هناك عدة تساؤلات تدور في ذهن كثيرا من الناس وربما في ذهنك أنت أيضا تخص موضوع التأمين ، هل التأمين حلال أو حرام ؟ وهذه التساؤلات تهم كل المشتغلين بالتأمين مُنتجين وإداريين .. وسواء عملاء حاليين أو مرتقبين وهذا الموضوع شائك ويكثر حوله الاختلاف والخلاف وخصوصا أن القرآن الكريم لم يحسم هذه القضية ولم يرد نص قاطع بحله أو تحريمه ، وكذلك سنة نبينا محمد عليه أفضل الصلاة وأذكي السلام .
أذن ، لابد من الاستدلال والاستشهاد بآراء كبار العلماء والباحثين المتخصصين في علوم الشريعة الإسلامية . وأيضا إعمال العقل وتدبر التفكير وتطبيق ما يستريح ويستقر له قلبك .
وهنــا سيتم الرد علي الشبهات التي تحرم التأمين ، وسوف نستعرض الاعتراضات المثارة علي التأمين التجاري بأنها - شبهات - وإليكم أهم هذه النقاط : ( آراء كبار العلماء والمتخصصين في علوم الشريعة الإسلامية ) :
التأمين ضرب من المقامرة :
إن القمار لعب بالحظوظ ومقتلة للأخلاق العملية والفعالية الإنسانية .. وقد وصفه القرآن الكريم بأنه حباله من حبائل الشيطان ووسيلة من وسائلة يوقع بها بين الناس العداوة والبغضاء ويلهيهم عن ذكر الله وعن الصلاة ، فأين القمار الذي هو من أعظم الآفات الخلقية و..... من نظام يقوم علي أساس ترميم الكوارث الواقعة علي الإنسان في نفسه وماله في مجال نشاطه العملي ، وذلك بطريق التعاون علي تجزئة تلك الكوارث وتفتيتها ، ثم توزيعها وتشتيتها ؟
ثن أن عقد التأمين يعطي المؤمن له طمأنينة وأمانا من نتائج الأخطار الجائحة التي لولا الـأمين من نتائجها إذا وقعت قد تذهب بكل ثروته أو قدرته ، فتكون حالقة ماحقة .. فأين هذا الأمان أحد المقامرين في ألعاب القمار التي هي بذاتها الكارثة الحالقة .. فهل يسوغ تشبيه الشئ بضده ، أو الحاقة بنقيضه ؟ !!!
التأمين من قبيل الرهان :
المراهن يعتمد علي المصادفات والحظوظ كالمقامر .. وقد يضيع في التلهي به أوقاته ويقتل فعاليته ونشاطه .. كالمقامر . وأبرز المفارقات بين التأمين والرهان ، أن الرهان ليس فيه أية صلة لترميم أضرار الأخطار العارضة علي النشاط الاقتصادي المنتج في ميدان الحياة الإنسانية لا بطريق التعاون علي تفتيت تلك الأضرار وتشتيتها .. ولا بطريق تحمل فردي غير تعاوني ، ولا يعطي أحدا من المتراهنين أي أمان أو طمأنينة كما هو الأثر المباشر في عقد التأمين .
التأمين ينطوي علي جهالة :
القول بأن عقد التأمين ينطوي علي جهالة لأن الأقساط التي يدفعها المؤمن عليه إلي حين وفاته لا يعرف كم ستبلغ ؟ والجهالة تمنع صحة العقد شرعا . والإجابة :
إن فقهاء الحنفية كانوا في قضية الجهالة يميزون بين جهالة تؤدي إلي مشكلة تمنع تنفيذ العقد وجهالة لا تأثير لها في التنفيذ . وبتطبيق هذا المبدأ علي أقساط التأمين علي الحياة نجد أن :
الجهالة فيها من النوع غير المانع كما هو واضح لأن مبلغ كل قسط عند حلول ميعاده هو مبلغ معلوم أما كمية مجموع الأقساط فهي التي فيها الجهالة ، وهي لا تمنع التنفيذ مادامت شركة التأمين قد تعهدت بأن تدفع التعويض المتفق علي دفعه عند وفاة المؤمن عليه إلي أسرته مثلا ، في أي وقت وقد حصلت الوفاة ضمن المدة المحددة بالعقد ، ومهما بلغ عدد الأقساط قله أو كثره .
