استاذ \ علي غانم

معلومات اسلاميه , سياسة و المدونه الوحيدة للاستاذ علي غانم شخصية

الملخّص

يناقش البحث مفهوم ومدلول قوله تعالى : (وَإِذَا الأرْضُ مُدَّتْ)، وقوله (وَالأرْضَ مَدَدْنَاهَا)، وذلك من أجل التعرّف إلى الإعجاز الفيزيائي في آيات مدّ الأرض.  ويربط البحث الآيات مع حقائق ومفاهيم أساسيّة في كتب الفيزياء الفلكية، ويناقش الآيات في ضوء المعاني اللغويّة ويربطها مع بحث منشور في مجلة الفيزياء الفلكيّة؛ التي تتصدّر جميع المجلاّت العالمية في اختصاص علمي الكون والفلك.  إنّ المعاني الكثيرة للكلمة العربية مدّ هي المدخل إلى تسليط الضوء على الأسرار الفيزيائية التي تتضمّنها آيات مدّ الأرض.  ويبيّن البحث جُلّ أوجه مدّ الأرض منذ أن خلقها الله إلى أن يبدّلها يوم القيامة؛ فالمدّ مستمرّ (Skinner and Porter 200, p13).  مجال البحث هو الإعجاز العلمي للقرآن الكريم، وبالتالي لا يقدم معلومات فلكيّة جديدة، إلا أنّه ربْطٌ غير مسبوق بين الآيتين والمكتشفات الفلكية المعاصرة؛ بشكلٍّ يجلّي الإعجاز العلمي في الآيتين الكريمتين.

المطلب الأوّل: المقدّمة

وأرجو بيان أنّ هذا البحث تمّ إلقاؤه في محاضرة امتازت بحضور كبير جامع من أساتذة وطلبة جامعتنا في شتى حقول المعرفة.  لم أسمع سوى الإعجاب والغبطة على ما يَسّره الله لي من القدرة على هذا الربط الدّقيق بين الآية وحقائق العلم.  وأحمد الله الذي أكرمني بنشر ستة أبحاث في مجال الإعجاز الفيزيائي والكوني للقرآن الكريم.  وأرجو منه سبحانه أن يرزقنا مزيد العلم والإخلاص وأن يسخرنا جميعاً لخدمة هذا الدين من خلال ما أنعم به سبحانه علينا من العلوم: (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ).

وقبل البدء لعلّه من المناسب التعرّف إلى معاني كلمتي السماء والأرض (انظر ملحق ([1]) معاني السماء، وملحق ([2]) معاني الأرض).  هذا وإن القرآن كلام الله، وبالتالي فهو ولا شك عظيم يستمد العظمة من عظمة الله المتكلم بالقرآن.  إنّه معجز في كل جزئية وفي كل أمر وفي كل جوانب المعرفة والعلوم التي خلقها الله.  هذا وإنّ قصر الآية على معنى واحد فيه تحجيم لمعاني القرآن وإخلال بإعجازه وبآياته الباهرة التي يجلّيها سبحانه لخلقه وعلى مرّ الزّمن.  وإنّ كلّ معنى يتجلّى في ضوء تطوّر العلوم الثابتة مقبول أيضاً.  لذا فإنّني أحاول بيان أوجه الإعجاز معتبراً أحياناً أكثر من معنى لكلمة الأرض؛ هذا وإن كنت أرجّح أحد هذه المعاني على غيرها.  وليس هذا خلطاً بين معاني الكلمة؛ فإنّني أزعم أنَّني بتوفيق اللّه أستطيع تحديد معاني كلمة الأرض في جلّ مواقعها في كتاب اللّه عزّ وجلّ.

