"الواحات المصرية" (عبد الوهاب حنفي)
لقد كانت منطقة الواحات بعامة ، والجانب الذى يحتل الجزء الشرقى من الصحراء الليبية بخاصة، وثيقة الصلات والروابط بحوض النيل ، الأمر الذى يرجع الى أهمية المنطقة بموقعها على مسالك التجارة عن طريق القوافل
الواحات المصرية فى التاريخ العربى
أشار ابن حوقل فى كتبه الى أن السلطنة التى كانت تتولى حكم الواحات، كانت فى أيدى أسرة آل عبدون وذلك منذ الفتح الاسلامى لمصر (حوالى 640م) أما عن الزمن السابق لدخول العرب المسلمين الى مصر فيقول ابن حوقل ( وبجميع الواحات بيع قديمة أزلية معمورة لأن البلد كان نصراني الأصل قديما ) وتشيرالعديد من المصادر التاريخية – والميدانية أيضا – الى قيام الرومان بحفر وتعمير البلاد كما أنهم قد شقوا الجداول المغطاة لسريان المياه الى الأرض الخصبة ، وترجع تغطية هذه الجداول الى حفظها من طغيان العواصف الرملية التى تشتهر بها بيئة الواحات الجغرافية والمناخية .
وقد ازدادت الهجرات من وادى النيل الى الواحات فى العهد المسيحى بسبب الاضطهاد الدينى ، وهناك مدينة مقابر البجوات ( القبوات ) بالواحات الخارجة ، وكذلك بعض المقابر المسيحية فى واحة الفرافرة ، حيث يقول ابن حوقل( والغالب على أهل الفرفرون ( الفرافرة ) القبط والنصارى ....)
ويقول المسعودى فى كتابه مروج الذهب ( ...أما بلاد الواحات وهى بين مصر والأسكندرية وصعيد مصر والمغرب وأرض الأحباش ( افريقيا السوداء ) من النوبة وغيرهم ... وصاحب الواحات فى وقتنا هذا ، وهو سنة اثنين وثلاثين وثلثمائة هجرية ( 943-944 م )عبد الملك بن مروان، وهو رجل من العرابة ، الا أنه مروانى المذهب، ويركب فى العرف من الناس خيلا ورحيلا ونجبا ....وفى أرض الواحات خواص وعجائب ، وهو بلد قائم بنفسه ، غير متصل بغيره ، ولا مفتقر اليه ، ويحمل من أرضه التمر والذبيب والعناب .
آل عبدون ( حكام الواحات )
أشار ابن حوقل أن أسرة آل عبدون كانت تحكم مملكة الواحات من زمن سابق لدخول العرب الى مصر فى عام 640 م ( وكانت الواحات الداخلة هى عاصمة المملكة ومقر الأسرة الحاكمة )
ويضيف ابن حوقل فى كتابه (صورة الأرض)أن: ملوك هذه الناحية يرجعون الى مروءة فاشية، ومظاهرة بالحرية ورغبة فى القاصدين ، ومحبة للمنتجعين على جميع ضروب القصد مكرمين للتجار نازلين على أحكامهم فى الأرباح . وكان من أحرصهم على هذه الوتيرة ، يتقبل المحاسن ويحب حسن الأحدوثة والشكر ، ويرغب فى جميل الذكر، أبو الحسن مكبر بن عبد الصمد بن عبدون ، رحمه الله ، بكبر نفسه وسعة قلبه ، وكثرة طوله وفاشى مروءته ، يزيد على من سلف له من أهله فى جميع المقاصد الكريمة ، ويركب منها الطرقات الصعبة الجسيمة ، ولما مضى قام مكانه ، وعمر موضعه عبدون بن محمد بن عبدون فى ضمن عبد له ، يعرف بمصبح بن ميمون ، مغربى الأصل ولد بالواحات الداخلة ( عاصمة المملكة ) وهو رجل ندب وشيخ شهم ، ونواحيهم كثيرة المياه والأشجار والغياض والعيون الجارية العذبة متصرفة فى نخيلهم وزروعهم وأجبيتهم وأكثر غلاتهم القمح والشعير والأرز، ولديهم من العناب الكثير والقوة الواسعة الغزيرة ، ما يغدق به الى الكثير من النواحى ، وهى كالناحية المعتزلة فى مركز دائرة من النيل ، ومن أى نحو قصدت الواحات من أنحائها كان الوصول اليها من ثلاث مراحل الى أربع مراحل ، والناحية الخارجة منها المعروفة بيخيط وبيريس أقرب الى النيل .
