لماذا انتشار السحر والشعوذة والكهانة هذة الأيام وبشكل ملفت للنظر
تعرضت لهذا الموضوع في كتابي الموسوم ( الصواعق المرسلة في التصدي للمشعوذين والسحرة ) تحت عنوان ( بعض أسباب ومظاهر الاستعانة بالسحرة والكهنة ) ، قلت فيه :
إن من الأسباب الداعية للذهاب إلى السحرة والمشعوذين والعرافين خاصة من قبل النساء الأمور التالية :
1)- الاعتقاد الجازم بقدرة السحرة والمشعوذين والعرافين والكهنة على إبطال السحر ، وإنهاء المعاناة والألم 0
2)- الاعتقاد بأن هذه الوسيلة تعتبر من أسرع الوسائل وأنفعها في تحقيق المراد والمطلوب سواء تم استخدام سحر العطف أو سحر الصرف أو أي نوع من الأنواع المختلفة الأخرى 0
3)- اضمحلال العقيدة في كثير من نفوس الناس ، فأصبح ارتياد الساحر أمراً طبيعيا ، بل أصبح هذا الأمر محببا لبعض النفوس بسبب انتكاس الفطر والبعد عن منهج الكتاب والسنة ، وما علم أولئك أن اقتراف هذا الأمر يخرج صاحبه من ملة الإسلام بالكلية 0
4)- الحقد والحسد والضغينة والكره 0
5)- حب الدنيا وشهوتها كالمال والرئاسة والمنصب والجاه والتملك ونحوه 0
قال الدكتور عبدالسلام السكري المدرس بكلية الشريعة والقانون بدمنهور : ( وقد استخدم الإنسان السحر في أمور كثيرة نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر :
1)- حماية الزراعة من الحشائش وإبعاد الطيور عنها 0
2)- إخضاع الطيور والحيوان للصائد ليسهل عليه اصطيادها 0
3)- شفاء الأمراض وعلاج الحروق مثل الكلمات التي نطقت بها " إزيس " في الأسطورة المصرية الطفل حوريس حسبما أوردته أوراق البردى 0
4)- سلامة الحيوانات بالتمائم التي كانت توضع حول رقبة الحيوانات ظناً من صاحبها أنها تمنع السحر ، وما زالت حتى الآن بقايا من تلك الجهالات في قرى الريف 0
5)- استخدم السحر كذلك في عمليات دفن الموتى عامة وتحنيطهم خاصة ، كما حدث من فراعنة مصر وغيرهم في العالم وأثر ذلك موجود مشاهد حتى الآن 0
6)- كما استخدم السحر أيضاً في أذية الناس بكل أساليب الأذية ، وهذا هو السحر الأسود الذي اعتبر من الجرائم منذ أول عهد الإنسان بالسحر ، ثم اعتبر من المخالفات القانونية بعد ذلك ، بل إن أهل العصور الوسطى كانوا ينفذون في السحر حكم الإحراق بالنار أحياء إذا قاموا بأية عمليات من هذا النوع من السحر ، وقد شاع هذا النوع وذاع بين بني الإنسان وحتى اليوم )( السحر بين الحقيقة والوهم في التصور الإسلامي – ص 5 ) 0
وقال الدكتور – حفظه الله - : ( والسحر على هذا حقيقة ثابتة سببه الحسد والتنافس والتكالب على حب المال واتباع شهوة القوة وحب الهيمنة والسلطان ، كما أن من أسبابه أيضاً الانتقام وإيقاع الناس في المكائد والدسائس لدرجة أن كل أمير أو أميرة كان له ساحر أو ساحرة خاص بكل منهم يحقق لهم أغراضهم وأهواءهم ، وكان ذلك شائعاً ولا يزال منه بقية ليست بالهينة حتى الآن في انجلترا وفرنسا وخاصة في الرهبان حيث كان الفراغ الفكري 0 حتى ذاع في البلاد الأوربية ، بل أخذ السحر نفس هذا الذيوع الآن في الأمريكيتين والاتحاد السوفيتي على الرغم من الحضارة التي وصلت إليها تلك البلاد ، وعلى الرغم مما بذلته أكثر الحكومات في الدول الأوربية من قصارى جهدها للخلاص من هؤلاء السحرة بفرض أشد أنواع العقوبات عليهم كما كان في فرنسا وإيطاليا وألمانيا وفي اسكتلندا وأمريكا وغيرها إلا