الفرع الأوّل:  المدُّ في اللّغة ومرادفه في الإنجليزية

إنّ معرفة المعاني الكثيرة للكلمة مدّ هي المدخل إلى تسليط الضوء على الأسرار الفيزيائية التي تتضمنها آيات مدّ الأرض.  فلا بدّ عزيزي القارئ من هذه المقدمة اللغوية.  المدُّ: الجذب والمطلُ.  وقال اللحياني : مدّ اللّهُ الأرضَ يمُدُّها مدّاً بسطها وسوّاها. وفي التنـزيل العزيز (وَإِذَا الأرْضُ مُدَّتْ) [الانشقاق 3] وفيه (وَالأرْضَ مَدَدْنَاهَا) ويقال: مددتَ الأرض مَدّاً إذا زدْت فيها تراباً أو سماداً من غيرها ليكون أعمرَ لها وأكثر ريعاً لزرعها، وكذلك الرِّمال، والسّماد مداد لها (ابن منظور، م 13 ص 50-51). ويقال وادي كذا يَمُدُّ في نَهر كذا أي يزيد فيه.  ويقال منه: قلّ ماءُ ركِيَّتِنا فمدَّتها ركيّةٌ أخرى.  مدَّ النَّهرُ النهرَ إذا جرى فيه.  قال اللحياني: يقال لكلّ شيء دخل فيه مثلُه فَكَثَّرَه : مدَّه يمُدُّه مدّاً.  (وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ) أي يزيد فيه ماء من خلْفِه تجرُّه إليه وتُكثِّرُه.  ومادّة الشيء: ما يمدُّه.  والمادّة: كلُّ شيء يكون مدَداً لغيره.  وقال الفراءُ في قوله عزّ وجل: (وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ) قال: تكون مِداداً كالمِداد الّذي يُكتبُ به.  والشيء إذا مدّ الشّيء فكان زيادةً فيه، فهو يَمُدُّه؛ تقول: دِجلَةُ تَمُدُّ تيَّارنا وأنهارنا، واللّهُ يمُدُّنا بها.  ومَدَدْنا القومَ: صِرنا لهم أنصاراً ومَدَداً وأمْدَدْناهم بغيرنا (ابن منظور، م 13 ص 50-51).

كلّ شيء امتَلأَ وارتفع فقد مَدَّ.  ومدَّ النهارُ إذا ارتفع.  ومدَّ الدَّواةَ وأَمَدَّها: زاد في نِقْسِها وجعلَ فيها مِداداً، وكذلك مدَّ القلم وأمَدَّه.   .  يقال: مددتُ الشّيءَ مَدّاً ومِدادا:ً هو ما يكثر به ويزاد. .. ويقال: مَدَّ اللّهُ في عُمُرك أي جعل لعُمُرك مُدة طويلة. ومُدَّ في عمره: أي نُسيءَ.  ومَدُّ النهارِ: ارتفاعُه (ابن منظور، م 13 ص 25).

Accretion: 1- Growing together of separate things. 2- An increase in size by natural growth or gradual external addition. 3- A whole that results from such growths or additions.  4- A thing added; addition. 5- Growth in size. 6- The increase in area of a piece of land, beach, etc., by the washing up of soil (Barnhart and Barnhart, 1977, volume 1, page 15). 7- The process by which compact stars capture ambient matter is called accretion (Shapiro and Teukolsky, 1983).

Inflation: 1- The act of swelling (as with air, gas, pride, or satisfaction). 2- A swollen state; too great expansion. 3- An increase of the currency of a country by issuing much paper money. 4- A sharp and sudden rise in prices resulting from a too great expansion in paper money or bank credit (Barnhart, and Barnhart, 1977, volume 1, page 1083).  Universes with exponential expansion are nowadays called inflationary (Ross, Matts 1994).

Thus the Arabic word MADD (مدّ) can mean both things: Accretion, and (or) Inflation.

الفرع الثاني:  معاني كلمة المدّ كما وردت في الآيات القرآنيّة

ونظيف هنا ذكر معاني كلمة المدّ كما وردت في الآيات القرآنيّة:

- (اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ) (البقرة آية 15). تصف الآية حال الْمُنَافِقينَ وَأَهْل الشِّرْك.

- (وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ) (الأعراف آية 202).  عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ هُمْ الْجِنّ يُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ مِنْ الإنْس (ابن كثير ، م 2 ، ص 371).

- (قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا) (مريم آية 57).  يَقُول تَعَالَى " قُلْ " يَا مُحَمَّد لِهَؤُلاءِ الْمُشْرِكِينَ بِرَبِّهِمْ الْمُدَّعِينَ أَنَّهُمْ عَلَى الْحَقّ وَأَنَّكُمْ عَلَى الْبَاطِل " مَنْ كَانَ فِي الضَّلالَة " أَيْ مِنَّا وَمِنْكُمْ " فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَن مَدًّا " أَيْ فَأَمْهَلَهُ الرَّحْمَن فِيمَا هُوَ فِيهِ (ابن كثير، جـ 3، ص 218)، وجاء في البحر المحيط (مدّ اللّه له): أي أملى له حتى يؤول إلى عذابه .. فاللّه يمدد له ولا يعاجله حتى يفضي ذلك إلى عذابه في الآخرة (أبو حيّان ، م 7 ، ص 291).

