عبد الفتاح السيسي، لا يطيق الأزهر، ولا يجد نفسه تحت سقفه، وبين أروقته، بل يعاديه منذ اليوم الأول، على الرغم من الخدمات المشينة التي قدمها الإمام الأكبر الحالي، الدكتور أحمد الطيب، لمؤسسة الانقلاب.
لم نقرأ أو نسمع أن السيسي ذهب إلى الأزهر، الجامع أو المشيخة، على الرغم من أنه لم يترك مناسبةً دينية إلا وخطب فيها، في أماكن مختلفة، باعتباره رئيس السلطة الدينية، وليس فقط السلطة التنفيذية، حيث يشرّع ويُفتي ويهرف ويجدّف في كل ما يتعلق بالإصلاح الديني وتجديد الخطاب، مع الوضع في الاعتبار أنه لا يستطيع قراءة آيةٍ قرآنية، أو حديثٍ نبوي، أو جملة عربية، بشكل سليم ومنضبط.

*** "أنا أقسمت بالله وهتشوفوا أن إحنا مالناش طمع في حاجة غير أن إحنا نشوف بلدنا مصر قد الدنيا".
"بيتقال إن ده حكم عسكر.. لا والله ما حكم عسكر ولا فيه رغبة ولا إرادة لحكم مصر".
كانت تلك لحظة استهلال واستحلال الكذب في مصر، وإشهاره أسلوباً وحيداً في الإدارة وفلسفة يتيمة للحكم، ومن يومها والبلاد تنتقل من كذبة إلى أخرى، ومن وهم إلى وهم أكبر منه، حتى باتت تتمتع بأكبر مخزون مما يسمى "الفنكوش" في العالم.

*** مصر باعت، والسعودية دفعت، والبضاعة ذهبت إلى إسرائيل، بالتراضي الكامل بين البائع عبد الفتاح السيسي والمشتري محمد بن سلمان.
تلك هي خلاصة صفقة جزيرتي تيران وصنافير.. أرادت إسرائيل الجزيرتين، خارج السيادة المصرية، ورغب السيسي في إتمام الصفقة، لقاء بقائه في السلطة، متمتعاً بالرعاية المزدوجة، سياسياً واقتصادياً، من تل أبيب والرياض، ورغب فيها محمد بن سلمان، عربوناً لوصوله إلى العرش، والنتيجة أن من لا يملك باع لمن لا يستحق، لكي يهدي إلى من لا يرحم ولا يتنازل عن تحقيق أطماعه التاريخية، كاملةً غير منقوصة، في لحظة الانسحاق العربي الشامل، تحت عجلات صفقة القرن.

*** نعم، ترامب تاجر دين، شاطرٌ ويعرف كيف يصل إلى ما يريد، فهو ماهرٌ في الاستثمار في اللحظة، والاستثمار في المدى البعيد، ويفهم كيف يستدعي الإرهاب، وكيف ومتى يسيّره، فيحصد الثمار.
في فاجعة الحادث الإرهابي في محافظة المنيا، صعيد مصر، كان ترامب يعلم قبلها بيومين، وسفارته حذّرت، وبعد أن سالت الدماء، أطلّ رجل أعمال البيت الأبيض بوجهه ليرتدي مسوح البابا الأعظم، ويتحدّث عن حماية الطوائف المسيحية، بينما أحد صبيانه يقصف المدنيين في ليبيا، تثبيتاً لصبي آخر، مطابق للمواصفات.

***

لا تصدّق دموعاً على الجنود الشهداء في سيناء، تلمع في عيونٍ فرحت قبل ذلك، وصفق أصحابها ورقصوا ابتهاجاً بتمرير صفقة بيع قطعتين من الوطن، لمن يملك الثمن.

الذين لم تهتز ضمائرهم لجريمة التفريط في الأرض، ليسوا مؤهلين للحزن على جنود، قالوا إنهم استشهدوا وهم يدافعون عن الأرض.. فمن لا يعرف قدسية الدم لا يعرف قدسية الأرض، ومن يتحالف مع العدو المحتل ضد الشقيق والجار الأصيل لا يعرف معنى الشهادة أو التضحية.. ومن لا يحترم حق المواطن في الحياة لا يمكن أن يدرك معنى كرامة الوطن.

