فقه الطب وأدبه
دكتور. عبد الستار أبو غدة
الكويت
تمهيد:
الطب فى الدراسات الاسلامية :
حين أردت أن أكتب موضوعا يتناسب مع نشاط هذا المؤتمر للطب الإسلامي تساءلت عما يستحق أن يدعي الطب الاسلامي لتكون الكتابة فى الصميم وكان الباعث على التساؤل هو أن الطب أحد العلوم التي لايتضح فيها وجه هذا الوصف بعيدا عن جعل العلم يتعدد تبعا للاديان والملل .... ثم تأملت فرأيت أن المقصود من الوصف بهذه الصفة التنوية بما أسداه الإسلام لعلم الطب من اعتبار وتشجيع وما اكسبه من عناية استتبعت استمراره ونموه على نحو لم يشهد له مثيل فى ظل غيره ، وقد يؤدي لايضاح المراد تقليب هذين اللفظين بأن يقال : " إسلاميات الطب " أو طبيات الاسلام " فالغرض تصويب النظر إلى الموقع الذى اتخذه الطب فى أرجاء الدراسات الإسلامية بانواعها .
وقد تركت الحديث عن نمو الطب في ظل الإسلام وجهود الأطباء المسلمين فى تحرير ما ورثوه وإبداع ما ابتكروه من نظريات بعضها ظل محرثا لهم حق السبق إليه وبعض منها استلبه الأدعياء فى غفلة الانحطاط والضعف ، حتي قبض الله من يشهد بالحقيقة سواء من أهلها أو من أعدائها
( والفضل ما شهدت به الأعداء ) وهذا يغلب عليه الطابع الاختصاصي الفني ، والجدير بجلائه هم الاطباء دون غيرهم . كما أمسكت عن التوسع في مجالين آخرين يستهويان الباحث في ظل ما في عنوان :الطب الإسلامي " من شمول ( أحدهما ) هو الاستعراض التاريخي للجهود التأليفية في الطب وعلومه من قبل المسلمين ، وذلك له كتب عامة تعني بتاريخ العلوم من طب وغيرها ، وتهتم بتقويم الكتب ( الببلوغرافيا ) ، والرجوع إليها أو الاقتباس منها من خلال نظرات سريعة كفيل بالمطلوب والسبيل الامثل لتخليد هذه الجهود تحقيق مخطوطاتها ونشرها وترجمتها للغات الحية ليكون من مراجع الدراسات الطبية العالمية أمثال كتاب " الحاوي " للرازي ( 311 هـ = 923 م ) و " القانون " لابن سينا ( 348 هـ ـ 959 م ) و " التصريف " للزهراوي ( 427 هـ = 1035 م ) وكتب ابن رضوان المصري ( 453 هـ ـ 1061 م ) وكتب ابن رشد ( 595 هـ ـ 1198 م ) وكتب ابن زهر الأندلسي ( 577 هـ 1161 م ) و" الشامل " لابن النفيس ( 687 هـ ـ 1288 م . ) وغيرها مما تلاحق بعدها … تمهيداً لوصل حاضرنا العتيد بالماضي المجيد وانطلاقا لرسم المستقبل المنشود.
( والمجال الثاني)
الربط والتوفيق بين النظريات الطبية الحديثة وما ورد من نصوص فيها إشارات ذات صلة بها في القرآن والحديث، وهذا المجال أيضا مما عني به القدامى والجدد بكتابات شاملة للنظريات العلمية مطلقا أو خاصة بالطبي منها …
ومع ما يتطلب هذا المجال من ازداوجية لابد منها للباحث فيه فقد كان حظ الأطباء للإسهام في بيانه اكثر من حظ غيرهم لأنه يتطلب تمرسا في الطب وتعمقا في علومه في حين يكفي له الإلمام بالدراسات الدينية والعربية .
وبعد …. فإن وراء ما أشرت إليه مجالا رحبا لدراسة ما يمكن اعتباره أيضا من مسمى " الطب الإسلامي " بدءاً من " الطب النبوي " المتضمن هدى النبي " صلي الله عليه وسلم في الطب الطبيعي والعلاج الروحي والطب النفسي والقواعد التي أرساها الإسلام لحفظ الصحة ثم ما وراء ذلك من منارات منثورة في علوم الشريعة الغراء تتصل بفقه الطبيب " الأحكام الخاصة به " وآدابه أخلاقيات الطبيب " ومعظم ذلك مذكور في غير مظانة ، وقليل منه قد حظي بباب مفرد لدراسته في الكتب الشاملة أو بكتاب مستقل فيه .
وفيما يلي إشارات لاهم الجوانب التي كان لها حيز في الدراسات الإسلامية بعيدا عن الاسترسال في الصعيدين التاريخىوالتأويل المشار إليهما لتكون هذه الدراسة تقريرا لاصالة الطب الإسلامي ومدخلا لوضع مرتكزات للدراسات المفصلة فيه وذلك يهم في فتح المجال أمام من ينشط لتسليط أضواء البحث الكاشفة لما خفي منها ولا يتسع المقام لتلمس دور الطب في الدراسات الإسلامية تأثرا وتأثيرا في جميع الزمر المستقرة لتلك الدراسات بدءاً بالقرآن ومرورا بالسنة والسيرة ، وانتهاء إلى الفقه وعلومه المساعدة لاسيما الحسبة والآداب الشرعية ، لذا اقتصرت على لمحات في فقه الطبيب ( الأحكام التي تتصل بمزاولته عمله من حل وحرمه ) ، مع نبذ الآداب التي ينبغي مراعاتها .