- (كَلا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا) (مريم آية 79).  "وَنَمُدّ لَهُ مِنْ الْعَذَاب مَدًّا": أَيْ نطول له من العذاب ما يستأهله ونعذبه .. أو نزيده من العذاب ونضاعف له من المُدد (الزمخشري ، م 2، ص 523).

- (مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالأخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ ليَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ) (الحجّ آية 15).  (فَلْيَمْدُدْ): أي فليتحيّل بأعظم الحيل وليستقص وسعه وليستفرغ مجهوده (البحر المحيط ج 7، ص 492-493؛ الزمخشري م 3 ، ص 8).

إمداد المسلمين بالملائكة في بدر: (إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلآفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنـزلِينَ) (آل عمران آية 124).  وقوله تعالى: (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ) (الأنفال آية 9).

- (ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا) (الإسراء آية 6).

- (كُلاًّ نُمِدُّ هَؤُلآءِ وَهَؤُلآءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا) (الإسراء آية 20).

- (وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ * أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ) (الشعراء آية 132-133).

 (وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ) (الطور 22).  أَيْ وَأَلْحَقْنَاهُمْ بِفَوَاكِهَ وَلُحُوم مِنْ أَنْوَاع شَتَّى مِمَّا يُسْتَطَاب وَيُشْتَهَى (ابن كثير، جـ 4، ص 103)، وزدناهم في وقت بعد وقت (الزمخشري م 4، ص 24).

 (وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَمْدُودًا) (المدّثّر 12).  أَيْ وَاسِعًا كَثِيرًا (ابن كثير، جـ 4، ص 569).  مبسوطاً كثيراً أو ممدّاً بالنماء من مدّ النهر ومده نهر آخر (الزمخشري م 4، ص 182).

- (قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا) (الكهف آية 109).   يَقُول تَعَالَى : قُلْ يَا مُحَمَّد لَوْ كَانَ مَاء الْبَحْر مِدَادًا لِلْقَلَمِ الَّذِي يُكْتَب بِهِ كَلِمَات اللَّه وَحُكْمه وَآيَاته الدَّالَّة لَنَفِدَ الْبَحْر قَبْل أَنْ يَفْرُغ كِتَابَة ذَلِكَ " وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ " أَيْ بِمِثْلِ الْبَحْر آخَر ثُمَّ آخَر وَهَلُمَّ جَرَّا بُحُور تَمُدّهُ وَيُكْتَب بِهَا لَمَا نَفِدَتْ كَلِمَات اللَّه كَمَا قَالَ تَعَالَى: (وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (لقمان آية 27). (ابن كثير، جـ 3، ص 147).  أَيْ وَلَوْ أَنَّ جَمِيع أَشْجَار الْأَرْض جُعِلَتْ أَقْلَامًا وَجُعِلَ الْبَحْر مِدَادًا وَأَمَدَّهُ سَبْعَة أَبْحُر مَعَهُ فَكُتِبَتْ بِهَا كَلِمَات اللَّه الدَّالَّة عَلَى عَظَمَته وَصِفَاته وَجَلَاله لَتَكَسَّرَتْ الْأَقْلَام وَنَفِدَ مَاء الْبَحْر وَلَوْ جَاءَ أَمْثَالهَا مَدَدًا وَإِنَّمَا ذُكِرَتْ السَّبْعَة عَلَى وَجْه الْمُبَالَغَة وَلَمْ يُرِدْ الْحَصْر (ابن كثير، جـ 3، ص 659).

- (أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشّمس عَلَيْهِ دَلِيلاً) (الفرقان آية 45).  "أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبّك كَيْف مَدَّ الظِّلّ"؟ قَالَ اِبْن عَبَّاس وَابْن عُمَر وَأَبُو الْعَالِيَة وَأَبُو مَالِك وَمَسْرُوق وَمُجَاهِد وَسَعِيد بْن جُبَيْر  وَالنَّخَعِيّ وَالضَّحَّاك وَالْحَسَن وَقَتَادَة: هُوَ مَا بَيْن طُلُوع الْفَجْر إِلَى طُلُوع الشّمس " وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا " أَيْ دَائِمًا لا يَزُول (ابن كثير، جـ 3، ص 274).