أن ذلك لم يقوض جهود السحرة لاسيما في الآونة الأخيرة حيث خفضت العقوبة من الإعدام إلى عقوبات أخرى تعزيرية في القرن الثامن عشر الميلادي كما أسلفنا عليه القول ، على أن الذي يرضى لنفسه أن يكون ساحراً يعلم أنه قد رضي بالذل والحقارة والخضوع للشياطين واستعد لأن ترتكب فيه أبشع الجرائم كاللواطة وغيرها ، ولا يرضى بهذا إلا نفس دنيئة خبيثة لا تقيم للعقيدة قلباً ولا للأخلاق وزناً ولا نصيب لها في الدنيا ولا في الآخرة ، لأنها تتعامل مع أقذر أنواع الجن خبثاً وكفراً )( السحر بين الحقيقة والوهم في التصور الإسلامي – ص 23 ) 0
قال الأستاذ إبراهيم محمد الجمل : ( الحسد والتنافس والتكالب على القوة وحب السلطان والمال والجشع والطمع وحب الشهوة والانتقام والمكائد والدسائس وغيرها التي كانت تعيش فيها هذه البلدان كل هذه كانت في حاجة ماسة للسحر لتحقيق أغراض دوي المآرب )( السحر دراسة في ظلال القصص القرآني والسيرة النبوية – ص 17 ) 0
قامت الدكتورة "سامية الساعاتي" ببحث ميداني استطلعت فيه الأسباب الرئيسة التي من أجلها يتردد الناس على السحرة والمشعوذين ، وكانت نتائج هذا الاستقراء على النحو التالي :
1)- شفاء الأمراض ، وفي مقدمتها أمراض العيون ، والحمى ، والصداع ، وأمراض الأسنان ، والصرع ، وتسهيل الولادة ، وإدرار
اللبن ، وإيقاف النزيف ، وكذلك علاج أمراض الأطفال كالبكاء ، وعدم الرضاع والقرينة ، ومن بعض الأمراض النفسية كضيق الصدر ، والأحلام المخيفة ، والوسواس ، وسرعة الغضب ، وقلة النوم 0
2)- كشف الغيب أو توقع المستقبل ، كمعرفة مكان المسروق أو الضائع 0
3)- مسائل الحب والزواج ، حيث تذهب أيضا المرأة العاقر لتتمكن من الحمل ، وبعضهم يرغب في إيقاع امرأة في غرامه أو بالعكس ، وكذلك عمل الربط للرجل ، أو طلب تقوية الجنس عند بعض الرجال ليتمكن من أداء واجباته ، كما تشمل طلب الحقيقة فيما لو شك الرجل في عفة زوجته أو غيرها من أفراد أسرته 0
4)- الحفظ من الآثار الضارة للسحر ، وإبطال مفعول أي عمل سحري ضدهم 0
5)- الانتقام من الظالم ، فقد يلجأ الضعيف المظلوم إلى الساحر أو المشعوذ ليسخر له الجان في الانتقام منه ، أو من أولاده ، أو تسليط الهموم والأحزان عليه وإخراجه من داره أو بلده )( السحر والمجتمع - بتصرف ) 0
إن تغلغل كافة النقاط المذكورة آنفا وتغذيتها من قبل الشيطان وأعوانه ، جعلت من اليسير والسهل الانقياد وراء متطلبات النفس الأمارة بالسوء ، خاصة فيما يتعلق بتصرفات الكثير من النساء ، فهذه تطلب الود من الزوج ، وتلك تبحث عن الانتقام بغضا وحقدا وحسدا ، وأخرى تريد زوجا لابنتها ، والشريعة لا تحول بين الإنسان ورغباته المشروعة ، فتنقي هذه الرغبات وتهذبها وتصقلها بقالب شرعي ، وتظهرها بمظهر سام رفيع ، وأما مخالفة ذلك ، فالشريعة لا تقره وتبين خطورته ، وتحدد آثاره السيئة على الفرد والأسرة والمجتمع 0
فالتقرب والتودد للزوج لا يكون بفعل المحرم ، وارتكاب المعاصي ، بل باتباع الشريعة السمحة التي نظمت العلاقة الزوجية وجعلت الحقوق المتبادلة بين الزوجين ، فضمنت حق كل منهما ، ووضعت الأطر والضوابط العادلة لهذه العلاقة ، دون انتقاص أو ظلم ، أو مهانة ، وموافقة المرأة لتلك المبادئ في خلقها وسمتها وفعلها ، يحقق لها المراد والمأمول بإذن الله تعالى ، وذلك بطاعة الله عز وجل ، والقيام بما أوجبه عليها ، وحسن التبعل والتودد لزوجها ، ورعايته ، وحفظه في نفسها وماله وطاعتها له ، وهذا مما يورث الحب في قلبه ، فتسكن نفسه إليها ، وتتحرك عاطفته تجاهها ، وبذلك تكسب رضى الله والفوز بما عنده سبحانه 0 وحق الزوج على زوجه عظيم كما ثبت من حديث أنس -رضي الله عنه- قال : قال رسول الله :