وللأسرة المالكة عدد من القصور ، بالفرفرون ( الفرافرة ) والبهنسا قصران لآل عبدون ، يليهما مساكن كمساكن القلمون ( احدى قرى الواحات الداخلة حاليا ) ولا حرم فيها ولا ذخيرة ،بل هى أعدت لنزول أهلها بها عند نزهتهم ، ويليها مساكن الأكرة بالبهنسا وبيخيط وبيريس ( الواحات الخارجة ) قرى ظاهرة وباطنة ، وأمم عليها لوازم السلطان وجزية ، ولا يمد آل عبدون وخدمهم أيديهم فى شيء من الجباية سوى الخراج والجزية من النصارى وليس بجميع الواحات يهودى واحد فما فوقه .....)
أحوال مملكة الواحات
تحدث ابن حوقل عن تكريم ملوك الواحات للتجار نازلين على أحكامهم فى الأرباح ، ويزيد ابن حوقل فيقول : ليس بجميع الواحات حمام ، ولا فندق يسكنه الطارىء والقادم اليها ، واذا قدم التجار والزوار على آل عبدون أنزلوهم أين كانوا من قرارهم ، ولزمتهم الانزال ودارت عليهم الضيافات الى حين رحيلهم ، وعندهم بجميع نواحيهم المطاحن بالابل والبقر ، وقلما يمطرون ومياه عيونهم حارة ، فهى تقوم لهم مقام الحمامات .
... وبجميع الواحات بيع قديمة أزلية معمورة لأن البلد نصرانى الأصل قديما ، وكان غزير الدخل كثير المال ، فشاب وشمط بجور السلطان ...!!!
.... وغلات البلد ( الواحات الداخلة ) فوق حاجتهم وبه من القمح والتمور الجميلة الكبار الحب والعناب والقطانى الى جميع الفاكهة والبقول ما يزيد على حاجتهم وينيف على فاقتهم وارادتهم .
وعن سكان الواحات الداخلة ، يقول ابن حوقل :
تسكن هذا البلد مجموعات من المصريين الأقباط والمسلمين بالاضافة الى السكان الأصليين وهم من البربر ، وكانت بالواحات أيضا مجموعات قبلية منها بنوهلال ، فيقول ( وبالواحات من بنى هلال عدة غزيرة وأمة كثيرة ، وهى مصيفهم وقت الغلة وميرتهم منها ..)
ويضيف ابن حوقل : ومن قصد الواحة الداخلة وهى دار مملكة آل عبدون من ناحية القيس والبهنسة كان وصوله الى بهنسة الواح ( حاليا الواحة الخارجة )اذ بها ناحية تعرف بالبهنسة أيضا ( قرية القصر بالداخلة حاليا ) وبينها وبين الفرفرون مرحلة ...
وقد يقصد الواحات الداخلة من ناحية المغرب ومن جزيرة فيها نخيل وسكان من البربر تعرف بسنتريا ( واحة سيوة ) فيكون أول وصولهم منها الى ناحية البهنسة ( قرية القصر بالداخلة )
النوبيون وسكان الواحات
تحمل الذاكرة الشعبية لسكان الواحات الداخلة – حتى الآن – بعض الحكايات (بالغة الأهمية) حول الهجمات الليلية المتفرقة لجماعات سود البشرة يأتون من الجنوب فى حملات على ظهور الأبل يسلبون وينهبون كل ماتطاله أيديهم من محاصيل وغنائم من مدينة موط تحديدا ، فهى المعمور الثرى والكثيف الذى يقابل المهاجمين من الجنوب ، حتى أن هذه الذاكرة الشعبية تفسر وجود أحد السود من سكان الواحات الداخلة الحاليين بأنه من ( مخلفات ) هذه الحملات ، حيث لون البشرة السواء لايوجد فى الواحات عموما سوى فى قرية باريس بالواحات الخارجة والتى كانت تبيع المؤن لقوافل درب الأربعين ( وهى كانت منفذا للضرائب المصرية على بضائع القوافل العابرة ) مقابل بعض المرضى من الأبل والجوارى المريضات بسبب السفر الطويل لهذه القوافل ، وهو ما يفسر انتشار لون البشرة السوداء بصورة ملحوظة ، كذلك فى واحة سيوة ، والتى وفد اللون الآسود اليها من قبيلة ( التكارتة ) من دارفور
يقول المؤرخون أن دقلديانوس الحاكم ا لرومانى لجنوب الصعيد والواحات قام فى القرن الثالث الهجرى بنقل مجموعة من سكان النوبة وتكليفهم بحماية حدود مصرالغربية فى الواحات الداخلة ، وذلك لاجادتهم ركوب الأبل والتعامل مع الصحراء ومخاطرها وهو مالم يكن يجيده سكان الواحاتالذين لايجيدون سوى حفر الآبار والزراعة وما يتبعها من أنشطة ، ورغم ذلك فأن غارات أهل النوبة لم تتوقف ، فكانت جنودهم تحرس الواحات من غربها ، وفى الوقت ذاته يشن النوبيون حملاتهم على الواحات من جنوبها ...!!