التأمين فيه تحد للقدر الآلهي :
القول بأن عقد الـأمين فيه تحد للقدر الآلهي ولاسيما في الـأمين علي الحياة . والإجابة :
أن هذه الشبهة ناشئة عن عدم الرجوع إلي المصادر والمنابع الأصلية لمعرفة الأساس الذي تقوم عليه فكرة التأمين ونظامه وتطبيقه عمليا عن طريق التعاقد بعقد التأمين الذي نظمت أحكامه القوانين .
فالتأمين ليس ضمانا لعدم وقوع الحادث الخطر المؤمن منه كما يتوهم من يري أنه تحد للأقدار لأن هذا فوق قدرة الإنسان ، ولا يري لنفسه هذه القدرة ولا يعتقدها في غيره من البشر إلا مجنون !!
وإنما التأمين ضمان لترميم آثار الأخطار إذا تحققت ووقعت ، وهو تحويل لهذه الأضرار عن ساحة الفرد المؤمن عليه الذي يكون عاجزا عن احتمالها إلي ساحة جماعية تخف فيها وطأتها علي الجماعة حتي تنتهي إلي درجة ضئيلة جدا بحيث لا يحس بها أحد منهم .
هذه هي الفكرة الفنية الإبداعية لنظام التأمين ، فهل فيها للناظرين المتأملين شيء من التحدي لقدرة الله ؟؟!!
التأمين ينطوي علي الغرر (الخطر) :
إذا نظرنا إلي عقد التأمين من جانب العلاقة بين شركة التأمين والمؤمن عليه كان هذا العقد غررا . بل قمارا ومراهنة . أما إذا نظرنا إليه من جانب العلاقة بين شركة التأمين ومجموع المؤمن عليهم كان الغرر فيه يسيرا إن لم يكن منتفيا . وقد بني ذلك علي أن كثرة العقود التي تبرمها شركات التأمين والوسائل العلمية التي تلجأ إليها لحساب الاحتمالات تمكنها من تحديد ما تعطي لمجموع المؤمن عليهم من تعويضات ، وما تأخذه منهم من أقساط في مدة معينة . تحديدا يقرب من الدقة . فينتفي بذلك الغرر أو يقل في جانب الشركة .
أن عقد التأمين لا غرر فيه بالنسبة للمؤمن عليه لأن عملية التأمين بالنسبة له " نفع محض أن نزل به الخطر لأنه يأخذ من شركة التأمين أكثر مما أعطي من الأقساط ، وأما إذا لم ينزل به الخطر في مدة التأمين ، فأنه يكون قد حصل علي الأمن في مقابل ما دفعة من أقساط يعرف مقدارها ويدفعها طواعية واختيارا وبرضا ومسرة بالسلامة التي كان ينشدها طوال مدة التأمين ، وذلك ما لا يجتمع معه غبن ولا غرر .
الربـــا في التأمين :
القول بأن شركات التأمين تستثمر احتياطي أموالها بطريق الربا وبأن المؤمن علية إذا بقي حيا بعد انقضاء المدة المحددة بالعقد يسترد الأقساط التي دفعها مع فائدتها وهذا حرام شرعا ؟
الإجابة :
إننا نتكلم في التأمين من حيث هو نظام قانوني ولا نتكلم فيما تقوم به شركات التأمين من أعمال وعقود أخري مشروعة أو ممنوعة .. كما أن أخذ المؤمن عليه في التأمين علي الحياة فائدة ربوية علاوة علي مبلغ الأقساط التي يستعيدها إذا ظل حيا بعد المدة المحددة في العقد ليس من ضرورة التأمين علي الحياة ولوازمه من حيث كونه نظاما تأمينيا ، بل هذا شرط يشرط في العقد يمكن الحكم عليه وحده دون الحكم علي نظام التأمين في ذاته .
والخلاصــة : إن نظام التأمين العقدي بوجه عام تشهد بجوازه جميع الدلائل الشرعية في الشريعة الإسلامية وفقهها ، ولا ينهض في وجهه دليل شرعي علي التحريم ، ولا تثبت أمامه شبهة من الشبهات التي يتوهمها القائلون بتحريمه .
ساحة النقاش