في فاجعة الجنود والضباط في سيناء، لا يوجد جديد، فمثل كل مرة تبدأ آلات الحزن التجاري، الاستثماري، في الدوران، من قبل أن يتبيّن أحد حجم الكارثة، أو من أين أتت.. جاهزون بمقاطع الفيديو ووصلات العويل البذيء، منزوع الصدق والإحساس، إذ يكون التركيز كله منصباً على استحضار الخصوم التقليديين، متهمين بارتكاب الجريمة، والعمل على استثمارها بشكل كامل في التغطية على كوارث وجرائم أخرى للسلطة.

يشعرونك وكأنهم كانوا يستعجلون وقوع الكارثة، حتى يمدّوا موائد الوطنية الملوّثة، ويقيموا مهرجانات البكاء المصنوع. وفي هذا الضجيج، يحرقون آخر ما تبقى من ملامح الوطن الحقيقي، ويستبدلون به وطناً صناعياً، مهندساً وراثياً، في معامل أعدائه وكارهيه الفعليين.

يستوي هنا صنفان من المستثمرين في الكارثة، صنفٌ يشحذ بها، وصنفٌ يشمت فيها. الأول يريدها مناسبةً لتعبئة أرصدة التخوين والاتهام بالعمالة والتآمر، والثاني يتخذها ذريعة لمواصلة كفاحه في تكفير الناس بالوطن، وتسميم الوعي بترويج أن كل ما عليها باطل وفاسد، ولا أمل في التغيير إلا بحرق كل شيءٍ فيها، الخرائط والمعاني والتواريخ والملامح.

الأول يستخدم الكارثة وقوداً لمزيدٍ من الجرائم ضد البشر، فيقتل ويعذب ويعتقل ويطارد كل من لا يكيّف نفسه مع منظومة القيم القبيحة التي تتحكّم في كل شيءٍ في مصر. والثاني يريدها خرائب دائمة لنعيقٍ لا ينقطع، واتجار لا ينتهي في الكراهية والغل. وبينهما مجتمع كامل مهزوم ومقهور، تتخطفه جوارح الطغيان من ناحية، وكواسر الرقص الجنائزي الكريه من ناحية أخرى..  كلاهما يريد أن يستمر في رقصه المجنون، حتى لو انتهى الأمر بالوطن  جثة ممدّدة .

*** ما بين الاحتلال والانقلاب ملامح مشتركة كثيرة، ومرتكزات وأسس أكثر، فكلاهما يكره حراك الجماهير، بوصفه طريقاً للتحرير عند الاحتلال، وسبيلاً للتغيير عند الطغيان والاستبداد، لذا من الطبيعي أن  تكره هذه السلطة المقاومة، كل مقاومة، تكره كل من يقاوم، سواء في غزة، أو في طرة و"أبو زعبل" أو أي معتقل آخر، وتطلق عليه فرق "القناصة" و"النهاشة" لتشرب من دمه، رافعة شعار: لا وقت للإنسانية وحقوق الإنسان، والحريات، ولا رحمة مع هؤلاء "الأعداء" الفلسطينيين الذين يقاومون الاحتلال، والثوار الذين يقاومون الانقلاب. 

*** في وسط هيستيريا الخوف من يناير يتم استدعاء اسم أحد كارهيها الاستراتيجيين مرة أخرى، جنرال الإمارات الآخر أحمد شفيق، منافساً للسيسي في العرض القادم من مسرحية الانتخابات الرئاسية، والواقع أن لا تناقض يذكر بين اثنين ينتميان للدولة العسكرية، وينتميان على نحو أعمق للمشيئة الإماراتية المتحكمة في السلطة المصرية، ويؤمنان أن هذا الشعب قد خلق ليُحكم "بضم ياء المضارع المبني للمجهول"، وليس ليَحكم، بفتح الياء، ولا يتصور أحدهما، أو يتحمل، أن يرى وجهاً مدنياً يأتي من هذا الشعب، ليعتلي حكم البلاد.

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 77 مشاهدة
نشرت فى 22 إبريل 2017 بواسطة tarek2011

ساحة النقاش

قصاقيص الصحافة البيضاء

tarek2011
متابعة مقالات تترجم وتلخص أحداث مصر والعالم وكذلك مواضيع أخرى متنوعة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

30,593