لا يهم حساب عدد الدقائق التي أمضاها العاهل السعودي في طائرته الرابضة على أرض مطار القاهرة مع رئيس مصر، التي ارتدت ثوباً فاشياً فضفاضاً منذ انقلاب الثلاثين من يونيو/ حزيران المدعوم سياسياً ومالياً من المعسكر الذي تقوده السعودية.
لن يفيد كثيراً التوقّف عند هرولة كل رؤوس الدولة المصرية الجديدة صعوداً على سلّم طائرة "ملك المانحين" لمصافحة الأخير والتقاط الصور، ثم الهبوط سريعاً، إذ لا مفاجأة على الإطلاق في سيناريو ما جرى، السيناريو الذي انفردنا بنشر تفاصيله أول أمس، وإن حدث اختلاف كبير، تمثّل في انخفاض سقف التوقع من لقاء في إحدى قاعات المطار، إلى مصافحات متعجّلة على متن الطائرة الملكية.
ولن يفيد أيضاً التوقف عند هذه الوضعية المتناهية في الصغر لدولة برّر قائدها الجديد انقلابه على رئيسها بجعلها كبيرة "قدّ الدنيا".
ما ينبغي التوقف عنده هو هذه الحالة الغريبة من الإنكار التي ظهر عليها الجانبان مع تسرّب أنباء اللقاء، وكأن اللقاء في حد ذاته عيب يجب ستره وإخفاؤه. ومن عجب أن رئيس الحكومة المصرية قال، في مداخلة مع فضائية مصرية خاصة ليلة اللقاء، إنه لا علم له بزيارة العاهل السعودي لمصر، كما أن السفير السعودي بالقاهرة نفى نبأ الزيارة حين سئل عنها في اليوم السابق لها.
أما وقد وقعت الزيارة في يوم جمعة حاشدة بتظاهرات مناهضة لقائد سلطة الانقلاب، حُصدت فيها أرواح جديدة من المتظاهرين، وأُغلقت فيها مساجد كثيرة، ومُنع فيها أئمة من الخطابة، وصارت الصلاة على النبي نشاطاً إرهابياً تطارده قوات الأمن، فإن تراتيب القدر تكون قد اختارت يوماً على غير هوى السلطة في مصر لاستقبال ملك اختار لنفسه لقب "خادم الحرمين الشريفين" يجلس على عرش مملكة تضم أراضيها أقدس أماكن المسلمين الروحية.
لقد مر "خادم الحرمين الشريفين " بمصر وهي في أوج تألقها الفاشي، إذ استيقظ المصريون على مقال لأستاذ فلسفة يدعو فيه إلى "هولكوست" لأطفال الشوارع على الطريقة البرازيلية، ومانشيتات صحف تحمل أسماء دفعة جديدة من المحالين إلى مفتي الديار تمهيداً لإعدامهم، ومن ثم كانت مناسبة للزائر، "ملك المانحين"، لكي يعرف عن كثب ماذا تفعل المنح والعطايا المتدفقة على سلطة الانقلاب في مصر والمصريين.
ولو كان الملك قد نزل من طائرته ومشى خطوات على أرض المطار، ربما كانت قد وصلته روائح قنابل الغاز التي كانت تنهال على متظاهرين سلميين، في شرق القاهرة، غير بعيد عن المطار، وربما بلغته هتافات وصيحات الغاضبين المتظاهرين طلباً لحرية أكثر من أربعين ألف معتقل ضاقت بهم سجون الانقلاب.
إن المصريين كانوا يتمنون لو امتدت زيارة خادم الحرمين الشريفين يوماً أو بعض يوم، ليصافح القاهرة المتسربلة في رداء فاشي وحشي، وربما أتاح له برنامج الزيارة المرور على ميدان قررت سلطات الانقلاب أن تطلق اسمه عليه تكريماً لشخصه وتقديراً لدعمه اللامحدود للسلطة الجديدة، وهو ميدان "نهضة مصر" أمام جامعة القاهرة حيث قتلت سلطة الانقلاب، التي يرعاها، 88 مواطناً مصرياً. إذ تقول الأخبار المنشورة عن هذا المكان إن اللواء أشرف شاش، رئيس مدينة الجيزة، وافق على تحويل اسم ميدان النهضة بالجيزة إلى اسم الملك عبد الله بن عبد العزيز بعد دوره بتقديم مساعدات لمصر لتعويض منع المعونة الأميركية والاتحاد الأوروبي عن مصر.
إن هذا الميدان، الذي لا يعلم أحد إن كان قد تغيّر مسمّاه ليحمل إسمك بالفعل أم ما زالوا يبحثون، لا يبعد كثيراً عن اسم شارع شهير يحمل اسم والدكم المؤسس الملك عبد العزيز آل سعود، لكن شتان بين المناسبة التي أطلق فيها اسم الوالد على الشارع، وبين المناسبة التي قرروا فيها إطلاق اسم جلالتكم على الميدان.. فمناسبة تسمية أكبر شارع بحي المنيل العريق باسم الملك عبد العزيز كانت رغبة الملك فاروق في الاحتفاء بالملك عبد العزيز حين قدومه إلى مصر لحضور الاجتماع التأسيسى لجامعة الدول العربية في أربعينات القرن الماضي، أما اسم خادم الحرمين الشريفين فقد اختاروا له مكاناً شهد واحدة من أبشع مذابح القمع البوليسي ضد المصريين.. هكذا يريدون تخليد اسمك يا خادم الحرمين!
لقد كانت فرصة لمطالعة وجه القاهرة الشاحب المكفهر، وفي حدود علمي أن سنوات طويلة مضت دون زيارتها، إذ كنتم تفضّلون دائماً "شرم الشيخ"، المنتجع الأثير لرأس سلطة سابقة أسقطتها ثورة المصريين في 2011 طلباً للحرية والعدل والكرامة الإنسانية، ذلك الثالوث المقدس الذي دفعت الجماهير ولا تزال ثمنه الباهظ من حياة أنبل شبابها الذين يتساقطون برصاص سلطة تتلقّى مِنَحَكُم لتنفقها على شراء أدوات القمع والتوسّع في بناء السجون.
سعيكم مشكور. ( العربي الجديد)
المصدر:
وائل قنديل
نشرت فى 22 يونيو 2014
بواسطة tarek2011
قصاقيص الصحافة البيضاء
متابعة مقالات تترجم وتلخص أحداث مصر والعالم وكذلك مواضيع أخرى متنوعة »
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
33,090
ساحة النقاش