المستشار القانونى ابراهيم خليل

المستشار القانوني إبراهيم خليل محام بالنقض والدستورية والإدارية العليا عضو اتحاد المحامين العرب عضو

الضوابط القانونية و الأخلاقية لجراحات التجميل

 

 

 

إعـــداد

 

أ. د. رجاء محمد عبد المعبود محمدين

أستاذ بقسم الطب الشرعي والسموم الإكلينيكية كلية الطب – جامعة أسيوط ـ مصر

 

 

عناصر البحث

ماهية عمليات التجميل

أنواع الجراحات التجميلية

الصور المختلفة لعمليات التجميل في العصر الحديث

دواعي جراحات التجميل

مشروعية عمليات التجميل

شروط جواز الجراحة الطبية

الجراحات المحرمة

موقف التشريعات في الدول المختلفة من الجراحات التجميلية التكييف القانوني للعمل التجميلي

طبيعة المسئولية الناجمة عن الخطأ الطبي

المسؤولية الناتجة عن عمل الآخرين

مدى مسئولية الطبيب عن الضرر الناتج إحدى الآلات التي يستخدمها و التي تقع تحت رقابته

  الخاتمة

قائمة المصادر

 

ابيض

 

ملخص البحث

نظرا للتطورات العلمية والتقدم التكنولوجي في علم الطب أصبح الطب الجراحي لا يقتصر على الجراحة العلاجية لعلاج الأمراض فحسب، بل يوجد إلى جانبها جراحة أخرى وهي جراحة التجميل أو الجراحة لتحسين صورة الجسم وهي التي لا يكون الغرض منها علاج المريض بل إزالة تشوهات في الجسم، وجاءت جراحة التجميل تلبية ضرورية وعملية لتطور الحياة وما صاحبها من حوادث كالحروق وإصابات العمل والإصابات الناتجة عن استخدام وسائل المواصلات من طائرات، وسيارات، وكذلك الإصابات الناتجة عن مختلف الألعاب الرياضية.

وتتميز جراحة التجميل عن غيرها من الجراحات بأن إجراءها أمر كمالي أو تحسيني و ليس ضرورياً من أجل استمرار الحياة, كما أنها تجرى في ظروف متأنية ويكون المريض في حالة من اليقظة و التبصر, ولذلك اختلف الفقهاء حول شرعيتها و تشددت التشريعات فيما يتعلق بمسئولية الطبيب حين وقوع ضرر للمريض نتيجة الجراحة خلافا لما عليه الحال  في باقي أنواع الجراحات.

ويناقش البحث أنواع و صور جراحات التجميل, و الضوابط والشروط العامة لإجراء جراحات التجميل و الأحكام الشرعية الإسلامية و موقف التشريعات في كثير من الدول العربية و الغربية من هذه الجراحات, حيث إنه هناك خلاف في الفقه القانوني والاجتهاد القضائي حول تحديد طبيعة مسؤولية طبيب التجميل، أهو بذل عنايته أم تحقيق نتيجة، فيعتبر البعض أن التزام جراح التجميل هو التزام ببذل عناية، وليس بتحقيق نتيجة، ويبقى ضمن الإطار العام للمسؤولية الطبية. إلاّ أن هناك رأياً آخر يعتبر أن التزام جراح التجميل هو التزام بتحقيق نتيجة بحيث تقوم مسؤولية الطبيب عند فشل التوصل إلى النتيجة المطلوبة أو الحد الأدنى منها, ما لم ينف علاقة السببية بين فعله وبين الضرر الحاصل.

كما يناقش البحث الشروط الخاصة الواجب توافرها في رضاء المريض و طبيعة المسئولية الناجمة عن الخطأ الطبي  و مدى التزام الطبيب تجاه المريض و مدى مسئوليته عن خطأ أحد تابعيه أو عن الضرر الناتج إحدى الآلات التي يستخدمها الطبيب و التي تقع تحت رقابته  و هل تخضع عمليات التجميل لذات القواعد التي تخضع لها العمليات الجراحية الأخرى.

 

المقدمة

إن الله تعالى خلق الإنسان في أحسن تقويم، فجعله في أفضل هيئة، وأكمل صورة، معتدل القامة، كامل الخلقة حيث قال: ﮋ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ   ﮊ ( ). كما أودع فيه غريزة حب التزين والتجمل. ودعا إليها عن طريق رسله وأنبيائه فقال : ﮋ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ    ﭘ ﭙ ﭚ  ﭛ   ﭜﭝ ﭞ       ﭟ ﭠ ﭡ ﮊ ( ), ولقد قال : " إن الله جميل يحب الجمال"( ).

و لقد عُرفت الجراحة التجميلية في العالم القديم, حيث استخدم الطبيب الهندي سوسروثا (Susrutha) ترقيع الجلد في القرن الثامن قبل الميلاد، فيما عُرف جرّاح آخر وهو من حواريي بوذا اسمه ديفاكا (Divak) عاش في القرن الرابع قبل الميلاد ، حيث قام بإجراء عمليات تجميل منها علاج التشوّهات الخلقية, و قام الرومان في القرن الأول قبل الميلاد باستخدام تقنيات بسيطة في عمليات تجميل لإصلاح الأضرار في الآذان.

أما في القرون الوسطى حيث كان شائعاً جدع الأنوف كنوع من التنكيل الذي يمارس ضد المجرمين وأسرى الحرب, فإن بعض الجرّاحين في الهند كانوا يقومون بإصلاح هذا التشوه باستخدام قطعة من جلد الجبهة لتغطي هذا العيب.

كما يفيد بعض الباحثين أن أول رسالة في علم جراحة التجميل ظهرت في عهد النهضة، لمؤلفها الدكتـور تاجليا كوزي الذي اشتهر بإصلاحه للأنف الذي شوّهه مرض الزهري( ).

وقد طوّر السير (هارول غيليز) النيوزيلاندي العديد من التقنيات الحديثة للجراحة التصنيعية أثناء معالجة الإصابات الوجهية في الحرب العالمية الأولى، ولذلك يعد أبو الجراحة التصنيعـية الحديثة، واستمر عمله حتى فترة الحرب العالمية الثانية عبر أول تلامذته (أرشيبالد ماك أندو) الذي أبدع معالجات الحروق الشـديدة التي يُصاب بها طواقم طائرات مكافحة الحرائق.

