السراج المنير في الطب العربي والإسلامى

عندما توصي مؤتمرات طبية بإنشاء عيادات للرقية الشرعية

 

د. أميمة بنت أحمد الجلاهمة
اكاديمية سعودية في جامعة الدمام


نأمل أن تنظم الرقية الشرعية بشكل رسمي يحفظ المجتمع من المدعين والدخلاء ومن الخرافات والدجل، ويحقق الغرض السامي ويوفر متخصصين في الرقية الشرعية.. على أن يكون من أنشطتهم المعتمدة إجراء دورات تثقيفية تعلم العامة الكيفية الشرعية للرقية



الكثير من المسلمين بحمد الله من يلتزم بالأذكار اليومية، وهؤلاء بالمجمل متصالحون مع أنفسهم مستقرون نفسيا، ومن وجهة نظري أعتقد أن تدريب أبنائنا على الالتزام بها من أهم الأسباب التي قد تحقق لهم بإذن الله الاستقرار والنجاح، شرط أن يكون أساسها الحب والرجاء والثقة والتوكل الكامل على الله سبحانه وتعالى، والتجارب أكثر من أن تحصى على نجاح هذا التوجه الإسلامي في تربية النشء.

ولا أعني مطلقا أن هذه الأذكار تغني عن العمل، فالاكتفاء بتردادها دون بذل الأسباب يناقض التوجه الإسلامي من أساسه، والناظر في النصوص الشرعية سيجدها تدعو وتوجه إلى اقتران بذل الأسباب بالتوكل على الله تعالى، فعلى سبيل المثال أذكر هنا حديث أنس رضي الله عنه فقد قال‏:‏ ‏(‏قال رجل يا رسول الله! أعقلها وأتوكل‏؟‏ أو أطلقها وأتوكل‏؟‏ قال اعقلها وتوكل‏)‏ فالتوكل على المولى سبحانه لا يغني بحال عن العمل، فالأخذ بالأسباب المباحة لا ينافي التوكل، وقد لقي عمر بن الخطاب جماعة من أهل اليمن، فقال‏:‏ من أنتم‏؟‏ قالوا‏:‏( نحن المتوكلون‏، قال‏:‏ بل أنتم المتأكلون‏!‏ إنما المتوكل الذي يلقي حبه في الأرض ويتوكل على الله).
وبما أننا في عصر ينطبق عليه وصف أستاذي رفقي زاهر رحمه الله الذي قال إنه (عصر القلق) وهو بحق كذلك، والقلق الذي نعانيه علاجه لا يكمن – فقط - في التوجه لمصحات العلاج، مع ضرورة اعتمادها والتوجه إليها، فللأرواح مطالب تختلف عن مطالب الأجساد التي تنحصر بالمجمل في الحصول على الماديات من طعام وكساء.. إلى غير ذلك، أما مطالب الروح فتتناسب مع طبيعتها الروحانية فالروح السوية تهفو إلى باريها، ولن تستقر وتهدأ إلا بذكره وتعلق القلب به.
وهذه الأذكار كما نعلم جميعا قد تكون سببا في حمايتنا وشفائنا من الأمراض العضوية والنفسية، وقد تكون الرقية الشرعية عونا للأطباء المتخصصين، فيتحقق الشفاء بإذن الله، وكثيرا ما أصادف شبابا بعمر الورود بل كهولا خط الشيب رؤوسهم، فزعين قلقين من العين والحسد، يعولون كل فشل وكل هم وبلاء على عين فلان أو فلانة، أو عن سحر تمكن منهم، وهذا القلق المستدام عند بعضهم قد يؤدي إلى فشل وأمراض نفسية قد تكون مستعصية حتى على الطبيب الماهر.
إن المسلم يؤمن يقينا بوجود العين وبوجود الحسد وبتأثيرهما الضار، ويؤمن في الوقت نفسه بالأثر الايجابي للأذكار اليومية من دفع البلاء، ورفع المعنويات، وتثبيت النفوس، وزيادة الثقة، والحماية من شر الشياطين وجنودهم، ويؤمن كذلك بأثر الرقية الشرعية الإيجابي في شفاء الأمراض النفسية وبل حتى العضوية، هذا كله بحمد الله يؤمن به عامة المسلمين.