ولابد من إلقاء نظرة إلى مشروعية الطب قبل الحديث عن فقه الطبيب وآدابه ، ثم الانتقال لبيان الخصال التي أوجبت الشريعة الإسلامية على ممارسة الطب المعرفة بها ، لأنها من الأمور المتصلة بصميم عمله .
وهي مما يختص بالقيام به غالبا، ومما يشمل آثار تصرفاته فى الاحوال العادية أو الطارئة إذ من المقرر شرعا انه يجب على المسلم بالاضافة إلى معرفة الاحكام العامة فى حق الجميع كالعبادة اكتساب المعرفة بما يخصه فى عمله لتكون تصرفاته موافقه للشرع وليكون كسبه حلال .
النظرية الشرعية للطب : ـ
لعل أول ما يتعرض له الفقهاء فى هذا المجال حكم ( التداوي ) ويستتبع ذلك تعرضهم لحكم ( التطبيب ) (1 ) ... ولا يخفي ان الحديث عن هذين الأمرين كان لهما قديما ما يبرره إزاء مواقف بعض المتصوفه أو الزهاد الذين توهموا أن الاقدام على التداوي يخالف التوكل وقد اعتبرت هذه المواقف من باب التنطع بعدما ثبت تداوي النبي صلى الله عليه وسلم شخصيا والامر منه لغيره بالتداوي والمداواة .
ويستوقف النظر فى المراجع التى تناولت هذه القضية حرص الفقهاء على اعتبار " مهنة التطبيب " إحدي فروض الكفاية بمعني انه إذا لم يوجد من ينهض بما أثم المسلمون كلهم وأن القيام بها من البعض يسقط الاثم عن البقية ويكون الاجر خاصا بمن يقوم بذلك ... ويظهر أثر هذا الاتجاه حين الموازنة بمحاربة الطب قبل الإسلام من خلال شن الحملة عليه من قبل محتكري الوصاية على الأديان والعقول .
الفقه والخبرة الطبية :
تثور الحاجة إلى خبرة الطبيب فى أكثر من موضوع فى الفقه الاسلامي وتلك المواطن إما أن تتصل بالمرض أو الاعذار المبيحة لبعض الرخص والتيسير فى العبادة وإما ان تتصل بالفصل فى المنازعات التى تنشأ من دعاوي محلها جسم الانسان سواء أكان النزاع فى شأن السلامة والبقاء على الفطرة وعدمها أو من قبيل ادعاء العيوب والنشاز ... ونظرا إلى ان الشريعة الإسلامية من منهجها العام فى التشريع بناؤه على الأمم الأغلب فقد ندر فى غير مجال الطب ربط الامور بالخبرة الفنية وحدها بل أقيمت أكثر الأمورعلى حصول الامارات الظاهرة الميسورة كما هو الحال فى أوقات الصلاة ومطالع الأشهر وغيرها ، أما فى مجال الطب فلم يعدل عنه إلى غيرها الا فى الامور الميسور إدراكها بالتأمل او بطول الأمر الكافي لظهور الأعراض وإجماع القرآئن كما هو الحال فى البلوغ وعلاماته الطبيعية .
وفى هذه الأحوال كان البديل ليس هو الشخص العادي ، بل أصنافا من ذوي الخبرة الآخذه من الطب بنصيب كالقابلة ..... أو مجموعة من النساء الثقات .
ومن أهم امثلة الحاجة إلى خبرة الطبيب فى تحقق شروط العبادة لوجوب مزاولتها .
أ ـ التطهر لها بالوضوء والغسل بحسب الحاجة ، حيث ينتقل الواجب بحصول المريض ، من استعمال الماء ، وهي الطهارة الحقيقة الأصلية إلي طهارة بدلية اعتبارية ( التيمم ) وقد يكون الانتقال فى جزء من البدن لا فى جمعية ، ومثاله الاعفاء من مساس الماء للبدن ، بسبب وضع جبائر حيث يستعاض عن ذلك ( بالمسح على الجبيرة ) .
ب ـ وصلاة المريض احد الأبواب المعروفة فى الفقه حيث يصلي كما يطيق من قعود او علي جنب بحسب مقتضي مرضه .
ج ـ و( المرض) أحد الاعذار التى يسقط بها وجود الجمعة والجماعه ، فيستعاض عن حضور المسجد بالصلاة فى البيت .. ومناط ذلك المرض تعذر الوصول إلى مكان المسجد لما فى الجسم من وهن أو فى القدم من ألم .
د ـ والمرض يبيح الفطر فى رمضان ليكون الصوم فى أيام اخر هي ايام الشفاء والعافية إلا إذا كان المرض مما لايرجي شفاؤه فينتقل الواجب من الصوم إلى الفدية التصدق بطعام مسكين ولايخفي ان الحكم بالمرض أصلا أو بكونه مزمنا هي هو مهمة الطبيب دون غيره .
