لا يخفى على أحد بأن القطاع السمكي في السلطنة يشكّل رافدا مهما للكثير من العائلات العمانية التي تعتمد على هذا المورد الحيوي المتجدد. فمنذ عصور قديمة وحتى اليوم ظلت السلطنة موطنا للأسماك في المنطقة، فيما أصبحت أهمية هذا القطاع في ازدياد مستمر في إطار التنويع الاقتصادي، وقدرته على توفير آلاف فرص عمل للعمانيين في مختلف المجالات في حال استغلاله بصورة مجدية من خلال توجيه مزيد من الاستثمارات الداخلية والخارجية لتنمية هذا القطاع.
فالثروة السمكية في السلطنة تعتبر من أهم مصادر الغذاء وتعتبر الوجبة الرئيسة على المائدة العمانية، حيث تصنّف السلطنة على أنها الدولة الأولى الأكثر استهلاكا للأسماك في الشرق الأوسط وبمعدل يصل إلى 27 كيلوجراما للفرد الواحد مقارنة مع معدّل الاستهلاك العالمي للأسماك البالغ 17 كجم في العام. فالقطاع السمكي يأتي اليوم ضمن خمسة قطاعات يتم التركيز عليها في إطار سياسة «تنفيذ»، الأمر الذي يتطلب من المؤسسات الحكومية البعد عن ممارسة البيروقراطية ودعم أعمال المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الداخلة في هذه المشاريع، وتمكين العمانيين من استغلال هذا القطاع بصورة تؤدي إلى استقطاب المزيد منهم للعمل مستقبلا، مع استمرار توفير الدعم والحوافز لهم لاتخاذ هذا القطاع موردا ماليا ولأبنائهم في المستقبل.
إن قطاع الثروة السمكية في السلطنة وعلى لسان المسؤولين العمانيين أصبح اليوم محل إشادة من قبل المنظمات الدولية ومنها البنك الدولي، فيما جاءت نتائج مختبرات «تنفيذ» لتسهيل مهام هذا القطاع، وإجراءاته كمنح التراخيص والموافقات وتوفير الأراضي المناسبة لإقامة مشروعات الاستزراع والتصنيع السمكي، والسماح بدخول أساطيل الصيد التجاري وعملها في أعالي البحار، في الوقت الذي تعمل فيه وزارة الزراعة والثروة السمكية على استقطاب مزيد من الوفود والخبراء والمختصين وأصحاب الشركات لتنمية هذا القطاع. وتشير بعض البيانات التي أوردتها مختبرات «تنفيذ» أن حجم وقيمة المشروعات المقدرة في هذا القطاع كانت تبلغ 660 مليون ريال عماني، فيما بلغت قيمة المشاريع بعد المختبرات 930 مليون ريال عماني، بالإضافة إلى تخصيص 300 مليون ريال عماني في مشاريع الاستزراع السمكي ليصل الإجمالي الى 1.3 مليار ريال عماني بنهاية عام 2023. وتؤكد الوزارة المعنية في هذا الجانب أن الحكومة ستمنح تسهيلات كبيرة للعاملين في أساطيل الصيد ومنح الأراضي ودعم مشاريع التصنيع، الأمر الذي سيساهم في توفير مزيد من فرص العمل للعمانيين، بجانب العمل على استقطاب مزيد من الاستثمارات الخارجية.
لقد شهدت السلطنة خلال السنوات الماضية عددا من مشاريع الاستزارع السمكي، وهناك العديد من المشاريع المماثلة لدى الوزارة المعنية يصل عددها أكثر من 30 مشروعا تزيد تكلفتها عن 850 مليون ريال عماني، ويمكنها أن توفر آلاف فرصة عمل، تتنوع ما بين عدة مشاريع منها إنتاج الكوفر والروبيان، وإنتاج بروتين أسماك عالي القيمة، ومشروع أسماك الماكريل، والصفيلح والهامور، وخيار البحر، وأسماك البرمندي وغيرها من المشاريع الأخرى، فيما تأتي معظم استثمارات هذه المشاريع وتكلفتها من القطاع الخاص وبنسبة 93%، بينما تصل نسبة مساهمة الحكومة حوالي 7% تقريبا.
ومن المتوقع أن تنطلق العام الحالي أساطيل الصيد التجارية العمانية الى المحيط الهندي تتضمن سفن صيد سريعة ومجهزة لاستغلال الحصص السمكية للسلطنة في هذا القطاع التي لم تستغل حتى اليوم، وذلك بالتعاون مع بعض الدول التي سبقتنا في هذه الأعمال، والاستعانة بخبراتهم في الصيد، الأمر الذي سوف يساهم في زيادة الناتج المحلي الإجمالي لقطاع الأسماك من 225 مليون ريال عماني في عام 2016 إلى 781 مليون ريال عماني بحلول عام 2023. فالسلطنة لم تستغل هذا القطاع إلا ما نسبته 3 % فقط من مجمل مخزون الكتلة البحرية الحية وفق بيانات بعض التقارير السمكية.
