السحر والسحره تحت المجهر ( آلية عمل وآلية إبطال )
السحر :
يقول ان قدامة في المعني وهو عقد ورقي وكلام يتكلم به أو يكتبه أو يعمل شيئا يؤثر في بدن المسحور أو قلبه أو عقله من غير مباشرة له وله حقيقة فمنه ما يقتل وما يمرض وما يأخذ الرجل عن امرأته فيمنعه وطأها ومنه ما يفرق بين المرء وزوجه وما يبغض احدهما الى الآخر أو يحبب بين اثنين.أ.هـ.
وقالوا :أصل السحر صرف الشيء عن حقيقته إلى غيره ، ومن السحر الأخذة التي تأخذ العين حتى يُظن أن الأمر كما يرى وليس كما يُرى . ثم هو رقى وعقد وكلام يتكلمُ به الساحر أو يكتبه فيؤثر في بدن المسحور أو قلبه أو عقله من غير مباشرة له، وله حقيقة ، منه ما يقتل ، ومنه ما يمرض ، ومنه ما يأخذ الرجُل عن امرأته فيمنعه وطئها ، ومنه ما يفرق بين المرء وزوجه ، ومنه ما يبغض أحدهما على الآخر" انظر لسان العرب مادة سحر ، والطب من الكتاب والسنة للبغدادي في فصل العين حق والرقية منها".
يقول القرطبي عند تفسيره للآية 102 من سورة البقرة : قيل: السحر أصله التمويه بالحيل والتخاييل ، وهو أن يفعل الساحر أشياء ومعاني ، فيُخيّل للمسحور أنها بخلاف ما هي به كالذي يرى السراب من بعيد فيُخيّل إليه أنه ماء ( يقولون كالسراب غر من رآه وأخلف من رجاه ) ، وكراكب السفينة السائرة سيراً حثيثاً يُخيّل إليه أن ما يرى من الأشجار والجبال سائرة معه. وقيل: هو مشتقّ من سَحرتُ الصبيّ إذا خدعته ، وقيل: أصله الصّرف ، يقال: ما سَحَرك عن كذا ، أي ما صرفك عنه . وقيل: أصله الاستمالة ، وكلّ مَن استمالك فقد سحرك.
وقال الجوهري: السحر الاُخْذة ، وكلّ ما لَطُف مأخذه ودَقّ فهو سحر . وسحره أيضا بمعنى خدعه . وقال ابن مسعود: كنّا نُسَمّي السحر في الجاهلية العِضَة.. والعِضَه عند العرب: شدّة البَهْت وتمويه الكذب أ.هـ.
وبهته أي أخذه بغتة ، يقول تعالى: " بَلْ تَأْتِيهِم بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ رَدّهَا وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ " أي فجأة يعني القيامة. " فَتَبْهَتُهُمْ". قال الجوهري: بَهَته بَهْتاً أخذه بغتة، قال الله تعالى: "بَلْ تَأْتِيهِم بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ". وقال الفراء: «فتبهتهم» أي تحيرهم يقال: بهته يبهته إذا واجهه بشيء يحيره. يقال: بَهتَه بَهْتاً وبُهْتَاناً إذا قال عليه ما لم يفعله. وهو بَهّات والمقول له مَبْهُوت. ويقال: بُهِت الرجل إذا دُهِش وتحيّر كما قال الله تعالى: "فَبُهِتَ الّذِي كَفَرَ* [البقرة: 258].
يقول ابن خلدون والنفوس الساحرة على مراتب ثلاث :
السحر : فاولها المؤثرة بالهمة فقط من غير آلة ولا معين وهذا هو الذي تسميه الفلاسفة السحر ... ورأينا بالعيان من يصور صورة الشخص المسحور بخواص أشياء مقابلة لما نواه وحاوله موجودة بالمسحور ، وأمثال تلك المعاني من أسماء وصفات في التأليف والتفريق ثم يتكلم على تلك الصورة التي أقامها مقام الشخص المسحور عينا أو معنى ثم ينفث من ريقه بعد اجتماعه في فيه بتكرير مخارج تلك الحروف من الكلام السوء ويعقد على ذلك المعنى في سبب أعده لذلك تفاؤلا بالعقد واللزام وأخذ العهد على من أشرك به من الجن في نفثه في فعله ذلك استشعارا للعزيمة بالعزم ولتلك البنية والاسماء السيئة روح خبيثة تخرج منه مع النفخ متعلقة بريقه الخارج من فيه بالنفث فتنزل عنها أرواح خبيثة ويقع عن ذلك بالمسحور ما يحاوله الساحر.
