يعد الاستزراع السمكى فى مصر خاصة بالصحراء أحد أهم السبل الواجب على الحكومة والقطاع الخاص الاهتمام بها نظرا لما يمثله من وسيلة لسد الاحتياجات المتزايدة من البروتين الحيوانى إضافة لدوره فى دعم خطط ومشاريع استصلاح الصحراء والتقنين الأمثل لاستغلال موارد مصر المائية خاصة فى ظل التهديدات المائية المنتظرة.
وفى حوارنا مع د. مصطفى محمد سعيد الاستاذ بمركز بحوث الصحراء والخبير المتفرغ فى الاستزراع السمكى بالمناطق الصحراوية والساحلية. ذكر أهم عائق يواجه من يتجه لهذا النوع من المشاريع الهامة للحفاظ على أمن مصر الغذائى ذكر أنها البيروقراطية وتراخيص المزارع.
ففى الوقت الذى تعانى فيه مصر نقصا حادا فى البروتين الحيوانى ذكر د. مصطفى أن استزراع الاسماك التى تعد اكثر مشاريع إنتاج البروتين الحيوانى إقتصادية تحارب من مصدرى تراخيص المزارع فما بين الرفض والترخيص لـ 5 سنوات فقط قابلة للتجديد مما لايشجع المستثمرين ولذا يطالب الحكومة باتخاذ اللازم لتشجيع الاستثمار فى هذا المجال خاصة بين الشباب.
ولمعرفة جوانب هذا المشروع وفوائده مصريا وعربيا كان هذا الحوار.
سألناه فى البداية: لماذا بقيت مشاريع استزراع الأسماك غريبة فى صحراء مصر؟
- ظل الاعتقاد سائدا لفترة طويلة أن الصحراء مستبعدة تماما عند التفكير فى الاستزراع السمكي. ولكن الواقع العملى والنظرة العلمية أثبتت مع مرور الزمن أن العكس هو الصحيح.
فقد تحولت بعض المناطق الصحراوية بالكامل الى الاستزراع السمكى مثل وادى النطرون وذلك لطبيعة المنطقة التى تجعل من هذا النشاط هو النشاط الوحيد الممكن فى هذه المنطقة. فالمياه متوفرة وبكثرة ولكنها على أبعاد قريبة من سطح الأرض كما أن ملوحتها لا تصلح لاغراض الزراعة. ومن هنا فقد انتشر ما يعرف بنظام الترنشات حيث يتم حفر قنوات بأطوال تصل إلى 100متر أو اكثر وعرض حوالى 10أمتار وتتدفق مياه النشع تلقائيا لتملأ هذه الأحواض وتبقى عملية تغيير هذه المياه حيث تتم باستخدام طلمبات ماصة طاردة لتغيير المياه بصفة مستمرة.
ورغم أن هذا النظام بدائى ولا يسمح بتجفيف الأحواض حيث أن مخلفات الغذاء والأسماك تتراكم على قاع الأحواض دون إمكانية صرفها صرفا سليما فان هذا النظام مازال مستمرا منذ اكثر من 10سنوات دون ظهور مشكلات حقيقية إلا فى بعض الحالات النادرة!
وهناك حالات فى مناطق صحراوية أخرى أثبتت نجاحا كبيرا وهى أنظمة الاستزراع السمكى المتكامل مع الانتاج النباتى والحيوانى والمثل الحاضر لهذا النظام هو مزرعة الكرام بمنطقة بدر بمديرية التحرير. فقد استغلت المياه الجوفية فى إنشاء مزرعة سمكية مكثفة فى أحواض أسمنتية وصل إنتاج المتر المكعب بها إلى 20كيلو جراما من الأسماك فى المتر المكعب واستغلت مياه الصرف من المزرعة فى استزراع البرسيم الحجازى الذى تربى عليه الثروة الحيوانية وخاصة الأغنام.
استصلاح الأراضي
وما فائدة الاستزراع السمكى بالنسبة للمياه واستصلاح الأراضي؟
- إذا نظرنا إلى فلسفة هذا النظام فان المياه الجوفية لا تحتوى على أى عناصر مغذية للتربة كذلك الأرض الصحراوية تفتقد إلى المواد العضوية ويؤدى استخدام المياه تحت هذا النظام إلى الحصول على الفوائد الاتية:
أولا: إثراء المياه بالمادة العضوية التى تفتقر إليها التربة فى المناطق الصحراوية.
ثانيا: الحصول على اكثر من منتج اقتصادى من نفس كمية المياه المستخدمة: وذلك عكس ما كان يشاع عن أن ندرة المياه يجب ان نحافظ عليها لاستخدامها بالتنقيط فى الزراعة فقط. بل إن هذه المزرعة قد استحدثت نظاما للرى بالتنقيط وبالرش على مياه الاستزراع السمكي.
