لما كان عقد ( وثيقة – بوليصة ) التأمين من العقود الحديثة التي لم يكن لها وجود في عصور الفقه الإسلامي الأولي .. فقد كان دلك سببا في كثرة الكلام عن عقد التأمين في الشريعة الإسلامية وتعدد آراء الباحثين من فقهاء هدا العصر وأن لدي الكثيرين تساؤلات واعتراضات حول التأمين وبصفة خاصة تأمينات الحياة تحتاج إلي إجابة وتوضيح....
أذن ، لابد من الاستدلال والاستشهاد بآراء كبار العلماء والباحثين المتخصصين في علوم الشريعة الإسلامية . وأيضا إعمال العقل وتدبر التفكير وتطبيق ما يستريح ويستقر له قلبك .
فتوى الشيخ محمد عبده :
سأل جناب المسيو (هور روسل) في رجل يريد أن يتعاقد مع جماعة (شركة مثلا) علي أن يدفع لهم مالا من ماله الخاص علي أقساط معينة ليعملوا فيها بالتجارة واشترط عليهم أنه إذا قام بما ذكر وانتهي أمد الاتفاق المعين بانتهاء الأقساط ، وكانوا قد عملوا في ذلك المال .. وكان حيا ، فيأخذ ما يكون له من المال مع ما يخصه من الأرباح .. وإذا مات في أثناء تلك المدة فيكون لورثته أو لمن له حق الولاية في ماله أن يأخذوا المبلغ تعلق مورثهم مع الأرباح ،.
فهل في مثل هذا التعاقد الذي يكون مفيدا لأربابه بما ينتجه لهم من الربح جائز شرعا ؟ نرجو التكرم بالإفادة ..
وقد أجاب الشيخ محمد عبده عن ذلك بالإجابة التالية .. وهي النص الرسمي للفتوى المشهورة : " لو صدر مثل هذا التعاقد بين ذلك الرجل وهؤلاء الجماعة علي الصفة المذكورة .. كان ذلك جائزا شرعا ، ويجوز لذلك الرجل بعد انتهاء الأقساط والعمل في المال وحصول الربح أن يأخذ لو كان حيال ما يكون له من المال مع ما خصه في الربح .. وكذا يجوز لمن يوجد بعد موته من ورثته أو من له ولاية التصرف في ماله بعد موته أن يأخذ ما يكون له من المال مع ما أنتجه من الربح . والله أعلم .
أد توفيق علي وهبه - منبر الإسلام العدد 8 مايو 1983
نظام المعاشات الحكومي أو نظام التأمين الاجتماعي الذي يبيحه الفقهاء المعاصرين جزء من التأمين ، وما يقال عن التأمين الذي تقوم به الشركات يقال عن هذه النظم .
فضيلة الشيخ محمد سيد طنطاوي - شيخ الأزهر
نص خطاب فضيلته ردا علي احدي الشركات التي طلبت رأيه في التأمين أثناء تولي فضيلته دار الإفتاء :
..... فقد أطلعنا علي الخطاب الوارد من شركة ... المقيد برقم ... المتضمن هو وما أرفق به أن الشركة تنوي التعاقد مع شركة ... للتأمين بهدف تقوية العلاقة بين الشركة وبين العاملين بها وتغطية حالات الوفاة والعجز الكلي المستديم والإحالة إلي سن المعاش وغير ذلك مما ذكر. ونفيد بما يلي :
أولا - أن شريعة الإسلام تحض علي كل عمل من شأنه التكافل الاجتماعي بين الناس . قال تعالي " وتعاونوا علي البر والتقوى ولا تعاونوا علي الإثم والعدوان " وفي الحديث الصحيح " والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه " .
ثانيا - إن ما تهدف إليه الشركة من تدعيم لفكرة التكافل الاجتماعي أمر محمود شرعا وعقلا ما دام هذا التدعيم يتم بطريقة شرعية تتوفر فيها العدالة والمساعدة للمحتاجين وذوي العاهات .
ثالثا - أ، بنود العقد المرفقة صورته لا نري فيها ما يتعارض مع شريعة الإسلام وإنما هي بنود تنظيمية اجتماعية ولا مانع شرعا من الاشتراك في هذا المشروع الاجتماعي النافع بأذن الله . وتقبلوا تحياتنا
أد سلام مدكور رئيس قسم الشريعة الأسبق - جامعة القاهرة
أن بعض النقابات المهنية والقوات المسلحة أنشأت صندوقا خاصا بها يدفع مبلغ معين للعضو المشترك أو لورثته حالة وفاته مقابل قسط شهري يسدده العضو للصندوق ، وقياسا يمكن اعتبار شركات التأمين صندوقا لكافة المهن ولجميع الأفراد .
