نتيجة للزيادة المطردة في استخدام الوقود عالمياً، خصوصاً في الدول الصناعية والصاعدة وتلك الآخذة في النمو مثل الصين، الهند، البرازيل، تايلاند، وإندونيسيا وبسبب ارتفاع أسعار البترول، والغاز عالمياً، خصوصاً في أوقات الاضطرابات السياسية كالحروب والثورات الشعبية، وخاصة في الدول الكثيفة الانتاج (75 % من إنتاج البترول يتم من خلال دول الشرق الأوسط وحدها) أو نتيجة لحدوث كوارث طبيعية تؤدي إلى صعوبة الحصول على مصادر أخرى للطاقة مثل الطاقة النووية (كما حدث في اليابان نتيجة للزلازل أو موجات التسونامي المصاحبة لها التي أدت إلى توقف بعض المفاعلات النووية بها). رصدت منظمة الأغذية والزراعة الارتفاع في أسعار البترول خلال السنوات القليلة الماضية، حيث بلغ متوسط سعر برميل البترول عام 2002 فقط 27 دولاراً للبرميل، ارتفع إلى 32 دولاراً عام 2003 ثم 52 دولاراً عام 2004 ارتفع إلى 58 دولاراً عام 2000 ثم إلى 62 دولاراً عام 2006 وإلى 80 دولاراً للبرميل في سبتمبر 2007 وإلى 90 ثم إلى 130دولاراً في 2008 ثم انخفض إلى حوالي 60 دولار في 2009، وسجلت أسعار البترول زيادة وصلت إلى 15 % في 2010 لتصل إلى 92 دولاراً للبرميل في فبراير 2011.
بالإضافة إلى أن الدراسات الحديثة أكدت أن احتياطي العالم من البترول سوف ينفد في خلال 50 عاماً والغاز الطبيعي خلال 65 عاماً والفحم خلال 200 عاماً. ومن ثم كانت هناك حاجة ضرورية وملحة لإيجاد مصادر طاقة بديلة ومتجددة. وأسفر البحث عن طاقات جديدة عن مصادر الطاقة المتجددة مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية وغيرها، حيث يبقى الوقود الحيوي البديل الوحيد السائل الممكن استخدامة في تسيير المركبات على نطاق واسع. فالإيثانول الناتج كوقود حيوي يمكن أن يخلط بالجازولين (البنزين) أو يستخدم منفرداً كوقود للسيارات بعد تعديلات طفيفة في موتورات السيارات.
يعود تاريخ الوقود الحيوي إلى عام 1974 في البرازيل، إبان ما عرف بأزمة النفط الأولي بسبب الحظر العربي لتصدير البترول إلى الغرب أثناء حرب عام 1973 كمحاولة من الغرب للتحرر من أسر الذهب الأسود، والنظر إلى ما بعد عصر النفط، تحسباً لنضوبه بنهاية القرن الحالي، إلا أنه شهد ازدهاراً كبيراً مع بداية الألفية الحالية، خاصة بعد الأزمة الثانية التي تسبب فيها إعصار كاترينا عام 2005 وأدت إلى تدمير وإعطاب عدداً كبيراً من المنشآت النفطية الأمريكية مصاحبة لارتفاع جديد في أسعار النفط، و لقد وفرت البرازيل 18 بليون دولار من انتاج الوقود الحيوي في الفترة من 1990 الي 1997.
و يوجد جيلان من الوقود الحيوي تم تصنيفهم طبقاً للجزء النباتي المستخدم في انتاج الوقود الحيوي:
الجيل الأول : وهو يشتمل على انتاج الوقود الحيوي (biofuel) من المحصول الغذائي منافساً الإنسان في غذائه ومتسبباً في ارتفاع أسعار الحاصلات الغذائية في الأسواق العالمية، حيث يتم فيه تصنيع وقود الإيثانول الحيوي من الحاصلات السكرية والنشوية، فيما يتم تصنيع الديزل الحيوي من الحاصلات الزيتية.
