من يطفئ الحريق المشتعل فى كل مصر منذ الساعة الثانية عشرة والثلث من بعد منتصف ليلة الجمعة الماضية، بعد التفجير الإرهابى أمام كنيسة القديسين بالإسكندرية وحتى هذه اللحظة؟.
الإسراع بفك طلاسم التفجير وتقديم مرتكبيه للعدالة ومحاسبة المحرضين والمخططين وردعهم سوف يهدئ كثيرا من الآلام.. لكن ذلك لن يحل المشكلة، كما أنه لن يعيد الضحايا إلى الحياة، إضافة إلى أنه يصعب كثيرا على الحكومة أن تتعامل مع الحادث بنفس الطريقة التى تعاملت بها مع حوادث مشابهة مثل الكشح ونجع حمادى.
بالطبع نحلم بأن تتحرك الحكومة فى اتجاه معالجة القضية من جذورها ونزع كل فتائل التوتر الطائفى من المجتمع، لكن وبما أن ذلك يشبه الرهان على وجود الغول والعنقاء والخل الوفى، فعلينا أن نكون واقعيين ونتحدث عن حلول يمكنها أن تطفئ الحريق الآن وبعدها يمكننا الحديث عن «إنشاء أو تفعيل مؤسسة إطفاء جديدة أو تحديث آلية الدفاع المدنى الموجودة».
الوضع الراهن ملتهب ومتفجر، وما حدث ويحدث فى الشارع ينذر بكوارث، ونتمنى أن تمر طقوس احتفالات الإخوة الأقباط بعيدهم مساء اليوم وغدا على خير.
لا نعرف كيف تفكر الحكومة وما هى خطتها القصيرة والطويلة المدى بشأن التعامل مع هذا الملف الملتهب.
كان المرء يتمنى أن يخرج أى مسئول ليخبرنا ويخبر الإخوة الأقباط عن تصوره بشأن المرحلة المقبلة .الرئيس مبارك يستطيع عبر الصلاحيات المطلقة التى يمتلكها أن يطفئ الحريق أو على الأقل يخمد النيران المشتعلة تحت الرماد.
هو ظهر فعلا ظهر السبت الماضى بعد ساعات من الجريمة ووجه رسالة حاسمة بأنه سيقطع دابر المحرضين والمنفذين.
لكن ما ينتظره ضحايا الحادث والأقباط وكل المصريين المهمومين بوطنهم ليس هو الانتقام من المجرمين أو المحرضين فقط.. هؤلاء يريدون برنامجا محددا للتعامل مع الأمر فى المستقبل.
قد نعدم المنفذ أو المحرض اليوم.. وكذلك فى العملية المقبلة والتى بعدها.. لكن ذلك لن يوقف ماكينة القتل، ولن يردع المحرض الاكبر الذى يملك الآلاف من المنفذين.
يتمنى المرء أن يخرج الرئيس مبارك أو الدكتور أحمد نظيف فى أسرع وقت ممكن ويوجه رسالة واضحة للإخوة الأقباط، خلاصتها أنهم شركاء فى هذا الوطن وليسوا ضيوفا عليه.. وأن انعزالهم أو تمردهم على المجتمع لن يحل المشكلة بل سيفاقمها.. ثم ــ وبعد هذا الكلام الجميل ــ يقدم بادرة حسن نوايا عبارة عن الاستجابة ولو الجزئية لبعض المطالب التى تؤرق الأقباط...
يمكن للرئيس مثلا أن يوجه البرلمان لسرعة مناقشة وإقرار قانون دور العبادة الموحد أو يوجه وزراء الإعلام والتعليم والتعليم العالى إلى خطوات محددة فيما يتعلق بتكريس المساواة وعدم التمييز بين المواطنين على أساس الدين.
أن يقدم الرئيس أو من ينوب عنه على هذه الخطوة فليس ذلك ضعفا أو رضوخا للكنيسة أو للبابا.. لأن مشكلات الأقباط جزء من مشكلات مصر.. واستمرار هذه المشكلات مشتعلة سيضعف النظام على المدى البعيد.. وقد لا نستغرب إذا شاهدنا الغرب وأمريكا يضغطون على حكومتنا من أجل تنفيذ هذه المطالب.
ينبغى أن ننظر إلى الأمر باعتباره أقرب إلى العملية الحسابية ونسأل أيهما أفضل: احتواء الأقباط وحل مشكلاتهم أم خراب كل الوطن؟!.
المصدر: عماد الدين حسين\ جريدة الشروق
نشرت فى 6 يناير 2011
بواسطة watanwahed
ساحة النقاش