السراج المنير في الطب العربي والإسلامى


1- كلمة شفاء أبلغ من كلمة دواء مع أنها تحتويها، فالقرآن دواء، ولكن الله تعالى قال: (قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفَاءٌ)؛ لأن الإنسان قد يتعاطى الدواء ولا يشفى لسبب عدم استجابته للعلاج، وحينما يقول: إن القرآن شفاء فمعناه أنه حقق المقصود منه، وحصلت العافية بإذن الله تعالى. وردت كلمة (شفاء) كتعبير عن القرآن في ستة مواضع من كتاب الله تعالى، والحديث عن القرآن وأنه شفاء ليس نفيًا لما سواه من الأسباب؛ سواء الأسباب الشرعية كالدعاء، والصدقة، وماء المطر كما قال تعالى: (وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ)، وماء زمزم هو لما شُرب له وهو « طَعَامُ طُعْمٍ وَشِفَاءُ سُقْمٍ»، ولا ينافي ذلك الاستشفاء بالأسباب الطبيعية؛ بالعلاجات، والكشوف، والابتكارات الطبية، والأدوية، والعقاقير، والمستحضرات، والعمليات الجراحية، وغيرها من الأسباب التي سخّرها الله تعالى للعباد، فيجب استبعاد أن يكون ثمت تنافر بين العلاج الإيماني الروحاني وبين العلاج المادي البشري الطبيعي.
2- المقصود الأعظم والأساسي والجوهري هو شفاء الهداية؛ هداية القلوب والعقول والتهذيب والتطهير والتزكية وسمو الروح، ويجب أن ندرك أن القرآن نزل لهذا أساسًا كما قال سبحانه: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ)، نزل ليكون دليلًا إلى الجنة وحاديًا إلى دار السلام ودعوة إلى مكارم الأخلاق وإلى العلم والهدى والإيمان، وناهيًا عن أضدادها من الكفر والفسوق والعصيان وألوان الجرائم، فهذا المعنى الذي يجب أن ندندن حوله ليلًا ونهار سرًا وجهارًا، ويجب أن نعرف أننا حينما نقول: (القرآن شفاء للأبدان والنفوس) أن أولئك الذين نالتهم هداية القرآن في عقولهم وقلوبهم واستمعوا إليه وسمت به أرواحهم هم أكثر الناس جدارةً واستحقاقًا أن يحصلوا على الشفاء الآخر، فمن كان مهتديًا بهدي القرآن عقلًا وقلبًا وروحًا كان أجدر أن يستفيد من القرآن حينما يكون القرآن دعاءً أو رقيةً أو شفاءً لمرض نفسي أو حسي.
3- في القرآن الكريم أنواع من الشفاء، وقد حاولت أن أحصرها فوجدتها نحو تسعة أنواع:
الأول: (وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ)، وهذا يشمل الشفاء من التساؤلات الوجودية والإشكالات والشكوك التي تعتري الإنسان، فإن أعظم هادٍ للإنسان إلى طريق الله والإيمان بآياته ورسله وبالآخرة هو القرآن الكريم، إذ فيه من الإعجاز والبلاغة والسمو والتأثير الروحاني الشيء العظيم، ومن الخطأ الظن بأن الإيمان بالله قناعة ذهنية مجردة يمكن الوصول إليها بالجدل المنطقي أو الإقناع العقلي فحسب، نعم؛ هذه واحدة من الطرق والقرآن استخدم هذا الأسلوب: (أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ* وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ)، (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ)، (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ). قضية الإيمان بالله أعمق من أن يخاطب بها العقل وحده أو أن تكون قضية يختصم فيها الناس فهذا يثبت وهذا ينفي، القرآن الكريم يقدم هذه القضية في قالب من الحسم والقطع والتأثير، والذي يستمع إلى القرآن الكريم بتجرد يحصل على الهداية واليقين.
وهو (شِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ) من الشهوات، والله تعالى سمى الشهوات مرضًا فقال: (فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ)، فالاستماع إلى القرآن الكريم خير حاجز للإنسان عن مقارفة الشهوات والذنوب والكبائر والموبقات والفواحش، وخير حادٍ للإنسان أن يفطم نفسه عنها ولو وقع فيها ألا يستمرأها بل يسرع النهوض والانفكاك إلى الله؛ لأن الله تعالى يقدم له البديل؛ بديل الإيمان، بديل لذة التقوى والعبادة، بديل الوعد الصدق في الآخرة (وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ). 
و القرآن (شِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ) بمعنى الشفاء من الأحقاد والحزازات والكراهية والبغضاء؛ التي كثيرًا ما تفسد حياة الناس وتفسد قلوبهم، والله تعالى قال على لسان إبراهيم عليه السلام: (يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)وإذا كان -تعالى- يصف أهل الجنة بقوله: (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلّ)، حتى ورد أن الأحقاد والبغضاء على أبواب الجنة كمبارك الإبل، فإن هذا يدل على أن طهارة القلوب من الضغائن والأحقاد من أعظم القربات، ومن أعظم مقاصد الشريعة ومقاصد القرآن الكريم، ولذلك قال -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الذي رواه مسلم: «يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أَقْوَامٌ أَفْئِدَتُهُمْ مِثْلُ أَفْئِدَةِ الطَّيْرِ»، يعني في الصفاء والسلامة والتجرُّد، ومن معانيها القدرة على نسيان الإساءة، وتجاوزها، وصفاء النفوس، وبذلك حصلوا على سعادة الدنيا، ونجاة الآخرة.
الثاني: حسن الاعتقاد وحسن الظن بالله تعالى الذي هو فوق الأسباب، وذلك من أسباب حصول المقاصد والمطالب؛ أن القرآن يُعرّفنا بالله الذي بيده كل شيء (وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)، والقوانين المادية يخضع لها البشر أما الله تعالى فهو واضع النواميس وخالق الكون، ولذلك يصبح عند المؤمن والمريض خاصة إحساس بأن الله تعالى قادر على أن يخرق النواميس، وأن يأتي بالمفاجآت الطيبة، وأن تكون النتائج خلاف ما يتوقع الأطباء، وما دلت عليه التقارير، وما يظنه الظانون.. فالقرآن يعطي الإنسان مثل هذا الإيمان العظيم الضخم.
الثالث: القرآن سبب لشفاء المشكلات الإنسانية الاجتماعية والسياسية والأسرية والبيئية؛ التي أصبح العالم يتوجع منها ويتخوّف من مخاطرها المحدقة بالحياة البشرية، وهو دعوة إلى معالجة الأسباب، وإزالة الأمراض، وإلى الصبر على تلك الحالات والمشكلات؛ التي لا يجد الإنسان لها شفاءً، كما في قوله تعالى: (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ)، فهذا يدعوك إلى التوكل على الله، (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ* وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ)، فالقرآن يعطي دفعة وجرعة لأولئك الناس الذين هم في حال فردي أو جماعي ميئوس، دون طمع أو أمل في العافية والشفاء؛ لأنّ الوسائل الطبية كلها عجزت، فيظل الأمل في الله، والرضا والقناعة والتسليم والصبر.

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 228 مشاهدة
نشرت فى 21 أغسطس 2012 بواسطة tebnabawie

سالم بنموسى

tebnabawie
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,214,454