شجرة التين
إعداد:
مديرية البحوث العلمية الزراعية
مركز بحوث إدلب
الدكتور أنور ابراهيم المهندس مصطفى الرشيد
مقدمة:
يعتبر القطر العربي السوري مركزاً مهماً من مراكز نشوء الأنواع النباتية ويزخر بكثير من الأصناف المحلية التي تشكل أساس الزراعات التقليدية حيث تقطن بيئات متباينة من حيث الظروف البيئية وطبيعة التربة والارتفاع عن سطح البحر.
تتميز هذه الأنواع والأصناف بتحملها للعوامل الممرضة والظروف البيئية المختلفة نظراً للتباينات الوراثية التي تؤمن لها الحماية، كما تعتبر مورداً للتنوع الوراثي وثروة إنسانية لاتقدر بثمن.
اليوم نحن بصدد الحديث عن شجرة التين ، هذه الشجرة المباركة وهي من أقدم النباتات التي عرفها الإنسان، شجرة معمرة تنمو بعلاً ولثمارها أشكالاً وألواناً تبهج النفس وتغذي الجسد وتتمتع بقيمة غذائية وطبية واقتصادية هامة.
تتركز زراعة التين عالمياً في منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط حيث ينتج 80% من الإنتاج العالمي، أما في سوريا فيحتل التين المركز الرابع من حيث المساحة المزروعة وتجود زراعته في كافة البيئات تقريباً وهي لا تستوجب مستلزمات إنتاج كبيرة وتنتج ثمار طبيعية وصحية خالية من الأثر المتبقي للمبيدات نظراً لقدرتها على التأقلم والعيش في ظروف بيئية قاسية لاتستطيع كثير من الأشجار المثمرة العيش فيها كما أنها لاتحتاج إلى كميات كبيرة من الماء والأسمدة ومقاومة للآفات والأمراض. كل هذه الصفات تجعل هذه الشجرة تحتل مكانة مرموقة ومادة نباتية تستحق الدراسة والاهتمام والعمل على النهوض بها.
لمحة تاريخية والموطن الأصلي والانتشار:
شجرة التين واحدة من الأشجار المباركة، وهي من أقدم الأشجار التي عرفها الإنسان، وتعتبر هذه الشجرة إحدى أطول الأشجار المثمرة عمراً وشكلت مع الزيتون والعنب والنخيل أقدم مجموعة من النباتات التي قامت عليها زراعة البساتين في العالم القديم.
لقد وفرت هذه الفاكهة عبر آلاف السنين ثماراً طازجة في الصيف وثماراً مجففاً قابلة للتخزين وغنية بالسكر على مدار العام، لقد عرفه الفينيقيون والفراعنة والإغريق كغذاء ودواء. يعتقد معظم الباحثون بأن الموطن الأصلي للتين هو جنوب شبه الجزيرة العربية ثم انتقل إلى بلدان آسيا الصغرى في الأناضول وتركيا وأفغانستان.
وقد نقل إلى أوروبا عن طريق الفينيقيين والإغريق ، وعندما جاءت الفتوحات العربية انتقل التين إلى معظم البلدان التي وصل إليها العرب، وانتقل إلى الشرق عن طريق سوريا ووصل إلى الهند في القرن الرابع عشر الميلادي وانتشر في الصين حوالي القرن السادس عشر ودلت الكثير من الآثار التي تعود إلى 2000 عام قبل الميلاد بأن زراعة التين كانت من الزراعات الرئيسية في بلدان آسيا الصغرى وكانت عمليات التجفيف والتصدير لثماره من التجارات الهامة في ذلك الوقت يزرع التين في الوقت الحاضر بكثرة في بلدان البحر الأبيض المتوسط وفي أمريكا الشمالية والوسطى والجنوبية وفي بلدان أواسط آسيا وتنتشر شمالاً حتى شواطئ البحر الأسود وبحر قزوين.