و لقد ظهر علم الجراحة التجميلية بصورة واضحة بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية في أوروبا وأمريكا، وتطور جنباً إلى جنب مع علم الجراحة العلاجية، حتى انتشرت الآن في كثير من البلدان فكرة جراحة الشكل، لتحسين ومعالجة جمال الإنسان وفق ما هو مرغوب اجتماعياً ( ).

 وبالنسبة للإسهام العربي فهناك من التراث العربي في الفقه والحديث ما يشير إلى معرفة هذه التقنيات، فضلاً عمّا يعرف من العمليات الجراحية القديمة من قبيل الوشم وتفليج الأسنان وتجميل الأذن. وقد ورد ما يشير إلى عمليات التجميل التي تستهدف تجميل الأعضاء حيث يشكو المريض من زيادتها وذلك بقطع الزائد، ولذلك وقع النزاع بين الفقهاء في جواز أو عدم جواز هذه العملية( ).

ماهية عمليات التجميل:

يمكن القول بأن الجراحة التجميلية  (Plastic surgery)هي الجراحة التي تجرى لأغراض وظيفية أو جمالية؛ وهي بالمفهوم البسيط استعادة التناسق والتوازن لجزء من أجزاء الجسم عن طريق استعادة مقاييس الجمال المناسبة لهذا الجزء. وكلمة(Plastic)مشتقة من مصطلح إغريقي يوناني (Plastikos)؛ أي التشكيليات؛ وتعني النحت والصياغة، أو التشكيل،وعليه فإن جراحة التجميل (Plastic surgery) تعني الجراحة التصنيعية( ).

وتشمل العمليات الجراحية التجميلية العمليات التقويمية، والغرض منها إعادة بناء الجسم البشري إلى حالته الطبيعية، والعمليات الفنية الجمالية، التي يكون الغرض منها تحسين المظهر. لذلك يرى البعض أن تسمية جراحة التجميل ليست دقيقة ، والصحيح أن يقال: جراحة التجميل والتقويم. وقد عرَّف بعض القانونيين العمليات الجراحية التجميلية بأنها "مجموعة العمليات التي تتعلق بالشكل، والتي يكون الغرض منها علاج عيوب طبيعية أو مكتسبة في ظاهر الجسم البشري، تؤثر في القيمة الشخصية أو الاجتماعية للفرد ( )".

كما يمكن تعريفها بأنها":عمليات طبية جراحية تستهدف إدخال تعديلات وتغييرات على الجسم البشري؛ إما بهدف العلاج؛ كما هو في عمليات الترميم ومعالجة الحروق، وإما بهدف التحسين والتغيير وفقاً لمعايير الحسن والجمال السائدة" ( ).

وهناك تعريف آخر أكثر شمولاً حيث عُرفت العمليات الجراحية التجميلية بأنها "عبارة عن عمليات جراحية يراد منها: إما علاج عيوب خلقية أو عيوب حادثة من جرّاء حروب أو حرائق تتسبب في إيلام أصاحبها بدنياً أو نفسياً، وإما تحسين شيء في الخلقة بحثاً عن جوانب من الجمال أكثر مما هو موجود"، وهو الذي يقترب في واقع الحال مما يجري اليوم من عمليات تجميل. و لابد من ملاحظة قيدين في تعريف هذه العمليات، من حيث أنها:

أولا: جراحية، وعندئذٍ تستبعد عمليات التجميل التي لا توصف بأنها جراحية، بل هي عمليات تزيين ظاهري وسطحي، ولذلك يجب أن يتولى عمليات التجميل طبيب مختص.

 ثانيا: تستهدف علاجاً لعيوب خلقية أو حادثة تسبب لصاحبها أذىً جسمياً أو نفسياً، أو لمجرد التغيير والظهور بمظهر تستدعيه المعايير المتغيِّرة للجمال والحسن( ).

 

أنواع الجراحات التجميلية:

تتنوع الجراحات التجميلية تبعاً للغاية منها إلى نوعــين:

النوع الأول: الجراحة الترميمية( الحاجية) ويقصد بها إعادة الأعضاء الخارجية لجسم الإنسان إلى وضعها الطبيعي من الناحية الوظيفية والشكلية بصورة تقريبية؛ مثل التشوّهات الخلقية كالشفة المفلوجة أو زيادة أو نقصان الأصابع، وإعادة أشكال بعض الأعضاء بعد عمليات جراحية استئصالية؛ مثل محاولة تشكيل الثدي بعد استئصاله بسبب مرض السرطان.

النوع الثاني: الجراحة التجميلية التي تُعنى بالجانب الشكلي. ومع ذلك ربما تأخذ بالجانب العضوي أيضاً؛ وهو النوع الذي يعرف به التخصص بصورة عامة، ولعل أشهر أنواع هذا العمل الجراحي: عمليات الوجه سواءً لإصلاح التشوهات الناتجة عن الحوادث والأمراض، أو لأغراض تجميلية بحتة كتعديل الأنف وصيوان الأذن، وجراحة الثدي بغرض إعادة التوازن لهذا العضو من حيث الوزن، أوجراحة اليد لرفع التشوهات التي قد تكون خلقية  أو عارضة، أو الأورام الجلدية، أو الجروح والندبات، أو الحروق وغير ذلك( ).

الصور المختلفة لعمليات التجميل في العصر الحديث :

لقد توسعت العمليات التجميلية بشكل لافت في القرن الأخير، وذلك بسبب الحـروب والحوادث التي تعرض لها الإنسان، حيث دفعت الأطباء إلى بذل قصارى جهودهم في تذليل المشكلات الصحية التي يتعرض لها الإنسان، والتي قد تحدث له أضراراً كبيرة في جسمه، وخاصة على صعيد المظهر الخارجي، فبات من الممكن ترميم الجسم، وإعادة بنائه، وإزالة التشوهّات التي قد تسببها الحروق. ومثل هذه العمليات لا خلاف على مشروعيتها؛ لأنها تدخل تحت قصد العلاج، و في أحيان كثيرة يتوقف عليها النشاط الإنساني، كما في حالات ترميم العظام وإعادة بناء الهيكل الجسمي للإنسان، وكما في حالات التعرض للإصابات الكبيرة.