هـ ـ ومرض الموت له شأن آخر فهو ليس ذاك المرض الميئوس من شفائه فقط بلي هو الذى يزداد أثره حتي ينتهي بالوفاة وله أحكام فقهية مفصلة بشأن التصرفات ولاسيما الهبة والاقرار والطلاق ... والذى يقرر ان المرض من هذا القبيل " هو الطبيب على أنه ليس من إعطاء الخبرة حقها فى الدقه أن يطلق العنان للمرض مهما كان نوعه ومداره لتستباح به الرخص ويعفي به عن الشروط ، ولذا كان المرض عند الفقهاء أنواعا لكل منها اعتباره واكتفي بالاشارة إلى اختلاف الرأي فى اكتفاء بعضهم بخوف زيادة المرض أو امتداد زمنه واشتراط بعضهم خوف الهلاك أو فوات العضو على أن بعض الفقهاء اكتفي للاستفادة من الرخصة الشرعية بأن يكون فى استعمالها كالفطر فى الصوم مثلا ) الظن بحصول الصحة ، وبعضهم اشترط اليقين ... (3 ) وفى هذه المعايير المختلفة دلالة واضحة على الدقة فى تقدير الأمور والحاجة الماسة إلى الخبرة الفنية ... ويتأكد هذا المبدأ من استعراض نماذج من اشهر مجالات الرجوع للخبرة الطبية فيما يلي :
أ ـ ففي ، موضوع الزواج وثبوت المهر كاملا بالدخول أو الخلوة لا يعتد بالخلوة ما لم تكن الموانع زائلة ، فالمرض أحد تلك الموانع لكنه " المرض الذى يمنع المعاشرة او يلحقه به ضرر ... ) (4 )
ب ـ والأمراض الجنسية التى تمنح بها المرأة حق الفرقة عن الزوج هي العنه والجب والخصاء ، لكن المجبوب لايتريث فى اعتباره ، أما العنين والخصي فيؤجل معهما الزوج سنه لتمر به الفصول الأربعة ويتبين هل ما به هو علة معترضة أم آفة أصلية .
ج ـ وكذلك المرجع للخبرة الطبية فى عيوب الزواج المستوجبة للخيار : وهي بالنسبة لما يوجد فى الزوج مغتفرة عند بعض الفقهاء لوجود الطلاق الذى يتمكن به الزوج من مفارقة الزوجة المصابة ... ويمنحة بعضهم حق الخيار ويحصر تلك العيوب فى ثلاثة عامة الجذام ، والبرص ، والجنون ، وقد عمم بعضهم أثرها ليشمل حالة إصابة الزوج بها وعيبين نسائيين هما الرتق وهو التصاق يمنع من المعاشرة الجنسية والقرن هو حائل عظمي او لحمي يمنع من المعاشرة .
ومن الواضح ان معرفة ذلك لابد فيه من خبرة الطبيب ، وإن كان يستعان فى بعض الأحيان بالقابلة ... وهي صورة من صور الطب .. والأمثلة للتعويل على الخبرة الطبية كثيرة فى شتي أبواب الفقه .
ولهذ1 وضع الفقهاء اساساً لاعتبار المرض مرخصا فى التيمم ,أمثاله من المواطن التى يتغير بها الحكم من حال إلى حال أخف أو اشد وهو " أن يعتمد على معرفة نفسه إن كان عارفا " أي المعرفة الفنية " وإلإ فله الأعتماد على قول طبيب واحد صادق مسلم بالغ عدل فإن لم يكن بهذه الصفة لم يجزا اعتماده ومفاد هذا أنه لايعتمد على من لم تتوافر فيه الصفات والقيود المشار إليها ، علي أن بعض الفقهاء رأي انه يجوز اعتماد قول من كان فاسقا ، لعدم التهمة هنا لذا اقتصر هؤلاء فى وصف الطبيب بأنه "مسلم ثقه " مع تقييده بالحذق والفطنة. كما صرحوا بقبول قول المرأة وحدها لانه من باب الاخبار وليس من قبيل الشهادة التى جاء فى تنظيمها نص الآية الكريمة " واستشهدوا شهيدين من رجالكم ، فان لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء " ( 2/282 )
ومما يدل على إحالة الأمر إلى خبرة الطبيب منع بعض الفقهاء من التيمم للمرض ان لم يجد طبيبا على الصفة المشروطة .
مسئولية الطبيب ( الضمان )
إن المسئولية بالنسبة للطبيب وغيره نوعان : تعاقدية ، وجنائية .
1 ـ المسئولية التعاقدية
تنطبق على التعامل بين المرضي والأطباء القواعد العامة للاجارة على الاعمال وهي السائدة فى كل المهن التى يلتزم فيها صاحب المهنة بأداء منفعة للمتعاقد محدودة بإنجاز معين مع تمكنه من تلقي مهام أخري .. وقد يكون التعامل على اساس الاجارة الخاصة التى يسمي مقدم المنفعة فيها (الاخير الخاص ) وذلك حين يرتبط خلال مدة معينة بأن لايعمل لغير من تعاقد معه وهاتان الحالتان لاخصوصية فيهما للطبيب عن غيره على ان هناك حالتين لا تتصوران الا فى ممارسة الطب تسمي إحداهما " المشارطة على البرء " وتسمي الاخري : " اشتراط السلامة " وقد عني بمعالجتهما الفقهاء على النحو التالي : ـ
الحالة الاولي المشارطة على البرء .
الاصل فى تقدير التعامل مع الطبيب ان يكون على مدة معينة او ان يكون على القيام بأعمال علاجية معينة ويستحق الاجر حر بإنجاز ذلك ولو لم يبرأ وهذا ما يدعي فى الاصطلاح القانوني " بذل العناية ) وفى هذه الحالة احتمالات لها حلولها التى تختلف فيها أنظار الفقهاء مثل حصول البرء أثناء المدة او حصول الوفاة او امتناع المريض من مواصلة العلاج ، على أنه قد يشترط فى هذا التعاقد بالاضافة إلى بذل العناية تحقيق غاية وهي الشفاء من المرض ( البرء ) والفقهاء مختلفون فى الحكم على هذا التعاقد .