الطلسمات : والثاني بمعين من مزاج الافلاك أو العناصر أو خواص الاعداد ويسمونه الطلسمات وهو أضعف رتبة من الاول ... وأما التفرقة عندهم " أي السحرة " بين السحر والطلسمات فهو أن السحر لا يحتاج الساحر فيه إلى معين وصاحب الطلسمات يستعين بروحانيات الكواكب وأسرار الاعداد وخواص الموجودات وأوضاع الفلك المؤثرة في عالم العناصر كما يقوله المنجمون ، ويقولون السحر اتحاد روح بروح والطلسم اتحاد روح بجسم ومعناه عندهم ربط الطبائع العلوية المساوية بالطبائع السفلية والطبائع العلوية هي روحانيات الكواكب ... وأخبروني أن لهم وجهة ورياضة خاصة بدعوات كفرية وإشراك الروحانيات الجن والكواكب.... وأما الشريعة فلم تفرق بين السحر والطلسمات وجعلته كله بابا واحدا محظورا.
الشعوذة : والثالث تأثير في القوى المتخيلة يعمد صاحب هذا التأثير إلى القوى المتخيلة فيتصرف فيها بنوع من التصرف ويلقى فيها أنواعا من الخيالات والمحاكاة وصورا مما يقصده من ذلك ثم ينزلها إلى الحس من الرائين بقوة نفسه المؤثرة فيه فينظر الراؤن كأنها في الخارج وليس هناك شئ من ذلك كما يحكى عن بعضهم أنه يري البساتين والانهار والقصور وليس هناك شئ من ذلك ويسمى هذا عند الفلاسفة الشعوذة أو الشعبذة.
ويقول الشيخ محمد الأمين الشنقيطي يرحمه الله تعالى في أضواء البيان:
اعلم أن الفخر الرازي في تفسيره قسم السحر إلى ثمانية أقسام :
القسم الأول سحر الكلدانيين والكسدائيين الذين كانوا في قديم الدهر يعبدون الكواكب ، ويزعمون أنها هي المدبرة لهذا العالم ، ومنها تصدر الخيرات والشرور ، والسعادة والنحوسة ، وهم الذين بعث الله تعالى إبراهيم عليه السلام مبطلاً لمقالتهم وراداً عليهم ، وقد أطال الكلام في هذا النوع من السحر .
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له : ومعلوم أن هذا النوع من السحر كفر بلا خلاف . لأنهم كانوا يتقربون فيه للكواكب كما يتقرب المسلمون إلى الله ، ويرجون الخير من قبل الكواكب ويخافون الشر من قبلها كما يرجو المسلمون ربهم ويخافونه . فهم كفرة يتقربون إلى الكواكب في سحرهم بالكفر بالبواح .
النوع الثاني من السحر سحر أصحاب الأوهام والنفوس القوية .
ثم استدل على تأثير الوهم بأن الإنسان يمكنه أن يمشي على الجسر الموضوع على وجه الأرض ، ولا يمكنه المشي عليه إذا كان ممدوداً على نهر أو نحوه قال : وما ذاك إلا أن تخيل السقوط متى قوي أوجبه . وقال : واجتمعت الأطباء على نهي المرعوف عن النظر إلى الأشياء الحمر ، والمصروع عن النظر إلى الأشياء القوية اللمعان والدوران . وما ذاك إلا أن النفوس خلقت مطيعة للأوهام . قال : وحكى صاحب الشفاء عن أرسطو في طبائع الحيوان : أن الدجاجة إذا تشبهت كثيراً بالديَكة في الصوت وفي الحراب مع الديَكة نبت على ساقها مثل الشيء النابت على ساق الديك ، قال : ثم قال صاحب الشفاء : وهذا يدل على أن الأحوال الجسمانية تابعة للأحوال النفسانية . قال : واجتمعت الأمم على أن الدعاء اللساني الخالي عن الطلب النفساني قليل العمل عديم الأثر . فدل ذلك على أن للهمم والنفوس آثاراً . . إلى آخر كلامه في هذا النوع من أنواع السحر ، وقد أطال فيه الكلام .
