تكسب المعدوم
لقد ضرب لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم المثل الكامل لتشغيل البطالة وإيجاد فرصة عمل لمن يريد في مواضع عدة نسوق على سبيل المثال هذه الحادثة في الحديث التالي:
روى أصحاب السنن من حديث أنس بن مالك – رضي الله عنه-: " أن رجلا من الأنصار أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أما في بيتك شيء ؟ قال: بلى: حِلْسُ نلبس بعضه ونبسط بعضه وقعب نشرب فيه الماء، قال: ائتني بهما، فأخذهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: من يشتري هذين ؟ قال رجل: أنا آخذهم بدرهم، قال: من يزيد على درهم؟ مرتين أو ثلاثاً، قال رجل: أنا آخذهما بدرهمين، فأعطاهما إياه، وأخذ الدرهمين وأعطاهما الأنصاري، وقال: اشتر بأحدهما طعاماً وانبذه إلى أهلك، واشتر بالآخر قدوما فائتني به... فشد فيه رسول الله عوداً بيده ثم قال: اذهب فاحتطب وبعْ.. ولا أرينًّك خمسة عشرة يوماً. فذهب الرجل يحتطب ويبيعن فجاءه وقد أصاب دراهم، فاشترى ببعضها ثوبا وببعضها طعاما.." (رواه أبو داود, ح/1398).
في هذا الحديث نجد ما يلي:
أولا: حوَّل الرسول صلى الله عليه وسلم الرجل من سائل إلى منتج.
ثانيا: أوجد رأس مال المشروع من السائل نفسه ( باع شيئا من ممتلكات بيته ) حتى يحافظ الرجل على رأس مال المشروع.
ثالثا: هناك مساعدة خفية للرجل حيث بيع الحلس والقعب بأكثر من سعره المعتاد ( لذلك تردد الصحابة أن يشتروه بدرهمين).
رابعا: راعى الرسول صلى الله عليه وسلم الاحتياجات العاجلة للرجل وهي الطعام والشراب " اشتر بأحدهما طعاما وانبذه إلى أهلك ).
خامسا: عاونه في إنشاء المشروع ليشعره بالاهتمام بالأمر ( فشد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عوداً بيده ).
سادسا: اختار صلى الله عليه وسلم مشروعا مناسبا لإمكانيات الرجل البدنية والعقلية (اذهب فاحتطب وبع ).
سابعا: أعطى الرسول صلى الله عليه وسلم الفترة الزمنية الكافية لتقييم المشروع ولا أرينَّك خمسة عشرة يوماً.
ثامنا: المتابعة للمشروع (فجاءه وقد أصاب عشرة دراهم، فاشترى ببعضها ثوبا وببعضها طعاما.. ).
وهكذا نتعلم من حادثة واحدة كيف تعامل الرسول صلى الله عليه وسلم مع البطالة وأوجد لها فرصة عمل تكفيه ذل السؤال. وقد وجه الرسول صلى الله عليه وسلم الأمة نحو العمل والسعي على الرزق وجعله بابا منن أبواب الطاعات وسببا من أسباب المغفرة، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم " من بات كالاً من عمل يده أمسى مغفورا له" وقال الرسول صلى الله عليه وسلم " هناك ذنوب لا تكفرها صلاة ولا زكاة ولا حج، قيل وما يكفرها يا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: السعي على الرزق"وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم كل عمل حلال ممدوح في الإسلام وقد امتهن الأنبياء مهن وحرف عديدة فمنهم من مارس التجارة مثل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ومنهم من مارس الحدادة مثل نبي الله داوود عليه السلام ومنهم من قام برعي الغنم كنبي الله موسى عليه السلام ومنهم من كان بنَّاء مثل نبي الله إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام وقد سار على هديهم ورثة الأنبياء من العلماء الربانيين فاشتهرت أسماء أمثال البزَّار والخوًّاص والقطَّان والزجَّاج وغيرهم.
وقد مدح الرسول صلى الله عليه وسلم صناعات وحرف عديدة: ففي البخاري يقول رسول الله: " ما أكل أحدٌ طعاماً قَطُّ خيراً من عمل يده " (رواه البخاري، ح/1930). وقد سئل رسول الله:" أي الكسب أفضل؟ قال: عمل الرجل بيده وكل بيع مبرور" (رواه أحمد، ح/16628) ومدح الزراعة قائلا " ما من مسلم يغرس غرساً أو يزرع زرعاً فيأكل منه طير أو إنسان إلا كان له به صدقة) ( رواه البخاري) وفي صحيح البخاري ومسلم يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:( لأنْ يحطب أحدكم على ظهره خير من أن يسأل أحداً فيعطيه أو يمنعه)(رواه البخاري، ح/1932 ).
وقد كان منادي عمر بن الخطاب ينادي كل يوم: أين الغارمون؟ أين الناكحون؟ أين المساكين؟ أين اليتامى؟ حتى أغنى كلا من هؤلاء "
وفي تاريخ الخلفاء يذكر السيوطي:" قال عمر بن أسيد: والله ما مات عمر حتى جعل الرجل يأتينا بالمال العظيم فيقول: اجعلوا هذا حيث ترون، فما يبرح حتى يرجع بماله كله، وقد أغنى عمر الناس".
ساحة النقاش