الجيل الثاني : الحيوي؛ يتم فيه الاستفادة من المخلفات الزراعية بالاستفادة من جميع أجزاء النبات من أوراق وسيقان وجذور وطاقتها الكامنة في تصنيع الوقود الحيوي بعيداً عن المحصول نفسه، بما لا يشكل منافسة للإنسان في غذائه واستفادة من كامل أجزاء النبات.
إذن فالجيل الأول يعتمد في الأساس على السكر والحبوب، اللذان يعتبران مصدران أساسيان للغذاء وخاصة في العالم العربي الذي يستورد معظم موادة الغذائية بأسعار عالية، وبالتالي يؤدي ذلك إلى عجز في الميزان التجاري، بالإضافة إلى زيادة الأعباء على الاقتصاديات العربية، وخاصة احتياطاتها من النقد الأجنبي مما يؤثر على القدرة الشرائية للمستهلك المحلي، أو تضطرالدولة إلى تحمل مليارات الدولارات في صورة دعم و الذي غالباً لا يصل إلى مستحقيه.
وقد صف جين زجلر، مقرر الأمم المتحدة لحق الطعام أن حرق الطعام لإنتاج الوقود جريمة ضد الإنسانية وأنها سوف تؤدي إلى انتشار الجوع وتفشي المجاعات وانتشار أمراض سوء التغذية، حيث طالب جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بإيقاف إنتاج الوقود الحيوي لمدة خمس سنوات، لإتاحة الوقت لتقييم وقعهها على حق الطعام وغيره من الحقوق الاجتماعية والبيئية والإنسانية. والتأكد من أنها لن تتسبب في تفشي الجوع. ومنذ انعقاد قمة الغذاء العالمية عام 1996 وحتى نهاية عام 2007 زاد عدد الجائعين في العالم إلى 854 مليوناً، كما أن هناك 37 دولة تواجه أزمات غذائية عنيفة يقع أغلبها في أفريقيا، وتضيف باقي الأصوات المعارضة لتصنيع الوقود الحيوي من المحاصيل إلى أن الوقود الحيوي تسبب في ارتفاع كبير في أسعار السلع الغذائية خاصة من حاصلات الذرة والقمح والأرز وفول الصويا والسكر والزيوت ومنتجات الألبان واللحوم والدواجن والبيض (بسبب زيادة أسعار الأعلاف النباتية)، وحذرت منظمة الأغذية والزراعة في بيان لها صادر في شهر ديسمبر 2007 بأن الدول النامية والفقيرة التي تعتمد على استيراد غذائها من الخارج سوف تواجه سنوات صعبة بداية من عام 2008 وأن اقتصادياتها الضعيفة لن تتحمل قيمة الزيادة في فاتورة استيراد الغذاء.
كما أشار المعارضون أيضاً إلى حتمية حدوث أزمة في المياه العذبة في العالم في زمن ندرة المياه في ظل توقع زيادة سكان العالم من 6 مليار نسمة حالياً إلى 8 مليار نسمة بحلول عام 2050 خاصة وأن الحاصلات الزراعية المستخدمة في إنتاج الوقود الحيوي تصنف على أنها حاصلات مستنزفة للمياه، وأن إنتاج لتر واحد من الإيثانول يستنزف ما بين ألف إلى ثلاثة آلاف لتر من المياه العذبة حسب منطقة الزراعة ونوع النبات المستخدم.
