أثار مفتى الديار المصرية الدكتور علي جمعة حفيظة المستنيرين والسلفيين ـ على السواء ـ حين اعلن أن نفراً من الصحابة الأجلاء كانوا يتبركون بشرب بول النبي "عليه الصلاة والسلام". فأما المثقفون فإنهم ذهبوا إلى أن هذا الأمر مما يشوه صورة الإسلام في عصر يتربص فيه أعداء الإسلام به كما لم يتربصوا قط، وأن المناخ السلفى السائد ربما يدفع بعض البسطاء، خصوصاً أن مصدر هذا "الرأي" هو المفتي الرسمي لمصر ـ إلى التبرك ببول شيوخ العصر، ممن يجلونهم إجلال أولياء الله الصالحين! قبل هذا الرأى الخطير للمفتي جمعة، ورأى المفتي أو "فضفضته" العادية التي تعد لدى البسطاء فتوى، كان الدكتور عزت عطية، الأستاذ بجامعة الأزهر، أصدر فتوى بجواز رضاعة الأجنبي من صدر المرأة غير المحرمة عليه، فتصبح بإرضاعها إياه خمس رضعات مكتملات محرمة عليه، مستنداً في ذلك إلى حديث نبوي مشكوك في صحة إسناده. الدكتور عطية جرى تحويله للتحقيق ولجنة للتأديب وجوزي بالتوقف عن التدريس ريثما يتم التحقيق باتاً في أمره! لم تكن هذه الأمور أول ما جاء في سياق الفتاوى الغريبة التي تجتاح آذان وعقول المصريين من دون استئذان، تحلل وتحرم ما يصدم الناس، كفتوى صفوت حجازي بقتل السائحين الإسرائيليين، وصولاً إلى فتوى على الإنترنت لأحد الشيوخ المصريين، سأل فيها أحد الناس، هل تحويل رصيد من محمول إلى محمول يجوز شرعاً ؟ فأفتاه الشيخ بأن في ذلك نوعاً من الربا الفاحش. الخطير في أمر هذه الفتاوى كونها تنتشر انتشار النار في الهشيم بسرعة فائقة وفي مدى واسع من الناس، فالمصريون يجلون كل من يحمل لقب "شيخ"، لا يفتشون في ماضيه العلمي الفقهي، ولا يسألونه عن مصادر فتاواه، ولا يفرقون بين الفتوى والرأي. زاد من حدة هذه الفوضى الإفتائية انتشار الشيوخ نجوماً على شاشات الفضائيات، وانتشار هذه الفضائيات في غالبية بيوت المصريين، بعد أن صار اقتناء صحن التقاط الفضائيات "الدش" أمراً ميسوراً رخيص السعر لقطاعات كبيرة من الناس، فصارت الفوضى أوسع نطاقاً، تأتي المصريين من أمامهم ومن خلفهم، ومن الأرض ومن الفضاء. والشيوخ المصريون ليسوا وحدهم بالطبع في الفضائيات. إنهم جزء من الظاهرة، ما دعا مجمع البحوث الإسلامية قبل أكثر من شهرين في مصر إلى إصدار بيان قاطع يحدد فيه أن هؤلاء الشيوخ لا يحق لهم الفتوى، لأنها من اختصاص مفتي الديار المصرية والمراجعة من حق المجمع الموقر.. حتى شيخ الأزهر محمد سيد طنطاوي يتحرج في الفتوى، فيقول عن فتاواه: إنها "آراء"، تاركاً مسؤولية الإفتاء برمتها للدكتور على جمعة ومجمع البحوث. غير أن البيان لم يؤت ثمرته المرجوة، الفوضى الإفتائية مستمرة أرضياً وفضائياً، والعين ترى والأذن تسمع والقلب يحفظ والعقل يتلقى ما يتلقى عاجزاً أمام إجلال "النص" وتوقير "العمامات"! السيل الجارف قبل هذه الموجة من الفتاوى، كان المثقفون المصريون يطالبون بفتح باب الاجتهاد في أمور الدين، فالباب كان أغلق بدعوى أنه لا يجوز الخروج على فتاوى السلف