إلاَّ أن ما هو موضع جدل فقهي وقانوني هو عمليات التجميل التي يكون الداعي فيها هو تحسين المظهر الخارجي وفق مقتضيات ومعايير الجمال المتغيِّرة، إذ يمكن إعادة رونق الوجه والبشرة إلى حالتها الطبيعية الجذابة، بواسطة العديد من عمليات التجميل؛ مثل شدِّ الجفون وإزالة الجيوب الدهنية من أسفلها، وكذلك شدّ الوجه والرقبة إو جراحة تجميل الأنف، وهناك نوع أبسط من العمليات الجراحية لملئ الخدود وأسفل الجفون والشفتين، مثل حقنهم بالدهون المشفوطة من أماكن الجسم المختلفة. وأيضاً يمكن استعمال أنواع من المواد التي تحقن في أماكن التجعيدات؛ لإزالتها بواسطة مواد مماثلة لأنسجة الجلد الطبيعية, كما يمكن إعادة تناسق الجسم عن طريق العديد من العمليات التجميلية مثل شفط الدهون وشدِّ الترهلات في أجزاء الجسم المختلفة. بل وأحياناً يكون الداعي من ورائها مجرد الرغبة في التغيير كما يشيع في حياة الفنانين، وقد أصبحت هوليود (مدينة السينما) ولوس أنجلوس المرتعين الخصيبين لذلك النوع من جراحة التجميل( ).

وبحسب الجمعية الأمريكية لجراحة التجميل فإن (326000) عملية تجميل في عام 2004م كانت لمراهقين، وتتضمن (13000) عملية صيوان أذن، وتقريباً (52000) لتجميل الأنف، وتقريباً (4000) عملية زرع، و(3000) عملية شفط دهون. أما في عالمنا العربي لا نجد إحصاءات أو بيانات دقيقة تشير إلى أعداد الراغـبين بإجراء عمليات تجميل جراحية، ولكن بعض الأطباء المختصين بجراحة التجميل أكّدوا شيوع هذه العمليات، فإن عمليات شفط الدهون ـ مثلاً ـ تشهد إقبالاً شديداً لاسيما مطلع كل صيف( ). و في تقرير لوكالة الأنباء الكويتية أفاد أنه انتشرت عمليات التجميل بين الجنسين في الآونة الأخيرة بصورة كثيفة في العالم العربي بصفة عامة والسعودية بصفة خاصة، حيث شهدت عيادات ومراكز التجميل بالسعودية إقبالاً متزايداً من النساء والرجال ومن مختلف الفئات العمرية لإجراء جراحات التجميل، وكشف الدكتور سمير أبو غوش في حديثه لوكالة كوتا) أن أكثر العمليات التجميلية التي يتم إجراؤها ومن قبل الرجال بالسعودية تتمثل في زراعة الشعر الطبيعي وشفط الدهون وتجميل الأنف فيما تعتبر عمليات شفط الدهون وتكبير الصدر وتجميل الأنف والشفاه من أكثر العمليات التي تجرى للنساء( ).

ومع هذا الإقبال الشديد الذي يشهده العالم العربي على عمليات التجميل فقد لاحظ المختصون أن هذا الإقبال يشهد فوضى كبيرة في هذا القطاع أيضاً. ولا تقتصر هذه الفوضى الكبيرة على قطاع الجراحة التجميلية من حيث هو قطاع طبي، بل لوحظ ـ أيضاً ـ غياب القانون الناظم لهذه العمليات، والاقتصار على النصوص العامة، مع تطور العلوم الطبية وتنامي الاختصاصات( ).

دواعي جراحات التجميل:

و قد أجملها السيد محمد طاهر الياسري الحسيني في بحثه" عمليات التجميل الجراحية ومشروعيتها الجزائية بين الشريعة والقانون" في ما يلي :

1. الدواعي الصحية:حيث تدفع المريض أحواله الصحية وما يصاحبها من آلام ومعاناة إلى إجراء عملية جراحية، بغية ترميم وإعادة تنسيق جسمه فيما لو كان قد تعرض إلى تشوّهات أو حروق, رغبةً في إعادة الجسم إلى طبيعته أو إعادة تأهيله خارجياً فيما لو كان قد تعرَّض إلى إصابات أعاقت حركته وفاعليته.

2. الدواعي النفسية: وذلك في الحالات التي لا يشكو فيها المريض من آلام أو إعاقات جسدية، إلاّ أنه يعاني من آلام نفسية بسبب قبح المنظر، وما يلاقيه من إحراجاً في حياته اليومية. و يفيد أحد أخصائي الأمراض النفسية أنه أُخضع مجموعة من المرضى الذين حضروا لإجراء جراحة تجميلية على الأنف لفحص نفسي، فتبين أن 40 % منهم لديهم اضطراب شخصية، ولم يكن هناك علاقة بين درجة التشوّه ومقدار هذا الاضطراب النفسي.

3. الدواعي الجمالية: كما في الحالات التي يرغب فيها الإنسان بإجراء عملية جراحية لتجميل أنفه أو فمه وإن لم يكن ثمة داع صحي، سواء كان على المستوى الجسدي كمعاناته من آلام جسدية أو على المستوى النفسي، إلاّ أنه يرغب في تعديل أنفه لمجرد الرغبة في التعديل ولدواع جمالية بحتة، أو كما في حالات شفط الدهون لامرأة تشكو من ترهل في أسفل البطن أو حالات زرع الشعر للمرأة أو للرجل.

4. الدواعي الإجرامية : إذ قد يعمد بعض الجناة كاللصوص والقتلة وأعضاء العصابات بإجراء عملية جراحية تجميلية إلى تغيير ملامحهم؛ للإفلات منب قبضة العدالة والتمويه على السلطات الشرطية والقضائية.

وربما تقترب منه الدواعي اللاأخلاقية بشكل عام، كما في حالات التدليس والتضليل الذي تمارسه امرأة بحق رجل لغرض إقناعه بالزواج أو العكس.

5. الدواعي العبثية: كما في الحالات التي يلجأ فيها البعض إلى إجراء عملية تجميل لمجرد الرغبة في التغيير، وتحت ضغط المزاج وتلوُّنه، وهي حالات تكثر في الأوساط المترفة، والتي تسود فيها مظاهر البطر وهيمنة المعايير المادية الصرفة، كما في أوساط الفنانين، و كذلك في بعض البلدان تحديداً.

6. الدواعي الاقتصادية (التجارية): وهي دواعي تتصل بالطبيب، إذ قد تدفعه الرغبة في الحصول على المال إلى التسويق لمثل هذه العمليات، ومحاولة التأثير على الآخرين بغية إجرائها رغبة في ذلك.ولا يخفى التأثير السلبي لشيوع مثل هذه الدواعي على الأساسيات المهنية والأخلاقية لمهنة الطب ( ).

