أخي الحبيب.... باللهِ عليك اقرأ هذا الحديث الرائع: يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَن توضأ نَحوَ وضوئي هذا ، ثم صَلَّى ركعتين لا يُحَدِّث فيهما نفسَه ، غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه)(متفق عليه) ، ويقول أيضا: (ما مِن مسلم يتوضأ فيُحسِن وضوءَه ، ثم يقوم فيصلي ركعتين مُقبِلٌ عليهما بقلبه ووجهه إلا وَجَبَت له الجنة)(رواه مسلم).
- وحتى تستطيع - بإذن الله تعالى - أن تصلي هاتين الركعتين بخشوع ينبغي أن تستحضر أحد هذه المعاني الإيمانية الرائعة: 1. الحَيَاء: (كان أحد السلف يَخرُج من الصلاة ، وهو شديدُ الحياء من الله ، ويقول: إن مِثلِي لا يقومُ بين يَدَيْك... ولولا أنك أمرتَني ما أتيت). وكان هناك شاعراً يَذِمّ أحد الأمراء في شِعره ، فأمَرَ ذلك الأمير بالقبض عليه ، وأوقفه بين يديه ، ثم قال له: (بأيِّ وَجهٍ تلقاني؟) ، فقال له ذلك الشاعر: (ألقاك بالوجه الذي أقومُ به بين يَدَي رب العالمين ، وذنبي في حقه أعظم). فتستشعر ذلك وأنت تضع وجهك في الأرض(فلا تستطيعُ أن ترفع وجهك من شدة الحياء)
2. الذل: أن تستشعر أنك مملوء بالنعم ، وفي نفس الوقت..مملوء بالذنوب ونضرب على ذلك مثالاً واحداً: (فقد اكتشف الطب حديثاً بالمِجهَر الإلكتروني أن العين تحتوي على(500 مليون خلية) حتى تستطيع الإبصار ، ثم تأخذُ أنت هذه الـ (500 مليون خلية) ببساطة وتنظر بها إلى ما حَرَّمَهُ اللهُ عليك)(يعني تَعصَاه بنعمته).
3. الافتقار وشدة الاحتياج إلى الله: (أخي الحبيب...إذا علمتَ أن الطب قد اكتشف حديثاً أنه لو لم يكن هناك أنزيمات لهضم الطعام ، فإنك كنت سَتَمكُثُ حوالي 50 سنة حتى تهضم قطعة اللحم الصغيرة) ، فإنك ساعتَها تكونُ على يقين بأنك شديدُ الاحتياج إلى الله ، ولا تستطيع الاستغناء عنه طَرفة عَين ، فحينئذٍ تتبرأ من حَولِك وقوتك إلى حَول الله وقوته ، وهذا هو معنى: (وإياك نستعين).
4. الحُب: (أنك تستحضر أنه برغم هذه الذنوب التي فعلتها في حقه... إلا أنه وفقّك لطاعته... وَطرَدَ غيرَك ، وعَلَّمَكَ هذه المعاني... وَحَرَمَ غيرَك) ، فساعتَها تُحِبُ الله ، وتستحضر هذا الحب وأنت تقرأ: (الحمد لله رب العالمين).
5. الرجاء: أن تقول بقلبك: (يارب.. أنا مُخطئ.. لكن.. أنتَ كريم ، يارب..أنا مُذنِب ومُقَصِّر.. لكني أطمعُ في عفوك وجَنََّتك) (يارب..لو أردتَ تعذيبي..ما هديتَني ، ولو أردتَ حِرمَانِي.. ما علمتَنِي ، ولو أردتَ فضيحتي.. ما سترتَنِي) فتستشعر هذا وأنت تقرأ: (الرحمن الرحيم) فترجو رحمتَه ، وكذلك وأنت تقرأ: (اهدنا الصراط المستقيم) فترجو هدايتَه وتثبيتَه لك إلى أن تلقاه.