إن الإنتاج العالمي من ثمار التين يوازي مليون طن (جدول 1) 90% منها مصدره بلدان حوض البحر الأبيض المتوسط، تحتل تركيا المقدمة 27% من الإنتاج العالمي وأوروبا 15% ومصر 11% إضافة إلى بلدان المغرب العربي وسوريا وإيران، أما في القارة الأمريكية فإن الكمية العظمى تنتجها الولايات المتحدة والبرازيل.
جدول رقم (1)[1]
الدولة |
إنتاج عام 1981 |
إنتاج عام 1992 |
إنتاج 1992 (%) |
تركيا |
245 |
278 |
27 |
إيران |
20 |
84 |
8 |
سوريا |
51 |
44 |
4 |
العراق |
13 |
16 |
2 |
لبنان |
9 |
13 |
1 |
الأردن وفلسطين |
12 |
12 |
1 |
الشرق الأوسط |
349 |
446 |
44 |
أفريقيا |
169 |
301 |
30 |
أوروبا |
220 |
145 |
14 |
أمريكا |
65 |
145 |
6 |
مجموع |
903 |
1018 |
100 |
يبين الجدول إنتاج التين لعام 1981–1992 ونسبةالإنتاج لعام 1992في مختلف بلدان العالم
الإنتاج بآلاف الأطنان
1981 = المتوسط للأعوام 1980 – 1981 – 1982
1992 = المتوسط للأعوام 1991-1992-1993
في أغلب البلدان يستهلك الإنتاج محلياً والتجارة العالمية للتين محدودة حيث أن الكميات المصدرة من ثمار التين بحدود 50 ألف طن ثمار مجففة، و 10 آلاف طن ثمار طازجة وتحتل تركيا المركز الأول بهذا المجال حيث تبلغ حصتها من هذه التجارة بحدود 60 % تليها إيطاليا وإسبانيا واليونان والولايات المتحدة الأمريكية وسوريا، أما الدول الأكثر استيراداً لهذه المادة فهي الدول الأوروبية.
2- الأهمية الاقتصادية والغذائية والطبية:
شجرة التين غزيرة الإنتاج، وتتميز الثمار بقيمة غذائية كبيرة وهي ذات طعم ونكهة لذيذة مميزة وتتضح القيمة الغذائية من المثل الشائع (يوم التين مافي عجين).
الجدول (2) التركيب الكيميائية للثمار الطازجة والمجففة (100)غ
المركبات |
تين طازج |
تين جاف |
ماء |
81.9% |
19.4% |
القيمة الحرارية |
47 كالوري |
242 كالوري |
بروتينات |
0.9 غ |
3.5 غ |
مواد دهنية |
0.2غ |
2.7 غ |
سكريات |
11.2 |
58 غ |
ألياف |
0.2 غ |
10.4 |
فيتامينات |
||
B1 |
0.03 ملغ |
0.14 ملغ |
B2 |
0.04 ملغ |
0.10 ملغ |
PP |
0.4 ملغ |
0.6 ملغ |
C |
7 ملغ |
0 ملغ |
A |
15 ملغ |
8 ملغ |
كالسيوم |
43 ملغ |
186 ملغ |
حديد |
0.5 ملغ |
3 ملغ |
تستخدم ثمار التين في كثير من الصناعات الغذائية، كالمربيات والحلويات وتحضير بعض أنواع القهوة وفي صناعة الكحول والعطور وكذلك يمكن استخدام أوراق التين الناضجة قبل سقوطها وفضلات التين الطازج أو المجفف كعلف للحيوانات، ولقد وجد بأن 100 رطل من التين المجفف تعادل 186 رطل من تبن القمح و110 رطل من تبن البرسيم و 97 رطل من النخالة و 85 رطل من الشعير و 89 رطل من القمح و 50 رطل من كسبة بذور القطن.
لقد أثبت الطب القديم والحديث فوائد التين الطبية في مجالات عديدة، فله تأثير قلوي هذا من شأنه إزالة حموضة الجسم التي تنشأ عن أمراض عديدة بالإضافة إلى وهن الجسم.