ثالثا: ترشيد استخدام المياه: إن الاستزراع السمكى يرشد استخدام المياه حيث تقوم الجزيئات العالقة بالمياه من فيتوبلاتكتون وزوبلانكتون ومواد عضوية باغلاق مسام التربة لتزيد من تماسكها واحتفاظها بمياهها.
وإذا تعمقنا فى قلب الصحراء حتى واحة سيوة فسنجد ان الاستزراع السمكى قد عرف طريقه إلى الواحة فقد اثمرت جهود هيئة الثروة السمكية فى نقل زريعة الأسماك إلى المصارف إلى توفير الأسماك لسكان الواحة والتى كانوا لايعرفون عنها شيئا.
كذلك قام بعض سكان الواحة باستزراع الأسماك فيما يعرف بالمحابس وهى خزانات المياه التى تقام على الآبار الجوفية لتوفر مخزونا احتياطيا دائما من المياه. وقد نجحت التجربة لتوافر غذاء رخيص للأسماك من مخلفات عمليات التصنيع الزراعي.
أما فى الصحراء الغربية فتوجد بعض البحيرات التى يسميها الأهالى ببحيرات البترول والتى تكونت نتيجة عمليات البحث عن البترول والتى غالبا ما تصل إلى خزان المياه الجوفية والذى يمتد ليشمل إضافة إلى الصحراء الغربية أجزاء من ليبيا وتشاد والسودان وهذا الخزان يوجد تحت ضغط هائل من الطبقات الصخرية مما يؤدى إلى خروج المياه باندفاع كبير لتكون العديد من بحيرات من المياه العذبة. وقد قام البدو باستزراع هذه البحيرات بالأسماك واعطت نتائج مبشرة ومن هذه البحيرات بحيرة قيفار فى الجزء الشمالى الغربى من منخفض القطارة وبئر واجد بالقرب من واحة سيوة. وهذه البحيرات قد تم وضع خطة لاستغلالها فى مقاومة التصحر بتلك المناطق ولخلق مجتمعات عمرانية بها بحيث يكون الاستزراع السمكى هو النشاط الرئاسى لخطة التنمية.
المياه الجوفية
وما مميزات استخدام المياه الجوفية فى الاستزراع السمكي؟
أولا: خلوها من أى مسببات للأمراض.
ثانيا: خلوها من أى مصادر للأنواع غير المرغوبة من الأسماك.
ثالثا: ثبات درجة حرارتها على مدار العام.
رابعا: تستخدم فى بعض الحالات كمصدر للتدفئة لارتفاع حرارتها وبالتالى إطالة موسم التربية حتى يمكن توفير ميزة تنافسية عند تسويق الأسماك.
وفى بعض الحالات تخرج المياه الجوفية محملة ببعض الغازات الذائبة أو اكاسيد الحديد وهذه يمكن التغلب عليها بمعاملتها بالتهوية.
وإذا انتقلنا إلى منطقة أخرى وهى سيناء فهناك تجربة رائعة أجريت فى محطة بحوث المغارة التابعة لمركز البحوث الزراعية بوسط سيناء فى أحد أحواض تخزين المياه والذى بنى من عدة سنوات بغرض تخزين المياه الجوفية لاستخدامات الزراعة والذى يبلغ حجمه 300متر مكعب مياه فقد تم انتاج اسماك البلطى باستخدام التسميد العضوى والكيماوى للمياه لانتاج الغذاء الطبيعى وباستخدام اغذية من مخلفات المزرعة بحيث كانت العملية الانتاجية لا تتعدى ثمن الزريعة وبعض الاضافات الغذائية البسيطة.
ويجرى حاليا تقييم التجربة تمهيدا لنشرها حيث يوجد فى وسط سيناء ما يقرب من 200خزان مياه بنفس المواصفات ولو وصلنا الى انتاجية نصف طن من كل خزان فهذا يعنى انتاج 100طن من منطقة وسط سيناء وحدها. علما بأن هذه الكمية يمكن مضاعفتها فى حالة استخدام اجهزة التهوية بالاحواض واستخدام علائق متوازنة يتم تصنيعها من الخامات المحلية. 
وهكذا اصبحت الصحراء تساهم بجزء هام من الانتاج القومى حتى ان احصائيات هيئة الثروة السمكية ستشمل فى خلال السنوات القادمة اضافة الى انتاج النيل وفروعه والبحيرات والمزارع السمكية انتاجية المناطق الصحراوية والتى تتصاعد بمعدلات كبيرة بفضل تشجيع القائمين على شئون هذا القطاع من أبناء مصر المخلصين.
وعلى سبيل المثال تركز حوالى 73% من انتاج الاسماك فى الوطن العربى عام 2000فى ثلاث دول هي: المغرب (30.5%) ومصر (42.2%) وموريتانيا (18.2%) وتضم الدول المنتجة الرئيسية للاسماك فى الوطن العربى كلا من اليمن والإمارات وسلطنة عمان والجزائر وتونس.