فبعضهم منعه لما فيه من الجهالة ، لأن البرء غير معلوم متي يحصل حتي لو أحاط الطبيب علما بأحوال مرضه ومريضه له لتدخل اسباب خارجية .
وجمهور الفقهاء اتفقوا على جوازة والدليل عليه هو ما ورد ان أبا سعيد الخدري عالج رجل وشارطه على البرء ، وعلم بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقر تصرفه ، ويري ابن قدامه ان هذه المعاملة ليست من باب الاجارة التى يشترط فيها معلومية محل التعاقد بالمدة أو العمل ، وإنما هي من قبيل ( الجعالة ) وهي تجوز على عمل مجهول كما هو الحال فى رد اللقطة ويكفي للجعالة تحديد مقدار الجعل وبيان الغاية المطلوب تحقيقها بقطع النظر عن مقدار العمل ... ومن أحكام هذه المشارطة أنه لو ترك قبل البرء فلاشيء له إلا أن يتمم غيره فله حساب نسبة من الاتفاق ... (6 ) .
وقد تناول الفقهاء هنا مسائل آخري ثانوية مثل اشتراط الدواء على المريض او الطبيب وهي من القضايا الملحوظ فيها اثر الاعراف والاوضاع الزمنية والتى لا يوجد ما يلزم بمتابعتها مع تطور أصول التعامل فى هذا المجال .
الحالة الثانية ـ اشتراط السلامة : ـ
تناول الفقهاء ما لو تعاقد الطبيب مع مريضة واشترط أن يكون عمله مقترنا بالسلامة من السراية ( المضاعفات ) فالشرط باطل ليس فى وسعة ذلك ، وما دام ما ينتج عن الفعل المعهود المستوفي للشروط معفي من المسئولية فلا تترتب بمجرد الانفاق للقاعدة القائلة " ضمان الآدمي يجب بالجناية لا بالعقد " (7 ) ويلحظ ان الشارع قد تدخل لينقذ الطبيب الذى تورط بقبول هذه المغامرة اما مدفوعا بإقدامه على أكثر مما يطيق ، وإما بدافع الحاجة لقطف ثمار عمله ولو كانت محاطة بمحاذير ، والشريعة جاءت لإقرار العدل أو لتحقيقه حين يزهقه جموح أو طغيان أحد الاطراف .
ب ـ المسئولية الجنائية : ـ
الكلام عن المسئولية الجنائية المترتبة على الطبيب إنما هو فى مجال ممارسته المهنة " لأن تصرفاته العمدية العدوانية خارج المهنة لاتختلف عن غيره ولكن نظرا إلى ان طبيعة مهنته قد يلتبس فيها التصرف المعتاد المقصود به العلاج بالتصرف الجنائى الناشىء عن جهل أو تجاوز أو خطأ فقد تناول الفقهاء بالدراسة هذه التصرفات بإسهاب وتفصيل يمكن إيجازة على النحو التالي:
أن اعتبار التطبيب واجبا كفائيا يقتضي أن لايكون الطبيب مسئولا عما يؤدي إليه عمله قياما بواجب التطبيب لأن القاعدة أن الواجب لايتقيد بشرط السلامة لكن لما كانت طريقة أداء هذا الواجب متروكة لاختيار الطبيب وحده لما له من السلطان الواسع فى الطريقة وكيفية الاداء تبعا لاجتهادة العلمي والعملي ، كان ذلك داعيا للبحث عن مسئوليته جنائيا عن نتائج عمله إذا أدي إلى نتائج ضارة بالمريض باعتبار انه حيث يؤدي واجب التطبيب اشبه بصاحب الحق منه بمؤدي الواجب ولايخفي أن صاحب الحق يسأل فى حال تجاوزة حقه .
وبمناسبة فى الموازنة بين اعتبار الطبيب قائما بواجب او اعتباره صاحب حق يهتم الفقهاء بالتأكيد على ضرورة الاستعانة بخبرة الطبيب فى تنفيذ القصاص الشرعي فى حالة وجوبه بالجناية على نفس ( القتل ) ، أو الجناية على مادون النفس الجراح وإتلاف الاطراف أو الحواس فلاشك عندهم أن قيامه بذلك هو من قبيل أداء الواجب وقد صرح الفقهاء على أن مقتضي الاحسان في التنفيذ ان يعهد به إلي ذوي الخبرة بعد أن يوكلهم الأولياء المتمسكون بحق القصاص إذا لم تطب نفوسهم بالعفو ، لم يتطلبه ذلك من دقة وحذر لعدم مجاوزة الواجب قصاصا كان اوحد ولتحقيق البعد عن الظلم والتعذيب وقد تضمنت المراجع الفقهية القديمة بعض الأصول التى كانت تراعي قبل التنفيذ والوسائل التى كانت تستخدم فى القياس وتحديد محل الاستيفاء ، ليتم على أعدل وجه وأرفقه وأسهله (8 ) وهناك إجماع على عدم مسئولية الطبيب إذا أدي عمله لنتائج ضارة فيما إذا توافرت الشروط التالية : ـ
1 ـ ان يكون طبيبا عن معرفة ودراية لا عن زعم وادعاء ولا فائدة من أن تكون له شهرة غير مستندة على خبره حقيقية .