وقد كلنت آخرحملاتهم على الواحات الداخلة فى عام 951 م حتى انسحبوا بعد عقد اتفاقية صلح ( فى دنقلة ) بين النوبة من ناحية ، وحاكم مملكة الواحات آنذاك ( عبدون بن آل عبدون )
وجدير بالذكر أنه حتى الستينيات من القرن العشرين _ حين كانت واحات الوادى الجديد تقع تحت ادارة سلاح الحدود – كانت الشرطة فى الواحات بأكملها من النوبيين السود ، ممن كان يطلق عليهم ( الهجانة ) وقد عاصر المؤلف هذه المرحلة بتفاصيلها التاريخية كشاهد عيان ، فقد كان هؤلاء الهجانة ذوى خبرة وكفاءة بالغة فى عالم الصحراء الموحش ، والعلم بمجاهل الحدود الغربية لمصر ، حتى أنهم قد اشتهروا بفن ( قص الأثر ) وهو يعتمد على آثار الأقدام فى الرمال للتوصل الى انسان أو حيوان _ أفراد أوقطعان – ضل طريقه فى الصحارى .
عرف إقليم الواحات الخارجة والداخلة والفرافرة (الفرفرون) وفيها عدد من المدن والقرى والقلاع، باسم مملكة موريتانيا الذي استمر استخدامه حتى حوالي القرن التاسع الميلادي حيث استبدل بمملكة الواحات كما ورد في كتب العرب.
ويبدو أن الأسرة المالكة في هذا الإقليم قد اعتنقت الإسلام في حوالي القرن التاسع الميلادي أو بعد ذلك بقليل. ويرجع اسم هذه المملكة إلى مقطعين يونانيين، أولهما موري ومعناه أهل البادية، وهناك إشارة إلى حدوث ثورة مجموعة من المازيكين في السنوات الأخيرة من القرن الرابع الميلادي الأمر الذي دفع الإمبراطور ثيودوسيرس لإرسال حملة إلى موريطانيا لتأديبهم. وحدث في نهاية القرن السابع وأوائل القرن الثامن الميلادي شكوى ملك المقرة (دنقلة) من منع ملك موريطانيا مرور رسل المقرة إلى الإسكندرية لمقابلة البطريرك ومرجع ذلك إلى تحالف مملكة موريطانيا مع حكومة مصر الإسلامية ضد المقرة (دنقلة) وجاء في المصادر القبطية (حياة البطريق إسحاق) أن ملك موريتانيا قد منع مرور الأساقفة وغيرهم من رجال الدين الذين كانوا يسافرون عن طريق الواحات من السفر إلى دنقلة أو العودة إلى الإسكندرية.
وهذه المملكة –موريتانيا- التي أطلقت على مجموعة الواحات المصرية لا ترتبط بأية علاقة مع موريتانيا الواقعة على المحيط الأطلسي جنوبي مراكش (المغرب)، والأسرة المالكة في الواحات المصرية- كما سنبينه فيما بعد- ترجع إلى "لواته" وهي قبيلة بربرية، وعلاقة مجموعات هذه القبائل، من لواته والمقرة والنوبة (نوباديا، نوباتيا.. إلخ) ونوميديا، في حاجة إلى دراسة خاصة.