الصالح. فجأة، انفتح الباب على مصراعيه.. غير أن التدبر في الظاهرة يؤكد أن ليس ثمة مفاجآت. التطور التقني الاتصالاتي هو العلة. هذا التطور الذى طرح في السنوات العشر الأخيرة حزمة من بدائل "الميديا" غير المقيدة بأية قيود. فالإنترنت بديل من الصحافة، والمحمول بديل من الهاتف الأرضي، والفضائيات بديل من القنوات الرسمية... وهكذا حدث ولا حرج، وافتِ ولا حرج أيضاً! كذا فإن "سياسات السوق" دعمت هذه الثورة في الميديا والاتصالات، فكان تحرير بعض الخدمات الترفيهية والاتصالاتية في مصر ـ والعالم العربي ـ باباً لكي يستثمر كل ذي هوى بضاعته.. فظهرت برامج المسابقات والتي تعتمد على الاتصال الهاتفي بأرقام تملكها شركات خاصة، ومنها جاءت فكرة "الهاتف الإسلامي" في مصر، الذي يتصل به المرء ليودع سؤاله فتأتيه الفتوى على الهاتف. وفي العام الماضي سجل "الهاتف الإسلامي" متوسط اتصالات بلغت شهرياً عشرة آلاف اتصال، وأغلب هذه الفتاوى في أمور يكفي العقل كأداة لحسمها من دون سؤال أو استفتاء.. أما إحصاء الفتاوى "الفضائية" فإنه غير ممكن، لتعدد هذه الفضائيات التي تفتح هواءها لكل من يبغي الفتوى، ولكثرة الشيوخ الذين يضطلعون بالمهمة. بل إن الفتاوى الصادرة عن "دار الإفتاء المصرية" سجلت أرقاماً مهولة. ففى عهد محمد سيد طنطاوي (كان المفتي قبل توليه مشيخة الأزهر..) أصدرت دار الإفتاء 7890 فتوى، وفي عهد خلفه نصر فريد واصل صدرت 7433 فتوى، وفي عهد خلفه أحمد الطيب صدرت 2600 فتوى، وصولاً لعهد المفتي الحالي علي جمعة الذي أصدرت دار الإفتاء على يديه 5300 فتوى.. إلى الآن "أي أن 23223" فتوى أصدرتها دار الإفتاء في 21 عاماً فقط، أي أكثر من ألف فتوى سنوياً". هذا السيل المنهمر من الفتاوى الدينية (ينهمر من دار الإفتاء، ومن الفضائيات، ومن الهاتف، ومن الإنترنت!) يعده البعض "صحوة دينية" لكن ما يؤخذ عليه حقاً ابتعاده عما يمس أمور الدين، بل يدخل في أمور دنيوية بسيطة طالما حسمها المصريون بالعقل، من دون حاجة لاستفتاء الشيوخ ممن يجيدون الفتوى وممن لا يجيدونها! فتاوى الجنس من هذه الأمور التي تطغى بوضوح على ظاهر الفتاوى التي يطلبها الناس أرضياً وفضائياً فتاوى الجنس وفتاوى شؤون المرأة. لعل أشهر هذه الفتاوى في العام 2006 فتوى سعاد صالح حول اشتراط وجود غشاء البكارة لدى المرأة لصحة الزواج شرعاً! وفتوى محمد رأفت عثمان التي أكد فيها قوامة الرجل على المرأة، وفتوى محمد سيد طنطاوى شيخ الازهر التي حرص على تسميتها رأياً ـ وإن كان هذا الحرص لم يقلل من وقع ذويها الكبير، حول إيجابية تعدد الزوجات، وكيف أنه "الحل الأمثل للمجتمعات التي تعاني ارتفاع نسبة العنوسة"! ومن أغرب الفتاوى الجنسية في العام الماضي، فتوى للدكتور رشاد خليل حول عدم جواز تعري الزوجين أثناء المعاشرة الجنسية، وفتوى الداعية الإسلامي يوسف القرضاوي صاحب الصدقية العالية لدى جمهور البسطاء في مصر، حول جواز استمتاع الزوجين بملامسة كل منهما عورة الآخر