إن أغلب المواد الفعالة في التين ذات خواص مطهرة وملينة فهو يستخدم خارجياً لمعالجة الجروح والقروح النتنة بتضميدها بثمار المجففة والمغلية ، ويعالج التين الإمساك حتى المزمن أو المستعصي منه، أيضاً يفيد منقوع ثمار التي من علاج التهابات الجهاز التنفسي مثل التهاب القصبة الهوائية والحنجرة كما أن تناول كأس من هذا المنقوع قبل كل طعام يفيد في تخفيف السعال التشنجي الديكي الذي يصيب الأطفال. أما إذا استعمل المنقوع غرغرة فإنه يخفف الآلام الناجمة عن التهاب البلعوم وقد أثبتت الدراسات الحديثة بأن التين يمنع من تشكل الأورام السرطانية.
3- واقع زراعة التين في سوريا:
تحتل زراعة التين المرتبة الرابعة من حيث المساحة بعد الزيتون والكرمة والتفاح وتنتشر زراعته في مختلف المحافظات السورية حيث تزدهر زراعته في مواقع بيئية شديدة التباين فنجده في مناطق لايتجاوز معدل هطول الأمطار 200 ملم سنوياً وفي مناطق أخرى يصل فيها المعدل لأكثر من 1000 ملم ويزرع في مختلف أنواع الترب. وينجح في الأراضي الصخرية ويتحمل الجفاف وحرارة الصيف المرتفعة.
كما تتواجد شجرة التين على ارتفاعات تبدأ من الصفر إلى أكثر من 1500 م عن سطح البحر، كل هذه الاعتبارات تجعل منها نباتاً ملائماً لزراعة مستديمة وحافزاً نحو الاهتمام والحفاظ على هذه الثروة، لكن في الوقت الحاضر أصبحت زراعته هامشية أو تزيينية في أغلب المناطق وتشهد انحساراً كبيراً في المساحات المزروعة خلال العقدين الماضيين وحسب إحصائيات وزارة الزراعة فإن المساحات المروية البعلية والإنتاج خلال الخمسة والعشرين سنة الماضية كانت على النحو التالي:
السنة |
المساحة/ألف دونم |
عدد الأشجار/ألف |
الإنتاج/ ألف طن |
1970 |
216.3 |
4405 |
43.6 |
1975 |
203.6 |
4327 |
36.2 |
1980 |
188 |
3837 |
46.7 |
1985 |
166 |
3656 |
34.9 |
1990 |
145.3 |
3847 |
37 |
1995 |
106.8 |
2671 |
47.7 |
جدول (3) يبين تطور المساحات المزروعة بالتين في سوريا
خلال الأعوام 19770-1995
يلاحظ من الجدول الانخفاض المستمر في المساحة المزروعة منذ عام 1970 حتى عام 1995 ، أما الإنتاج فهو يختلف من سنة إلى أخرى ويرجع ذلك إلى التقديرات الخاطئة لقلة الدقة في جمع المعلومات الأولية. إن هذا الانخفاض بعدد الأشجار مؤشر خطير يدل على أن هذه الزراعة مهددة بالتراجع وربما بالانقراض في كثير من مناطق القطر لحساب أنواع ثمرية أخرى كالزيتون والتفاح، بالإضافة إلى الأمراض والحشرات وخاصة حفارات الساق وحشرة التين الشمعية حيث أصبحت العامل المحدد لزراعة التين في كثير من المناطق وخاصة في الساحل السوري.
كما يلاحظ عزوف المزارعين عن زراعته لانخفاض أسعاره في مرحلة قمة الإنتاج في ظل غياب الصناعات التحويلية (تجفيف، مربيات، مواد غذائية، عطور وكحول) وتصدير هذه المنتجات إلى الخارج علماً إنها مواد مطلوبة وأسعارها مرتفعة.