مشروعية عمليات التجميل:

لا يختلف فقهاء القانون والشريعة في مشروعية العمل الجراحي التجميلي لترميم أعضاء الجسم البشري أو إزالة التشوّهات عنه, ولكنهم يختلفون حول ما إذا كان يُعدُّ مريضاً الشخص الذي يرغب في إجراء عمل جراحي تجميلي لمجرد تحسين أنفه أو أي عضوٍ آخر بما ينسجم مع معايير الحسن والجمال السائدة. ولذلك يبدو لأول وهلة أن جراحة التجميل غير جائزة إطلاقاً؛لأن الغرض منها ليس علاج مرض بل مجرد التجميل، وهو ما يتصل بالشرط الأساسي لإجازة العمل الطبي، والذي يكون القصد منه الشفاء من المرض. بل حدث الجدل حول ما إذا كان يمكن اعتبار مريض التجميل مريضاً عضوياً أم مريضاً نفسياً، ومدى تأثير زيادة الاهتمام بالشكل على الصحة النفسية، وما ضرورة استشارة طبيب نفسي قبل إجراء أي جراحة تجميلية. ولذلك فقد اعتبر "أن الأعمال الطبية التجميلية ذات صلة وثيقة بعلم النفس، إذ إن كثيراً من الأمراض النفسية؛ كالكآبة والانطواء والقنوط والشعور بالحزن والإحباط والعزلــة الاجتماعية وغيرها يعود سببها إلى قبح الشكل( ).

و يفترض في المريض توفر الشروط العامة التي تبرّر إجراء عملية جراحية له، وربما تشدَّدت بعض الدول في بعض الحالات حيث قدَّم (فورس ليما) رئيس وزراء مقاطعة (نيوساوث ويلز) الأسترالية عدة قوانين بصدد العمليات الجراحية التي تُجرى للمراهقين، بعد تزايد أعدادهم لطلب إجراء مثل هذه العمليات، حيث يشترط إحالة من طبيـب إلى الجراح التجميلي قبل أية عملية جراحية يمكن أن تجرى، مع شرط موافقة الوالدين، على أن يكون للمراهق الذي يرغب بمثل هذه العمليات شهر للتفكير وإعادة النظر في إجرائها, بل إن جرّاحي الجمعية الأسترالية للجراحة التجميلية يفيدون أن معظم الأطباء المحترمين وحسني السمعة لن يقوموا بإجراء جراحات تجميلية للمراهقين عدا تجميل الأذن والأنف( ).

 شروط جواز الجراحة الطبية (الأحكام الشرعية الإسلامية):

لقد أوضح الدكتور فهد بن عبد الله الحزمي في " الوجيز في أحكام الجراحة الطبية و الآثار المترتبة عليها" أن الحكم بجواز الجراحة الطبية مقيد بشروط أشار إليها الفقهاء وهي مستقاة من أصول الشرع وقواعده وتنحصر في الشروط الثمانية التالية:

الشرط الأول: أن تكون الجراحة مشروعة: فلا يجوز للمريض أن يطلب فعل الجراحة ولا للطبيب أن يجيبه إلا بعد أن تكون تلك الجراحة مأذونا بفعلها شرعا، لأن الجسد ملك لله ﮋ ﮊ ( ). فلا يجوز للإنسان أن يتصرف فيه إلا بإذن المالك الحقيقي، والجراحة منها المشروع والممنوع كما سيأتي بيانه.

الشرط الثاني: أن يكون المريض محتاجا إلى الجراحة:أي بأن يخاف على نفسه الهلاك أو تلف عضو من أعضاء جسده أو دون ذلك كتخفيف الألم.

الشرط الثالث: أن يأذن المريض أو وليه بفعل الجراحة: فإذا رفض المريض ولو كان يتألم فلا يجوز للطبيب أن يجري الجراحة حتى يُأذن له.

الشرط الرابع: أن تتوفر الأهلية في الطبيب الجراح:

ويتحقق هذا الشرط بوجود أمرين: أن يكون ذا علم وبصيرة بالعملية المطلوبة، وأن يكون قادرا على تطبيقها وأدائها على الوجه المطلوب, فلو كان جاهلا بالكلية كأن تكون خارجة عن اختصاصه أو جاهلا ببعضها فإنه يحرم عليه فعلها، ويعتبر إقدامه عليها في حال جهله بمثابة الجاني المعتدي على الجسم المحرم بالقطع والجرح( ).

الشرط الخامس: أن يغلب على ظن الطبيب الجراح نجاح الجراحة: بمعنى أن تكون نسبة نجاح العملية ونجاة المريض من أخطارها أكبر من نسبة عدم نجاحها وهلاكه، فإذا غلب على ظنه هلاك المريض بسببها فإنه لا يجوز له فعلها( ).

الشرط السادس: ألا يوجد البديل الذي هو أخف ضررا من الجراحة: كالعقاقير والأدوية، فإن وجد البديل لزم المصير إليه صيانة لأرواح الناس وأجسادهم حتى لا تتعرض لأخطار الجراحة وأضرارها ومتاعبها. أما إذا كان الدواء أشد خطرا وضررا ولا ينفع في علاج الداء أو زواله فإنه لا يعتبر موجبا للصرف عن فعل الجراحة كبعض الأمراض العصبية حيث يمكن علاج المريض بالعقاقير المهدئة لكنها لا تنفع في زوال الداء وقد تسبب الإدمان فوجود البديل على هذا الوجه وعدمه سواء.

الشرط السابع: أن تترتب المصلحة على فعل الجراحة: إنما شرعت الجراحة لمصلحة الأجساد ودفع ضرر الأسقام عنها فإذا انتفت تلك المصالح وكانت ضررا محضاً فإنه حينئذ ينتفي السبب الموجب للترخيص بفعلها شرعا وتبقى على أصل الحرمة، ومثال على هذا جراحة إزالة الثآليل بالقطع أو الكي الجراحي فقد ثبت طبيا أن الثآليل لا تزول بالعمل الجراحي بل عن فعل القطع و الكحت ينتهي بالمصاب إلى عواقب وخيمة وأضرار منها العدوى الجرثومية وتندب موضع الجراحة.

وينبغي في هذه المصلحة أن تكون من جنس المصالح التي شهد الشرع باعتبارها وأنها مصلحة مقصودة أما المبنية على الهوى كجراحة تغيير الجنس فلا يجوز فعلها لعدم اعتبار الشرع لها.