ويؤكد المراقبون على أن ارتفاع أسعار السلع الغذائية الرئيسية، والتي سيتنافس عليها الإنسان وانتاج الوقود واقع لا محالة في ظل محدودية الترب الزراعية والمياه العذبة في العالم. ومن ثم يتنبأ خبراء أسواق وبورصات السلع الأساسية بارتفاع أسعار السكر والزيوت وكافة أنواع الحبوب خاصة القمح والذرة والأرز، وهو ما حدث فعلاً عام 2007، حيث ارتفع سعر القمح بنسبة وصلت إلى 100 %، والذرة 15 % والأرز بنسبة 30 % والزيوت بنسبة 80 % وجميع منتجات الألبان بنسبة 80 % واللحوم والدواجن بنسبة 25 % ( نتيجة لارتفاع أسعار الأعلاف النباتية). وهناك مخاوف كبيرة من أن الزيادة المتوقعة في أسعار الغذاء سوف تضر كثيراً بالفقراء والدول النامية خاصة التجمعات السكنية في الريف والمناطق الهامشية، وبالتالي فهناك مخاوف من تفشى الجوع والمرض وزيادة الجهل.
إذن فهي مشكلة تواجه ليس فقط العالم العربي الذي يسرف في استنفاد نفطه واهماً أنه لن ينفد أبداً، وإنما هي مشكلة تواجه كل الدول النامية التي تعاني مثلما نعاني من ضعف الانتاج الزراعي، نتيجة لقلة المياة والتكونولوجيا المستخدمة في الزراعة، وعدم وجود إمكانيات للبحث العلمي، كذلك سوء النقل والتخزين للحاصلات الزراعية والاسراف في الاستهلاك الذي يؤدي بدورة إلى زيادة الفاقد منها.
الأخطر من ذلك أن المشكلة تزداد تعقيداً يوما بعد يوم، فالعالم المتقدم يتحدث عن أزمة طاقة، أما أزمة العالم العربي فهي ثلاثية مركبة، أزمة غذاء، وأزمة مياه، بالإضافة لأزمة الطاقة التي ستطالنا عاجلاً أم آجلاً.
تتطلب هذه الأزمة عدة آليات لمواجهتها، والتعامل معها من الآن، قبل أن تصبح كارثية كما هو متوقع على المستوى البعيد إن لم نتداركها.
إن دولة مثل مصر على سبيل المثال تستورد حوالي 45 % من إجمالي احتياجاتها الغذائية (نحو 55 % من احتياجاتها من القمح (من 6 إلى 7 مليون طن سنويا)، 90 % من احتياجاتها من الزيوت وحوالي 32 % من احتياجاتها من السكر، إضافة إلى 50 % من احتياجاتها من الذرة بمعدل مليون طن سنوياً. وبالتالي فهناك فجوة غذائية تحتاج إلى إنتاج المزيد من الغذاء، وذلك بالاستفادة من كل نقطة ماء عذب وكل شبر تربة خصبة. وتمتلك مصر بخلاف المساحة الزراعية القائمة (8,4 مليون فدان) نحو خمسة ملايين أخرى قابلة للزراعة بالاستصلاح، ونمتلك مياه عذبة لاستزراع نحو 3 مليون فدان منها فقط. ولا يفضل استخدام هذه الامكانيات المحدودة لانتاج الوقود الحيوي في مصر.
وعلى ذلك فإن هناك طريقتين من وجهة نظري للتفاعل مع هذة المشكلة:
أولاً: يجب على العرب أن يقودوا حملة عالمية للحد من استخدام نواتج المحاصيل الغذائية الأساسية ومحاصيل السكر في إنتاج الإيثانول، على أن تكون هذه الدعوة مخاطبة الجانب الانساني. إلا أنني أشك في نجاح هذه المحاولات مع الغرب؛ الذي يعرف مصلحتة جيداً، ولا يعمل إلا لها.
ثانياً: وهو الحل الأنسب من وجهة نظري ليس للعرب فقط، وإنما للعالم بأسره، وهو الاتجاه إلى الجيل الثاني من الوقود الحيوي، الذي لا يؤدي انتاجه إلى منافسة مباشرة مع الاستهلاك الآدمي من الحاصلات الزراعية. وهذا الحل يتطلب ان يحذوا العرب حذو باقي الدول المتقدمة، والتي تفكر في المستقبل بشكل منطقي وعملي، فتتجه صوب البحث العلمي الجاد في سبيل تطوير عملية إنتاج الوقود الحيوي من المخلفات الزراعية. فهناك مئات الملايين من أطنان المخلفات الزراعية تتراكم سنوياً في مختلف دول العالم ويعد التخلص منها مشكلة كبيرة، ويتسبب في العديد من المشكلات البيئية والصحية مثل حرق قش الأرز، وبقايا الحاصلات الزراعية الأخرى في مصر.