 (وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ) (الواقعة 30). عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ فِي الْجَنَّة شَجَرَة يَسِير الرَّاكِب فِي ظِلّهَا مِائَة عَام اِقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ (وَظِلّ مَّمْدُود) " (ابن كثير، جـ 4، ص370-371 ).

 

الفرع الثالث: مدُّ الأرض في الآيات القرآنيّة

- (وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (الرعد آية 3). أَيْ جَعَلَهَا مُتَّسِعَة مُمْتَدَّة فِي الطُّول وَالْعَرْض (ابن كثير، جـ 2، ص 576).  (مَدَّ الأرْضَ): تشير إلى تخلّق الأرض ومدّها بمادّة تكوينها (accretion) إلى أن كبُرت وتوسّعت مساحة سطحها تدريجيّاً.  كما وقد تشير إلى إمداد الأرض بالطّاقة: كالطّاقة الشّمسيّة مثلاً، وبالتالي إمدادها بالمطر، وإمدادها بالعناصر من خلال النيازك والشهب.

- (وَالأرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ) (الحجر آية 19). ثُمَّ ذَكَرَ تَعَالَى خَلْقه الأرْض وَمَدّه إِيَّاهَا وَتَوْسِيعهَا وَبَسْطهَا (ابن كثير، جـ 2، ص237 ).

 (وَالأرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) (ق 7).  أَيْ وَسَّعْنَاهَا وَفَرَشْنَاهَا (ابن كثير، جـ 4، ص 428).

(وَإِذَا الأرْضُ مُدَّتْ) (الانشقاق 3): وَإِذَا الأرْض بُسِطَتْ , فَزِيدَ فِي سَعَتهَا: " إِذَا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة مَدَّ اللَّه الأرْض حَتَّى لا يَكُون لِبَشَرٍ مِنْ النَّاس إِلا مَوْضِع قَدَمَيْهِ" (ابن كثير، جـ 4، ص 296؛ الطبري 1995، م 15 ، ص 214) . وعَنْ مُجَاهِد , قَوْله: { مُدَّتْ } قَالَ: يَوْم الْقِيَامَة (الطبري ، م 15 ، ص 214).  وذكر القرطبي: أَيْ بُسِطَتْ وَدُكَّتْ جِبَالهَا: (تُمَدُّ مَدَّ الأدِيم). قَالَ اِبْن عَبَّاس وَابْن مَسْعُود : وَيُزَاد وَسِعَتهَا كَذَا وَكَذَا ; لِوُقُوفِ الْخَلائِق عَلَيْهَا لِلْحِسَابِ حَتَّى لا يَكُون لأحَدٍ مِنْ الْبَشَر إِلا مَوْضِع قَدَمه, لِكَثْرَةِ الْخَلائِق فِيهَا (القرطبي 1996، م 10، جـ 19، ص 177).

 (وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ) (الانشقاق 4):  أَيْ أَلْقَتْ مَا فِي بَطْنهَا مِنْ الأمْوَات وَتَخَلَّتْ مِنْهُمْ قَالَهُ مُجَاهِد وَسَعِيد وَقَتَادَة.  وعَنْ قَتَادَة: أَخْرَجَتْ أَثْقَالهَا وَمَا فِيهَا (الطبري ، م 15 ، ص 314).  وَقِيلَ: أَلْقَتْ مَا فِي بَطْنهَا كُنُوزهَا وَمَعَادِنهَا, وَتَخَلَّتْ مِنْهَا. أَيْ خَلا جَوْفهَا, فَلَيْسَ فِي بَطْنهَا شَيْء, وَذَلِكَ يُؤْذِن بِعِظَمِ الأمْر, كَمَا تُلْقِي الْحَامِل مَا فِي بَطْنهَا عِنْد الشِّدَّة. وَقِيلَ: تَخَلَّتْ مِمَّا عَلَى ظَهْرهَا مِنْ جِبَالهَا وَبِحَارهَا. وَقِيلَ : أَلْقَتْ مَا اسْتُوْدِعَتْ, وَتَخَلَّتْ مِمَّا اسْتُحْفِظَتْ (القرطبي، م 10، جـ 19، ص 177-178).