( لا يصلح لبشر أن يسجد لبشر ، ولو صلح أن يسجد بشر لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها ، والذي نفسي بيده ، لو أن من قدمه إلى مفرق رأسه قرحة تنبجس بالقيح والصديد ، ثم أقبلت تلحسه ، ما أدت حقه )
( صحيح الجامع 7725 )
وفي حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - بشرى عظيمة لكل امرأة عاشت لدينها ، طائعة لزوجها ، حيث يقول : قال رسول الله :
( إذا صلت المرأة خمسها ، وصامت شهرها ، وحصنت فرجها ، وأطاعت زوجها ، قيل لها: ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت )
( صحيح الجامع 660 - آداب الزفاف - 182- 183 ) 0
قال المناوي : ( " إذا صلت المرأة خمسها " المكتوبات الخمس " وصامت شهرها " رمضان غير أيام الحيض إن كان " وحفظت " وفي رواية أحصنت " فرجها " عن الجماع المحرم والسحاق " وأطاعت زوجها " في غير معصية " دخلت " لم يقل تدخل إشارة إلى تحقق الدخول " الجنة " إن اجتنبت مع ذلك بقية الكبائر أو تابت توبة نصوحا أو عفي عنها ، والمراد مع السابقين الأولين وإلا فكل مسلم لا بد أن يدخل الجنة وإن دخل النار ( فإن قلت ) فما وجه اقتصاره على الصوم والصلاة ولم يذكر بقية الأركان الخمسة التي بني الإسلام عليها ؟ ( قلت ) لغلبة تفريط النساء في الصلاة والصوم وغلبة الفساد فيهن وعصيان الجليل ، ولأن الغالب أن المرأة لا مال لها تجب زكاته ويتحتم فيه الحج ، فأناط الحكم بالغالب وحثها على مواظبة فعل ما هو لازم لها بكل حال والحفظ والصون والحراسة ، والفرج يطلق على القبل والدبر لأن كل واحد منفرج أي منفتح ، وأكثر استعماله عرفا في القبل )( فيض القدير - 1 / 392 ) 0
وترى اليوم كثيرا من نساء المسلمين بهيئة مستقذرة رثة غير مهيأة ولا مرتبة ، تفوح منها رائحة الطبخ والنفخ ، دون الاهتمام بنفسها ومظهرها ، أو التزين لبعلها ، والزوج لا يعلم حاله إلا الله ، قد تقزز من منظرها ولم يستأنس لريحها ، يسأل الله أن يغير ذلك الحال ، وأن يبدل تلك الأحوال ، وأما إن خرجت من بيتها فواقع حالها مناقض لذلك تماما فتراها بلباس وعطور ، وزينة وسفور ، عصت الخالق ، ولم تقم بما أوجبه عليها تجاه زوجها ، وكل ذلك يعتبر من أكبر الأسباب التي تدفع الزوج إلى عدم الاهتمام بها ، وكراهية النظر إليها أو الجلوس معها ، حتى يتبلد إحساسه نحوها ، وتتسع الهوة بينهما ويكثر التلاوم والتجادل والتخاصم والتباغض 0
يبين الأستاذ ماهر كوسا الأسباب الداعية لمحبة الزوج ، وما ينبغي للزوجة فعله لكسب رضى الله ومحبة الزوج فيقول :
( 1- اقتربي من الله سبحانه وتعالى بصلاة وصيام ونحو ذلك من الطاعات على أن لا تجعليها في الأوقات التي يحتاجك زوجك فيها ، إلا الصلاة المفروضة فيجب أن تكون في وقتها 0
2- اجعلي ثوباً لعمل البيت واخلعيه واستبدليه عند عودة زوجك إلى الدار حتى لا يتضايق من رائحته 0
3- خصصي وقتك ما بين البيت والأولاد وبين زوجك وأعطي كل ذي حق حقه 0