قامت على مجموعة الواحات الداخلة والخارجة والفرافرة حكومة من أسرة آل عبدون الذين كانت السلطنة في أيديهم منذ فتح العرب لمصر في النصف الأول من القرن السابع الميلادي. وترجع هذه الأسرة كما يقول المسعودي وابن حوقل إلى حي من لواته قبيل من البربر.
ويحتمل أن تكون هذه الأسرة قد جاءت إلى هذا الإقليم في زمن سابق للإسلام وأنها اعتنقت الإسلام بعد دخوله إلى مصر، ويسند هذا القول إن مجموعات قبيلة لواته كانت موجودة في شمال غربي هذا الإقليم.
ولا نعلم شيئاً عن تنظيمات هذه المملكة الإدارية، والذي يبدو من الوصف الذي جاء في كتاب "صورة الأرض" لابن حوقل أنها كانت تعتمد على الجباية –الخراج والجزية- وكانت تمر عبر أراضيها القوافل إلى السودان وغانة والمغرب وفزان. والمعروف أن هذا الطريق قد قفل بعد منع أحمد بن طولون السفر من مصر إلى المغرب عبر هذا الطريق بسبب (سافية) الرمل التي تنقلها الرياح فتهلك المسافرة. وهو ما اطلق عليه بعد ذلك بحر الرمال الأعظم ، الذى يمتد على طول الشريط الواقع على حدود مصر الغربية ، وحتى داخل الحدود الليبية فى الصحراء الغربية
وكانت هناك حروب وغزوات بين مملكة الواحات والنوبة، ولا تُعلم أسباب تلك الحروب، هل هي كانت لأغراض سياسية أو اقتصادية. وقد هجم النوبة على الواحات في عام 951 م، وأن هدنة قد عقدت بين مملكة الواحات ومملكة النوبة بعد ذلك، وكانت هناك ممالك أخرى من ناحية الغرب والجنوب الغربي للواحات منها القرعان والزغاوة
ولا نعلم شيئاً مؤكداً عن الأمر الذي انتهت إليه هذه الأسرة المالكة ومن الذي حل محلها، كما أننا لا نعلم شيئاً عن الهجرات مِن وإلى هذه المملكة. فالواضح أن أهل النوبة قد تركوا الواحات في نهاية القرن الثالث وأوائل الرابع الميلادي للسكنى جنوبي الشلال الأول على حوض النيل، ومن المحتمل أن تكون هجرات أخرى قد تلت ذلك إلى حوض النيل في مختلف بقاعه وبخاصة بعد قفل طريق الصحراء إلى الغرب الأمر الذي تعطلت معه التجارة عن طريق القوافل المذكورة.
وننشر فيما يلي ما وصل إلينا عن تاريخ هذه المملكة ونرجو أن يعاون ذلك على القيام بدراسات أوسع عن الفترتين المسيحية والإسلامية لكتابة تاريخ لهذه المملكة ونصيبها الاقتصادي في تجارة مصر، وننقل ما كتبه صاحب كتاب "صورة الأرض" بنصه وحرفه لعل ذلك يساعد على متابعة ما جاء في المصادر التاريخية الأخرى ومنها اليعقوبي والمسعودي والمهلبي (إذا وجد. نقل عنه ياقوت) والإدريسي وياقوت وابن الوردي وابن دقمان والمقريزي والقلقشندي وابن آياس وغيرهم من العرب والإفرنج.
يقول الأصطخرى: "وأما الواحات فإنها بلاد كانت معمورة بالمياه والأشجار والقرى والرموم قبل فتحها. وكان يسلك من ظهرها إلى بلاد السودان بالمغرب على الطريق الذي كان يؤخذ ويسلك قديماً من مصر إلى غانة فانقطع ولا يخلو هذا الطريق من جزائر النخيل وآثار الناس وفيها إلى يومنا هذا ثمار كثيرة وغنم وجمال قد توحشت فهي تتوارى. وللواحات من صعيد مصر إليها في حد النوبة نحو ثلاثة أيام في مغارة حد، ولم تزل سافرتهم وسافرة أهل مصر على غير طريق تتصرف إلى المغرب وبلد السودان في براري ولم ينقطع ذلك إلى حين أيام دولة أبي العباس أحمد بن طولون. وكان لهم طريق إلى فزان وإلى برقة فانقطع بما دار على الرفاق في غير سنة بسافية الريح للرمل على الرفاق حتى هلكت غير رفقة، فأمر أبو العباس بقطع الطريق ومنه أن يخرج عليه أحد".