فضيلة الشيخ نصر فريد محمد واصل - مفتي جمهورية مصر العربية الأسبق
نص خطاب فضيلته ردا علي سؤال من سائل تطلب الإفادة عن كون بوليصة التأمين علي الحياة علي النفس حلال أم حرام وتطلب بيان الحكم الشرعي ؟
الجواب : التأمين بأنواعه المختلفة من المعاملات المستحدثة التي لم يرد بشأنها نص شرعي بالحل أو الحرمة شأنه في ذلك شأن معاملات البنوك فقد خضع التعامل فيه لاجتهادات العلماء وأبحاثهم المستنبطة من بعض النصوص في عمومها لقوله تعالي " وتعاونوا علي البر والتقوى ولا تعاونوا علي الإثم والعدوان " وكقوله صلي الله علية وسلم " مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكي منه عضو تداعي له سائر الأعضاء بالسهر والحمى "
والتـأمين علي ثلاثة أنواع :
1 - منها التأمين التبادلي .
2 - وكذا التأمين الاجتماعي ويكاد الإجماع يكون منعقدا علي حلهما لموافقتهما للشريعة الإسلامية .
3 - أما النوع الثالث فهو التأمين التجاري وهو المسئول عنه فينما يري فريق من العلماء أن هذا النوع حرام لما يكتنفه من الغموض المنهي عنه وما يتضمنه من القمار والمراهنة . ويري الآخرون إنه جائز شرعا وليس فيه ما يخاف الشريعة الإسلامية لأنه قائم علي أساس التكافل الاجتماعي والتعاون علي البر كما وأنه تبرع في الأصل وليس معاوضة .
وعندما عرض الأمر علي دار الإفتاء بتاريخ 25/3/1997م رأت من واجبها القيام بدراسة التأمين بجميع أنواعه الصادرة عن شركات التأمين دراسة كاملة ومستفيضة حتى تتبين حلاله من حرامه في أمر يهم جميع المسلمين وهو التعامل المادي في شئون دنياهم ، ثم تبين لها أن أكثر بنودها ما هي إلا قواعد تنظيمية مقرره من قبل شركات التأمين إذا ارتضاها العميل أصبح ملزما بما فيها وأن أكثر هذه البنود في مجموعها لا تخالف الشريعة الإسلامية وإن كان هناك بعض البنود يجب إلغاؤها وطلبت من شركات التأمين تنفيذ ذلك .
ودار الإفتاء تري أن التأمين بكل أنواعه أصبح ضرورة اجتماعية تحتمها ظروف الحياة ولا يمكن الاستغناء عنه لوجود الكم الهائل من عمال المصانع والشركات الاقتصادية العامة والخاصة والمطلوب تأمين حياتهم حالا ومستقبلا .
وباء علي ذلك فإننا نري أنه لا مانع شرعا من الأخذ بنظام التأمين بكل أنواعه ونأمل توسيع دائرته كلما كان ذلك ممكنا ليعم الأفراد الذين لم يشملهم التأمين فالأمم الراقية والمجتمعات العظيمة المتقدمة هي التي تربي في أبنائها حسن الادخار والعمل لما ينفعهم في دينهم ومستقبل حياتهم . والله سبحانه وتعالي أعلم .
المستشار السيد علي السيد - رئيس مجلس الدولة الأسبق
التأمين في صورته الحديثة لا يتعارض مع الدين ، إذ مادام الإنسان مأمورا بالتبصر في أمره كان لزاما عليه أن يأخذ حذرة ويحتاط لمستقبلة ومستقبل عياله ولا يترك نفسه في شيخوخته أو إذا أصابه عجز أو مرض أو يترك عياله بعد وفاته يتكففون الناس . كما يجب عليه أن يؤمن نفسه من الأخطار التي يتعرض لها في ماله ، وقد تأتي في بعض الأحيان علي كل ثروته فيلقي بذلك نفسه إلي التهلكة .
قال تعالي : " يا أيها الذين أمنوا خذوا حذركم " - " ولا تلقوا بأيديكم إلي التهلكة " -
قال صلي الله عليه وسلم " أعقلها وتوكل " - " لأن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عاله يتكففون الناس "
والدين يندب (يدعو) إلي التأمين لأنه يقوم علي أساس التعاون ، والتعاون من مكارم الأخلاق وقربه اجتماعية كبيرة . قال تعالي " وتعاونوا علي البر والتقوى " ولأن التأمين يشجع علي إيثار الغير ، وهو فضيلة خلقية وميزة اجتماعية .
================================
وضع الديـــن شروطا لصحة وسلامة العقود وكل هذه الشروط متوافرة في وثيقة التأمين ومتطابقة مع نصوص الشريعة الإسلامية :
إيجاب وقبول |
أن يخلو العقد من الضرر والجهالة |
أن يكون طرفي العقد بالغي الأهلية |
إن التأمين علي الحياة حُكمة : الجواز شرعا ، لأنه لم يرد نص صريح قاطع بتحريمه في كتاب الله أو سنة رسوله :
قال تعالي " وقــد فُصل لكم ما حُرم عليكم "
وفي الحديث " الحلال ما أحله الله في كتابه ، والحرام ما حرمة الله في كتابة وما سكت عنه فهو عفو لكم " .
ساحة النقاش