بالفم! ولم تنعكس أية قضية أو هموم اجتماعية حقيقية على طلب الناس للفتاوى المتعلقة بالمرأة أو بالجنس، سوى في فتوى واحدة تقدم بها البعض إلى مجمع البحوث الإسلامية حول "جواز تولي المرأة رئاسة الجمهورية"، وجاءت الفتوى بأنه "لا يجوز"! لم تقتصر الفتاوى على الجنس والمرأة، وإن كان هذا ما غلب عليها في رصد فتاوى العام الماضي (وفق دراسة قيمة أصدرها مرصد أهلي حقوقي يحمل اسم "ملتقى" عن فتاوى العام 2006، وحررها سعيد عبد الحافظ، الباحث المصري) وإنما تخطتها إلى ما يخص المال والأعمال والصحة والمهن فثمة فتاوى تحريم فوائد البنوك، وثمة انقسام في الفتوى حول التأمين على الحياة "حرمه بعضهم وحلله بعضهم"، كذلك فتوى فضائية بعدم جواز إلغاء حكم الإعدام (وهو مطلب يرفعه مثقفون وحقوقيون مصريون الآن في سياق أجواء الإصلاح وتماشياً مع الاتجاه العالمى الذي يخفف الإعدام إلى السجن مدى الحياة) وفتوى من مجمع البحوث بضرورة إلزامية رأي المفتي في قضايا الإعدام. وفي الفنون فتويان كلتاهما ضد والأخرى.. فثمة فتوى متسامحة أجازت للمطربين أداء الأذان بأصواتهم، بل وتلاوة القرآن وترتيله ما داموا يعرفون أحكام القراءة، وثمة فتوى أخرى أصدرها المفتى علي جمعة وصدمت الرأي العام بتحريم التماثيل وصناعتها (تحريم فن النحت) وأن النحاتين أشد من يعذبون يوم القيامة..! فتوى علي جمعة بتحريم فن النحت اثارت بلبلة كبيرة في المجتمع المصري، وزاد بتحريم اقتناء أو تزيين البيوت بالتماثيل قائلاً بأنها "معصية لا يجوز الوقوع فيها"!ودخل علي جمعة في مناظرة مع الشاعر المصري الكبير أحمد عبد المعطى حجازي على الهواء مباشرة في برنامج "البيت بيتك" على أرضية هذه الفتوى.. وتراجع المفتي ـ نسبياً ـ عن تشدده في فتواه خلال هذه المناظرة، وانطلق الكتاب والمثقفون يحملون على المفتي، إلى أن هدأ الرأى العام، لكن الفتوى لم تنمح من أدمغة البسطاء، بخاصة أن عدداً من شيوخ المساجد أقروا بها، فيما تنصل شيخ الأزهر طنطاوى من الأمر برمته قائلاً "يُسأل المفتي عن فتواه.. لا علاقة لي بالأمر"! وفيما حرم مجمع البحوث الإسلامية التدخين عملاً بالمبدأ الإسلامي "لا ضرر ولا ضرار" فإن المفكر جمال البنا أفتى بأن التدخين في نهار شهر رمضان لا يفطر الصائمين! والمثير في هذه الفتوى ـ التي صدرت عن البنا في أيلول ـ سبتمبر 2006 ـ أن البنا أعلنها في برنامج "البيت بيتك" ـ الأعلى مشاهدة في مصر، والذي تبثه الفضائية المصرية ـ واستند جمال البنا إلى أن الدخان لا يدخل المعدة وبالتالي فإنه لا يفطر! فتاوى سياسية أفرزت فتاوى الفضائيات وغيرها من الفتاوى "المنهمرة" عدداً من أزمات الرأي العام، ولعل فتوى صفوت حجازى بإهدار دم اليهود أبرز مثال عليها! فهذا الرجل، وهو إمام أحد المساجد بمدينة السادس من أكتوبر جنوب غربي القاهرة ـ أفتى من على منبر الجامع، بإهدار دم "كل يهودى إسرائيلي موجود في البلاد العربية بمن فيهم من دخلوا بقصد السياحة" رداً على جرائمهم ضد