2 ـ ان يعمل طبقا للأصول الفنية التى يقررها فن الطب وأهل العلم به فيما لم يكن كذلك فهو خطأ جسيم يستوجب المسئولية .
3 ـ أن يأذن له المريض أو من يقوم مقامة كالولي ...
والطريف فى هذا القضية ان الفقهاء حين أجمعوا على رفع المسئولية عن نتائج فعل الطبيب حين توافر الشروط المشار إليها اختلفت وجهات نظرهم فى تعليل نفي المسئولية على نحو يدل على التقدير لشأن هذه المهنة وخطورتها فى آن واحد فبعضهم يري أن العلة هي الحاجة إلى ممارسة المهنة فى جو يشجع على أدائها ... لاسيما حين يقترن ذلك بالاذن وبعضهم يري العلة بالاضافة للإذن أن الغرض من الفعل قصد العلاج لا الضرر ، والقرينة على هذا القصد وقوعة موافقا للأصول الفنية ... ويري البعض ان العلة هي الاذن فى صورته المزدوجة المركبة من إذن الحاكم بممارسة المهنة وإذن المريض بأداء ما تقتضي به من أعمال .
العلاج بالفعل المخوف : ـ
لعله لا يخرج عن دائرة ارتكاب أهون الضررين ما ذهب اليه بعض الفقهاء فى قضية العلاج بالافعال التى يخاف منها التلف او السرايه المضاعفات بدلالة ما أردفوا به هذه المسألة من تفصيلات بأنه اذا خيف التلف من ترك الفعل كان القيام به جائزا بل واجبا كما صرحوا بحل قطع عضوا استقر فيه الداء وخشي انتشاره فى سائر الجسم .
ولايخفي ان المعيار المشار اليه هو المحكم وما جاء على غير ذلك ربما كان من التأثر بالاوضاع الزمنية .
وكان مما ثار الجدل فيه فى غيبة مراعاة القاعدة : لكي (9 ) مبالغة فى البعد عن مجال التعذيب بالنار ، وشتان ما بينهما...
تشريح بدن الانسان : ـ
كان لهذا الموضوع صداه قديما باقتصارالبعض على التمسك بمبدأ تكريم بني آدم وتحريم المثلة وتحريم كسر عظم الميت فى بعض الاحاديث دون مراعاة المقاصد الاخري من حفظ النفس بشتي الوسائل المؤدية لحفظها ومن تلك المقاصد التى تسعف نصوص التشريع وعبارات الفقهاء بمراعاتها شق بطن الام الميته لحفظ حياة الجنين ، والتشريح لتعلم الطب ولكشف جريمة ... ومما جاء فى ترجمة ابن النفيس وهو فقيه مشهور فضلا عن أنه طبيب وغيره أنهم كانوا يذهبون إلى المقابر فيلاحظون بعض العظام التى تنكشف عنها القبور القديمة ويراقبون مفاصلها فضلا عن تشريحهم بعض الحيوانات ولايخفي أن حرمة بدن الإنسان الميت موفورة اذا كان تشريحة لمصلحة أكبر ....
ومما يتبع هذا قضية الاستفادة من أعضاء الموتي لتعويض نقص أو تلف الأحياء وهي مسألة مركبة من نواح متعددة ولاتخرج عن نصوص الأمر بالتعاون وقاعدة ارتكاب اهون الضررين المشار اليها.
العلاج بالمحرم أو النجس :
الاصل المنع من ذلك لنفس المقاصد والغايات التى يرمي إليها الشارع فى المنع من بعض الأشياء غذاء كانت أو دواء واعتبارها محرمة بالنص على تحريمها أو الحكم بنجاستها .
وقد اتجه جمهور الفقهاء هذا الاتجاه المنسجم مع علل المنع ما ظهر منها وما بطن ، على أن بعضهم رأي فسحه فى استعمال المحرم أو النجس فيما إذا تعين ذلك دواء للمريض ، واخري هنا أحكام الضرورة التى يباح معها ارتكاب المحظور فى حين رأي الجمهور فرقا بين الدواء الذى هو مظنون وله بدائل وبين الغذاء الذى به قوام البدن ولاغني عنه مطلقا فإذا اضطرإليه الإنسان غير باغ ولاعاد فلا إثم عليه ...
وقد استوفي أبن القيم وجوه الحكمة فى المنع من التداوي بالمحرمات بعد أن أورد الادلة الصحيحة على هذا الاتجاه المشهور لدي الفقهاء وهو يشير إلى أن المعالجة بالمحرمات قبيحة عقلا وشرعا ، لأن تحريمها على الأمة ليس عقوبة بل هو لخبثها فحرمت صيانة عن تناولها وحفظا من أخطارها فلا يناسب العودة اليها للاستشفاء ، وفي اتخاذها دواء ترغب فيها ينافي داعي التحريم إلى تجنبها ، والاخذ بها يكسب النفس من خبثها بالانفعال البين الحاصل بالدواء .. واباحة التداوي بها يكون ذريعة لتناولها للشهوة واللذة والشارع يسد ذرائع الفساد ولايخلو الدواء المحرم من أضرار تزيد على ما يظن فيه من الشفاء . ثم أشار إلى لطيف فى كون المحرمات لايستشفي بها هو افتقارها إلى عنصر التلقي بالقبول واعتقاد المنفعة والبركة المجعولة للشفاء .. واعتقاد تحريمها يحول بين المسلم وبين تلك العوامل .