الشرط الثامن: أن لا يترتب على فعلها ضرر أكبر من ضرر المرض: كجراحة التحدب الظهري الحاد فالغالب فيها أنها تنتهي بالشلل النصفي، فعلى الطبيب أن يقارن بين نتائج ومفاسد الجراحة ومفاسد المرض، فإن كانت المفاسد التي تترتب على الجراحة أكبر من المفاسد الموجودة في المرض حرمت الجراحة، لأن الشريعة لا تجيز الضرر بمثله أو بما هو أشد، وأما إذا كان العكس فتجوز ( ).

الجراحات المحرمة

وهي ما لم تتوفر فيها الدواعي المعتبرة شرعا للترخيص بفعلها وتعتبر مقاصدها من جنس المقاصد المحرمة شرعا كما سيأتي بيانها.

1- جراحة التجميل التحسينية:

وهي جراحة تحسين المظهر بحيث يبدو جميل الصورة والشكل ـ كتجميل الأنف بتصغيره وتغيير شكله عرضا وارتفاعا، وتجميل الثديين بتصغيرهما عن كانا كبيرين ـ . وتعمل أيضا لغرض إزالة آثار الشيخوخة كعمليات شد الجلد. وهذا النوع من الجراحة لا يشتمل على دوافع ضرورية ولا حاجية بل غاية ما فيه تغيير خلقة الله تعالى والعبث بها حسب أهواء الناس وشهواتهم فهو غير مشروع ولا يجوز فعله لما يلي:

1- لحديث عبد الله بن مسعود أنه قال سمعت رسول الله يلعن المتنمصات والمتفلجات للحسن اللاتي يغيرن خلق الله"( ), والجراحة التجميلية تغيير للخلقة بقصد الزيادة في الحسن.

2-  لا تتم هذه الجراحة إلا بارتكاب محظورات كالتخدير والذي هو في الأصل محرم شرعا وإنما أجزناه في حالات الضرورة أو الحاجة المنزلة منزلتها، إضافة إلى قيام الرجال بمهمة الجراحة للنساء والعكس وحينئذ ترتكب محظورات عديدة كاللمس والنظر للعورة والخلوة، وإذا فعلها الرجال للرجال وكذلك النساء فإنه يحصل كشف العورة في بعضها كما في جراحة تجميل الأرداف.

3- لا تخلو هذه الجراحة من الأضرار والمضاعفات والعواقب غير المحمودة.

4- يستلزم نجاح هذه الجراحة بعد فعلها تغطية المواضع التي تم تجميلها بلفاف طبي قد يستمر أياما ويمتنع بذلك غسل المواضع المذكورة في فريضة الوضوء والغسل الواجب.

2- جراحة تغيير الجنس:

وهي الجراحة التي يتم بها تحويل الذكر إلى أنثى وذلك باستئصال عضو الرجل وخصيتيه ثم بناء مهبل وتكبير الثديين، والعكس وذلك باستئصال الثديين وإلغاء القناة التناسلية الأنثوية وبناء عضو الرجل، مع خضوع الحالتين على علاج نفسي وهرموني معين.

وهذا النوع غير جائز لما فيه من تغيير خلق الله، ولما ثبت عن ابن عباس أنه قال: لعن رسول الله المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال( ).

 

3- رتق غشاء البكارة :و فيه قولان

القول الأول: لا يجوز رتق غشاء البكارة مطلقا، لما يلي:

1- أنه قد يؤدي على اختلاط الأنساب، فقد تحمل المرأة من الجماع السابق ثم تتزوج بعد رتق غشاء بكارتها وهذا يؤدي إلى إلحاق الحمل بالزوج واختلاط الحلال بالحرام.

2- في رتق البكارة إطلاع على المنكر.

3- أنه يسهل ارتكاب جريمة الزنا.

4- إذا نظرنا إلى الرتق وما يترتب عليه من مفاسد حكمنا بعدم الجواز لعظيم المفاسد المترتبة عليه.

5- تبعا لقاعدة : "الضرر لا يزال بمثله" لا يجوز للفتاة أن تزيل الضرر عنها برتق غشاء البكارة وتلحقه بالزوج.

6- أنه غش حيث يفتح أبواب الكذب للفتيات وأهليهن لإخفاء السبب الحقيقي.

7- يفتح الباب للأطباء أن يلجئوا إلى إجراء عمليات الإجهاض وإسقاط الأجنة بحجة الستر.

القول الثاني: التفصيل:

1- إذا كان سبب التمزق حادثة أو فعلا لا يعتبر في الشرع معصية وليس وطئا في عقد النكاح، فينظر:

أ‌- إن غلب على الظن أن الفتاة ستلاقي عنتا وظلما بسبب الأعراف والتقاليد كان إجراؤه واجبا.

ب‌- إن لم يغلب ذلك على ظن الطبيب كان إجراؤه مندوبا.

2- إذا كان سبب التمزق وطئا في عقد النكاح كما في المطلقة أو كان بسبب زنى اشتهر بين الناس فإنه يحرم إجراؤه.

3- إذا كان سبب التمزق زنى لم يشتهر بين الناس كان الطبيب مخيرا بين إجرائه وعدم إجرائه وإجراؤه أولى.

وبه قال د.محمد نعيم ياسين:

أن المرأة إن كانت بريئة من الفاحشة قفلنا باب سوء الظن فيها عن طريق الإخبار قبل الزواج، فإن رضي الزوج بالمرأة و إلا عوضها الله غيره. و أن مفسدة التهمة يمكن إزالتها عن طريق شهادة طبية بعد الحادثة تثبت براءة المرأة، وهذا السبيل هو أمثل السبل، وبه تزول الحاجة إلى الرتق( ).

وقد تناول الدكتور محمد بن محمد المختار الشنقيطي الجراحة المحرمة و عرفها بأنها (الجراحة التي لم تتوفر فيها الدواعي المعتبرة شرعا للترخيص بفعلها,وتعتبر مقاصدها من جنس المقاصد المحرمة شرعاً كالعبث بالخلقة وتغييرها طلباً للجمال و الحسن) كما هو الحال في جراحة التجميل التحسينية, وكتغيير الأعضاء التناسلية عند الرجل والمرأة, كما هو الحال في جراحة تغيير الجنس,  وكاستئصال الأعضاء و أجزائها على وجه الوقاية الموهومة كما هو الحال في الجراحة  الوقائية. و أشار إلى سبب تحريمها بقوله: أن هذه الأنواع من الجراحة دلت نصوص الشرع على حرمتها و كذلك شهدت قواعد الفقه بعدم جوازها. وأرى جواز معالجة الرجال للنساء بالجراحة و العكس بشرط عدم وجود النظير, و أن توجد الحاجة الداعية للمداواة. وكذلك جواز الكشف عن العورة في حالتي الاضطرار والحاجة دون التحسين, و تثبت الحاجة إلى الجراحة بشهادة الطبيب المختص أنها علاج للألم أو الآفة( ).