وتارة تكون الحال فاسدة لا يمتثل صاحبها ما أمر الله تعالى به ورسوله صلى الله عليه وسلم ، ولا يتصرف بها في ذلك . فهذه حال الأشقياء المخالفين للشريعة ، ولا يدل إعطاء الله إياهم هذه الأحوال على محبته لهم . كما أن الدجال له من خوارق العادات ما دلت عليه الأحاديث الكثيرة ، مع أنه مذموم شرعاً لعنه الله . وكذلك من شابهه من مخالفي الشريعة المحمدية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام انتهى كلام ابن كثير رحمه الله تعالى .
النوع الثالث من أنواع السحر المذكورة الاستعانة بالأرواح الأرضية ، يعني تسخير الجن واستخدامهم . قال :
واعلم أن القول بالجن مما أنكره بعض المتأخرين من الفلاسفة والمعتزلة . أما أكابر الفلاسفة فلم ينكروا القول بها . إلا أنهم سموها بالأرواح الأرضية . والجن المذكورون قسمان : مؤمنون ، وكافرون وهم الشياطين .
قال الرازي في كلامه على هذا النوع من السحر : واتصال النفوس بها أسهل من اتصالها بالأرواح السماوية لما بينهما من المناسبة والقرب . ثم إن أصحاب الصنعة وأصحاب التجربة شاهدوا بأن الاتصال بهذه الأرواح الأرضية يحصل بأعمال سهلة من الرقى والدخن والتجريد . وهذا النوع هو المسمى بالعزائم ، وعمل تسخير الجن . وقد أطال الرازي أيضاً الكلام في هذا النوع من أنواع السحر .
النوع الرابع من أنواع السحر هو التخيلات والأخذ بالعيون . ومبنى هذا النوع منه على أن القوة الباصرة قد ترى الشيء على خلاف ما هو عليه في الحقيقة لبعض الأسباب العارضة . ولأجل هذا كانت أغلاط البصر كثيرة . ألا ترى أن راكب السفينة إذا نظر إلى الشط رأى السفينة واقفة والشط متحركاً ، وذلك يدل على أن الساكن يرى متحركاً . والمتحرك ساكناً . والقطرة النازلة ترى خطاً مستقيماً . إلى آخر كلام الرازي . وقد أطال الكلام أيضاً في هذا النوع .
وقال ابن كثير رحمه الله في تفسيره في سورة « البقرة » مختصراً كلام الرازي المذكور : ومبناه على أن البصر قد يخطئ ويشتغل بالشيء المعين دون غيره . ألا ترى ذا الشعبذة الحاذق يظهر عمل شيء يذهل أذهان الناظرين به ، ويأخذ عيونهم إليه ، حتى إذا استغرقهم الشغل بذلك الشيء بالتحديق ونحوه عمل شيئاً آخر عملاً بسرعة شديدة ، وحينئذ ، يظهر لهم شيء غير ما انتظروه فيتعجبون منه جداً ، ولو أنه سكت ولم يتكلم بما يصرف الخواطر إلى ضد ما يريد أن يعمله ، ولم تتحرك النفوس والأوهام إلى غير ما يريد إخراجه لفطن الناظرون لكل ما يفعله . قال : وكلما كانت الأحوال تفيد حس البصر نوعاً من أنواع الخلل أشد ، كان العمل أحسن .
مثل أن يجلس المشعبذ في موضع مضيء جداً أو مظلم ، فلا تقف القوة الناظرة على أحوالها والحالة هذه . ا ه منه . ولا يخفى أن يكون سحر سحرة فرعون من هذا النوع . فهو تخييل وأخذ بالعيون كما دل عليه قوله تعالى : { فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تسعى } [ طه : 66 ] فإطلاق التخييل في الآية على سحرهم نص صريح في ذكل . وقد دل على ذلك أيضاً قوله في « الأعراف » : {فَلَمَّآ أَلْقُوْاْ سحروا أَعْيُنَ الناس } [ الأعراف : 116 ] الآية . لأن إيقاع السحر على أعين الناس في الآية يدل على أن أعينهم تخيلت غير الحقيقة الواقعة ، والعلم عند الله تعالى .
