إذا كانت معانى العالم الجيدة تسير أمثالاً ، فإن هذا القول ينطبق تماماً على المثل الذى نحلله. ذلك أننا نلاحظ بين ظهرانينا الكثير من الأفراد الذين يكثرون من المواعظ ويدعًون القوة والكمال بين أهلهم وقومهم فى حين أنهم عكس مايدعون حين يلاقون أناساً غرباء .
يتطلب الشعور بالنقص وعدم الكفاءة ، واكتشاف المرء لصغر حجمه وضعفه وعدم ثقته بنفسه تعويضاً عن طريق رفع الشعور بالذات إلى أعلى درجة ممكنة .وبما أن الشعور بالنقص هو شديد الإيلام ، ويعتبر عادة كدليل على الضعف ، وعلى ما يدعو للخجل ، فهناك محاولة شديدة لاخفاء هذا الشعور .من هنا نرى أن كل ديك على مزبلته صياح ، أو كما يقال بالانجليزية Every cock is brave on his dunghill .
يتأتى ذلك حين يكون المرء ولدا يعانى من الشعور العميق بالنقص ، ولاسيما إذا كان النقص طبيعياً ، فتراه يهدف إلى العظمة والقوة والتفوق ، وقد يتوقف الولد من شعوره عندما يكبر من تلقاء نفسه ، وتصبح الأهداف فى نظر الولد ممثلة فى شخصية قوية بارزة موجودة فى محيطه مباشرة : الأب أو الأم أو المعلم أو غيرهم . ولهذا يصبح مشغول البال بنتائج الشعور ، وبجميع الحيل التى تساعده على اخفائه . وتنشأ أفكار تعويضية وخيالات عظمة وسيطرة . وتنسج تفاصيل أهداف غير قابلة للتحقيق ، أى أوهام . ويمكن القول فى هذه الحالات أن قاعدة ( أريد أن أصبح انسانا كاملاً) ماهى إلا ( إنى أريد أن أصبح سوبرمان) ، أى فى درجة أعلى من درجة البشر. إلا أن هذه التركيبات الفكرية غير الواقعية يزيد فى خطورة مصاعب الشخص.ونظراً لافتقاره إلى الشعور الاجتماعى وإلى اعتبار الآخرين ومطالبته فى نفس الوقت طلبات غير معقولة للفت النظر إليه وللأعتراف بمكانته يجد أن مقدرته للسير بطريقة حسنة مع الناس لفى تضاؤل مستمر .
إذاً التعويض الفائض أو المبالغ فيه هو محاولة المرء بطريقة متطرفة تجريد شعوره الحقيقى من قوة التأثير واخفائه وراء شعور آخر معاكس له وغير ممكن تحقيقه ، كتصور المرء نفسه قوياً بينما هو فى الواقع ضعيف.
ساحة النقاش