الفلسطينيين، واليهودى غير الإسرائيلي لا يجوز قتله كونه ينتمى لجنسية أخرى. وكرر حجازي فتواه في حوارات صحافية، ما صنع بلبلة في الأوساط الاجتماعية والسياسية المصرية، وجعل السفارة الإسرائيلية في القاهرة تطلب إلى وزارة الداخلية المصرية تشديد الحراسات على رعاياها في مصر، بخاصة أن السائحين الإسرائيليين يصل عددهم إلى قرابة مئة ألف سائح سنوياً ! ولم يفق المصدومون بفتوى قتل اليهود حتى صدموا بفتويين أخريين قبل نهاية العام الماضي.. الأولى أصدرها علي جمعة مفتي الديار المصرية، قال فيها بجواز استحمام الإنسان باللبن لأمور علاجية أو تجميلية، ووقع الجدل العنيف بينه وبين شيوخ مجمع البحوث، وانتقل الجدل إلى الصحف بعد أن رفض هؤلاء الشيوخ هذه الفتوى، مؤكدين أنها لا تراعي الظرف الاقتصادي للمجتمع! والفتوى الثانية أصدرها الشيخ زكريا نور ـ عضو لجنة الفتوى بالأزهر ـ وأباح فيها العلاج بالقرآن الكريم مستنداً في ذلك إلى نصوص كثيرة تفيد بجواز هذا العلاج، لكن المفتي علي جمعة رفض هذه الفتوى وأكد أن العلاج بالقرآن فوضى، وذهب إلى أن التصدى لأدعيائه واجب شرعي.. وكانت أول معركة للمفتى يؤيد فيها المثقفون الذين طالما وقفوا ضد فتاواه المتشددة! وبلغت جرأة الإفتاء الفوضوي إلى حد تقديم النائب الأخواني بالبرلمان المصري علي لبن طلباً لإصدار فتوى تبيح إعدام رئيس الوزراء أحمد نظيف متهماً إياه بـ "التربص بالإسلام" لأنه أصدر قراراً بهدم مسجد "عماد الإسلام" بالقاهرة، لصالح بناء "شونة" لمترو الأنفاق، لكن أحداً لم يجب لبن إلى فتواه التي كادت تهدر دم رئيس الوزراء، في سابقة تُعّد الأولى في نوعها! لكن لبن ذهب في الاتجاه ذاته لإعدام وزير الأوقاف محمود حمدى زقزوق ووزير الاستثمار محمود محيي الدين بحجة تبديدهما أموال الأوقاف، ومرت مطالب لبن كمطالبه الأولى.. من دون أن يجرؤ شيخ في مصر على إجابته إليهما! استفت قلبك لم يكن المصريون ممن يدأبون على طلب الفتاوى من الشيوخ، سواء كانوا شيوخاً متخصصين من ذوي العلم أو كانوا من الأدعياء.. بل إن المصريين كانوا من أكثر الشعوب الإسلامية عملاً بالنصيحة النبوية القائلة "استفت قلبك"، ربما لسببين.. فأما الأول، فهو أن المصريين متديّنون بطبعهم ميالون إلى التصوف، الأمر الذي وفر لهم معرفة بأسس الدين وثوابته، لا بأس بها، ووفر لهم ثقة خاصة في إعمال عقلهم، بصرف النظر عن مستواهم الثقافي أو العلمي. وأما الثاني فكونهم ميالين إلى التسامح، فإن وقع أحدهم في "المحظور" وحكاه لصاحبه بادره صاحبه إلى العتاب ثم اختتم كلامه بالعبارة "إن الله غفور رحيم". وعرفت مصر في تاريخها الحديث نهضة خاصة في مجال الإجتهاد الديني والتجديد، فجرى فتح باب الاجتهاد في "الأزهر" في عصر محمد علي باشا (1805 ـ 1849) وفي عصر حفيده إسماعيل (1863 ـ 1879) وصدرت فتاوى كثيرة بلغت من الاستنارة مالا يجرؤ شيخ أن يبلغه الآن "كفتوى جواز الاختلاط بين الرجل والمرأة بهدف تلقي العلم، ما لم يتم الخروج على