السراج المنير في الطب العربي والإسلامى

 



( وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ).

 سورة الأعراف ,


وقبلها قوله تعالى : ( خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ) .


فهاتان الآيتان وصية ربانية عظمى للتعامل مع الأعداء من الإنس و الجن .

ولهما نظير في موضعين من القرآن الكريم , أحدهما : وهو قوله:

( ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ (96) وَقُل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ ). في سورة المؤمنون
والثاني في سورة فصلت , وهو قوله _  تعالى  _  :

( وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ  (35) وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (36) ).

والمقصود بيانه ها هنا قوله تعالى في سورة الأعراف :

( وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ … ) الآية .
ولقد تكلم المفسرون رحمهم الله عن هذه الآية الكريمة , فأوضحوا معناها بياناً شافياً .

ومما قيل في ذالك : أن النزغ , و النغز بمعنى واحد , ومعناه : النخس  .
فجاء تعبير القرآن البليغ بكلمة النزغ لما فيها من معنى النغز , و النخس , فكأن الشيطان يأتي بشيء محدَّدٍ ينخسه في الإنسان , وغرزه فيه ؛ ليثيره إلى ما لا يرضي الله عز وجل .

فذلك هو شعور الإنسان بالوسوسة والتثبيط عن الخير , أو الحث والإزعاج إلى الشر ؛  فَأُمر ـ إذا وَجَدَ في نفسه تلك الخواطر ـ أن يستعيذ بالله ؛  فقد ضمن جلا وعلا  له أن يعيذه إذا استعاذ ؛ لأنه هو الذي أمر بهذا , فبذلك تسلم نفسه من أن تغشاها غواشي السوء ؛  فهذا معنى الآية .
وفي ذلك إشارة إلى أن نزغات الشيطان قد تزداد ثورتها في بعض الأحيان إذا صادف من الإنسان غفلة , أو شهوة , أو غضباً , أو فراغاً , أو أيَّ نوع من المثيرات التي تحرك فيه نوازع الشر .
ولهذا يجد الإنسان ذلك من نفسه , حيث تتحرك فيه تلك الدواعي , وتزيد في بعض الأوقات و الأحوال ؛  فجدير به إذا شعر بتلك النزغات أن يفزع إلى الاستعاذة بالله , وألا يستسلم ويسترسل مع تلك الخواطر .
وكما اشتدت وطأة تلك الخواطر فليلجأ إلى الله طالباً منه العوذ , والنجاة .

وليعلم أن اشتداد الوطأة من الشيطان لا يلبث إلا فترة ثم يزول بإذن الله ؛ فليبادر إلى الاستعاذة , وليتئد ويتريث ؛ فلا يُقْدِمُ على ما زيَّنه له الشيطان .

وإذا هممـت بأمر سـوء فاتئد              وإذا هممت بأمر خير فاعجل

ثم إذا ما أغواه الشيطان , وأزله , وأصاب منه , فليستغفر , وليستدرك ما فَرُط منه بالتوبة , و الحسنات الماحية .
وهذا ما أشار إليه قوله عز وجل :

( إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ ).

فهذا علاج رباني لنزغات الشيطان إذا ثارت ثوائرها .

ثم إنه يجدر بالإنسان أن يتقي تلك النزغات قبل حلولها , وذلك بالبعد عن المثيرات التي ينفذ منها الشيطان سواء مثيرات الغضب , أو الشهوة , أو نحوها ؛ فإن مَثَلَ النفوس “”  بما جُبلت عليه من ميل إلى الشهوات , وما أودع  فيها من غرائز تميل مع الهوى حيث مال  “” كمثل البارود , و الوقود , وسائر المواد القابلة للإشتعال ؛ فإن هذه المواد وما جرى مجراها متى كانت بعدةً عما يُشعل فتيلها , ويُذكي أوارها  بقيت ساكنة لا يُخشى خطرُها , و العكس .

وكذالك النفوس ؛ فإنها تظل ساكنة وادعة هادئة,  فإذا اقتربت مما يثيرها , ويحرك نوازعها إلى الشرور من مسموع أو مشموم أو منظور , ثارت كوامنها , وهاجت شرورها , وتحرك داؤها , وطغت أهواؤها .

كما يجمل بالإنسان أن يبتعد عن المثيرات و النوازع التي تحرك شروره فكذلك يجمل به أن يصلح خواطره , وأفكاره , وذلك بتصحيح مسارها , وتوجيهها إلى ما ينفع . والبعد بها عن كل ما يضر .