موقف التشريعات في الدول المختلفة من الجراحات التجميلية :

أتخذ القضاء في بداية الأمر موقفاً عدائياً من جراحة التجميل، فاعتبر أن مجرد الإقدام على علاج لا يقصد به إلا تجميل الشخص يعد خطأ في ذاته يتحمل الطبيب بسببه كل الأضرار التي تنشأ عن العلاج، حتى لو أجرى ذلك طبقاً لقواعد العلم والفن الصحيحين. إذا ليس هناك ما يبرر إجراء جراحة تنطوي على قدر من الخطورة لمجرد إصلاح شكل الإنسان دون أن تكون هناك ضرورة تستدعى شفاءه من مرض أو فائدة تعود على صحته. ولكن إحراز التقدم العلمي وتطور الفكر الإنساني ورغبة الإنسان الدائبة في البحث عن الأفضل حدا بالقضاء إلى تغيير موقفه وإخضاع جراحة التجميل لنفس المبادئ العامة في المسئولية التي تخضع لها العمليات الجراحية بوجه عام, إلا أنه نظراً للطبيعة الخاصة لجراحة التجميل فإن القضاء قد تشدد بصدد المسئولية الطبية في هذا المجال( ).

وقد ذهب جانب من الفقه إلى إباحة جراحة التجميل وذلك بتحفظ شديد، فميز بن نوعين من تلك الجراحة:

النوع الأول حالات يكون التشويه لدرجة تصبح معها الحياة عبئاً قد يدفعه إلى التخلص منها، فهذا التشوه قد يرقى إلى مقام العلة المرضية، فتنزل في نفس مستوى الجراحة العادية فتكون حرية الطبيب واسعة في اختيار وسائل العلاج التي يراها مناسبة، فلا مانع من تدخل الطبيب إذا كان التشوه جسمياً بحيث يحرمه من حقه الطبيعي في الزواج أو يجعله محلاً للسخرية لذا تبرر هذه الحالات استعمال وسائل لا تخلو من بعض المخاطر ما دامت هذه المخاطر تتطلبها حالته، فالقانون علم اجتماعي وعليه أن يراعى ضرورات الحياة( ).

والنوع الثاني تلك الحالات التي يكون الغرض من التدخل الجراحي فيها مجرد إصلاح ما أفسده الدهر من جمال يحاول التشبث بالبقاء ضد إرادة الزمن وحكم الطبيعة، فلا يكون تدخل الطبيب مبرراً إلا إذا كانت وسيلته في إزالة التشويه الجسماني لا تنطوي ـ بحسب السير الطبيعي للأمور ـ على خطر ما على حياة المريض وسلامة جسمه، وعلى هذا فيجب اعتبار الطبيب الذي يقوم على إجراء عملية تعرض سلامة جسم الإنسان بقصد إزالة قبح محتمل لخطر لا يتناسب وما قد يناله الشخص من فائدة، يجب اعتباره مسئولاً عن الضرر الذي ينشأ حتى إذا كان قد حصل على رضاء من أجراها له مقدماً، وحتى إذا قام بها طبقاً لقواعد الفن الصحيحة ( ).

و يختلف الموقف القانوني من العمل الجراحي التجميلي من نظام إلى آخر، فضلاً عن التطور الذي لحق هذه المواقف؛ إذ اتخذت عدة صيغ من زمن لآخر.

ففي ألمانيا تعتبر جراحة التجميل جائزة على نحوٍ مطلق، وذلك على اعتبار أنها تنطوي تحت الأنظمة التي وضعتها الدولة فيما يتعلق بالصحة واستعادتها. وفى إنجلترا تعد جراحة التجميل جائزة أخذاً بالمبدأ المعتمد لديهم من أن رضاء المجني عليه يبرر كل فعل ما لم يكن محرماً قانوناً أو كان يؤدى إلى خطر شديد ـ بغير موجب ـ على الحياة أو الأعضاء أو الصحة.

ويرى الفقه في بلجيكا أباحتها ما لم تمنع من أداء واجب اجتماعي كأن تستأصل الزوجة التي ينتظر حملها ثدييها لتعديل قوامها فتعطل بذلك وظيفة الإرضاع لديها، أو يكون لكسب مادي كأن ينتزع شاب بعض غدده ليلقح بها عجوز لقاء مبلغ من المال . وتُعدُّ جراحة التجميل جائزة في بلجيكا ما لم تمنع من أداء واجب اجتماعي أو يكون الغرض منها كسب المال.

وهي جائزة في الولايات المتحدة الأمريكية، مع اختلاف المعايير والضوابط التي يجب مراعاتها لإجراء عمل جراحي، إذ تطول قائمة الأنظمة الواجب إتباعها في بعض الولايات( ).

أما في فرنسا فإن الموقف مختلف، فقد كان القضاء الفرنسي ولفترة ينظر بالسخط والشك إلى جراحة التجميل، وهو إذ يرى كفاية رضا المريض في إعفاء الطبيب من المسؤولية عن الأضرار التي يلحقها العمل الجراحي بالمريض طالما أنه لم يقع منه خطأ في تطبيق قواعد مهنته، فإنه كان يعتبر الطبيب مسئولا عن جميع النتائج الضارة التي تترتب على علاجه ولو لم يصدر منه خطأ طبي. وبذلك يعتبر القضاء الفرنسي أن إقدام الطبيب الجراح على إجراء عملية لا يقصد منها إلاّ التجميل يُعدُّ خطأ في ذاته يتحمل الجراح بسببه كل الأضرار التي تنشأ عن العملية ولو أُجريت طبقاً لقواعد الفن الطبي. إذ أصدرت محكمة استئناف باريس في: 22/1/1913م قراراً يفيد أن "مجرد الإقدام على علاج لا يقصد به إلاّ تجميل من أجري له خطأٌ في ذاته يتحمل الطبيب بسببه كل الأضرار التي تنشأ عن العلاج، وليس بذي شأن أن يكون العلاج قد أُجري طبقاً لقواعد العلم والفن الصحيحين، وإن كان قد رضي المريض بإجراء هذه العملية،إذ قضت مسئولية طبيباً و حكمت عليه بالتعويض لفتاة أصيبت بحروق ظاهرة في وجهها نتيجة تعرضها لأشعة(رونتجن) بهدف إزالة الشعر من وجهها و أن الخبير الذي انتدبته المحكمة قرر أنه لم يقع خطأ إطلاقاً و أن الطبيب راعى أصول الفن و العلاج الطبي المتيسر آنذاك و أن النتيجة السيئة التي وقعت تعود لأمور لا يمكن التنبؤ بها مسبقاً, وقد ذهبت محكمة تولوز في فرنسا في: 23/10/1934م إلى أن الاتفاقات الخاصة بما يلحق جسم الإنسان من ضرر تعتبر مخالفة للنظام العام. كما قضت محكمة ليون في: 27/6/1913م بأن لا أثر لما يتفق عليه المريض من استبعاد مسؤولية الطبيب أو الجراح، ولو كان العلاج بناءً على الطلب الصريح من ذلك المريض( ).

