كلنا نتفق بالرأى على أن الانسان يستطيع أن يعيش طويلاً إذا كان سعيداً ، لكن عقول الناس حيال السعادة متعددة ومتضاربة الاتجاهات . فمثلاً هناك قوم ينشدون السعادة ولكنهم ظنوا ان السعادة أمر ثابت اقتناؤه والمحافظة عليه والتمتع به دون أن يفقد جاذبيته .. توهموا أن السعادة أن السعادة هى التحرر من الأنظمة والقيود ، و‘طلاق العنان للنزوات العابرة ، ولكنهم لم يلبثوا طويلاً بعد أن ظفروا بالجنة الأرضية التى كانوا ينشدونها أن شعروا بحنين عميق إلى تلك المتاعب والمضايقات التى كانت تتخلل حياتهم بين حين وآخر وتجعلهم يتذوقون طعم الظفر لأنهم مهدوا له ببذل الجهد وتحمل المشقة .
والواقع أنه مهما كانت بيئة المرء ومرتبته الاجتماعية ، فإن الحياة نضال وكفاح . ولكن عدد من يحسنون أساليب الكفاح الناجحة ويفهمون غرضه قليل وضئيل وأقوى دليل على خيبة الأفراد والجماعات فى تحقيق السعادة تلك الأمراض الاجتماعية والخلقية والنفسية التى تنوء بأعبائها حضارة القرن الحالى . إن الانسان قد يهتز عجباً لما وصلت إليه العلوم الطبيعية والاختراعات التى سخرت الزمان والمكان ، ولكن نشوة الإعجاب بقوة عقله جعلته يفضل ذاته ويعمى عن إدراك مواطن الضعف فيه ، كما أنها حالت دون أن يشعر شعوراً جلياً قوياً بالخصائص التى تسمو به فوق عالم القوى الغاشمة والدوافع الحيوانية الهمجية .
إن معرفة الانسان نفسه هى الشرط الأساسى لتحقيق السعادة ، ومن ثم هى الوسيلة الوحيدة لتجنب أسباب الشقاء والخيبة ولمعالجة الانحرافات والأمراض النفسية. وعلى ذلك يصبح العلم الذى يبحث فى طبيعة الانسان ، وهو علم النفس ، الأساس الذى تقوم عليه مجموعة العلوم الفلسفية والاجتماعية .
ساحة النقاش