النوع الخامس من أنواع السحر الأعمال العجيبة التي تظهر من تركيب الآلات المركبة على النسب الهندسية ، كفارس على فرس في يده بوق ، كلما مضت ساعة من النهار ضربت بالبوق من غير أن يمسه أحد . ومنها الصور التي يصورها الروم والهند حتى لا يفرق الناظر بينها وبين الإنسان ، حتى إنهم يصورونها ضاحكة وباكية ، حتى يفرق فيها بين ضحك السرور ، وبين ضحك الخجل ، وضحك الشامت .
فهذه الوجوه من لطيف أمور المخايل . قال الرازي : وكان سحر سحرة فرعون من هذا الضرب . ومن هذا الباب تركيب صندوق الساعات . ويندرج في هذا الباب علم جر الأثقال ، وهو أن يجر ثقيلاً عظيماً بآلة خفيفة سهلة ، وهذا في الحقيقة لا ينبغي أن يعد من باب السحر لأن لها أسباباً معلومة نفيسة ، من اطلع عليها قدر عليها ، إلا أن الاطلاع عليها لما كان عسيراً عد أهل الظاهر ذلك من باب السحر لخفاء مأخذه ا ه .
وقد علمت أن الرازي يرى أن سحر سحرة فرعون من هذا النوع الأخير ، لأن السحرة جعلوا الزئبق على الحبال والعصي فحركته حرارة الشمس فتحركت الحبال والعصي فظنوا أنها حركة طبيعية حقيقة . والذي يظهر لنا أنه من النوع الذي قبله كما قدمنا ، ولا مانع من أن يتوارد نوعان على شيء واحد فيكون داخلاً في هذا وفي هذا . والله تعالى أعلم .
وقال ابن كثير رحمه الله بعد أن ذكر كلام الرازي الذي ذكرنا في هذا النوع من السحر . قلت : ومن هذا القبيل حيل النصارى على عامتهم بما يرونهم إياه من الأنوار ، كقضية قمامة الكنيسة التي لهم ببيت المقدس ، وما يحتالون به من إدخال النار خفية إلى الكنيسة ، وإشعال ذلك القنديل بصنعة لطيفة تروج على الطغام منهم ، وأما الخواص منهم فمعترفون بذلك ، ولكن يتأولون أنهم يجمعون شمل أصحابهم على دينهم ، فيرون ذلك سائغاً لهم ، وفيهم شبه من الجهلة الأغبياء من متعبدي الكرامية الذي يرون جواز وضع الأحاديث في الترغيب والترهيب ، فيدخلون في عداد من قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم :
وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى (69) « من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار » ، وقوله : « حدثوا عني ولا تكذبوا علي ، فإنه من يكذب علي يلج النار » ثم ذكرها هنا يعني الرازي حكاية عن بعض الرهبان ، وهي أنه سمع صوت طائر حزين الصوت ، ضعيف الحركة ، فإذا سمعته الطيور ترق له فتذهب في وكره من ثمر الزيتون ليتبلغ به ، فعمد هذا الراهب إلى صنعة طائر على شكله وتوصل إلى أن جعله أجوف ، فإذا دخلته الريح سمع منه صوت كصوت ذلك الطائر . وانقطع في صومعة ابتناها ، وزعم أنها على غبر بعض صالحيهم ، وعلق ذلك الطائر في مكان منها ، فإذا كان زمان الزيتون فتح باباً من ناحيته فتدخل الريح إلى داخل هذه الصورة فيسمع صوتها كل طائر في شكله أيضاً ، فتأتي الطيور فتحمل من الزيتون شيئاً كثيراً فلا ترى النصارى إلا ذلك الزيتون في هذه الصومعة ولا يدرون ما سببه . ففتنهم بذلك وأوهمهم أن هذا من كرامات صاحب ذلك القبر ، عليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة انتهى كلام ابن كثير .
وذكر الرازي في هذه المسألة التي نقلها عنه ابن كثير : أن ذلك الطائر المذكور يسمى البراصل ، وأن الذي عمل صورته يسمى أرجعيانوس الموسيقار ، وأنه جعل ذلك على هيكل أورشليم العتيق عند تجديده إياه ، وأن الذي قام بعمارة ذلك الهيكل أولاً أسطر خس الناسك .