وقد تغيّر الموقف القضائي الفرنسي من عمليات التجميل الجراحية، إذ إنه عاد وأخضعها إلى القواعد العامة التي تخضع لها الجراحة العلاجية، فاشترط أن تكون هناك علة تبرِّر المساس بحرمة الجسم البشري، وأن تكون ملائمة تُناسب بين الخطر الذي يتعرض له المريض والفائدة التي يرجوها من العمل الجراحي التجميلي.

وتقرر هذا الموقف في ما قضت به محكمة استئناف ليون في: 17/3/1937م "بأن الطبيب الذي يقوم بإزالة الشعر الغزير من جسم سيدة بالعلاج الكهربائي، فإذا لم يحدث منه أي تقصير في العلاج فلا يُسأل عن الضرر الحادث لتلك السيدة، متى ثبت أنه لم يكن هناك عدم تناسب بين النتيجة المرجوة والمخاطر العادية للعلاج الكهربائي". وقد تبدل هذا الموقف فأخضع القضاء الفرنسي جراحات التجميل للقواعد التي تخضع لها الجراحات العلاجية, فاشترط القضاء أولاً أن تكون هناك علة تبرر المساس بحرمة الجسد الإنساني, و ثانياً أن يكون ثمة توازن بين الخطر الذي يتعرض له الشخص و الفائدة المرجوة من العمل الطبي التجميلي, ومع ذلك فإن المحاكم الفرنسية تتشدد في تقديرها لخطأ الجراح في عمليات التجميل و اشتراط أن يستخدم طريقة علاجية اتفق عليها و ليست محلاً للتجارب.بل إن بعض المحاكم ذهبت إلى حد استخدام لغة تقترب من إلزام الطبيب بتحقيق نتيجة ( ).

وأما الموقف القانوني العربي؛ فهو وإن لم يكن مواكباً للمستجدات الحياتية ـ ومنها الموقف من عمليات التجميل الجراحية ـ بدرجة تتناسب مع تطور هذه العمليات وشيوعها، فإن الفقه والقضاء ينظران إليها كحالة من حالات العمل الجراحي العام الذي يبرره القانون بالشروط التي أُلزم بمراعاتها. وعندئذٍ تدخل تحت أسباب الإباحة كونها واحدة من الأعمال الطبية، والتي رخّص فيها القانون للأطباء ـ طبقاً للقواعد العامة ـ إجراءها بشروط منصوص عليها.

وفى مصر ذهب غالبية الفقهاء إلى مشروعيتها؛ وذلك اقتناعاً منهم بأن النظرة المترددة التي نظر بها لجراحة التجميل تمييزاً عن الجراحة العلاجية، إنما مرجعها لنفس التردد الذي كان ينظر به الناس إلى الجراحة ـ على وجه العموم ـ تمييزاً لها عن الطب، وكما تغيرت نظرة الناس للجراحة، فقد كان طبيعياً أن تتغير نظرتهم إلى الجراحة التجميلية كذلك، ولذا فالرأي المعول عليه أن جراحة التجميل تخضع للقواعد العامة التي تخضع لها الجراحة العلاجية مع وجوب توافر شروطها، وهو تناسب بين الخطر والفائدة للمريض وأن يكون هناك علة تبرر المساس بحرمة الجسم البشرى ومن ثم فهذه العمليات مشروعة ولا يترتب على القيام بها سوى مسئولية غير عمدية إذا أخطأ الطبيب أو الجراح في مباشرتها( ).

وفى حقيقة الحال أن العمليات التجميلية أو كما يسميها الأطباء العمليات التصليحية قد أصبحت من العمليات المعترف بها في جميع الدول، ويتخصص فيها الأطباء دون التمييز السابق، ذلك أنها وإن لم يقصد بها علاج من مرض جسماني، فإنها تهدف إلى علاج نفساني، وقد حظي الألمان بهذه الحقيقة فكانوا أول من قالوا بمشروعية هذه العمليات على أساس أن الطبيب يهدف بها إلى غاية تقرها الدولة، فيكاد يكون الإجماع على إباحتها، لما ينجم على عدم تقرير هذه الإباحة من أمراض نفسية خطيرة، فالعلاقة وثيقة بين نفسية الإنسان وصحته، فالعلاج في هذا الصدد علاج نفسي ويعتبر أساساً لإباحة هذه العمليات( ).

التكييف القانوني للعمل التجميلي :

يمكن إجمال الآراء والنظريات في تباين الموقف القانوني تجاه العمليات الجراحية التجميلية في الاتجاهات الرئيسة الآتية:

الاتجاه الأول: وهو اتجاه يميل إلى أن عمليات التجميل غير مشروعة؛ كونها لا يقصد منها الشفاء من مرض؛ لأن الغرض منها مجرد التجميل( ).