4- تحجبي بحجاب الإسلام الذي فقدته كثير من النساء ولا تتطيبي عند خروجك من البيت ، أو تتزيني بالمساحيق ولا يكون خروجك من بيتك إلا للضرورة 0
5- تزيني لزوجك بما تحبين واظهري له الود والمحبة والطاعة في أمره كله إلا إن كان أمره في معصية الله فانتبهي 0
6- تفقهي في دينك وعلميه أبنائك وخذي بيد زوجك إلى الطريق الصحيح إن كان طريقه غير ذلك 0
7- شاركيه همومه وأفراحه وأنصتي إليه إذا تحدث معك ولا ترفعي صوتك عليه )( فيض القرآن في علاج المسحور - ص 20 - 21 ) 0
فالواجب الشرعي يحتم على المرأة المسلمة العفيفة أن تجعل وصايا رسول الله نصب عينيها ، وفي ذلك ضمان لسعادتها في الدنيا والآخرة ، ولتحذر من الذهاب للسحرة والمشعوذين وأشباههم ، ومن ثم تقع بالكفر بالله الواحد الأحد الذي أعطاها من النعم ما لا يعد ولا يحصى 0
أما التفكير بالانتقام واتباع الوسائل غير المشروعة في ذلك ، فلا بد أن يقود للتأمل في قدرة الله - سبحانه وتعالى - وأنه قريب من عباده ، مطلع لا تخفى عليه خافيه ، يعلم ما كان ، وما سيكون ، وما لو لم يكن كيف سوف يكون ، حرم الظلم على نفسه ، وحرمه على عباده ، فأنى للمسلمة الوقوع في ذلك ، وتحمل تبعاته وعواقبه الوخيمة ، وقد بينت النصوص الثابتة في الكتاب والسنة الظلم وعاقبته ، ولقد أخبر الحق - جل وعلا - في محكم كتابه قائلا :
( يَوْمَ لا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمْ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ )
( سورة غافر - الآية 52 )
وقد ثبت من حديث ابن عمر - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله :
( إن الظلم ظلمات يوم القيامة )
( متفق عليه )
وكما ثبت في الحديث الذي روته السيدة عائشة وسعيد بن زيد - رضي الله عنهما - قالا : قال رسول الله
:
( من ظلم قيد شبر من الأرض ، طوقه من سبع أرضين )
( متفق عليه )
فلا بد من التفكر والتأمل والتدبر ، لمعرفة ما يرشد للطريق القويم الذي حدده الشرع ، وبينته العقيدة ، فتعيش بوازع ورادع ديني ، يردعها ، ويضبط تصرفاتها ، ويضعها في موضعها الصحيح 0 ونظرة المسلم لا تقتصر إلى لحظات عيش في الدنيا ، فهو ينظر أبعد من ذلك بكثير ، فيعيش في الدنيا ويعمل فيها للآخرة ، ويعلم أنها ليست دار قرار هو ساكنها ، إنما دار خراب هو مفارقها 0
وكذلك يعمد بعض المسلمات باتباع تلك الوسائل غير المشروعة في اختيار الزوج للبنات ، وهذا بحد ذاته يقود للتأمل والمعرفة اليقينية أن كل شيء مقدر من الله - سبحانه وتعالى - في لوح محفوظ لا يزيد ولا ينقص منه شيئا ، وقد أخبر الحق - جل وعلا - عن ذلك في محكم كتابه قائلا :
( إِنَّا كُلَّ شَىْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ )
( سورة القمر - الآية 49 )
وكما ثبت من حديث أبي الدرداء - رضي الله عنه - أنه قال : قال رسول الله :
( فرغ الله عز وجل إلى كل عبد من خمس : من أجله ، ورزقه ، وأثره ، ومضجعه ، وشقي أو سعيد )
( صحيح الجامع 4201 )
قال المناوي : ( " فرغ الله عز وجل إلى كل عبد " أي انتهى تقديره في الأزل من تلك الأمور إلى تدبير الأمر بإبدائها أو إلى بمعنى اللام "من خمس" متعلق بفرغ " من أجله " أي عمره " ورزقه وأثره " هي أثر مشيه في الأرض لقوله تعالى : " وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وءاثَارَهمْ " " ومضجعه " بفتح الجيم يعني سكونه وحركته ومحل موته ومدفنه ومن ثم جمع بينهمـا ليشمل جميع أحواله من الحركات والسكنات" وشقي " هو " أو سعيد " فالسعادة والشقاوة من الكليات التي لا تقبل التغير )( فيض القدير - 4 / 428 ) 0