يوجد في القطر أصنافاً كثيرة جداً لم يتم حصر عددها بشكل كامل وتختلف هذه الأصناف بمواصفاتها المورفولوجية والفيزيولوجية ومواصفات الأفرع والثمار والأوراق وغيرها، كما أن الدراسات المتعلقة بخواص هذه الشجرة مازالت محدودة. لذلك وبدعم من وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي ومديرية البحوث العلمية الزراعية تم القيام بجولات حقلية واسعة شملت مختلف مناطق القطر لحصر الأصناف والسلالات المحلية بغية تحقيق الأهداف التالية:
1- حصر أصناف وسلالات التين المحلية ودراسة مواقع الانتشار وأهم الصفات النوعية والشكلية وسلوكها الحيوي.
2- تقييم هذه الأصناف والسلالات وتوحيد مسمياتها والاستفادة من طاقاتها الوراثية في التحسين.
3- إصدار هوية بمواصفاتها والعمل على إكثار المهم منها ونشر زراعته.
4- إغناء المجمعات الوراثية بالمادة النباتية لحفظها من الضياع والانقراض وإجراء الدراسات العلمية عليها.
4- المتطلبات البيئية :
أ- التربة: تستطيع شجرة التين أن تنمو وتثمر في أماكن لايمكن لأي نوع شجري مثمر آخر أن يعيش فيها، فنجدها في الأراضي الصخرية والمحجرة، على الجدران، في الكهوف وعلى حواف الطرق. إن قدرتها على التأقلم والعيش في ظروف التربة المختلفة لاحدود لها وإن التربة المفضلة لزراعة التين هي التربة البنية المتوسطة الطينية الرملية الدافئة والخصبة وجيدة البناء والصرف.
ب- الماء : تعتبر شجرة التين من أكثر الأشجار المثمرة تحملاً للعطش ومقاومة الجفاف لقدرتها على امتصاص الرطوبة من التربة مهما كانت نسبتها منخفضة، بفضل جهازها الجذري الكثيف والوتدي والمتفرع لكنها تبدي تجاوباً إيجابياً مع إضافات الري المنتظمة من حيث سرعة النمو والتبكير في الدخول بالإثمار وكمية ونوعية المحصول.
ج- العوامل المناخية: تخشى شجرة التين الانخفاض الشديد للحرارة في الشتاء، إذ تبدأ الأضرار بالحدوث على المجموع الخضري عند حرارة -7 مْ ، إن شدة هذه الأضرار تختلف حسب عمر وقوة الشجرة ومدة انخفاض الحرارة. وتعتبر درجة الحرارة -17 مْ ومادون مميتة لكامل الشجرة.
أما الصقيع الربيعين فيمكن أن يؤثر في بعض السنوات على المحصول الأول (تين زهر) في الأصناف التي تنتج موسمين، لاسيما عند انخفاض الحرارة إلى -4 مْ.
تتطلب النوعية الجيدة من ثمار التين درجة حرارة عالية في الصيف ورطوبة جوية معتدلة، أما ارتفاع الحرارة عن 45 مْ تؤدي إلى سماكة قشرة الثمرة وتصبح جلدية.
والثمار النامية في صيف بارد رطب بالقرب من المناطق الساحلية تكون أكبر من مثيلاتها النامية في المناطق الداخلية الحارة كما تختلف في لونها وقوامها إلا أن ثمار المناطق الداخلية تكون أكثر حلاوة من الثمار الساحلية وإن حدوث الضباب والمطر مع برودة الجو أثناء نضج الثمار يؤدي على تشققها وتعفنها.
إن تأثير الهواء على التين يكون نسبياً ضعيفاً بالمقارنة مع الأنواع الثمرية الأخرى، فهو لايؤدي إلى سقوط الثمار ولكن قد يؤثر على جودتها نتيجة احتكاكها بالأغصان كما يؤدي إلى تمزق الأوراق.
تكملة المقال فى [ شجرة التين(2)]
ساحة النقاش