المملكة العربية السعودية
جامعة الملك سعود
كلية التربية
قسم الدراسات الإسلامية
العين الحاسدة
دراسة شرعية : نظرية وميدانية
بحث أعده
1428هـ
2007م
د.حمدان بن محمد الحمدان
تقديم:
الحمد لله، نستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئآت أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله،وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم..
?يَأَيّهَا النّاسُ اتّقُواْ رَبّكُمُ الّذِي خَلَقَكُمْ مّن نّفْسٍ وَاحِدَةٍ، وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا، وَبَثّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَآءً، وَاتّقُواْ اللّهَ الّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ، إِنّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً?(1)
?يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ اتّقُواْ اللّهَ حَقّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنّ إِلاّ وَأَنْتُمْ مّسْلِمُونَ? (2)
?يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ اتّقُواْ اللّهَ وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً? (3)
فلقد كنت منذ الصغر أشاهد ما يدور في مجتمعنا من أقوال وقصص وسلوكيات وممارسات حول موضوع العين الحاسدة، ثم صار يبلغني شيء من ذلك من المجتمعات الإنسانية الأخرى، وعندما تخصصت في دراسة العلوم الشرعية- بحمدالله- وجدت أن لموضوع العين الحاسدة حضورا واضحا في العلم الشرعي.. وقد كنت أتساءل -باستمرار-: ما هي حدود موضوع (العين الحاسدة)؟ وأين الصواب والخطأ في اعتقادات الناس وأقوالهم وتصرفاتهم بهذا الشأن؟ وما هي التعاليم الشرعية والنصوص التي وردت بهذا الخصوص؟ إلى غير ذلك من الأسئلة الواردة على الأذهان، حول ذلك الموضوع اليومي المعاش المتكرر.. فلذا عزمت - مستعينا بالله تعالى- على بحثه، جاعلا له جانبا ميدانيا، لعله يكون مفيدا في الانتفاع به من أكبر عدد ممكن من المسلمين.. ولا يفوتني أن أشكر جامعتنا الموقرة (جامعة الملك سعود) حيث مكنتني من قضاء سنة تفرغ علمي، كانت السبب في التفكير في بحث كهذا.. والحمد لله رب العالمين ،،،
تعريف العين الحاسدة:
في اللغة: العين والياء والنون: أصل واحد صحيح، يدل على عضو به يُبصر و يُنظر، ثم يُشتق منه, قال الخليل: العين الناظرة: لكل ذي بصر. والعين: تُجمع على أعيُن وعُيون وأعيان, وربما جمعوا (أعينا) على (أعينات)(1) و(العين) تقع بالاشتراك على أشياء مختلفة، فمنها: الباصرة، و(عين) الماء، و(عين) الشمس، و(العين) الجارية، و(العين) الطليعة، و(عين) الشىء: نفسه، ومنه يقال: أخذتُ مالي ورجل عَيون، ومِعيان: خبيث العين. والعائن: الذي يَعيِن)(3)
ويقال: رجل نَفُوس: إذا كان يصيب الناس بعينه.(4)
وعرف(العين الحاسدة) ابن القيم رحمه الله، فقال: هي سهام تخرج من نفس (يلاحظ قوله: نفس) الحاسد والعائن نحو المحسود والمعين، تصيبه تارة، وتخطئه تارة(5).
وعرفها ابن حجر رحمه الله تعالى بقوله: العين: نظر باستحسان، مشوب بحسد، من خبيث الطبع، تحصل للمنظور منه ضرر(6).
وعرفها ابن خلدون بأنها : ( تأثير نفس المعيان عندما يستحسن بعينه مدركاً من الذوات , أو الأحوال, ويُفْرط في استحسانه, وينشأ عن ذلك حينئذ أنه يروم معه سلب ذلك الشيء عمن اتصف به)(7).
وعرفتها اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء برئاسة سماحة الشيخ بن باز رحمه الله بالمملكة العربية السعودية، بقولها : (العين مأخوذة من عان يعين إذا أصابه بعينه، وأصلها من إعجاب العائن بالشئ، ثم تتبعه كيفية نفسه الخبيثة، ثم تستعين على تنفيذ سمها بنظرها الى المعين)(8)
الفرق بين العين والحسد:
وقع خلط كبير عند كثير من الناس في التفريق بين الحسد والعين، والفرق بينهما واضح ولله الحمد. أولاً: الحاسد أعم من العائن فليس كل حاسد عائن، فقد يحسد شخص آخر من غير أن يعينه أو يضره، بل هو مرض في القلب يقتضي استكثار النعمة على الغير وتمني زوالها، فالحسد يقع في نفس حاقدة خبيثة. لذلك جاء ذكر الاستعاذة في سورة الفلق من الحاسد، فإذا استعاذ المسلم من شر الحاسد دخل فيه العائن، وهذا من شمول القرآن وإعجازه، بينما العين قد تقع من رجل صالح.
