جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
سئم الرسام ذات يوم من أشياء كثيرة كان يحبها طوال عمره، فقد شعر بأن أصابعه لا تحن للفرشاة وعينيه لا تحنان للألوان، وقلبه لم يعد يحب العالم كما كان من قبل، فألقى نظرة من شرفته على الشارع وقرر أن يعيش بعيدا وحيدا.
في البعيد الذي ذهب إليه الرسام، لم تبخل الذنيا عليه بالجمال، فكان أمام البيت الذي يسكنه بحيرة وحولها الحقول وفوقها سماء واسعة لا حدود لها. حتى البيت الذي سكنه كان بيتا أبيض تدخله الشمس وتعلوه القباب، إلا أن المكان خلا من كل شيء حي، فلم تكن هناك عصفورة ولا وردة ولا ولد ولا بنت. خلع الرسام ساعة يده ووضعها على المنضدة وظن انه ينعم بالهدوء.!!
في الصباح ... فتح الرسام الشرفة، تنفس بعمق وقال: أخيراً لن يعكّر صفو حياتي أي شيء. وسحب الكرسي وجلس في دفء الشمس، لكن الشمس اشتدت وكأنها غاضبة، فتعجب الرسام ونقل الكرسي إلى الظل، حاول أن يسأل الشمس عمّا إذا كان هناك ما يغضبها، لكن الشمس لم تجبه وتركته وغابت. في الليل أغلق الرسام شرفته وقال: سأنعم وحدي بسكون الليل دون أن يزعجني هاتف أو زيارة.
جلس وحيدا يتأمل الجدران البيضاء الخالية، ونسي أن يطل في ساعته.
في الأيام الأولى، عاش الرسام وكأنه راض عن نفسه، وظن أنه حين خلع الساعة ونسيها لن ينتبه للوقت، لكن الوقت كان يمر طويلاً طويلاً، فأمسك الساعة، حدق فيها وسأل: لماذا تسيرين ببطء أيتها العقارب؟!
كل يوم كانت الشمس تسطع وهو لا يرسم، وتنتصف في السماء وهو لا يكلم أحدا وتوشك على المغيب دون أن يتنزه، ثم يأتي الليل الذي كان في أول الأمر له نجوم يأنس برفقتها، ولكن من طبيعة الحال ليس لكل ليل نجوم، والرسام نسي النوم أو النوم نسيه، ماذا يفعل به، قد يجد المكان، لكنه كان بلا حياة.
أخذ الرسام يستكشف كل ركن في البيت، فوجد ألواناً جافة وفرشاة ذابلة، حنت عيناه للألوان وأصابعه للفرشاة، فحمل كل ذلك برفق وبدأ يعيده للحياة.
في الصباح فتح الشرفة، رسم على جدارها شجرة مورقة عالية وأخذ يصفر ويصفر، فحطت عليها العصافير، حكى لها حكايته وشتياق قلبه للعالم الذي يحبه، وسأل: هل مازال يحبني؟!
أمسك الفرشاة وبدأ يرسم على جدران البيت جدارا جدارا، وركنا ركنا، حتى أصبح عنده شوارع وبيوت وناس وحيونات كل له حكاية، فأنس بهم ولكن أحسّ بافتقاد البشر، أحست به العصافير، فطارت بعيدا وأخبرة من يحبونه عن البيت الجميل ذو الرسوم البديعة، لبّوا جميعا الدعوة، زاروا الرسام في مكانه البعيد، أحبّوا رسومه، لم يعاتبوه، بل فرحو به، فأدرك معنى جديدا للحياة، ولم يعد مكانه بعيد.*
المصدر: قصة: وسام جار النبي
( مجلة العربي الصغير )
الطفولة صفحات من كتاب حياتنا وهى مدخل هذا الكتاب ولها إسهامات كبيرة في تحديد عنوانه وقيمته وجودته هي صفحات رصيدها جمال الكلمات وعذب المعاني وملامحها الأمل والفرح والسرور لم تتأت عن دراسة أو خبرة بل انسيابية غذتها الفطرة وأنتجها الذهن الصافي البريء .... الطفولة.... من أجل غذ أفضل
ساحة النقاش