وفيما يبدو أن هذا المنع كان على التجار والمسافرين من إقليم مصر.
وذكر الجغرافي العربي: "وبلد الواحات ناحيتان ويقال لهما الواحة الداخلة والواحة الخارجة وبين الداخلة والخارجة ثلاث مراحل، وأجلّها الناحية الداخلة وهي واسطة البلد وقرار آل عبدون ملوكها وأصحابها، وفيها مساكنهم وأموالهم وعدتهم وذخائرهم، وهما حارتان بينهم نصف بريد وبكل حارة منها قصر إلى جانبه مساكن لحاشية من ينزله وخاصته وأصحابه وأضيافه وفيهما حرمهم وتعرف إحدى الحارتين بالقلمون والأخرى بالقصر، والناحية الخارجة تعرف ببيريس وبيخيط، وهما خمسة أصقاع ويشمل كل صقع منها على مناير تتقارب في المنزلة والحال". وذكر ابن دقماق أربع وعشرين بلداً في مملكة الواحات سنوضحها فيما بعد.
"والواحات كالناحية المعتزلة في مركز دائرة من النيل، تبعد غرباً عن مدينة الأقصر في صعيد مصر بحوالي الثلانين والمائة من الأميال، ومن أي نحو قصدت الواحات من أنحائها كان الوصول إليها من ثلاث مراحل إلى أربع مراحل، والناحية الخارجة منها المعروفة ببيخيط وببيريس أقرب إلى النيل ومن قصدها من ناحية النوبه ويبرين وإعمالهم اجتاز بعين النخلة بماء عدّ لا ساكن عنده ولا يجد الماء إلى بيريس، ومن اجتاز بها أرض مصر وقصدها من أسنى (أسنا) وارمنت تزود ماء النيل إلى بيريس، ومن قصدها من البلينا وأخميم وأسيوط والأشمون من أسافل الصعيد كان وصوله إلى بيخيط وتزود ماء النيل، ومن قصدها من أسوان وأعلى الصعيد اجتاز بدنقل بماد عد في أحساء تحفر باليد وعليه نخيل كثيرة بعير ساكن وتزود الماء إلى بيريس ومسيرة كل طريق مما ذكرته إليها ثلاث مراحل وأكثر هذه الطريق في عقاب وأودية وجميع من قصدها من هذه الأربع نواحي يقطع الوادي المعروف بوادي واحساء بني فضالة".
"ومن قصد الواحة الداخلة وهي دار مملكة آل عبدون من ناحية القيس والبهنسة كان وصوله إلى بهنسة ألواح إذ بها ناحية تعرف بالبهنسة أيضاً وبينها وبين الفرفرون مرحلة".
"وقد يقصد الواحات من ناحية المغرب ومن جزيرة فيها نخيل وسكان من البربر تعرف بسنترية فيكون أول وصولهم منها إلى ناحية بهنستها".
"والفرفرون قرية ذات قصور وبين بهنسة مصر والقيس وبهنسة الواح أربع مراحل وهي في جملة ألواح الداخلة، وتصيب الماء في هذا الطريق بموضع يعرف بماء النخلة وفيه نخلة".
ونشير فيما يلي إلى ما كتبه ابن دقمان في كتابه الانتصار لواسطة عقد الأمصار (جزء ثاني):.
