ لي هذا اللبس تماماً:
"في التسليم لله يوجد شيء من كل حكمة إنسانية فيما عدا واحدة: تلك هي التفاؤل السطحي.. وكنتيجة لاعتراف الإنسان بعجزه وشعوره بالخطر وعدم الأمن يجد أن التسليم لله في حد ذاته قوة جديدة وطمأنينة جديدة.. إن الإيمان بالله والإيمان بعنايته يمنحنا الشعور بالأمن الذي لا يمكن تعويضه بأي شيء آخر".


بس كده!
يعني حياتك في يدك أنت.. والتسليم لله يجعل عندك شعوراً أكبر بالثقة والقوة والأمان لأنه يساعدك -سبحانه- كي تحقق ما تريد تحقيقه؛ فأنت لست وحدك.


أو بالبلدي كده: أعمل اللي عليك والباقي على ربنا -أرمي تُكالك على الله- اسعَ يا عبد وأنا أسعى معاك.. إلخ.. حياتك في يدك ومن صنع اختياراتك؛ فخذ هذه الاختيارات واستمدّ القوة والثقة والعون من الله جل في علاه.


لا تناقض ها هنا.. فالاثنان يكملان بعضهما.. وخاصة مع تحليل لفكرة القضاء والقدر في حلقة سابقة (وفي فصل كامل في كتابي "تخلص من عقلك").. والتي تقول: إن القدر هو اختياراتك أنت في الحياة، ومعرفة الله بهذه الاختيارات لا ينفي كونها من صنعك أنت.. (راجع الحلقة أو الكتاب إن أردت).

حسناً.. يبدو أن لكل منا خواطره الرمضانية.. التي تختلف طبقاً لمجال التخصص.

وإلى أن أراكم.. تذكروا دائماً: أننا نعيش في الدنيا مرة واحدة فقط؛ فلماذا لا تكون أروع حياة ممكنة؟

المصدر: د:شريف عرفة برمج عقلك
white-chicken

Moh.Galal

  • Currently 135/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
45 تصويتات / 543 مشاهدة
نشرت فى 13 سبتمبر 2010 بواسطة white-chicken

ساحة النقاش

محمد جلال رمضان

white-chicken
محمد جلال رمضان اعمل كمحاسب »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

2,148,745

سنظل دائما في رباط

اتمني من الله العزيز الجبار ان تسير مصر للامام بشبابها ورجالها المخلصين وان نصبح واحدا مثلما كنا ولا املك حاليا سوي التمني بعد ان تركتها عن مضض ولكني سأعود لا محاله
 (محمد جلال)