المطلب الثاني: تخلق الكرة الأرضيّة

يرى علماء الكون أنَّ اللّه قد خلق الكونَ واسعاً ومتوسّعاً (Inflationary Universe).  وهذا يتّفق مع الآية الكريمة : (وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْيدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ) ] الذاريات 47 [.  قال بعض المفسّرين : (وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ) أي بناءها فالجملة حاليّة أي: بنيناها بتوسيعها ) أبو حيان ، النهر الماد ،م 5 ص 244؛ ابن عطية جـ 5 ص 181؛ أبو العباس ت 756 هـ ؛ أبو حيان، البحر المحيط ، جـ 9 ص 560).  وقيل خلقناها بقوّة وقدرة ونحن قادرون على أن نوسِّعها كما نريد )السمرقندي ت 375 هـ ، جـ 3 ص 280؛ الجوزي، أبي الفرج  ت 597 هـ ، جـ 7 ص 212؛ الخطيب، م 14 ، ص 529-530).  وقيل أي رفعناها بقوّة) الزمخشري م 4 ، ص 20 ؛ الرّازي، م 14 ، ص 227).  (وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ) قيل : أي لقادرون على الإيساع، كما أوسعنا بناءها ) القاسمي، م 9، جـ 2، ص 202-203؛ الماوردي م 5، ص 373-374؛ الناصري، جـ 6، ص 93؛ عمري 2002 ، بناء السماء (.

في مادّة مبدأ الخلق والوجود حدث الانفجار العظيم قبل حوالي 14 مليار سنة، ليبدأ خلقُ الكون واسعاً ومتوسّعاً (Weinberg, pp 49-113; Zeilik 1994, p 496; ، عمري  2002: بناء السماء).  علا وسما بعضُ الإشعاع والجسيمات الأوّليّة للمادّة (Radiation and elementary particles)، وهو ما تسمّيّه كتبُ التّفسير دخاناً (السيوطي، جـ 1، ص 106-107؛ ابن كثير ، م 1، ص 102) : (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ) [فصّلت 11].  لقد كانت درجة حرارة الإشعاع T مرتفعة جدّاً.  وبفعل الاندفاع الناجم عن الانفجار يتوسّع الكون، فتنخفض درجة الحرارة (Zeilik, 1994, p483).  وتبدأ المادّة بالتّشكُّل، وتكون المادّة والإشعاع مقرونين (Matter and radiation are coupled, Universe is opaque)؛ لهما نفس درجة الحرارة: (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا) [الأنبياء 30].  (رتقاً) أي كان الجميع متّصلاً بعضه ببعض متلاصقاً متراكماً بعضُه فوق بعضٍ في ابتداء الأمر. إنّ السماوات والأرض كانتا رتقاً في بداية خلقهما، ثمّ فتقت السّماء الدّخانيّة في مستويات مختلفة للطاقة، لتُشكّلَ سبع سماوات طباقاً.  وجدير بالذّكر أنّ البناء السّماوي الطبقي هو شيءٌ خلاف المجرّات والنّجوم (العمري 2002: بناء السماء؛.السيوطي، ج 1، ص 107).  وفي الحديث: (من أخذ من الأرض شيئاً بغير حقِّه خُسف به يوم القيامة إلى سبع أرضين) (صحيح البخاري: كتاب المظالم، أحاديث رقم: 1120 ، 2272-2274.؛ كتاب بدء الخلق، أحاديث رقم:2956، 2957، 2959.).  كما وأنّ الأرض (الجزء السّفلي من الكون) فتقت سبعاً (الزمخشري م 3 ص 409؛ صحيح مسلم، كتاب المساقاة، أحاديث رقم:3020-3023، 3025).  يبرّد الكون مع توسّعه، وعندما تنخفض درجة الحرارة إلى أقلّ من 3000 كلفن يبدأ التّمايز (Decoupling, Universe became transparent) بين الإشعاع والمادّة (Weinberg pp 48-49; pp 104-105).  وينشأ عن التّوسّع والتّبرُّد خلق البناء السّماوي الكُرويّ الطّبقيّ بسبب تجمّع المادّة وهي في حالة البلازما في مستويات مختلفة للطاقة (العمري 2002: بناء السماء).  هذا إن كانت مادّة بناء السّماء هي مادّة نيوكليونيّة (Nucleonic)  )عمري 2004، خلق الكون ).  (ثمّ استوى إلى السّماء فسوّاهنَّ سبع سموات) [البقرة 29].  إنّ للتراخي الزّماني ضرورتُه: فمنها كي يكون الزّمن كافياً لتوسّع الكون؛ وبالتالي انخفاض درجة حرارته، ومن ثمّ تكاثف فتبرّد وتماسك لطبقات البناء السّماوي في اليومين الأخيرينِ من أيّام الخلق السّتّة (العمري 2002: بناء السماء؛ Weinberg pp 94-113).

