تحديد مفهوم الشرق الأوسط .

لقد عرف الفكر الغربي حتى الحرب العالمية الأولى ثلاث مصطلحات مرتبطة ببعضها البعض وهي الشرق الأدنى والشرق الأقصى والشرق الأوسط والتي وإن اختلفت أو تعددت فإنها تدل على مركزية ومحورية أوروبا في وصف هذه المنطقة . وقد استخدم أولا مصطلح الشرق الأدنى والذي أطلق على منطقة اقليمية لها صفاتها الجغرافية المحددة والمتميزة ، وظهر في فترة الاكتشافات الأوروبية ، فأستخدمه البريطانيون في أواخر القرن الماضي للدلالة على الإمبراطورية العثمانية ، أما وزارة الخارجية الأمريكية ، فإنها تقسم الشرق الأدنى إلى مكتبين : الأول خاص بتركيا واليونان وإيران والثاني خاص بالدول العربية ، بمعنى أن إساس التقسيم هو التفريق اللغوي والخلفية الحضارية .إلا أنه قل استخدام هذا المصطلح في الكتابات المعاصرة بإستثناء المؤرخ Yale والذي حدد الشرق الأدنى في كتاب له بأنه يشمل المنطقة الجغرافية التي تضم ( العراق ، إسرائيل ، الأردن ، سوريا ، لبنان ، السعودية ،

مصر ، تركيا ) .

أما الشرق الأقصى فإنه يشكل منطقة اقليمية مطلة على المحيطين الهندي والهادي وتضم شرق وجنوب شرق اسيا ممثلة في (منغوليا ، شرق سيبيريا ، الصين ، اليابان ، استراليا ، نيوزيلاندا ، ودول جنوب شرق اسيا ) . اما الكتابات في الوقت الحاضر فإنها تستخدم مصطلح الشرق الأوسط وهي المنطقة التي تتوسط الشرق الأدنى والشرق الأقصى وأصبحت محطة أنذار العالم ، وهذه المنطقة كإقليم جغرافي يتوسط دائرة تضم القارات الثلاث أسيا وإفريقيا وأوروبا ، رغم أنه لم يكن لعلماء الجغرافيا دور في صياغته ، وفي بداية استعماله كان يعني الجزء المتوسط من الطرق البرية والبحرية للهند .

وتشير الدراسات السياسية والتاريخية بأن الشرق الأوسط تم استخدامه لأول مرة عام 1902 من قبل المؤرخ الأمريكي الفريد ماهان في مقاله له نشرت في المجلة اللندنية الفصلية National Review بعنوان : الخليج" الفارسي" والعلاقات الدولية ولم يذكر الكاتب البلاد التي يشملها هذا الإسم ، ثم استخدم هذا المصطلح من قبل تشرشل وزير المستعمرات البريطاني عندما انشأ إدارة الشرق الأوسط عام 1921 لتشرف على شؤون فلسطين والأردن والعراق ، وزاد استعماله بعد الحرب العالمية الثانية نتيجة إنشاء مركز قيادة وتموين الشرق الأوسط للحلفاء .

من هنا يمكن طرح سؤال ، ما هي البلدان التي يتكون منها الشرق الأوسط ؟

لم يرد في الكتابات ودوائر المعارف تحديد موحد لمنطقة الشرق الأوسط ، وإنما تتسع وتضيق هذه المنطقة وفق اعتبارات من يستخدمه ، ففي الإنجليزية والفرنسية والأمم المتحدة فإنه يتردد اسم الشرق الأوسط على أنه الإقليم الممتد بين ايران الى مصر ومن تركيا الى اليمن ، أو البعض يرى بأن الشرق الأوسط يمتد من غرب مصر الى شرق ايران . أما شمعون بيرس في كتابه شرق أوسط جديد يرى بأنه يمتد من حدود مصر غربا الى حدود باكستان شرقا ، ومن تركيا شمالا حتى المحيط الهندي وشمال السودان جنوبا ، وتمثل كل من ( سوريا ، لبنان ، الأردن ، العراق ، فلسطين ، مصر ، إسرائيل ) قلب منطقة الشرق الأوسط ، وهناك الحلقة الخارجية والتي تشمل ( ايران ، السعودية ،تركيا ، ليبيا ، السودان ) أما الدول الهامشية فهي ( اليمن ، الكويت ، قطر ، الإمارات ، عمان ) ويرى يوسف صايغ بأن الشرق الأوسط يمتد في تاريخه الى الحركة الصهيونية ، وترى إسرائيل بأن الشرق الأوسط يضم كل من ( سوريا ، لبنان ، الأردن ، مصر ، العراق ، إسرائيل ) هذا من الناحية السياسية ، اما من الناحية الاقتصادية يشمل مصطلح الشرق الأوسط أيضا دول الخليج ، ومن الناحية الاستراتيجية يشمل ليبيا ، ايران ، تركيا ، باكستان ، وبالتالي تحديد هذه المنطقة يكون حسب المصلحة .