ومما يذكر عن ابن النفيس ان فى مرضه الاخير وصف له بعض الاطباء تناول شيء من الخمر إذ كانت علته تناسب أن يتداوي بها على ما زعموا فأبي ان يتناول شيئا من ذلك وقال : " لا ألقي الله تعالي وفى باطني شيء من الخمر " ولعل فى هذه العجالة غني عن تفصيل الكلام فى هذا الموضوع (10 ) .
النظر للعورة للعلاج : ـ
فى ظل القاعدة الشرعية المعروفة الضرورات تبيح المحظورات الاخري التى تقضي بارتكاب أهون الضرريين اتقاء الاشدجهما اعتبر تحريم النظر إلى العودة قاعدة لها مستثنيات لاتختص بطبيب دون غيره ... لكن التطبيق العملي كشف أن العلاج أشهر التطبيقات التى خرجت عن القاعدة ... وليست كلها فهناك النظر لاداء الشهادة مثلا ، وأمور أخري قد آلت بالتطوير إلى الطب نفسه كما سنري .
ولايخفي ان العورة من الرجل ما بين السرة إلى الركبة ، ومن المرأة البدن كله عدا الوجه والكفين ، العورة المغلظة هي الفرج وما حوله ، وعلى هذا فإن ما فوق السرة وما تحت الركبة هو القدر المباح للنظر إليه من الرجل بالنسبة للرجل ومن الرجل لمحارمة ، ومن المرأة للمرآة ، ومن المرأة للرجل ، أما نظر الرجل إلى المرأة فالقدر المباح منه هو الوجه والكفان هذه هي القاعدة فى الجملة ، أما الاستثناءات التى نوهت بها فهي إباحة النظر إلى محل المعالجة أو لمسه وهو فى الاصل اشد حرمة من النظر وذلك بالقدر الذى تدعو إليه الحاجة ، حتي لو كان ذلك المحل هو السوأتين ودواعي النظر التى مثلوا بها متعددة وهي قد آلت كما اشرت إلى الطبيب او مساعديه والملخصين به فى الحكم القابلة الخاتن الممرض ولمن يعهد إليه بتعرف البلوغ ( التسنين ) ولمن يرجع اليه فى معرفة العيوب الجنسية أو البكارة .
ومما حض عليه الفقهاء ستر ما لايحتاج لنظرة من العورة بثوب ، والاقتصار على النظر للمحل المعالج ...
علاج الرجل للمرأة وعكسه :
من القواعد الشرعية أن نظر الجنس ـ ذكرا أو أنثي إلى الجنس نفسه أخف ولهذا كان الاصل ان تعالج المرأة مثلها ... ومع هذا فقد نص الفقهاء على جواز الاستثناء ، وهو معالجة الرجل للمرأة وذلك حيث لم يوجد أحد من بني جنسها ... ولهم تفصيلات فى تقدير الضرورة بين أن يكون " تعذر تأتي " المقصود من المرأة " وهذا يتيح المجال لاعتبار الحال الحاضرة ، فإذا لم يكن ساعة العلاج العاجل الارجل ، أو كان الاختصاص المطلوب أو مقدار المهارة فيه لم يتوافر فى امرأة ، فذلك كله من الدواعي المشروعة .. وصرح بعضهم بأن الرجل يستعين بامرأة فيطلب إليها فعل ما يريد فعله ...
الخلوة بالمرأة : ـ
أحكام الخلوة عامة لا إعفاء من مراعاتها إلا فى الحالات الطارئة النادرة كما لو كانت المرأة مسافرة مع زوج او محرم ، ثم فارقها بالوفاة مثلا .
والخلوة الممنوعة هي الانفراد بالمرأة من قبل رجل ليس زوجاً ولا محرماً ، أما انفراد الرجلين بالمرأة او أنفراد الرجل بالمرأتين فليس خلوة عند بعض الفقهاء وهذا طبعا اذا كان الغرض ليس سيئا على أن فى انفراد الرجلين بالمرأة ، وعكسه ، خلافا لبعض الفقهاء ويتعين تفسيره وفقا لما تدل عليه الوقائع الكثيرة من السنه وعمل السلف بأنه نوع من الاحتياط الواجب إذا لم تؤمن الفتنة ، وأما المتفق عليه فهو ما جاء به الحديث الصحيح " ما خلا رجل بامرأة الا كان الشيطان ثالثهما "
ولا شك ان الخلوة على ما صرح به الإمام أحمد وغيره لاتتحقق الا فى بيت او نحوه مما يؤمن معه دخول ثالث الا بإذنهما .
اما ما كان من الاماكن متاحا دخوله لعامة الناس او لصنف كالاطباء والممرضين مثلا فلاتحقق فيه
الخلوة ...
استطباب غير المسلم :
التطبيب مهمة خطيرة ، فإذا لم تجر فى جو من الأمان والاطمئنان كانت ذريعة لإلحاق الأذي بالخصوم كما أن لذلك اثراً نفسيا فى شعور المريض نفسه (11 )
من هذا المنطلق ومما كان يقع مع بعض غير المسلمين من مكائد أو غش ، ذهب بعض الفقهاء إلى كراهة استطباب غير المسلم إلا الضرورة . ويدل على مستندهم فى الرأي ما أشاروا إليه بقولهم " لعدم الثقة وافتقاد النصيحة " فإذا لم تبق هذه العلة زال الحكم المنوط بها ولذا يعارض ابن تيمية فى القول بالكراهية قائلاً : " إذا كان اليهودي أو النصراني : كبيرا بالطب ، ثقه عند الإنسان ، جاز أن يستطبه ، كما يجوز أن يودعه المال وان يعامله ، وقد روي ان النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن يستطب الحارث بن كلده وكان كافرا واذا أمكن ان يستطب مسلما فهو كما لو أمكنه ان يودعه أو يعامله فلاينبغي ان يعدل عنه وأما إذا احتاج إلى ائتمان الكتابي واستطبابه فله ذلك ، ولم يكن من ولاية اليهود والنصاري المنهي عنها " .