( أن الواحات جميعها وهى الخاص والداخلة والخارجة والخاص أقربهم الى الأعمال البهنساوية ، وميرتهم أربعة وخمسون ألف دينار ( والواح الخاص أطلقت على قريتى القصر والهنداو الحاليتين وهما تابعتان حاليا للواحات الداخلة )
واح الخاص ( 13000دينار )
والخارجة ( 12000 دينار )
والداخلة ( 29000 دينار )
أساطير المؤرخين والرحالة العرب حول الواحات
يذكر ابن حوقل :
(أن ببلاد الواحات غنما وماعز قد توحشت ، فهى تتوارى من الناس مثل الحيوانات البرية ، وقيل أن الذى بنى الواحات وعمل فيها عجائب شى ، منها ما هو ملفوف وقائم كالعمود ، لاينحل ولا يذوب ، والبركة التى تسمى (بركة فلسطين ) بمعنى " صياد الطير "اذا مر عليها الطير سقط فيها ولم يبرح منها حتى يمسك به أو يموت ، وعمل على أبواب بعض مدائنها أربعة أصنام من نحاس ، لا يقرب منها غريب الا ألقى عليه النوم والسبات فلا يزال نائما حتى يهلك )
( ويقال أنه عمل فى بعض المدائن الداخلة مرآة يرى فيها جميع ما يسأل الانسان عنه ، وييقال أنه صنع منها واحات داخلة ، وواحات ظاهرة ، وواحات باطنة ، يظهر فى بعض الأحيان لمن شاء الله له رؤيتها ، ووقفت على بعض الكتب فوجدت مكتوبا فيه أن بعض الرجال من أهل صعيد مصر أتاه رجل وأعلمه بأنه يعرف مدينة بأرض الواحات بها كنوز عظيمة ، وبها أنهار وأشجار وثمار وأطيار، فتزود وخرج مسافرا أليها معه فسار فى الرمل ثلاثة أيام حتى أشرفنا على مدينة عظيمة، ويظاهرها نهرعظيم والى جانبه شجرة عظيمة ، فأخذ الرجل من ورق تلك الشجرة فدقه ولطح بمائه ساقيها وخاض ذلك النهر فلم يتعد الماء الى حدماء الورق ، فصعد الى المدينة وأخذا من الذهب الذى بها ما أرادا وأطاقا حمله وتفرقا فدخل ذلك الرجل الصعيدى لبعض ولاة الصعيد وعرفه القصة وأراه عين الذهب ، ووجه معه جماعة وزودهم زاد مدة ، وجعلوا يطوفون بتلك الصحارى مدة فلم يقفوا لتلك المدينة على أثر .....!!!!
ويقال أن خلف مدن الواحات مدن كثيرة وكلوا بها الروحانيين فلا يستطيع أحد أن يدنوا منها ولا يدخل اليها .
وقيل أن الواحات كانت أعمر المدن الا أن أهلها تحاسدوا وفشت بينهم حروب كثيرة وأخرجت بلادهم فسميت الواحات ....!!
ومغل ( غلات ) هذه البلاد التمر والزبيب والمشمش والعناب والعرقسوس والأرز وبها الموز والرمان والبرقوق والسفرجل كثيرا وبها النارنج
وفى مؤلفه الضخم بدائع الزهور فى وقائع الدهور، يذكر ابن اياس فيما يكتب عن < أعمال الديار المصرية وكورها > حول التعريف باهم المدن المصرية ،قد عرض لحوالى عشرين مدينة فقط من المدن المصرية ، وقد جاءت الواحات الداخلة فى الذكر العاشر من هذه المدن ، فيورد ما يلى نصا :
ذكر الواحات الداخلة
هذه المدينة بناها قفطريم ، وكان بها بركة ، اذا مر بها الطير سقط فيها ، لا يبرح منها حتى يؤخذ باليد ، وكان لها اربعة ابواب ، على كل باب منها صنم من نحاس اصفر ، اذا دخل من ابوابها غريب ، القى عليه النوم ، فينام عند الباب ، ولا يبرح حتى يأتيه احد من اهل المدينة وينفخ فى وجهه ، فيقوم ، وان لم يفعلوا ذلك ، لايزال نائما عند الباب حتى يموت ...!!!
ويورد ابن اياس ، فى كلامه عن عجائب مصر، حول الواحات الداخلة ، ما يلى :
قال ابن عباس ، رضى الله عنهما : لا زالت الناس ينقصون فى الأرزاق والآجال فى كل عام ، الى وقتنا هذا ، قلت : ومصداق هذه الأخبار،ما قاله الشيخ حسام بن زنكى الشهرزورى ،قال : كان بالواحات الداخلة ، شجرة نارنج ، يقطف منها فى كل سنة نحو اربع عشرة الف نارنجة ، ما سوى ما يتناثر من الريح ، وما هو اخضر ...!