عوداً على بدء فإن هذا المصطلح هو في طبيعته ونشأته واستخدامه مصطلح جغرافي سياسي اكثر منه تاريخي ، فهو عبارة عن مزيج من الدول ذات الهوية الثقافية والدينية واللغوية المختلفة ، فهو يشير الى مجموعة كبيرة من الدول ، ففي أوروبا تركيا ، وفي آسيا ايران وأفغانستان وباكستان بالإضافة الى الدول العربية ، وفي إفريقيا مصر وليبيا والسودان ، كما أن هذه التسمية لا ترتبط بخصائص المنطقة البشرية أو الحضارية أو الثقافية أو خصائصها أو طبيعتها وإنما يشير الى علاقة الغير بالمنطقة ، وينظر الى منطقة الشرق الأوسط على أنها منطقة فسيفسائية تتكون من خليط من الشعوب والجماعات الثقافية والقومية ومن ثم إضفاء صفة التعدد والتنوع وليس الوحدة والتماثل ما يسهل السيطرة والهيمنة وفقا لإستراتيجيات الدول الكبرى ، إضافة إلى أن هناك ثلاث شعوب تسكن المنطقة هم الساميون والأتراك وبعض الجماعات العرقية الاخرى ، ومن الناحية الدينية فإن الإسلام هو الدين الأكثر انتشارا ، ومن ناحية اللغات تشكل اللغة العربية اللغة الأساسية السائدة لدى معظم قاطني منطقة الشرق الأوسط ، وقد كثر استخدام مصطلح الشرق الأوسط في وسائل الإعلام المختلفة من خلال ما يعرف بأزمة وقضية الشرق الأوسط.

نخلص الى القول بأن هذا المصطلح هو سياسي جغرافي شاع استخدامه في أجزاء العالم المختلفة ، وليس لهذا المصطلح تحديد دقيق فهو مطاط من استعمال الأخر ، ليس لكونه ابتكار لفظي في قاموس السياسة العالمية وانما أيضا لأنه يتسع ويضيق حسب الهدف الذي يسعى إليه الباحث في أي مجال من مجالات العلوم ، فالشرق الأوسط يعتبر من أكثر مناطق العالم أهمية بالنسبة للدول الصناعية ، الأمر الذي يدفع الى العمل الجاد من قبل هذه الدول لكي تكون منطقة الشرق الأوسط متميزة ومستندة الى عنصري الاستقرار والسلام ، ومن ثم صبغ هذه المنطقة بهذه التسمية نابع من اعتبارين أساسيين أولهما : رفض الصبغة العربية للمنطقة وما يترتب عنها من حديث عن الوحدة العربية واستحالة قيامها في حين يطرح وحدة شرق أوسطية ، فعلى الرغم من أن العرب يشكلون ما نسبته 70 % من الشرق الأوسط إلا أنهم مهمشون وممزقون ضمن هذا المصطلح حيث يتم إخراج دول عربية وإدخال دول عربية اخرى ، وثانيهما : تبرير شرعية وجود إسرائيل كدولة طبيعية في المنطقة من خلال التصور القائم على أن المنطقة هي خليط من الشعوب والقوميات واللغات .

ان إحدى السمات المركزية لبلدان الشرق الأوسط تنوعها الكبير ، وهو عامل كثير ما يغفل في الأطروحات ، فهو يمثل منطقة على قدر كبير من التنوع وعدم الاستقرار ، ويقابل هذا التنوع الأثني تنوع سكاني ، فالسكان البالغ عددهم ما يقارب 300 مليون نسمة موزعون بنسب متفاوتة بين الدول ، فهناك دول يزيد عدد سكانها عن 60 مليون ( مصر ، ايران ، تركيا ) ودول يقل عدد سكانها عن مليون ( قطر ، البحرين ، عمان ).

وقد لعبت منطقة الشرق الأوسط دورا كبيرا في الاستراتيجيات الدولية منذ نشوء الإمبراطوريات الكبرى وذلك بسبب موقع منطقة الشرق الأوسط الإستراتيجي الفريد ، فهي حلقة الوصل بين القارات الثلاث (آسيا وأفريقيا وأوروبا ) ، وتسيطر على الممرات المائية الهامة والبحيرات والبحار من هنا كان لهذه المنطقة أهمية كبرى زادت أهميتها مع شق قناة السويس واكتشاف النفط المادة الحيوية للاقتصاد .

وبعد الحرب العالمية الثانية وظهور المعسكرين الشرقي والغربي زادت أهمية الشرق الأوسط السياسية والاقتصادية والعسكرية ، ويؤكد هذه الحقائق التقرير الصادر عن البنتاجون في عام 1995 والذي جاء فيه (( أن أعلى وأهم مصلحة أمنية للولايات المتحدة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط تكمن في تدفق النفط دون عائق من منطقة الخليج الى الأسواق العالمية وبأسعار مستقرة ، فحوالي 70 % من احتياط النفط في العالم يقع في منطقة الشرق الأوسط ، ولذلك يزداد اعتماد الولايات المتحدة وشركائها الأوروبيين اكثر على نفط منطقة الخليج ، فمنطقة الشرق الأوسط لا تشكل فقط العامل الأهم والعنصر المؤثر في المصالح الأمريكية ، بل تشكل جوهر مصالح العالم واستقراره وذلك بسبب موقع الشرق الأوسط ))

في النهاية يمكن القول بأنه لا يمكن الوصول الى تعريف للشرق الأوسط كونه لا يمكن تعريف مخلوق اصطناعي ، وفي هذه الدراسة سوف يستخدم هذه المصطلح لتغطية دول تشمل ( سوريا ، لبنان ، الأردن ، فلسطين ، دول الخليج العربي ، العراق ، مصر ، ليبيا ، السودان ، تركيا ، ايران ، إسرائيل ) .

 

المصدر: بحث شخصي
  • Currently 30/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
10 تصويتات / 314 مشاهدة
نشرت فى 29 نوفمبر 2010 بواسطة turki4442

ساحة النقاش

تركي سالم الاحمري

turki4442
ماجستير تاريخ حديث جامعة الملك عبدالعزيز [email protected] »

أقسام الموقع

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

2,564