ثانياً: هناك أمور يشترك فيها الحسد مع العين وأمور يختلفان فيها.
فهي تشترك فيما يلي:
1-في الأثر، فكلاهما ينتج عنه الضرر وزوال النعمة أو تغيرها.
2-في الحقيقة، فكلاهما عبارة عن توجه النفس نحو من يحصل له الأذى.
3-في الوقاية منهما والعلاج، فالتبريك وذكر الله مانع من الإصابة.
1-في المصدر، فمصدر الحسد. تحرُّق القلب واستكثار النعمة على المحسود وتمني زوالها عنه أو عدم حصولها. أما العائن فمصدره الإعجاب والاستعظام، لذا فقد يصيب بالعين من جماد أو حيوان أو زرع أو مال، وربما أصابت عينه أحد أبنائه أو أهله أو نفسه، فرؤيته للشيء رؤية تعجب وتحديق مع تكيف نفسه وتوجهها إليه تؤثر في المعين.
2-الحاسد يمكن أن يحسد في الأمر المتوقع قبل وقوعه بينما العائن لا يعين إلا الموجود بالفعل.
3- أن الحاسد تتكيف نفسه وتتوجه لمن حسده سواء في حضرته أو غيبته، لأن الحسد أصله نفس خبيثة قوية. أما العائن فإن نفسه تتكيف عند مقابلة المعين ومعاينته.
يقول ابن القيم رحمه الله: (العائن والحاسد يشتركان في شيء ويفترقان في شيء، فيشتركان في أن كل واحد منها تتكيف نفسه ، وتتوجه نحو من يريد أذاه.
فالعائن :تتكيف نفسه عند مقابلة المعين ومعاينته.
والحاسد : يحصل له ذلك عند غيبة المحسود وحضوره أيضا.
ويفترقان في أن العائن قد يصيب من لا يحسده ، من جماد أو حيوان أو زرع أو مال، وإن كان لا يكاد ينفك من حسد صاحبه أ.هـ.
وأخيرا يمكننا القول بأن كل عائن حاسد وليس كل حاسد عائن)(1)
أدلة تأثير العين الحاسدة:
تأثير العين الحاسدة دلت عليه الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة والإجماع، إضافة إلى أدلة الحس والمشاهدة والتجارب البشرية، علاوة على ذلك، فإن هذا - وإن استغربه بعض الناس في بعض الأزمنة والأمكنة- فهو من الممكنات العقلية.. فمن الأدلة على ذلك :
1/ الأدلة من القرآن الكريم:
1- ... الدليل الأول : قوله تعالى: ? وإن يكاد الذين كفروا ليُْزلِقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر، ويقولون إنه لمجنون?(1). قال ابن كثير رحمه الله: (قال ابن عباس ومجاهد ?وغيرهما : ?ليزلقونك?: ليَنْفُذونك ?بأبصارهم?: أي يَعِينونك بأبصارهم: بمعنى يحسدونك لبُغْضهم إياك، لولا وقاية الله لك، وحمايته إياك منهم .. وفي هذه الاَية دليل على أن العين إصابتها وتأثيرها حق بأمر الله عز وجل، كما وردت بذلك الأحاديث المروية من طرق متعددة كثيرة.(2) ثم ساق رحمه الله مجموعة كبيرة من الأحاديث، قرابة خمسة وعشرين حديثا، مُسندة مَعْزُوَّة.
وقال القرطبي رحمه الله: (أخبر -تعالى- بشدّة عداوتهم النبيّ r، وأرادوا أن يصيبوه بالعين، فنظر إليه قوم من قريش، وقالوا: ما رأينا مثله ولا مثل حُجَجِه ! وقيل: كانت العين في بني أسد، (فكان الرجل منهم يتجوع ثلاثة أيام , فلا يمر به شيء فيقول فيه : لم أر كاليوم مثله! إلا عانه) حتى إن البقرة السمينة أو الناقة السمينة تمرّ بأحدهم، فيعاينها، ثم يقول: يا جارية! خذي المِكتل(3)والدرهم، فأتينا بلحم هذه الناقة! فما تبرح حتى تقع للموت فُتنْحر! وقال الكلبي: كان رجل من العرب يمكث لا يأكل شيئاً يومين أو ثلاثة، ثم يرفع جانب الخِباء، فتمرّ به الإبل أو الغنم، فيقول: لم أر كاليوم إبلاً ولا غنماً أحسن من هذه! فما تذهب إلا قليلاً حتى تسقط منها طائفة هالكة. فسأل الكفار هذا الرجل أن يصيب لهم النبيّ ? بالعين فأجابهم، فلما مرّ النبيّ ? أنشد:
قد كان قومك يحسبونك سيدا وإخال إنك سيد معيون
المصدر: كتاب الكترونى امؤتمر العلاج بالقران بين الدين الطب
نشرت فى 13 مايو 2012
بواسطة tebnabawie
سالم بنموسى
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
1,214,460