محارم الله"، ووصل الاجتهاد إلى الذروة على يد الإمام المجدد الشيخ محمد عبده الذي كان شيخاً للأزهر أواخر القرن التاسع عشر، واضطر إلى عمل تغييرات جذرية في التعليم الازهري ليتمكن من فتح باب الاجتهاد. وقبل محمد عبده، كان الشيخ جمال الدين الأفغاني الثائر والسياسي والمثقف الذي لجأ إلى مصر بحثاً عن الاستنارة والحرية، وكان له وجه آخر من الأهمية بعيداً عن عالم السياسة، كونه من الشيوخ المجددين في الفقه والشريعة، وفي الخمسينات والستينات من القرن الفائت جاء الاجتهاد على يد شيخ الأزهر محمود شلتوت الذي وصل في الاجتهاد إلى مراتب عالية.. وفي هذه العصور، كانت الفتاوى قليلة جداً من ناحية العدد، كما أن طلب الفتوى كان محدوداً.. وكان مقصوراً على أمور جليلة لا يفلح معها العقل غير الفقهي أو غير المتخصص. ولم يتصد للفتوى سوى كبار الشيوخ.. وكانت ثمار الإفتاء إيجابية يتغلب فيها "العقل" وتنتصر فيها "المصلحة" على النقل والتقليد. كان ثمة اتجاه إلى تمدين مصر، راعاه الشيوخ بوعي ثقافي ـ اجتماعى مشهود، وانتقل هذا الوعي إلى المريدين من بسطاء مصر، فانفتحت قلوبهم وعقولهم على التسامح وتقليد شيوخهم في العقلانية والاجتهاد الديني! وفي عصر محمد عبده ـ مثلاً ـ قبل مئة عام، لم يخطر على قلب بشر في مصر أن يسأل عن جواز شرب بول النبي عليه الصلاة والسلام، أو الاستحمام باللبن، أو جواز قتل اليهود، أو التدخين في نهار رمضان، أو طول جلباب الرجل وقصره، أو جواز دخول الحمام بالقدم اليسرى كما يشيع الآن! المسألة أن المصريين كلهم انشغلوا في مشروع نهضوي تمديني مبدأه الأساسي التسامح، مشروع انخرط فيه رجال الدين مثلما انخرط فيه رجال السياسة، وانضوى تحت لوائه البسطاء مثلما انضوت تحته النخبة المثقفة. وهكذا لم يضعف الطالب ولا ضعف المطلوب، فالناس لم تطلب الفتوى إلا في عظائم الأمور والمعضلات الفقهية الكبار، والشيوخ لم يصدروا إلا فتاوى تبّيض صفحة الإسلام وترفع شأنه، وتدفع به إلى دم المشروع النهضوي، يؤجج النهضة وتسوقها على المدنية، وتوفق بين الإسلام وعلوم العصر واحتياجاته في غير تناقض صغير أو كبير..! والقول بأن التطور التقني هو الذي فتح الباب أمام فوضى الإفتاء قول مردود عليه، فلو كان المناخ في مصر ينتصر للعقل لصارت الفضائيات وأجهزة المحمول والإنترنت أدوات للاستنارة، ولكانت طلبات الفتوى التي تقدم إلى دار الإفتاء تتعلق بمسائل لا يندى لها الجبين، ولما كانت الفتاوى على هذا النحو..! إن مناخاً يستبدل العقل بالنقل، وينتصر لضيق الأفق ويغلب التحريم ويغلق الطريق ويحجب أي ضوء في نهاية الأفق، لا يمكن أن يفرز سوى فوضى إفتاء، والفوضى لا تفرز إلا أسوأ ما في عقل الإنسان من الأوهام والأباطيل. بل إنها ربما تخرج العقل من سياق العصر كله.. فتصل به إلى فتاوى إرضاع الكبير وشرب البول والتدخين في نهار رمضان، فالمقدمات تفضي بالضرورة إلى نتائج على نفس شاكلتها!
المصدر :موقع تنوير www.kwtanweer.com
ساحة النقاش