قال الشيخ تقى الدين المقريزى ، صاحب الخطط : فلما سمعت بذلك انكرته ، ولم اصدقه لغرابته ، فقد رآنى سافرت الى سافرت الى الواحات الداخلة ، وشاهدت هذه الشجرة ، فاذا هى قدرجميزة كبيرة ، فسألت مستوفى الناحية عما تطرح فى كل سنة ، فأحضر لى قوائم تتضمن ذلك ، فتصفحتها، فاذا فيها : قطف منها فى سنة احدى وسبعمائة ، اربع عشرة الف نارنجة ، صفراء مستوية ، سوى ما بقى عليها من الأخضر ، وما تناثر من الريح ، فتعجبت من ذلك غاية العجب ، انتهى ذلك ، فهذا بقية ما كان بمصر من العجائب
ولكن أهم ما يضيفه ابن حوقل (فى رأينا ) حول التاريخ المجهول للواحات قوله:
( وبمغارات الواحات عرب سليم ( من قبيلة بنى سليم ) يقطعون بها الطريق على من أرادها أو من خرج منها )
وتاتى أهمية ما يقوله أبن حوقل فى هذه الاشارة أنه تأكيد لما قاله الدكتور سليمان حزين فى دراسته الميدانية للواحات الداخلة والخارجة فى منتصف القرن العشرين ، والتى نشرت فى أحد أعداد المجلة الجغرافية ، وقد تضمنت أن العرب ( القبائل ) التى وصلت الى الواحات ، كان نشاطها – فقط – ادارة بوابات عبور القوافل على طرق القوافل عبر درب الأربعين فى الواحات الخارجة والذى كان يربط وادى النيل بالجنوب الأفريقى ، ودرب الطويل ( العرضى )فى الواحات الداخلة ، والذى كان يربط وادى النيل ومنطقة الخليج ( الأراضى الحجازية ) بالغرب الأفريقى ( دول المغرب )
كانت تخرج من حوض وادى النيل وتعبر المنطقة الى الأقاليم الافريقية المتباينة فى الشمال والغرب والجنوب الغربى .
ويواصل الشاطر بصيلى عبد الجليل فى كتابه ( تاريخ وحضارات السودان الشرقى والأوسط فى فصل مملكة موريطانا الواحات المصرية ) باحثا عن فترة مهمة – ولكنها مهملة – فى تاريخ الواحات الطويل ، بقوله :
وعلى الرغم من أن تاريخ المنطقة وتطورها قد أسدلت عليه الفترات المظلمة ستارا كثيفا ، فأننا نجد توضيحا لذلك فى تطور الوضع المناخى ، الذى حول الأقاليم الخصبة البعيدة المدى الى مناطق جرداء ، انحسرت أراضيها الخصبة تدريجيا فى مناطق صغيرة وهى التى عرفت بالواحات .
وقد أخذت هذه المناطق فى التآكل المطرد ، الأمر الذى دفع السكان للهرب الى مناطق أكثر رخاء ، وأستوحشت الحيوانات التى كانت تعيش فى الواحات ، وقد انقرض العدد الأكبر منها ، كما أن طرق القوافل قد أقفلت وكان آخرها فى عهد أحمد بن طولون الذى أمر بوقف الطريق الى الشمال والغرب بسبب سافية الرمال التى كانت تغطى القوافل وتدفنها...!وكانت أكبر حملة دفنتها الرمال ، هى تلك القوة التى أرسلها قمبيز لتدمير واحة سيوة على حد قول ، والواحات الداخلة على على قول ثان ، فكان أن فاجأت العواصف الرملية هذا الجيش ودمرته وأهلكته .
والمعروف أن لفظ ليبيا ، الذى أطلق على المنطقة منذ عهد غارق فى القدم ، يرجع أصله الى لفظ ريبو R”BW الذى عرفت به القبائل التى تسكن المناطق الغربية المجاورة لحوض وادى النيل ، وذلك كما جاء فى النقوش المصرية القديمة ، وقذ أطقت على المنطقة الشرقية من الصحراءالليبية مسميات عديدة فى مختلف الفترات ، ويبدو أن ذلك يرجع الى تبادل السكنى فى هذه المناطق بين السكان الضعاف من ناحية والنازحين اليها من الخارج ( الأقوياء ) من ناحية أخرى .
