لم أكن أرى في دعوة مقاطعة الانتخابات ـ قبل إجرائها ـ سوى أنها دعوة خرقاء، يتجاهل مطلقوها كل مفردات الواقع، والتي تتمثل في أن أيا من مرشحي الرئاسة البارزين لم يبدوا أي نية للمقاطعة رغم كل العيوب التي شابت شروط وضوابط العملية الانتخابية، كذلك فإنفاذ الانتخابات التشريعية بقدر كبير من النزاهة ودون أي تدخل فج في سيرها كان ليحول دون تبني الجماهير لتلك الدعوة، وفي ذات الوقت فقد كان المعلوم من الواقع بالضرورة يشير إلى أن هذه الانتخابات سيجري تزويرها، فالمجلس العسكري ـ على طول الفترة الانتقالية ـ أثبت بما لا يدع مجالا للشك رغبته في البقاء بالسلطة، وهذا الأمر ليس مرتبط فقط برغبة أفراده بتأمين أنفسهم من أي ملاحقة قضائية، ربما تطاردهم في المستقبل، بسبب ما هو معلوم للكافة من جرائم قد ارتكبت في حق الثوار بعيد الموجة الأولى للثورة، وما هو غير معلوم للكافة ـ بعدُ ـ من فساد قد مورس ـ من قبلهم ـ طوال العهد السابق على الثورة، بل والمحافظة ـ أيضا ـ على ما تمخض عن هذا الفساد من ثروات متضخمة، بدأت تفوح روائحها العطنة عبر تقارير صحفية نشرت مؤخرا.

ورغم أن الطرفين من دعا للمقاطعة ومن رفض الدعوة، كانا واعين لذلك، غير أن كلاهما لم يكن ليتوقع أن يجري التزوير بهذه النعومة، فالسيناريو الذي حلق في عقول غالبية النشطاء والمحللين السياسيين هو تزوير فج خشن يؤمن ظهيرا شعبيا لأي تحرك في الشارع مستقبلا، لكن المُخرج الذي أدار الفترة الماضية بكثير من البراعة لم  يفقد لمسته البارعة تلك وهو يضع مشهد النهاية.

وبإعلان نتيجة الانتخابات رسميا وقد تقرر إجراء جولة الإعادة بين مرسي وشفيق يصبح من الحمق إضفاء الشرعية ـ وقد ثبت لدينا تزوير الجولة الأولى ـ على الجولة الثانية، وبخاصة وأن الدكتور محمد مرسي ليس هو المرشح الأمثل الذي يمكن أن تلتف حوله الجماهير لتجابه معه ما سوف يقع من تزوير، بل هو المرشح الأمثل لتمرير  الجنرال شفيق بأقل الخسائر الممكنة، ولا أعتقد أن جلسات المقايضة ـ عذرا ـ الرخيصة التي تجري الآن بين القوى السياسية وجماعة الإخوان الملسمين بفرض نجاحها، يمكن أن تحدث تغييرا كبيرا ـ أو صغيرا ـ على أرض الواقع.

لذا فالمقاطعة ـ وبخاصة أن الإخوان لن ينكصوا عن سعيهم المحموم الطامع وغير العاقل وسيذهبوا إلى جولة الإعادة ـ ليس كما يردد البعض من أنها ستصب في صالح مرشح العسكر، بل إن إدلائك بصوتك لمرشح الإخوان هو الذي سوف يترجم عمليا لصالح الأول، إذ باشتراكك في عملية التصويت تكون قد استسلمت لنتيجة تلك الانتخابات الملفقة، واعترفت ضمنيا بنزاهتها، فإذا ما تكرر الأمر  بجولة الإعادة ـ وسوف يتكرر ـ يكون موقفك شديد الضعف إن قمت بأي أعمال احتجاجية.

أظن أنه لم يعد أمامنا الآن سوى الدعوة بقوة إلى النزول مرة أخرى إلى الشارع، وأعتقد أن على السيدين الفاضلين أبو الفتوح وصباحي أن يكفرا عن خطيئتهما التي ارتكباها بإصرارهما على الترشح كلٌ بمفرده بأن يتقدما الجماهير إلى الشارع.

 إن المعادلة التي غفلت أو على الأحرى تغافلت عنها نخبتنا الفاشلة وتحكمت في علاقة الثورة بالمجلس العسكري منذ البداية هي "كل شئ أو لا شئ"، والآن لم يعد هناك منفذ آخر سوى إنفاذ تلك المعادلة إلى أرض الواقع.

 

الكاتب / محمد السيد الطناوى

المصدر: http://on.fb.me/K7CM6d
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 709 مشاهدة

ساحة النقاش

tulipe

tulipe
IDB »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

291,255