وللإمام ابن القيم في كتابه الفوائد ص 249 ـ 251 , كلام جميل في هذا الشأن , يقول رحمه الله :

” مبدأ كل علم نظري , وعمل اختياري هو الخواطر و الأفكار ؛ فإنها توجب التصوراتِ , و التصوراتُ تدعو إلى الإراداتِ , و الإراداتُ تقتضي وقوعَ الفعل , وكثرةُ تكراره تعطي العادةَ ؛ فصلاحُ هذه المراتب بصلاح الخواطر والأفكار , وفسادُها بفسادها ؛ فصلاح الخواطر بأن تكون مراقبة لوليها و إلهها , صاعدةً إليه , دائرةً على مرضاته و محابِّه ؛ فإنه _ سبحانه  _  به كل صلاح , ومن عنده كل هدى , ومن توفيقه كل رشد , ومن تولِّيه لعبده كل حفظ , ومن تولِّيه و أعراضه عنه كل ضلال و شقاء ” .

وقال :

” أعلم أن الخطراتِ و الوساوسَ تؤدي متعلقاتها إلى الفكر , فيأخذها الفكرُ , فيؤديها إلى التذكر , فيأخذها التفكر فيؤديها إلى الإرادة , فتأخذها الإرادة فتؤديها إلى الجوارح و العمل , فتستحكم فتصير عادة ؛ فَرَدُّها من مبادئها أسهل من قطعها بعد  قوتها وتمامها .

و معلوم أنه لم يٌعْطَ الإنسان إماتةَ الخواطر , ولا القوةَ على قطعها ؛ فإنها تهجم عليه هجوم النَّفَس , إلا أن قوة الإيمان و العقل تعينه على قبول أحسنها , ورضاه به ، ومساكنته له , وعلى دفع أقبحها , وكراهته له , وأنَفَته منه ” .

إلى أن قال رحمه الله :

” وقد خلق الله سبحانه النفسَ شبيهةً بالرحى الدائرة التي لا تسكن , ولا بد لها من شيء تطحنه ؛ فإن وُضع  فيها حبٌّ طَحَنَتْهُ , وإن وضع فيها تراب أو حصى طحنته ؛ فالأفكار و الخواطر التي تجول في النفس هي بمنزلة الحب الذي يوضع في الرحى , ولا تبقى تلك الرحى مُعَطَّلةً قط , بل لا بد لها من شيء يوضع فيها ؛ فمن الناس من تطحن رحاه حَبَّاً يخرج دقيقاً ينفع به نفسه وغيره , وأكثرهم يطحن رملاً وحصى وتبناً ونحو ذلك ؛ فإذا جاء وقت العجن و الخبز تبيَّن له حقيقة طحينه ” .

وقال رحمه الله :

” فإذا دَفَعْتَ الخاطرَ الواردَ عليك اندفع عنك ما بعده , وإن قَبلْتَهُ صار فكراً جوالاً , فاسْتَخْدم الإرادة , فتساعَدَتْ هي  والفكر على  استخدام الجوارح , فإن تعذر استخدامها رجعا إلى القلب بالتمني و الشهوة وتَوجُّهِهِ إلى جهة المراد .

من المعلوم أن إصلاح الخواطر أسهل من إصلاح الأفكار , وإصلاح الأفكار أسهل من إصلاح الإرادات , وإصلاح الإرادات أسهل من تدارك فساد العمل , وتداركه أسهل من قطع العوائد .
فأنفع الدواء أن تشغل نفسك بالفكر فيما يعنيك دون ما لا يعنيك ؛ فالفكر فيما لا يعني باب كل شر , ومن فَكَّر فيما لا يعنيه فاته ما يعنيه , و اشتغل عن أنفع الأشياء له بما لا منفعة له فيه ” .

إلى أن قال :

” و إياك أن تُمَكّن الشيطان من بيت أفكارك وإرادتك ؛ فإنه يفسدها عليك فساداً يصعب تداركه , ويلقي إليك أنواع الوساوس و الأفكار المضرة , ويحول بينك وبين الفكر فيما ينفعك , وأنت الذي أعَنْتَه على نفسك بتمكينه من قلبك , وخواطرك فَمَلَكَها عليك “” .

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 488 مشاهدة
نشرت فى 9 ديسمبر 2012 بواسطة tebnabawie

سالم بنموسى

tebnabawie
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,214,460