وعرفت المنطقة التى تضم الواحات المصرية الثلاث وهى الداخلة والخارجة والفرافرة – على الأقل – بأسم ( موريتانيا ) وكانت تحكمها أسرة كانت بيدها التجارة .
ويرجع لفظ موريتانيا فى أصوله الى جماعات من الميديين الذين جاءوا من بر الشام الى الساحل الليبى فى أوائل العهد المسيحى ، وامتد نشاطهم الى منطقة الواحات الشرقية لممارسة التجارة والسيطرة على طرقها ومواردها .
وقد جاء هؤلاء فى حوالى القرن الرابع قبل الميلاد الى حوض وادى النيل الأوسط، وقد جاء اسم موريتانيا الذى عرفت به الواحات المصرية فى كتاب حنا النيقوى للدلالة على الواحات المصرية ، كما يقول بروقيبوس فى كتابه ( تاريخ الحروب / الجزء الثالث ) عن سيطرة الرومان على مناطق الواحات ( أنهم _ الرومان – قد اشتبكوا فى قتال ضد الموريتانيين ( سكان الواحات المصرية ) وأخضعوهم لسيطرتهم ، وقد استخدم الروم الخيل ، بينما استخدم سكان الواحات الجمال ، وقد كان استخدام الجمال سببا فى هزيمة الرومان ، حيث انها قد جعلت خيل الروم تفر من ميدان القتال بسبب ضجيجها المزعج .
ويقول ( بالمر ) أن المازيكس – الأمازيغ- قد ثاروا فى عام 373 م ودخلوا أرض الواحات ، فأرسل الامبراطور ثيودوسيوس حملة لتأديبهم وهم فى أرض الواحات ، وقد وردت أسماء القبائل التى سكنت الواحات فى الوثيقة التى كتبت فى عهد ديوقلتنيان، والمعروف ايضا أن نسطوريوس قد احتجز فى الواحات الخارجة حوالى سنة 435م وقد اختطفه المازيكس ( الأمازيغ ) فى غزوتهم على الواحات ، وفكوا أسره بالقرب من بلدة أخميم فى صعيد مصر .
الوضع الاقليمى للواحات
يقسم المؤرخون العرب الواحات المصرية الواقعة فى الصحراء الغربية الى مجموعتين:
المجموعة الأولى وهى التى كان يطلق عليها مملكة موريتانا ، وهى الواحات الجنوبية ( الداخلة والخارجة والفرافرة ) وتتبع هذه المجموعة عدة واحات صغيرة ، عرفت فى المصادر العربية بالحارات .
وتعود أهمية هذه المجموعة من الواحات لدى المؤرخين الى أنها تحتل مركزا استراتيجيا له خطورته البالغة على المواصلات بين حوض النيل ، وقلب القارة الافريقية ، فقد كانت واحات مصر الجنوبية ترتبط مع وادى النيل بعدد من الطرق التى كانت تسلكها القوافل ، ومن أهم هذه الطرق من الجنوب الى الشمال ، أى من أسوان الى شمال أسيوط ، فقد كانت القوافل تخرج من شريط وادى النيل غربا من المناطق الآتية :
دراو (اسوان ) – ادفو – اسنا – الرزيقات (اسنا)- فرشوط – العلوانية – الكوامل – الغنايم – الزرابى – بنى عدى (اسيوط )
وكانت هذه المسالك تتصل بدرب الأربعين المعروف باستخدامه منذ أقدم العصور للقوافل بين أسيوط ( بنى عدى ) ودارفور ويتصل هذا الطريق بحوض النيل فى منطقة دنقلة .
وقصة درب الأربعين بالغة القدم ، وبقى هذا الطريق من بين كثيرمن المسالك التجارية عبر الصحراء الغربية ، وقد توقفت هذه الطرق لأسباب عديدة فى مقدمتها الرياح الرملية المهلكة عبر الشريط الذى يمتد من شمال الصحراء الى جنوبها ، ويقع بين الحدود المصرية و اللليبية .وقد لعبت هذه الطرق دورا مهما فى نقل الحضارة الى قلب القارة الافريقية والى أقسامها الغربية ، كما عبرتها أيضا الهجرات المتتالية من وادى النيل الى الغرب الافريقى وجنوبه والعكس ، وأيضا السفرللحج الى الأراضى السعودية من دول الشمال الأفريقى .
ساحة النقاش