لقد بدأت السلطنة خلال السنوات الماضية بالعمل في إنشاء مشاريع الاستزراع السمكي، منها مشروع الأقفاص العائمة لأسماك الكوفر لإنتاج كميات جيدة من هذا النوع من الأسماك على عدة مراحل، وبأحجام تسويقية لها، مع استهداف الأسواق المحلية والعالمية، في حين تجري الاستعدادات لتشييد مصنع لتعبئة وتغليف الأسماك بميناء الصيد البحري بقريات بطاقة إنتاجية تصل إلى 9 آلاف طن. وهناك عشرات من المشاريع المماثلة لدى الوزارة المعنية لتنفيذها خلال السنوات المقبلة، حيث من المتوقع توفير أكثر من 13 ألف فرصة عمل جديدة في هذا القطاع. ولقد أعلنت الشركة العمانية لتنمية الاستزراع السمكي التي تم تأسيسها في عام 2014 كإحدى استثمارات الصندوق العماني للاستثمار في القطاع السمكي- أن لديها العديد من المشاريع في مجال الاستزراع السمكي لتأسيسها في عدة محافظات عمانية كمسقط وجنوب الشرقية والوسطى وظفار، لإنتاج آلاف من أطنان من الأسماك البحرية بنظام الأقفاص العائمة.
إن جميع هذه المشاريع تشكّل فرص جيدة لأصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة من العمانيين للاستثمار فيها، في الوقت الذي أبدت فيه الوزارة المعنية تقديم كل الدعم الفني المطلوب لهذه المشاريع، وتسهيل إجراءات الاستثمار، ومساعدة المستثمرين الشباب في إعداد دراسات الجدوى والإشراف الفني عليها أثناء الإنشاءات، مع القيام بمتابعة هذه المزارع ميدانيا وبشكل دوري لتقديم خدمات الإشراف والتوجيه. وهناك دراسات جدوى اقتصادية حول مشاريع استزراع البلطي ضمن مشاريع الاستزراع السمكي تتضمن جميع التفاصيل الفنية والمالية وتصاميم الأحواض للمستثمرين والراغبين الدخول في هذا المجال. ويأتي الاهتمام بتنمية قطاع الاستزراع السمكي ليصبح هذا القطاع مستداما ومتوافقا مع البيئة البحرية والتجارية للسلطنة، والتي تمكن من تحقيق المشاريع التي تم تخطيطها في إطار الاستراتيجية الاقتصادية للسلطنة التي تهدف إلى تطوير وتنمية المشاريع في إطار التنويع الاقتصادي، وتشجيع شركات القطاع الخاص للاستثمار في هذا مختلف المجالات التي تهم هذه القطاعات. إن القطاع السمكي في أية دولة يشكل موردا اقتصاديا وماليا هاما، وله أهمية كبيرة في القيمة المضافة من خلال المشاريع الأخرى التي تقام للتكامل مع هذا القطاع، ومن هذا المنطلق جاءت أهمية تأسيس مشاريع الاستزراع السمكي، وإنشاء دائرة مختصة لها تقوم بتوفير البيانات والمعلومات الفنية وإنشاء قاعدة للبيانات، وإجراء البحوث التطبيقية، وتخصيص مواقع لهذه المشاريع بمساحات تزيد عن 3020 هكتارا، بحيث يصبح قطاع الاستزراع السمكي مكملا وليس منافساً مع قطاع الصيد التقليدي، الأمر الذي سوف يساهم ويحد أيضا من زيادة الأسعار، ويعمل على توفير فرص عمل شاغرة في هذا القطاع.
إن الفترة المقبلة تتطلب من الجهات المعنية العمل من أجل زيادة الوعي وتبادل المعلومات والمعرفة حول هذا القطاع، خاصة في مشاريع الاستزراع السمكي، بالإضافة إلى تسهيل الإجراءات ، والعمل على تدريب وتأهيل العمانيين في مختلف الأعمال التي يتطلبها القطاع، مع تبني الأساليب الحديثة في مثل هذه المشاريع، وتنمية مدارك العمانيين في مجالات استخدام الآليات الحديثة في عمليات التسويق والترويج والمشاركة في المعارض والمنتديات العالمية التي تبحث في مشاريع القطاع السمكي، مع العمل على تحقيق الاستفادة المتبادلة للخبرات والتجارب مع المؤسسات والشركات المعنية في هذا القطاع الحيوي. كما ان القطاع السمكي يتطلب دوما تحديث أساطيل الصيد لضمان الاستدامة، وتوفير التقنيات والمعدات اللازمة له، مع العمل على توفير التدريب اللازم للكوادر العمانية، وتشجيع التعاون مع الشركات العمانية والأجنبية للاستثمار في قطاع الصيد بشكل عام مع التركيز على الاستزراع السمكي بالسلطنة، الأمر الذي سوف يساهم في تمكين المزيد من الصيادين للعمل في هذا القطاع ورفع قدراتهم الإنتاجية وبجودة عالية، مما يسهم بشكل مباشر في زيادة الإنتاج السمكي بشكل عام ورفع مستوى المعيشة للصيادين.