إلا أن ما أسعدني وأثلج صدري وكان الدافع للحديث معك أيها القارئ الفاضل حول هذا الموضوع، هو ما انتهى إليه متخصصون في المجال الطبي بقسميه العضوي والنفسي وعلماء مسلمون أفاضل في هذه البلاد الطيبة الطاهرة من ضرورة اعتماد الرقية الشرعية كعلاج مساند للطب العضوي والنفسي، فخلال الأيام الماضية وفي شهر شوال الحالي عقد في المنطقة الشرقية تجمعان علميان أحدهما في الأحساء والآخر في الخبر، وكلاهما اهتم بإبراز ضرورة اعتماد الرقية الشرعية في مستشفياتنا، بل أظهرا أن ذلك هو توجه الدولة، ولله الحمد والمنة.

المؤتمر الدولي الأول كان برعاية كريمة من صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، وكان هو الأول من نوعه للجمعية السعودية للطب النفسي (بجامعة الدمام) وكان تحت عنوان "الصحة النفسية من منظور اجتماعي"، وانعقد في الخبر، وفي هذا المؤتمر الدولي أكد رئيس الجمعية السعودية للطب النفسي الدكتور" مهدي أبو مديني" وهو المتحدث الرسمي للمؤتمر: "أن هناك توجها من بعض زملاء المهنة لإيجاد عيادات تعالج بالقرآن، وهناك مشروع لعمل برنامج للراقي الشرعي طرح في مؤتمر سابق، وسبق أن طلبنا من الجهات الشرعية تبنيه للدعاة والخطباء، وهذا البرنامج يستهدف إيجاد راقٍ شرعي وفق قوانين وقواعد، وتأهيله وإعطائه.. ترخيصاً لممارسة الرقية الشرعية المؤصلة والمقننة، وهناك توجه من الدولة لعمل التراخيص..) ومن جانب آخر من ساحلنا الشرقي، وبالتحديد في الأحساء تمت برعاية صاحب السمو الأمير بدر بن محمد بن عبدالله بن جلوي آل سعود، محافظ الأحساء، دورة بعنوان "الأحكام الفقهية في بعض القضايا الطبية المعاصرة"، نظمتها إدارة التوعية الدينية بصحة الأحساء، بالتعاون مع (جامعة الملك فيصل) وبإشراف إدارة التدريب والابتعاث بالمديرية، وهذه الدورة ناقشت عدة قضايا طبية معاصرة كالاكتئاب والقلق والعنف الأسري والرقية الشرعية بين الانضباط والانفلات، وغيرها من الموضوعات، وقد انتهت هذه الدورة إلى توصيات، منها: (التأكيد على دمج العلاج النفسي السلوكي بالعامل الديني خاصة بعد ثبوت جدواه الطبية والاقتصادية وأهمية الجمع بين الرقية المنضبطة بالقواعد الشرعية والمعالجة بالطب الحديث، والحاجة لتعاون الجهات المختصة لوضع منهجية علمية للاستفادة من الرقية الشرعية في القطاعات الصحية، وعقد دورات ولقاءات علمية تجمع بين الفقهاء وعلماء الطب النفسي لدعم التواصل وتقريب الأفكار التي تنعكس على المريض والمجتمع..) وهذا ما أشار إليه" ابن القيم" رحمه الله بقوله: (نبه الإسلام المريض على أدوية روحانية يضمها إلى الأدوية المادية المتوفرة، وتشمل اعتماد القلب على الله والتوكل عليه والالتجاء إليه بالتذلل والصدقة والدعاء والاستغفار والإحسان إلى الخلق وإغاثة الملهوف.. فقد علم أن الروح متى قويت، قويت النفس.. وتعاونا على دفع الداء وقهره.) وبالتالي فهناك اتفاق قديم بين الكثير من المتخصصين المعتمدين في المجال الصحي والشرعي على ضرورة تزاوج الطب العضوي والنفسي بالعلاج الروحي الذي توفره الرقية الشرعية، وكمجتمع نأمل أن تنظم الرقية الشرعية بشكل رسمي يحفظ المجتمع من المدعين والدخلاء ومن الخرافات والدجل، ويحقق الغرض السامي ويوفر متخصصين في الرقية الشرعية.. على أن يكون من أنشطتهم المعتمدة إجراء دورات تثقيفية تعلم العامة الكيفية الشرعية للرقية، وتمكنهم من الاعتماد على أنفسهم فيصبح الواحد منهم قادراً على أن يرقي نفسه وأهله .

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 88 مشاهدة
نشرت فى 19 إبريل 2012 بواسطة tebnabawie

سالم بنموسى

tebnabawie
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,212,116