قال النووي : ( المراد بجميع ما ذكر من الرزق والأجل ، والشقاوة والسعادة ، والعمل ، والذكورة والأنوثة أنه يظهر ذلك للملك ، ويأمره بإنفاذه وكتابته ، وإلا فقضاء الله تعالى سابق على ذلك ، وعلمه وإرادته لكل ذلك موجود في الأزل والله أعلم )( صحيح مسلم بشرح النووي - 16 ، 17 ، 18 / 147 ) 0
فيجب تحري ما يرضي الله - عز وجل - والتعفف حتى يكون ما قسم الله ، ثم إن النبي أرشد إلى الطرق الصحيحة التي تكفل إيجاد الزوج ، وذلك بعدم المغالاة في أمور الزواج ، مما يدفع الراغبين فيه إلى تركه والعزوف عنه ، لما عرفوا وعلموا من أساليب الأهل وتفاخرهم بزواج ابنهم أو ابنتهم وصرف المبالغ الطائلة في سبيل ذلك ، ومن ثم ترى البذخ والسرف والترف الذي يؤدي بصاحبه إلى العقوبة 0 ويجب أن نعلم أن عرض المرأة نفسها أو ابنتها على الصالحين لا حرج فيه ، وليس فيه أدنى عيب أو انتقاص بل هو الفعل الصحيح الذي يؤدي بالمرأة أن تجد ضالتها في الرجل الصالح التقي النقي ، كما ثبت ذلك في عهد النبي في حديث المرأة التي عرضت نفسها عليه ، كذلك عرض عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ابنته حفصة على أبي بكر وعثمان - رضوان الله عليهم - وغير ذلك من القصص التي سمعناها عن المتقدمين والمتأخرين من هذه الأمة 0
وبعد هذا العرض الموجز لبعض مظاهر وأسباب الذهاب للسحرة والكهنة ، فلا بد من وقفة نعي وندرك من خلالها أهمية الالتزام بهذا الشرع ، والتقيد بتعليماته ، لكي لا نقع في المحظور ، أو ارتكاب المحرم ، وديننا الحنيف تطرق إلى كل ما يهم الإنسان في حياته ، من علاقات ومعاملات ، وما ترك أمرا إلا وقد بينه ووضحه ، بخصوصه أو عمومه ، والالتزام بهذا الدين من أنفع الأسباب التي تؤدي للسعادة الأبدية 0
فلا بد من تقوى الله في السر والعلن ، والحق سبحانه وتعالى لا تخفى عليه خافية ، يسمع ويرى ، مطلع لا يغفل ولا ينام ، فكيف نعصيه ونحن نعيش وننعم ونسعد من خيره ونكلأ بحفظه 0
ولا بد من اليقين بأن هناك ترابط وثيق بين شيوع السحر وانتشار المنكرات وقد أشرت إلى هذا الأمر في مواضع كثيرة 0
يقول فضيلة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين – حفظه الله – عن أسباب وأهداف كثرة المترددين على السحرة والمشعوذين : ( إذا اشتهر الكاهن في موضع من القرى أو البوادي ، وتناقل الناس عنه أنه يخبر عن الأمور الغيبية ، ويطابق خبره واقع الناس ، فإن الجماهير من العامة يتهافتون إليه ويذهبون نحوه زرافات ووحداناً ، فتجد الأندية والمتسعات التي تحدق بمنزله مليئة بالرواحل والأمتعة ، وتشاهد الزحام الشديد حول بابه ، وفيما يقرب منه ، ويأخذك العجب كيف توافدوا إليه مع علمهم أو ظنهم أنه ساحر مشعوذ ، ولكن أكثر الناس لا يعلمون ، ولا شك أن أغلبهم ليس له غرض سوى مجرد الاطلاع والنظر إلى ما يفعل وسماع كلامه ، والكلام معه ، فترى الكثير حوله يقلبون الأحداق نحوه وينظرون إليه نظر إعجاب واستغراب ، وكل هؤلاء يخاف عليهم أن ينخدعوا به فيصدقوه ، ويعتقدوا صحة ما يقول ، وأنه يطلع على المغيبات ، ولديه مكاشفات ، واختصاصات مميز بها على الناس ، ولربما اغتبطوا به فحملهم ذلك على البحث عن الأسباب التي وصل بها إلى هذه الرتبة الرفيعة في نظرهم ، وقد خفي عليهم أنه كذاب أو مشرك ، تلابسه الشياطين ، وتتكلم على لسانه فالله المستعان 0