أما صادرات الوطن العربى من الاسماك فقد تركزت فى ثلاث دول هي: موريتانيا (44 والمغرب (31.4%) وسلطنة عمان (3.2 %) وتضم الدول المصدرة للاسماك فى الوطن العربى كلا من اليمن وتونس والصومال.
الإنتاج المتكامل
وماذا عن دراستك حول الانتاج السمكى المتكامل ؟
يقصد به استزراع الاسماك مع الانتاج النباتى والحيوانى بغرض تعظيم الاستفادة من الماء فى الحصول على اكثر من محصول من نفس كمية المياه.
وفى هذا النظام يتم تربية البط مع الاسماك حيث يساعد الزرق الذى ينتجه البط على نمو الكائنات النباتية والحيوانية الدقيقة فى الماء والتى تعتبر الغذاء الرئيسى للاسماك. بينما يساعد البط على التخلص من الطحالب التى تنمو فى الماء وتؤدى الى نقص الاكسجين وتستخدم المياه المنصرفة من الأحواض فى الزراعة حيث تكون غنية فى المادة العضوية التى تفتقر إليها التربة فى المناطق الصحراوية. كما يؤدى هذا النظام ايضا الى ترشيد استخدام المياه حيث تعمل الحبيبات العالقة فى المياه على سد مسام التربة تربية البط فى نظام متكامل مع السمك 125بطة فى المتوسط. ويستخدم فى الاستزراع ـ والسعة التحميلة للفدان تبلغ من 100حتى يتم الاستفادة من الغذاء السمكى المتكامل اكثر من نوع من الاسماك الموجود بطول عمود الماء وعادة يستخدم البلطى والبورى والمبروك لهذا الغرض.
من المستحدثات التى تساعد على التخلص من المخلفات وتعتبر الزراعة البيئية الذى يستخدم فى كثير من Bيogas المزرعة باستخدام التحلل اللاهوائى لانتاج الغاز الحيوى الاغراض بالمزرعة ومنها تسخين احواض الاستزراع السمكى بغرض التغلب على انخفاض درجات الحرارة خاصة اثناء الليل فى المناطق الصحراوية كذلك فان نواتج هضم هذه المخلفات يعتبر من الاسمدة الجيدة للنبات.
ويعتبر استزراع الاسماك فى حقول الارز من النظم المتكاملة التى تهدف الى استغلال كميات المياه الموجودة فى حقول الارز فى الاستزراع السمكى وايضا زيادة معدلات الاكسجين بالمياه نتيجة حركة الاسماك وتخصيبها بالمخلفات العضوية التى تنتج من عمليات التمثيل الغذائى للأسمدة مما يؤدى إلى زيادة محصول الأرز.
الاستزراع فوق المكثف
وما أهمية الاستزراع السمكى المكثف وفوق المكثف؟
يعتمد الاستزراع السمكى المكثف على تربية كثافات عالية من الاسماك فى مساحات محدودة وذلك باستخدام تقنيات عالية ومتطورة. ويستخدم فى هذا النوع من الانتاج الاحواض الاسمنتية او التنكات الفيبرجلاس المتنوعة الاشكال والاحجام. ويستخدم فى هذا النظام التهوية سواء بالبدالات أو الايروتور أو البلاورات. كما تتم إزالة المخلفات سواء من العليقة الصناعية أو من فضلات الأسماك بطريقة مستمرة وذلك للحفاظ على البيئة المائية بحالة نقية وضمان عدم ارتفاع تركيز الننيترات أو الامونيا عن المعدلات الآمنة.
بينما يتميز الاستزراع السمكى فوق المكثف بأنه غالبا ما يكون فى اماكن مغلقة وفى تنكات ويتم الاستعانة فيه بحقن الاكسجين فى المياه ليتناسب مع الكثافات العالية من الاسماك كما يتم تحريك المياه فيه حركة دائرية مستمرة لاتاحة الفرصة للمخلفات ان تترسب فى منتصف الحوض حيث يتم التخلص منها على الفور. كما يتم تدوير المياه فى هذا النظام عن طريق الفلاتر البيولوجية والكيماوية.
وكيف ترون مستقبل الاستزراع السمكى فى مصر؟
تعتبر جمهورية مصر العربية من أوائل الدول التى استخدمت الاستزراع السمكى ويظهر ذلك من الرسومات التى وجدت على جدران المعابد والتى يرجع تاريخها إلى ما يزيد على 2000عام قبل الميلاد.
وينتظر أن يلعب الاستزراع السمكى فى جمهورية مصر العربية دورا رئيسيا فى خطة التنمية خلال الفترة القادمة.

المصدر: لمصدر: جريدة التعاون بقلم: تامردياب
  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 230 مشاهدة
نشرت فى 25 إبريل 2011 بواسطة wahate

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

30,325