المشكلة الوحيدة التي تواجه هذا الجيل من الوقود الحيوي؛ هي التكلفة العالية للوحدة الواحدة من الوقود والتي يأتي معظمها من تكلفة الإنزيمات المضافة. فتحويل هذه البواقي النباتية إلى وقود حيوي يستلزم كميات كبيرة من الإنزيمات، والمعاملات الحرارية، والكيماوية المكلفة، وبالتالي تصبح عملية إنتاجه على نطاق واسع عملية مكلفة وغير اقتصادية. والاتجاهات الحديثة في البحث العلمي والقائمة الآن وينفق عليها بالملايين تتجه إلى تطوير، واكتشاف أنواع جديدة من الإنزيمات، والكائنات الدقيقة المستخدمه في عمليتي التحويل الحيوي و التخمر.
وكذلك تستخدم التكنولوجيا الحيوية والهندسة الوراثية في تربية واستنباط هجن وأصناف جديدة من المحاصيل التي تتميز بسهولة تحويلها إلى الوقود الحيوي بكميات قليلة من المعالجات الإنزيمية.
والميزة الرئيسية لهذا الجيل من الوقود الحيوي أننا نستطيع استخدام البقايا النباتية في انتاج الوقود، مع إمكانية استخدام الحبوب في تغذية الانسان أو الحيوان، وكذلك إمكانية استخدام مخلف نباتي مثل قش الأرز بدلاً من حرقه، وتلويث البيئة في إنتاج الوقود.
وهناك اتجاه إلى زراعة واستخدام أنواع جديدة من المحاصيل غير التقليدية في إنتاج الوقود الحيوي مثل "الجاتروفا"، وهو نبتة تحتمل أقسى أنواع الجفاف وتنتج ثماراً بذرية غنية بالزيت.
ويقترح البعض إلا تتم زراعة حاصلات الوقود الحيوي في الأراضي الزراعية الحالية أو المستقبلية التي يمكن أن تصل إليها المياه العذبة لتخصيصها للغذاء. وإنما يمكن زراعة حاصلات الوقود الحيوي في الأراضي القاحلة عالية الملوحة، أو مرتفعة القلوية والتي ليس هناك أمل أو جدوى اقتصادية من إصلاحها.
الموضوع يحتاج الي سلسلة من المقالات نظراً لما يحويه من جوانب اقتصادية، سياسية، اجتماعية، وبيئية وكذلك تفاصيل علمية دقيقة.
المصدر: الكاتب: وحيد عواد
*مدرس مساعد، بكلية الزراعة، جامعة القاهرة.
باحث دكتوراه بجامعة ولاية كلورادو, الولايات المتحدة الأمريكية.
ماجستير في التكنولوجيا الحيوية من جامعتي فاخننجن بهولندا، وفلوريدا بالولايات المتحدة الأمريكية.
نشرت فى 16 سبتمبر 2011
بواسطة wanis
Mohamed Abdel Wanees Omr
Mohamed Abdel Wanees Abdel Mowla Omar Address: Alexandria –Egypt Date of Birth: 2 / 7/ 1987 Marital Status: Married Present employment: Assistant Lecturer, Plant Protection Department (ENTOMOLOGY), Faculty of Agriculture, Saba Basha, Alexandria University, Egypt. Tele: +2 0111562646 Fax: +2 03 5832008. Email: dr.wanes2010 @yhoo.com. Email: medo_22_11 @yhoo.com »
أقسام الموقع
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
439,699
ساحة النقاش