ثم إن هناك الكثير من المصابين بصرف أو عمل شيطاني ، وليس عندهم إيمان كامل يردعهم عن اتيان الكهان والسحرة ، فهم يهرعون إليهم لأول وهلة ، طالبين منهم الشفاء والعلاج ، معتقدين أن الشفاء وزوال الأمراض والعوارض كله بواسطتهم ، ومتى نصحوا وحذروا من الذهاب إليهم احتجوا بحجج واهية ، وأن الضرورة ألجأتهم ، وأنهم بذلوا كل وسيلة وحيلة ولم يجدوا علاجاً ، ومتى ذهبوا إلى القراء ونصحهم القارئ وأرشدهم إلى التحصن بالأوراد والطاعات ، والتنزه عن المخالفات والمحرمات ، صعب عليهم تطبيق ما يقول ، وأحبوا زوال هذا العارض دفعة واحدة بواسطة الكاهن والساحر ، ولم يهمهم ما ورد في ذلك من الوعيد ، ولا شك أن هذا تغافل عن الحكم الشرعي ، وتساهل بأمر الكفر وفعل المحرم ، وعدم اهتمام بأمر الله ورسوله ، وفعل للممنوع متعمداً ، وذلك أعظم للجرم من فعله قبل المعرفة بالحكم 0
ويدخل في ذلك من يذهب إليهم لطلب التوصل إلى المحبوب الذي شغف به من رجل أو امرأة ، فمتى علق قلبه بشخص وعشقه وأحب الاتصال به ورآه معرض عنه ، لجأ إلى الكاهن الذي يستخدم الشياطين في العطف والإقبال ، وذلك يحصل كثيراً أن الكاهن يعمل بواسطة الشيطان عملاً يجعل ذلك المعشوق يتعلق بالعاشق ، ويفرط في حبه ، ولا يستطيع فراقه على أية حال ، وسواء كان ذلك المحبوب زوجاً أو معشوقاً أو أجنبياً ، وفي هذا العمل إضرار بالغير واستخدام للسحر ، وسواء كان هذا الفعل يجلب المحبوب أو يصرفه ، وذلك ما يسمى بالصرف والعطف 0
ويدخل في ذلك من يذهب إليهم إذا وقع في مشكلة مع أحد أقاربه أو أصدقائه ، أو وقع في هم أو غم ، فإن بعض أهله إذا رآه قد تغير وتضرر حتى ولو بسبب ظاهر معروف ظن أنه قد سحر وأن العلاج الوحيد هو الساحر والكاهن ، وربما ذهب أهله إلى الساحر وسألوه فيخبرهم بالسحر وموضعه ، مع أن المريض يعرف سبب المرض ، وأن ما نزل به هو بسبب شيء عارض ، فيظهر بذلك تخرص الكهنة وكذبهم ، وهكذا قد يعتقد أنه مسحور إذا تأخر الإنجاب منه أو من زوجته فيلجأ إلى السحرة لفك ذلك مع أنه أمر قدري لا حيلة فيه ، وهكذا يدخل في ذلك من يطلب ضالة أو مفقوداً من إنسان أو حيوان أو مال ضائع ، فإذا دله عليه الكاهن وقع في قلبه احترامه وتوقيره ، حيث عثر على مطلوبه ، وكذا إذا أحس بظلم من أحد قريب أو بعيد لجأ إلى استخدام الساحر للانتقام من ذلك الظالم ، ولو بعمل محرم دون اهتمام بأمر الدين ، والله المستعان ) ( مخطوطة بخط الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين – بحوزة الشيخ علي بن حسين أبو لوز – ص 103 – 104 ) 0
يقول الأستاذ فتحي يكن : ( لما كان السحر يقوم في معظمه على استخدامات الشياطين ، فإن شيوعه بالتالي يؤدي إلى مزيد من تسلط الشياطين على عالم الإنس عموماً ، هذا فضلاً عن كون بعض الاستخدامات إنما تكون في الأساس بقصد الإضرار والإفساد 0
والبيئة غير المحصّنة إيمانياً يكون تأثرها بالقاءات الشياطين ، ووقوعها في شراكهم وأحابيلهم أكبر من تلك المحصّنة ، مع العلم أن الكائن البشري عموماً يبقى عرضة لنزعات الشيطان بالغ ما بلغ من التحصن )( حكم الإسلام في السحر ومشتقاته – ص 95 ) 0