6. الخوف والتعظيم: أن تستحضر قوْلَ الله تعالى وهو يَصِف جهنم: (إِذَا رَأَتْهُم مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً) ، وقال عنها: (تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنْ الْغَيْظِ) يعني ستتقطع من الغيظ غضباً لربها سبحانه وتعالى. فعندئذٍ تستشعر قول النبي صلى الله عليه وسلم: (يُؤتَى بجهنم يومئذٍ لها سبعون ألف زمام ، مع كل زمام سبعون ألف مَلَك يَجُرَّونَها)(صححه الألباني في صحيح الجامع). فتخيل هذا المشهد... حوالي (5 مليار) مَلَك يحاولون أن يُسَيْطِروا على جهنم من شدة غضبها على العُصَاة وكأنها تقول لنا:(إنتوا عارفين...إنتوا بتِعصُوا مِين؟!) (إنتوا عارفين...إنتوا واقفين في الصلاة بين إيدين مِين؟!) وكذلك تستشعر أن البَعُوضة (النامُوسة) وهي من أصغر جنود الله..هي التي تسببت في هَلاك النمرود.. ذلك المَلِك الظالم الذي قال له إبراهيم عليه السلام: (رَبِي َالذي يُحيي ويُمِيت) ، فقال له ذلك الظالم: (أنا أحيي وأميت) ، فجعل الله هذه البعوضة سبباً لهلاكِه بعد أن دَخَلَت من أنفِهِ واستقرت في رأسِه ، فكان لا يستطيع النوم إلا بعد أن يضربوهُ بالنِعال على رأسه.
فبذلك تكونُ قد استحضرتَ أصغر جندي من جنود الله (وهي البعوضة) حتى تعرف حقارة النَفس العاصية وضعفها (فالبعوضة تستطيع أن تذلها) ، فحينئذٍ تَذِل وتنكسر لربها وهي بين يديه ، وكذلك قد استحضرتَ أعظم جندي من جنود الله (وهي جهنم) وشدة غضبها لربها حتى تعرف عظمة الله تعالى ، (فتجمع بذلك بين عظمة الرب وحقارة النفس) . (وأفضل مَوضِع تستشعر فيه هَذَيْن المشهدَيْن في الصلاة هو: (قبل تكبيرة الإحرام.. حتى يَحضُرَ قلبُك ، وتعرف قدرَ ربك الذي ستقومُ بين يديه ، وكذلك في الركوع.. حتى تُعَظِمَ ربك كما ينبغي).
- وحتى تستطيع التدريب على الخشوع...عليك أن تستحضر كل معنى من هذه المعاني في ركعتين على حِدَة ، فمثلاً تستحضر الحياء لوحده في ركعتين ، ثم الحب في ركعتين وهكذا.
- أما إذا أردتَ أن تستحضر المعاني كلها في نفس الصلاة فعليك أن تحفظ هذه الوَصفة السريعة: 1. قبل تكبيرة الإحرام استحضر الجُندِي الذي ذلَّ النمرود(البعوضة) فتقول لنفسك: (إنتَ مِين...عشان تِعصِي ربنا؟! دي البعوضة تذلك)، ثم تتذكر مشهد جهنم الغاضبة وهي تقول لك: (إنتَ عارف...إنتَ واقِف في الصلاة بين إيدين مِين؟!). 2. وأنت تقول دعاء الاستفتاح: (اللهم باعِد بيني وبين خطاياي كما باعدتَ بين المشرق والمغرب ، اللهم نَقّني من خطاياي كما يُنَقّى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبَرَد)تستحضر نِعمة الـ (500 مليون خلية) التي أعطاها الله لك في عينك ، ومع ذلك تقف أمامه الآن بكل هذه الذنوب ، فتضع وجهك في الأرض في ذلٍ وحياء. 3. ولكن رغم هذه الذنوب...إلا أنه وفقك لطاعته وطرد غيرك ، فعندئذٍ تقول: (الحمدُ لله رب العالمين) وأنت تستشعر أنك تحب الله. 4. عندما تدخل مَحبَّة الله في قلبك..لابد أن ترجو رحمتَه حتى يقبلَ منك ويتجاوز عن سيئاتك 5. ثم تُظهِرَ له شدة فقرك واحتياجك إليه عندما تقرأ: (وإياك نستعين) ، وكذلك وأنت ساجد.
(وفي الخِتام أسألك بالله أن تضع هذه الوصفة في جيبك لتقرأها بين الأذان والإقامة)
ساحة النقاش