كما نبهوا على التثبيت مما يصفه من الأدوية المركبة لئلا يكون فيها محرم ، كما قالوا بانه لو أشار عليه بالفطر فى الصوم ، والصلاة جالسا لايرجع إلى قوله لانه خبر متعلق بالدين فلا يقبل (12 )
من آداب الطبيب : ـ
يشير السبكي فى بيان ما ينبغي أن يتحلي به الطبيب من آداب بعبارة مستوعبة بالنسبة لقلة ما جاء هذا فى غيره من كتب الحسبة التى توغلت فى بيان ما يكتشف به أهلية الطبيب وما يزاح به الغطاء عن الجهل او الغش إن وجد كما أشارت إلى ما يجب علمهم به ، وما يقسمون عليه ، ولزم مراعاة الأذن من ولي الأمر ومن المريض او وليه ( 1 ) يقول السبكي عن آداب الطبيب .
من حقه بذلك النصح والرفق بالمريض .
وإذا رأي علامات الموت لم يكره أن ينبه على الوصية بلطف من القول وله النظر إلى العورة عند الحاجة بالقدر المطلوب .
ـ واكثر ما يؤتي الطبيب من عدم فهمه حقيقة المرض واستعجالة فى ذكر ما يصفه وعدم فهمه مزاج المريض وجلوسه لطب الناس قبل استكماله الأهلية .
وعليه أن يعتقد أن طبه لايرد قضاء ولاقدرا ، وأنه إنما يفعل امتثالا لأمر الشرع وأن الله تعالي أنزل الداء والدواء وما أحسن قول أبن الرومي : " غلط الطبيب على غلطة مورد عجزت موارده عن الاصدار " .
والناس يلحون الطبيب وإنما غلط الطبيب إصابة الاقدار وهناك آداب اخري ليست الشريعة مصدرها الوحيد ، بل هي من آداب هذه المهنة مثل كتمان أسرار المرضي والالتزام بمقتضي القسم الطبي مما هو معروف ( 14 ) على أن من الآداب أمرا يخاطب به الجميع ويخص به الطبيب لاتصاله المباشر بالمريض وهو أدب " عيادة المريض " ولايقلل من شأن هذه المطالبة الخاصة أن يكون ذلك مقتضي مهنته . فإنه إذا نوي بالاضافة إلى باعث الواجب الوظيفي الأخذ بهذه الآداب التى هي من تمام حق المسلم على المسلم كان أداؤه أكمل لصدور ذلك عن قناعه والتزام ديني ينمو الوازع الداخلي بعد رقابة الله عز وجل .
وقد جاء من التفصيلات لآداب عيادة المريض ما يجعل منها علاجا نفسيا للمريض فضلا عن تحقيق المؤانسه والرعاية له فى حال ضعفه وقعودة وأشير إلى أهم العناصر البارزة فى عيادة المريض مما مصدره الشريعة قبل غيرها .
أ ـ عيادة المريض أدب ديني للأمر بها والأجر والفضل عليها فما يلي من الاحاديث .
أمرنا صلى الله عليه وسلم بعبادة المريض ...( اخرجه البخاري ومسلم ) .
حق المسلم على المسلم خمس ... رد السلام وعيادة المريض ، واتباع الجنائز واجابة الدعوة وتشميت العاطس " اخرجه البخاري ومسلم " .
ـ إن الله يقول يوم القيامة : يا بن آدم مرضت فلم تعدني قال : يارب كيف أعودك وأنت رب العالمين ؟ قال اما علمت انك لوعدته لوجدتني عنده ؟ اخرجه البخاري ومسلم " .
ـ عودوا المريض ، وأطعموا الجائع وفكو العاني ـ اي الأسير " أخرجه البخاري " .
ـ أن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل فى خرفه الجنة حتي يرجع ( أي فى جناها) " أخرجه مسلم " .
ب ـ الدعاء للمريض ، بمثل الأدعية المأثورة التالية : ـ
باسم الله ، تربه أرضنا بريقة بعضنا يشفي سقيمنا ، بإذن ربنا " أخرجه البخاري ومسلم "
ـ اللهم رب الناس أذهب البأس ، أشف أنت الشافي ، لاشفاء الا شفاؤك ، شفاء لايغادر سقماً " أخرجه البخاري ومسلم " .
ـ باسم الله ( ثلاثا ) أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر " سبع مرات " أخرجه مسلم " .
ـ أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك .
ـ لاباس طهور إن شاء الله .
ـ باسم الله أرقيك من كل شر يؤذيك ، من شركل نفس أو عين حاسد الله يشفيك ، باسم الله ارقيك " أخرجه مسلم " .
ـ قراءة المعوذتين والإخلاص والفاتحة ....
ـ اللهم اشف ، عبدك ينكأ لك عدوا ، أو يمشي لك إلى صلاة ... السؤال عن حال المريض .