وإنّ الضمير في (فسوّاهنَّ) عائدٌ على السّماء على أنّها جمعُ سماوة، أو على أنّه اسم جنسٍ فيصدُق إطلاقه على الفرد والجمع، ويكون مراداً به هنا الجمع.  وظاهر القول أنّ الّذي استوى إليه هو بعينه المستوي سبع سموات؛ ذوات حُبُكٍ وحُسنٍ واستواء (أبو حيان، البحر المحيط في التفسير.  ج 1 ، ص 218-219).

الفرع الأول: السوبرنوفا وإنزال الحديد (عمري ، بحث إنزال الحديد: النسخة العربية ، الإنجليزية)

وبعد انتهاء الأيّام السّتّة لخلق السّماوات السّبع والأرضين السّبع، يكون قد تخلّق من العناصر فقط: الهيدروجين، والهيليوم، وقليل جدّا من الليثيوم.  ثمّ جاء متأخّراً خلقُ المصابيح (النّجوم والمجرّات) زينة للسماء الدّنيا: (فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) [فصلت 12] (عمري 2004 خلق الكون، شكل).

يتم إنتاج العناصر التي هي أثقل من الهيليوم داخل النّجوم وذلك بفعل تفاعلات الاندماج النّووي (nuclear fusion reactions).  ومع تقدّم العمر للنجم فإنّه يتم إنتاج العناصر الأثقل ثمّ الأثقل، إلى أن يبلغ بعض النّجوم مرحلة إنتاج نظير الحديد ذي العدد الكتلي (A=56) (Phillips 1994, page 26-28 ).  يشتعل وقود كلّ مرحلة من مراحل تفاعل الاندماج بفعل الحرارة والضّغط النّاجمين عن التقلّص الجاذبيّ (gravitational contraction) التّدريجي للنجم.  في حالة النّجوم ذات الكتل الكبيرة، M > 11Ms ، حيث Ms كتلة الشّمس ، يمكن أن تصل درجة حرارة باطن النّجم حوالي ثلاثة مليار كلفن.  وهذا المستوى لدرجة الحرارة ضروريٌّ من أجل حدوث المرحلة الأخيرة للتفاعل والّذي يستهلك السيليكون من أجل إنتاج نظير الحديد (A=56) والعناصر القريبة منه (الشكل).

يتطوّر النّجم إلى تركيب طبقي (يشبه رأس البصل) (شكل).  تتألف طبقاته من الخارج إلى الداخل وبشكل رئيسي من: الهيدروجين، ثمّ الهيليوم ، ثمّ الكربون، ثمّ النيون، ثمّ الأوكسجين، ثمّ السيليكون الذي يحيط بقلب النّجم المكوّن بشكل رئيسي من الحديد والعناصر القريبة منه في العدد الكتلي (Phillips 1994 page 28; Clark 1998 p 158; Clark 1998, p. 158; Zeilik 1994, page 389.).  عندما تكون كتلة النّجم كبيرة؛ M > 25Ms؛ يستغرق السيليكون 24 ساعة حتى يُستهلك لإنتاج الحديد في قلب النّجم.

(وَأَنزلْنَا الْحَدِيدَ): تشير إلى إنتاج الحديد في قلب النّجم.  (وَأَنزلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ) تشير إلى حقيقة كون قيمة طاقة الرّبط النووي لكلّ نيوكليون في نواة الحديد أكبر منها لنواة أيّ عنصر آخر قد يتخلّق داخل النجم (Iron has maximum binding nuclear energy per nucleon) (Phillips 1994 page 26) (الشكل، شكل).