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له : وهذا النوع الخامس الذي عده من أنواع السحر ، الذي هو الأعمال العجيبة التي تظهر من تركيب الآلات المركبة على النسب الهندسية . الخ لا ينبغي عده اليوم من أنواع السحر . لأن أسبابه صارت واضحة متعارفة عند الناس ، بسبب تقدم العلم المادي . والواضح الذي صار عادياً لا يدخل في حد السحر ، وقد كانت أمور كثيرة خفية الأسباب فصارت اليوم ظاهرتها جداً . والله تعالى أعلم .
النوع السادس من أنواع السحر الاستعانة بخواص الأدوية ، مثل أن يجعل في طعامه بعض الأدوية المبلدة المزيلة للعقل والدخن المسكرة نحو دماغ الحمار إذا تناوله الإنسان تبلد عقله ، وقلت فطنته ، قاله الرازي . ثم قال : واعلم أنه لا سبيل إلى إنكار الخواص : فإن أثر المغناطيس مشاهد إلا أن الناس قد أكثروا فيه وخلطوا الصدق بالكذب ، والباطل بالحق ا ه كلام الرازي .
وقال ابن كثير رحمه الله بعد أن ذكر هذا النوع من السحر نقلاً عن الرازي : قلت : يدخل في هذا القبيل كثير ممن يدعي الفقر ، ويتحيل على جهلة الناس بهذه الخواص مدعياً أنها أحوال له : من مخالطة النيران : ومسك الحيات إلى غير ذلك من المحاولات انتهى كلام ابن كثير .
النوع السابع من أنواع السحر المذكور تعليق القلب، وهو أن يدعي الساحر أنه قد عرف الاسم الأعظم ، وأن الجن يطيعونه وينقادون له في أكثر الأحوال : فإذا اتفق أن كان السامع لذلك ضعيف العقل قليل التمييز اعتقد أنه حق : وتعلق قلبه بذلك : حصل في نفسه نوع من الرعب والمخافة : وإذا حصل الخوف ضعفت القوى الحساسة : فحينئذ يتمكن الساحر من أن يفعل ما يشاء .
قال الرازي : وإن من جرب الأمور وعرف أحوال أهل العلم علم أن لتعلق القلب أثراً عظيماً في تنفيذ الأعمال وإخفاء الأسرار . وقال ابن كثير بعد أن نقل هذا النوع من السحر عن الرازي : هذا النمط يقال له التنبلة ، وإنما يروج على ضعفاء العقول من بني آدم . وفي علم الفراسة ما يرشد إلى معرفة كامل العقل من ناقصه . فإذا كان النَّبيل حاذقاً في علم الفراسة عرف من ينقاد له من الناس من غيره .
النوع الثامن من أنواع السحر السعي بالنميمة والتضريب من وجوه لطيفة خفية وذلك شائع في الناس ا ه . والتضريب بين القوم : إراء بعضهم على بعض .
وقال ابن كثير رحمه الله بعد أن نقل هذا النوع الأخير عن الرازي قلت : النميمة على قسمين : تارة تكون على وجه التحريش بين الناس ، وتفريق قلوب المؤمنين . فهذا حرام متفق عليه . فأما إن كانت على وجه الإصلاح بين الناس ، وائتلاف كلمة المسلمين كما جاء في الحديث « ليس الكذاب من ينم خيراً » أو يكون على وجه التخذيل والتفريق بين جموع الكفرة ، فهذا أمر مطلوب كما جاء في الحديث « الحرب خدعة » ، وكما فعل نعيم بن مسعود في تفريقه بين كلمة الأحزاب وبين قريظة ، جاء إلى هؤلاء ونمى إليهم عن هؤلاء ، ونقل من هؤلاء إلى أولئك شيئاً آخر ، ثم لأم بين ذلك فتناكرت النفوس وافترقت . وإنما يحذو على مثل هذا الذكاء ذو البصيرة النافذة . والله المستعان .
ثم قال الرازي : فهذه جملة الكلام في أقسام السحر وشرح أنواعه وأصنافه .