ويكون الجواب فى جميع الأحوال : " اصبح بحمد الله بارئاً " إلا إن كان السائل معنيا بعلاج المريض وهو يسأل عن تطور حاله ، لمتابعة علاجه بما يناسب تلك الحال .
د ـ الإحسان للمريض واحتماله والصبر على ما يشق من أمره : وذلك من باب الامتثال لقوله تعالي " إن الله يأمر بالعدل والإحسان " (6 الم 90 ) وقوله صلي الله عليه وسلم إن الله كتب الإحسان على كل شيء " .
هـ ـ كراهية تمني المريض الموت :
لقوله صلى الله عليه وسلم " لايتمنين أحدكم الموت من ضر أصابه ، فإن كان لابد فاعلا فليقل " اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي ... " والمراد إيصاء الطبيب الذى يعود المريض بعدم الوقوع فى هذا المحذور .
وتطيب نفس المريض :
لقوله صلى الله عليه وسلم إذا دخلتم على مريض فنفسوا له فى أجله ، فإن ذلك لايرد شيئا ويطيب نفسه وبؤيده قوله صلى الله عليه وسلم لأحد من عادهم : لابأس طهور إن شاء الله .
ز ـ الثناء على المريض بمحاسن أعماله .
إذا رأي منه خوفا ليذهب خوفه ويحسن ظنه بربه : وفيه إخبار عن ابن عباس مع عمر ، وعبد الله بن عمرو مع أبيه عمرو بن العاص ، وابن عباس مع عائشة ... لامحل لسردها .
ح ـ تشهية المريض : ـ
دخل صلى الله عليه وسلم على رجل يعوده فقال : هلي تشتهي شيئا ؟ تشتهي كعكا ؟ قال نعم فطلبه له ...( ابن ماجه ) .
ط ـ طلب العواد الدعاء من المريض :
" إذا دخلت على مريض فمره فليدع لك فإن دعاءه كدعاء الملائكة ولاشك أن طلب الدعاء منه يشعره بالراحة النفسية من حسن نظرة الناس إليه وأن مرضه كفر عنه كثيرا من ذنوبه وجعله يعيد النظر فيما سلف من أمره .
ي ـ تذكير المريض بعد عافيته بالوفاء بما عهد الله عليه :
ومما روي فى ذلك حوار جري بينه صلى الله عليه وسلم وبين الصحابي ( خؤات ) بعد أن عوفي من مرضه ، حيث قال له النبي صلى الله عليه وسلم صح الجسم يا خوات ، فإجابه وجسمك يارسول الله ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم فف الله بما وعدته ، فقال خوات : ما وعدت الله شيئا ، قال : بلي ، ما من عبد يمرض إلا وعد الله خيرا فف الله بما وعدته .
لمحات فى فقه الطبيب وأدبه وهي لتنوية والتمثيل لا للاستيعاب فله مجال آخر . ومن ذلك يتبين ما للطب من منزلة فى الشريعة وما له من موقع فى فقهها وآدابها ... ولا أجد للختام أروع من كلمة مأثورة عن الإمام الشافعي عن التواؤم بين علاج الأبدان ، وعلاج الاديان بإصلاح النفوس وحل مشكلات الحياة حيث يقول : لاتسكن فى بلد ليس فيه فقيه، وطبيب .
المراجع
(1 ) معالم القريه لابن الاخوة 165 ـ 166
(2 ) الهداية 1/126
(3 ) الهداية 1/206
(4 ) ابن مفلح : الفروع ، 2/53 .
(5 ) النووي : المجموع ، شرح المهذب ، 2/315 .
(6 ) ابن قدامه المغني ، 5/400 ابن حزم المحلي ، 8/196 . الدردير الشرح الصغير 4/75 .
( 7 ) الهداية 2/194 و 3/179 مجمع الضمانات 47 ـ 48 وفيه تفصيلات طريفة .
(8 ) المغني 4/315 وهناك كتاب مطبوع باسم ( مقاييس الجراحات ) فيه مزيج بين الرياضيات والطب كوسيلة لتحقيق عدالة التنفيذ .
المغني 5/398 ، ابن رشد : بداية المجتهد ، 2/349 ، البدائع 7/305 ، الشرح الصغير 4/47 ، الحطاب 6/321 ، نهاية المحتاج 8/2 .
( 9 ) غذاء الألباب 2/21 ـ 23
(10 ) لابن تيمية كلام دقيق فى التداوي بالمحرم ومناقشته من زعم تعين الدواء فى بعض المحرمات . مجموعة فتاوي ابن تيمية 4/272 = 276 .
( 11 ) غذاء الألباب شرح منطوقة الآداب للسفاريني 2/20 حاشية ابن عابدين 6/370 .
(12) يشير صاحب معالم القربه فى الحسبة " فى معرض الحض على تعليم الطب بقوله هو من فروض الكفاية ولا قائم به من المسلمين ، وكم من بلد ليس فيه طبيب الا من اهل الذمه ولايجوز قبلو شهادتهم فيما يتعلق بالأطباء من أحكام الطب ... ( ص 166 ) .
(13) التاج السبكي : معيد النعم ومبيد النقم ، ( ص 133 )
(14 ) معالم القربه 159 ـ 169 نهاية الرتبة 89 ـ 102 وغيرهما ... يرجع إلى كتاب علم آداب الطب للدكتور شوكت الشطي طبع جامعة دمشق " وكتاب الطب العربي " للدكتور أمين اسعد خيرالله المطبعة الاميركانية ـ بيروت .