يتعرّض الحديد في قلب النّجم لضغطٍ هائلٍ.  عند الكثافة 1012 kg/m3 تكون إلكترونات ذرّة الحديد متراصّة ذات مستويات طاقيّة متشعّبة (degenerate electrons). تمتلك الإلكترونات المتشعّبة طاقة كبيرة تمكِّنها من الدّخول إلى أنوية الحديد، مما يحوّل أحد بروتونات النواة إلى نيوترون وبوزيترون ونيوترينو.  عندها يصبح عدد البروتونات في نواة كل ذرّة من قلب النجم الحديدي مساوياً لرقم آية إنزال الحديد: 25=26-1.  وبالتالي فإن هذا الفرق (1) بين رقم الآية (25) والعدد الذّريّ لنواة الحديد (26) هو إشارة قرآنية معجزة لهذا التفاعل المعروف بمعكوس انحلال بيتا (inverse beta decay) ((Zeilik 1994, page 375..  ينبعث النيوترينو (Neutrino) حاملاً معه الطّاقة التي تدعم أنوية ذرّات القلب الحديديّ للنجم.  وبالتالي تنسحق إلكترونات ذرّات القلب الحديدي للنجم داخل أنوية الذّرات ليصبح القلب نيوترونات متراصّة بمستويات طاقيّة متشعّبة (degenerate neutrons)؛ أو لنقل يصبح القلب نجماً نيوترونيّا (neutron star degenerate) ذا كثافة هائلة 1014 g/cm3.  وبالتالي يتمكّن ضغط النيوترونات المتشعّبة من إيقاف انهيار قلب النّجم (وَأَنزلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ) (عمري ، بحث إنزال الحديد: النسخة العربية ، الإنجليزية).  يقفز القلب قليلاً إلى نصف قطره الجديد (Clark 1998, p 158-159)، مما يتسبّب بحصول موجة الصّدمة (Shock Wave) ذات البأس الشّديد والتي تدفع وبقوّة هائلة حطام النّجم المنهار وتنثره في الفضاء (الشكل).  وبالتالي تحصل عملية إنـزال وطرد للحديد ولبقية مادّة النّجم المنهار بفعل تأثير موجة الصّدمة المرافقة لتشكّل النّجم النيوتروني ذي الكثافة الهائلة.  تعرف هذه الظّاهرة بانفجار السوبرنوفا (supernova explosion) والذي يتسبب في إنـزال (إرسال) الحديد من باطن النّجم ليبعث في كلّ اتّجاه؛ وذلك أنّ موجة الصّدمة تمتلك قوّة دفعيّة هائلة تتسبّب في تفجير النّجم حين ينـزل النّجم (يسقط) في قاع الموجة.  وبالتالي يتمّ إنـزال (إرسال وطرد) الحديد ومادّة النّجم المنهار بفعل قوّة الدّفع للموجة الصدميّة.

يمتلك نظير الحديد 56 والعناصر المجاورة له أعظم قيمة لطاقة الرّبط النّوويّ لكل نيوكليون (Phillips 1994 page 26).  وعليه فإنّه يلزم بذل طاقة لحدوث التفاعلات التي تستهلك هذه العناصر من أجل إنتاج أيّة عنصر عدده الكتلي يساوي أو أكبر من رقم سورة الحديد (57)!.  تتأتى هذه الطّاقة من انفجار السوبرنوفا الضّروري لإنتاج جميع العناصر الثقيلة والتي توجد في أجسادنا (Clark 1998, p 158- 159; Serway 2000, p 1446; Zeilik 1994, page 388;).  إذن جميع العناصر الأثقل من الهيليوم، والتي يتوافر بعضها في أجسادنا، كان سبب توافرها انفجار السوبرنوفا المتجسد في إنزال الحديد! (وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ).  لقد جعل الله إنزال الحديد سبباً في بعثه هو والعناصر الأخرى من أجل تكوين مجموعتنا الشّمسيّة (Silk 2001, p 106، عمري 2008 إنزال الحديد) (عمري ، بحث إنزال الحديد: النسخة العربية ، الإنجليزية).

الفرع الثاني: خلق وتكوّن مجموعتنا الشّمسيّة

قبل حوالي خمس  مليارات سنة حدث انفجار سوبرنوفا داخل مجرّتنا، وأرسل هذا الإنفجار غيمة من المادّة داخل المجرّة.  ومن ثمّ اتّحدت معظم العناصر الخفيفة (hydrogen and helium) فكوّنت الشّمس، وأما العناصر الثّقيلة فشكّلت قرصاً مسطّحاً دار حول الشّمس.  ومع مرور فترة زمنيّة تربو على 100 م

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 50 مشاهدة
نشرت فى 19 فبراير 2013 بواسطة themonster

ساحة النقاش

علي غانم

themonster
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

33,604