ومع الدعوة للأخذ بهذه الرقية الشرعية والحرص عليها للاستشفاء بها من جميع أمراضنا، فإن من المهم بيانه وتوضيحه أن ذلك ليس معناه عدم جواز الأخذ بأسباب العلاج المباح من الذهاب إلى الأطباء، واستعمال الأدوية النافعة، وزيارة العيادات النفسية والموثوقة، كلا، فذلك كله جائز ومشروع بدليل أن النبي أمر بذلك وفعله بنفسه، ومن ذلك: ما رواه أبن أبي خزامة قال: قلت يا رسول الله أرأيت رقى نسترقها، ودواء نتداوى به، وتقاة نتقيها، هل ترد من قدر الله شيئاً؟ فقال (هي من قدر الله)(35) فهذا الحديث يدل كما قال ابن القيم على إثبات الأسباب والمسببات وإبطال قول من انكرها.
كذلك قوله عندما سأله الأعراب: يا رسول الله انتداوى؟ فقال: (نعم، يا عباد الله تداووا، فإن الله عز وجل لم يضع داءً إلا وضع له شفاء إلا داء واحداً) قالوا: ما هو ؟ قال: (الهرم).(36)
ففي هذا الحديث وغيره من الأحاديث كما قال ابن القيم دليل واضح (على أنه صلى الله عليه وسلم أمر بالتداوي، أنه لا ينافي التوكل، كما لا ينافيه دفع داء الجوع والعطش والحر والبرد بأضدادها، بل لا تتم حقيقة التوحيد إلا بمباشرة الأسباب التي نصبها الله مقتضيات لمسبباتها قدراً وشرعاً وأن تعطيلها يقدح في نفس التوكل كما يقدح في الأمر والحكمة ويضعفه من حيث يظن معطلها أن تركها أقوى في التوكل!)(37)
أما قوله : (الشفاء في ثلاث: شربة عسل وشرطة محجم وكية نار، وأنا أنهى أمتي عن الكي بالنار)(38).
(فهذا نص صريح يبين أن من أسباب الشفاء ما يكون في العسل والحجامة والكي بالنار، فكما أن الرقية مشروعة وهي من أسباب الشفاء بإذن الله تعالى، فكذلك العسل والحجامة والكي بنص حديث رسول الله .
من هذه الأحاديث يستفاد مشروعية الذهاب إلى الأطباء ذوي الأهلية العلمية الذين لديهم القدرات والإمكانات التي تساعد على تشخيص العلة، واستخدام الأدوية والعقاقير المباحة النافعة لكثير من الأمراض.. ولكن الأفضل في التداوي – عموما- الجمع بين الأدوية الإلهية (الرقية الشرعية) والأدوية الطبية والأسباب الأرضية).(39)
ومن الأدلة على مشروعية الجمع بين الدواءين ما فعله بنفسه عندما لدغته عقرب أثناء الصلاة فقال: (لعن الله العقرب ما تدع نبياً ولا غيره) قال الراوي: ثم دعا بإناء فيه ماء وملح، فجعل يضعه موضع اللدغة في الماء والملح يقرأ قل هو الله أحد والمعوذتين حتى سكنت)(40).
ثامناً – متى تنفع الرقية ؟
وهذا سؤال من المهم الإجابة عنه، وذلك أن أحدنا قد يرقى نفسه، أو يرقي غيره، ولكن لا يجد الأثر المتوقع، أو الشفاء العاجل، فحينئذ يحصل في نفسه شيء من الشك في نفع هذه الرقية، فيتساءل معترضاً: أين كلام من يزعم فائدة هذه الرقية وقد رقيت نفسي فما رأيت لمرضي شفاء ولا لحالتي تقدما؟ وعن مثل هذه التساؤلات يجيب ابن القيم رحمه الله فيقول: (ولكن ها هنا أمر ينبغي التفطن له، وهو أن الآيات والأذكار والدعوات والتعوذات التي يستشفى بها ويرقى بها هي نفسها نافعة شافية،ولكن تستدعي قبول وقوة الفاعل وتأثيره، فمتى تخلف الشفاء، كان لضعف تأثير الفاعل، أو لعدم قبول المنفعل، أولمانع قوي يمنع أن ينجح فيه الدواء)[41]، ثم قال في موضع آخر من زاد المعاد (فإن العلاج بالرقى يكون بأمرين: أمر من جهة المريض، وأمر من جهة المعالج، فالذي من جهة المريض يكون: بقوة نفسه وصدق توجهه إلى الله تعالى، واعتقاده الجازم بأن القرآن شفاء ورحمة للمؤمنين، والتعوذ الصحيح الذي قد تواطأ عليه القلب واللسان، فإن هذا – أي عمل الرقية- نوع محاربة والمحارب لا يتم له الانتصار من عدمه إلا بأمرين : أن يكون السلاح صحيحاً في نفسه جيداً، وأن يكون الساعد قوياً، فمتى تخلف أحدهما لم يغن السلاح كثير طائل، فكيف إذا عدم الأمران جميعاً: يكون القلب خراباً من التوحيد والتوكل والتقوى والتوجه، ثم لا سلاح له أيضاً، والأمر الثاني من جهة المعالج بالقرآن والسنة أن يكون فيه الأمران أيضاً).(42)
تاسعاً: شروط الرقية :
1- أن تكون بكلام الله تعالى أو بأسمائه وصفاته، أو بالمأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم.
2- أن تكون باللسان العربي الفصيح أو بما يعرف معناه.
3- أن يعتقد الراقي أن الرقية لا تؤثر بذاتها بل بتقدير الله تعالى.
4- أن لا تكون الرقية بهيئة محرمة أو بدعية، كأن تكون الرقية في الحمام، أو في مقبرة، أو أن يخصص الراقي وقتاً معيناً للرقية، أو عند النظر في النجوم والكواكب، أو أن يكون الراقي جنباً، أو يأمر المريض أن يكون جنباً.
5- أن لا تكون الرقية من ساحر أو كاهن أو عراف.
6- أن لا تشمل الرقية على عبارات أو رموز محرمة، لأن الله لم يجعل الدواء في المحرم.(43)
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
من كتاب فضيلة الشيخ امجد المستريحي
http://mathany.org/files/roqya.doc
--------------------------------
[35] رواه الإمام أحمد الترمذي وقال حديث حسن صحيح
[36] رواه الإمام أحمد (18645) وصححه الألباني في صحيح ماجه (2772)
[37] زاد المعاد لابن القيم 4/11
[38] رواه البخاري.
[39] مهلاً أيها الرفاة لعلي بن محمد ياسين ص 104.
[40] السلسلة الصحيحة للألباني (548).
[41] الجواب الكافي لابن القيم ص 38
[42] انظر: زاد المعاد لابن القيم 4/54
[43] الرقى على ضوء عقيدة أهل السنة والجماعة د. علي ابن نفيع العلياني.