قلت : وإنما أدخل كثيراً من هذه الأنواع المذكورة في فن السحر للطافة مداركها . لأن السحر في اللغة عبارة عما لطف وخفي سببه ، ولهذا جاء في الحديث « إن من البيان لسحراً » وسمي السحور سحوراً لكونه يقع خفياً آخر الليل . والسحر : الرئة وهي محل الغذاء ، وسميت بذلك لخفائها ولطف مجاريها إلى أجزاء البدن وغضونه ، كما قال أبو جهل يوم بدر لعتبة : انتفخ سحره ، أي انتفخت رئته من الخوف . وقالت عائشة رضي الله عنها : توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم بين سحري ونحري . وقال تعالى : { سحروا أَعْيُنَ الناس } [ الأعراف : 116 ] أي أخفوا عنهم عملهم انتهى كلام ابن كثير رحمه الله تعالى ، هذا هو حاصل الأقسام الثمانية التي ذكر الفخر الرازي في تفسيره في سورة « البقرة » انقسام السحر إليها .
ولأهل العلم فيه فيه تقسيمات متعددة يرجع غالبها إلى هذه الأقسام المذكورة وقد قسمه الشيخ سيدي عبدالله بن الحاج إبراهيم العلوي الشنقيطي صاحب التآليف العديدة المفيدة في نظمه المسمى ( رشد الغافل ) وشرحه له ، الذي بين فيه أنواع علوم الشر لتتقى وتجتنب إلى أقسام متعددة :
( منها ) قسم يسمى ( بالهيماء ) بكسر الهاء بعدها مثناة تحتية فميم فياء بعدها ألف التأنيث الممدودة ، على وزن كبرياء .
قال : وهو ما تركب من خواص سماوية تضاف لأحوال الأفلاك ، يحصل لمن عمل له شيء من ذلك أمور معلومة عند السحرة ، وقد يبقى له إدراك ، وقد يسلبه بالكلية فتصير أحواله كحالات النائم من غير فرق ، حتى يتخيل مرور السنين الكثيرة في الزمن اليسير . وحدوث الأولاد وانقضاء الأعمار وغير ذلك في ساعة ونحوها من الزمن اليسير . ومن لم يعمل له ذلك لا يجد شيئاً مما ذكر . وهذا تخييل لا حقيقة له ا ه .
( ومنها ) نوع يسمى ( بالسيمياء ) بكسر السين المهملة وبقية حروفه كحروف ما قبله . قال : وهو عبارة عما تركب من خواص أرضية كدهن خاص ، أو مائعات خاصة يبقى معها إدراك ، وقد يسلب بالكلية إلى آخر ما تقدم في الهيمياء .
( ومنها ) نوع هو رقى ضارة . قال : كرقى الجاهلية وأهل الهند ، وربما كانت كفراً . قال : ولهذا نهى مالك رحمه الله عن الرقى بالعجمية . وقال ابن زكري في شرح ( النصيحة ) : ولا يقال لما يحدث ضرراً رقى ، بل ذلك يقال له سحر .
( ومنها ) قسم يسمى خصائص بعض الحقائق التي لها تسلط على النفوس . كالمشط والمشاقة وجف طلع الذكر من النخل ، وقصة جعل اليهودي الذي سحر النَّبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر في سحره مشهورة . وسيأتي إيضاح ذلك إن شاء الله تعالى .
ومن أمثله هذا النوع عند أهله : أن بعض أنواع الكلاب من شأنه إذا رمي بحجر أن يعضه ، فإذا رمي بسبع حجارة وعض كل واحدة منها وطرحت تلك الحجارة في ماء فمن شرب منه فإن السحرة يزعمون أنه تظهر فيه آثار مخصوصة معروفة عندهم . قبحهم الله تعالى .
( ومنها ) نوع يسمى ( بالطلاسم ) وهو عبارة عن نقش أسماء خاصة لها تعلق بالأفلاك والكواكب على زعم أهلها في جسم من المعادن أو غيرها ، تحدث بها خاصية ربطت في مجاري العادات ، ولا بد مع ذلك من نفس صالحة لهذه الأعمال . فإن بعض النفوس لا تجري الخاصة المذكورة على يده .