وقد واجه هذا التكييف اعتراضاً أساسياً؛  أن من الصعب أن نحكم ما إذا كانت العملية التي تجرى لإصلاح هذا العيب هي عملية جراحية علاجية أو تجميلية، ولو أننا اعتبرناها عملاً جراحياً فإنه يكون من الصعب أن لا نعد كذلك سائر العيوب؛ لأنها تحمل جميعاً عنصراً من الشذوذ, ولذلك فإن من الصعب القول إن الجراحة التجميلية تعنى بالجانب الشكلي فقط؛ إذ يأخذ بالجانب العضوي أيضاً، وكمثال على ذلك الجراحة التجميلية للبطن عند النساء بعد الحمل المتعدد، والذي لا يؤدي إلى الترهل فقط، ولكن يصحبه ارتخاء عضلي يؤدي إلى فقدان القائم الأمامي للجسم أو انحناء إلى الأمام، وبالتالي يؤدي لمشاكل في الظهر إلى جانب مشاكل بالتنفس( )، إضافة إلى إحباطات نفسية. ويضاف إلى ذلك أن الأعمال الطبية ذات صلة وثيقة بعلم النفس؛ إذ إن كثيراً من الأمراض النفسية كالكآبة أو القنوط والشعور بالحزن أو الإحباط والعزلة الاجتماعية وغيرها يعود سببها إلى قبح الشكل، الذي قد يدفع الإنسان إلى الانتحار إذا توافرت عوامل أخرى( ).

الاتجاه الثاني:وهو يميل إلى التوسع في إباحة العمل الجراحي التجميلي، وذلك ليكونه مشمولاً بمفهوم العلاج، كونه يشمل الناحية النفسية كما يشمل الناحية الجسدية للجسم البشري، وبذلك تشرع العمليات التجميلية كونها تجرى بغرض الشفاء[34]. بل إن هذا الاتجاه يميل إلى التوسعة في إباحة العمليات التجميلية؛ كونها تُعدُّ من مجددات الشباب، وأن التجميل يعطي الإنسان المسرَّة والسعادة، وهما من شروط صحة الإنسان،فضلاً عن كونها تذللّ العقبات التي تعترض الشخص في اكتساب رزقه في الحياة الاجتماعية. لكن ينبغي تقييد هذه العمليات بعدم حدوث أضرار لا تتناسب مع المشكلة الصحية التي يعاني منها المريض( ).

الاتجاه الثالث: وهو اتجاه يرتكز على تقدير الأضرار التي تلحق الجسم البشري جرّاء القيام بهذه العمليات، ولذلك دعا أنصار هذا الاتجاه إلى إباحة هذه العمليات في مجال العيوب البسيطة كاستئصال اللحميات والعظام البارزة في الجسم والتجاعيد في الوجه وتكميل الأنف الناقص وغيرها، ومنع العمليات التجميلية في مجال العيوب الجوهرية. وتقوم هذه التفرقة على أساس عدم التناسب بين المخاطر والفوائد من العمل الطبي، والحد من جراحة الترف( ).

و قد وقف البعض موقفاً وسطاً بناءً على فكرة تناسب خطر العملية مع النفع المتوقع منها، بحيث إذا حصل هذا التناسب، فإن عمل الطبيب يبرر بالاستناد إلى موافقة المريض.ويتبيَّن مما تقدَّم أن التكييف الذي أعطي لهذه العمليات يقوم على فكرة مصلحة الجسم البشري وما يطرأ عليه من مخاطر وأضرار، وبناءً عليه يُبّنى جواز أو عدم جواز هذه العمليات تبعاً لمدى الخطورة والضرر الذي تسببه هذه العمليات( ).

طبيعة المسئولية الناجمة عن الخطأ الطبي:

  تتميز جراحات التجميل عن غيرها من الجراحات بأن إجراءها هو أمر كمالي وليس ضروريا من أجل استمرار الحياة؛ لذلك كانت أكثر التشريعات صارمة فيما يتعلق بمسؤولية الطبيب في جراحة التجميل حين وقوع الضرر خلافا لما هو عليه في باقي أنواع الجراحات.

ولا تختلف مسؤولية طبيب التجميل والجنائية و المدنية عن مسؤولية الطبيب عموماً، فهو مسئول عن الأضرار التي يلحقها بمريضه نتيجة الخطأ الذي يمكن أن يصدر منه.

أولا: مسؤولية الطبيب الجنائية

على مستوى المسؤولية الجنائية فإن هناك أعمالاً تصدر عن الطبيب وهو يقصد الإضرار بالمريض، وتُعدُّ هذه الأفعال جرائم عمدية تخضع لعقوبات مقررة في قانون العقوبات. وهناك أعمال تصدر عن الطبيب عن غير قصدٍ وتلحق بالمريض الضرر والعطل، وتُعدُّ جرائم غير عمدية، وهي أغلب الحالات التي تصدر عن الأطباء، إذ "إن أغلب أخطاء الطبيب تدخل ضمن الجرائم غير المقصودة، خاصة وأن المشرِّع أدخلها بطريق غير مباشر في أعمال الخطأ؛ لأن أغلب أعمال الأطباء وجرائمهم تقع تحت الإهمال أو قلة الاحتراز أو عدم مراعاة القوانين والأنظمة"، ولذلك يمكن القول: إن الخطأ هو جوهر المسؤولية الطبية غير العمدية وأساسها الذي لا تقوم إلاَّ به، فلا مسؤولية على الطبيب إن حصل على رضا المريض وراعى أصول الفن الطبي وما يتوجب عليه من آداب المهنة( ).

ولمّا كانت المسؤولية الجنائية ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالخطأ الجنائي فإنه لا يخرج عن التصنيف القانوني للأفعال من حيث الوصف الجرمي للخطأ الجنائي، فهو إما جناية أو جنحة أو مخالفة.

وأول مسؤوليات طبيب التجميل أن يكون مجازاً في مزاولة الجراحة التجميلية، فلا يكفي أن يكون مجازاً في الطب العام، وهناك بعض القوانين والتشريعات تشترط خبرة واسعة لعدة سنوات تختلف مدتها بين تشريع وآخر. وفي حالة مخالفة الطبيب فإنه يعاقب جنائياً على ممارسة الأعمال الطبية بدون إجازة. وقد أدانت محكمة جنح باريس طبيبا بالمسئولية الجنائية و المدنية لإجر

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 2769 مشاهدة
نشرت فى 4 يونيو 2012 بواسطة thefreelawyer

ساحة النقاش

المستشار القانونى ابراهيم خليل

thefreelawyer
المستشار القانوني إبراهيم خليل محام بالنقض والدستورية والإدارية العليا الاستاذ/ خالد ابراهيم عباس المحامي بالاستئناف عضو اتحاد المحامين العرب عضو الجمعية المصرية للقانون الدولي عضو جمعية الضرائب المصرية عضو جمعية إدارة الأعمال العربية كافة الاستشارات مجانا موبيل 01005225061 01021141410 تليفون 23952217 http://kenanaonline.com/ibrahimkhalil »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

803,663