( ومنها ) نوع يسمى ( بالعزائم ) وهم يزعمون أن لكل نوع من الملائكة أسماء أمروا بتعظيمها ، ومتى أقسم عليهم بها أطاعوا وأجابوا وفعلوا ما طلب منهم ا ه ولا يخفى ما في هذا الزعم من الفساد .
( ومنها ) نوع يسمونه الاستخدام للكواكب والجن . وأهل الاستخدامات يزعمون أن للكواكب إدراكات روحانية . فإذا قوبلت الكواكب ببخور خاص ولباس خاص على الذي يباشر البخور ، كانت روحانية فلك الكواكب مطيعة له ، متى ما أراد شيئاً فعلته له على زعمهم لعنهم الله تعالى .
وهذا النوع من سحر الكلدانيين المتقدم . وكذلك ملوك الجان يزعمون أنهم إذا عملوا لهم أشياء خاصة بكل ملك من ملوكهم أطاعوا وفعلوا لهم ما أرادوا . قال : وشروط هذه الأمور مستوعبة في كتبهم . وذكر رحمه الله من علوم الشر أنواعاً كثيرة : كالخط ، والأشكال ، والموالد ، والقرعة ، والفأل ، وعلم الكتف ، والموسيقى ، والرعدي ، والكهانة ، وغير ذلك.
والخط الرملي معروف . والأشكال جمع شكل ، ويمسى علمها علم الجداول وعلم الأوفاق ، وهي معروفة وهي من الباطل .
والموالد جمع مولد ، وهي أن يدعي من معرفة النجم الذي كان طالعاً عند ولادة الشخص أنه يكون سلطاناً أو عالماً ، أو غنياً أو فقيراً ، أو طويل العمر أو قصيره ، ونحو ذلك .
والقرعة ما يسمونه قرعة الأنبياء ، وحاصلها جدول مرسوم في بيوته أسماء الأنبياء وأسماء الطيور . وبعد الجدول تراجم لكل اسم ترجمة خاصة به ، ويذكر فيها أمور من المنافع والمضار ، يقال للشخص غمض عينيك وضع أصبعك في الجدول . فإذا وضعها على اسم قرئت له ترجمته ليعتقد أنه يكون له ذلك المذكور منها . قال : وقد عدها العلماء من باب الاستفهام بالأزلام .
ومراده بالفأل : الفأل المكتسب . كأن يريد إنسان التزوج أو السفر مثلاً ، فيخرج ليسمع ما يفهم منه الإقدام أو الإحجام ، ويدخل فيه النظر في المصحف لذلك : ولا يخفى أن ذلك من نوع الاستقسام بالأزلام . أما ما يعرض من غير اكتساب كأن يسمع قائلاً يقول : ما مفلح ، فليس من هذا القبيل كما جاءت به الأحاديث الصحيحة .
وعلم الكتف : علم يزعم أهل الشر والضلال أن من علمه يكون إذا نظر في أكتاف الغنم اطلع على أمور من الغيب ، وربما زعم المشتغل به أن السلطان يموت في تاريخ كذا ، وأنه يطرأ رخص أو غلاء أو موت الأعيان كالعلماء والصالحين ، وقد يذكر شأن الكنوز أو الدفائن ، ونحو ذلك . والموسيقى معروفة، وكلها من الباطل كما لا يخفى على من له إلمام بالشرع الكريم .
والرعديات : علم يزعم أهله أن الرعد إذا كان في وقت كذا من السنة والشهر فهو علامة على أمور غيبية من جدب وخصب ، وكثرة الرواج في الأسواق وقلته ، وكثرة الموت وهلاك الماشية ، وانقراض الملك ونحو ذلك . والفرق بين العرافة والكهانة مع أ ، هما يشتركان في دعوى الاطلاع على الغيب : أن العرافة مختصة بالأمور الماضية ، والكهانية مختصة بالأمور المستقبلة ا ه منه .
وعلوم الشر كثيرة ، وقصدنا بذكر ما ذكرنا منها التنبيه على خستها وقبحها شرعاً ، وأن منها ما هو كفر بواح ، ومنها ما يؤدي إلى الكفر ، وأقل درجاتها التحريم الشديد . وقد دل بعض الأحاديث والآثار على أن العيافة والطرق والطيرة من السحر