تقاسيم الشعر والأدب

موقع للأدب والشّعر والقصّة والرّواية والدراسة النقديّة موقع تتلاقح فيه الثقافات

القيروان ترسمها الحضارات ....

بقلم الأستاذة : نورالعربي

وإن لم يستعن المؤرخون بعلم العمران وقوانينه وبطبائع الاجتماع الانساني لنحت ذاكرة الحضارات القديمة فإنّ القيروان رغم ما لحق بها من تقصير لابراز مكانتها التي تستحقّها, نتيجة تشيّع للآراء والمذاهب فانّ ما أسعفتنا به بعض المصادر القديمة والحديثة منها تؤكّد أنّها المهد  الأوّل للحضارة العربية الاسلاميّة التي انتشر اشعاعها  في مشارق الارض ومغاربها...
القيروان التي يعود تأسيسها الى عام 50 هـ/ 670م  كتب عنها المؤرّخ التونسي حسن حسني عبد الوهاب في كتابه "ورقات" فصولا شملت الحياة الاجتماعية من صنوف الالقاب والأنساب والحياة السياسية من ضروب المناصب والمراكز والحياة الاقتصادية من أصناف النقد وطراز الثياب والخلع  في سياق الأحداث التي مرّت بها عبر توافد الإيالات والأمم عليها " في منتصف القرن الأوّل للهجرة تمكّن العرب من إقامة سلطانهم على البلاد الإفريقيّة ومن أوّل وهلة لفتحهم أنشأوا( قيروانهم) فكان لهم في آن واحد مركز حربيّ اومحطا لرحالهم وعيالهم وقاعدة لبثّ لسانهم وقواعد دينهم الحنيف"  .
من هذه القاعدة الحربية  - ( وهي اصل لتسمية القيروان التي تعني باللغة الفارسية مكان السلاح ومحطّ الجيش ومكان اجتماع النّاس في الحرب) -بدأ الجيوش يخرجون  للغزوات والتوسّعات بينما يخرج الفقهاء لتعليم اللغة العربية ونشر الاسلام  فذاع صيتها العلمي حتى أصبحت أولى المراكز  العلمية في المغرب العربي  تليها قرطبة والأندلس ثمّ فاس في المغرب الأقصى. ومنها نبغ في علوم  الفقه  رعيلها الأوّل الذي تتلمذ على يد الإمام مالك والذي وصل بالتشريع الى درجات الاستنباط والتخريج ك " اسد بن الفرات"  و"ابي يوسف" و"سحنون بن سعيد "محدث المدرسة المالكية الافريقية. ولمّا تمهّدت  وسائل التشريع ووجدت لها أرضية ملائمة . اتجهت طبقة اخرى الى ترسيخ حركة العلوم العقلية والرياضية  اشاعها في القيروان "اسحاق بن عمران"  الذي نشر علم الفلسفة وعلم الطب وما ترتب عليه من فنون الحكمة والصيدلة. كما نشر  الاديب " الشيباني" لواء الرواية للأدب والترسل العربي. فتأسّست نتيجة هذه الحركة الثقافيّة أوّل جامعة بافريقيّة وهي بيت الحكمة.
لم تندثر هذه المنارة العلميّة عبر العصور بل بقيت مركز اشعاع فكري ديني حضاري  فشهدت تخرّج عدد وافر من اسماء وأعلام في شتى ضروب العلم والمعرفة من هؤلاء نذكر الامام سحنون وابن رشيق القيرواني وابن شرف وابن الجزار وغيرهم من علماء الادب واللغة...
انتفعت افريقيّة ( القيروان) بهذا الحراك الثقافي فازدهر العمران بها وتوسّعت مدائنها رغم ما اعترضت له في كنف الدولة الاغلبية حين انتصابها من تضييق ومقاومة من العصابات البربرية ترمي- بحكم النعرة القبلية- الى اقصاء السلطة العربية من الحكم. أضف الى ذلك  تلك الاهتزازات التي تعيشها  الايالة  كمسار حتمي في تاريخ  مصالح الحكام. كلّ هذه العوامل لم تؤثّر البتّة في  مركز القيروان العلمي ولم تتسبّب في تراجع حركتها التجارية أو الصّناعية التي اشتهرت بها  على مداد سنوات مضت . بل أنّ الطابع المعماري الذي اكتسبته منذ القرن الثامن عشر ساعد  على انتشار الأسواق داخل السّور والتي تضمّنت بعض الحرف التقليديّة  كالنسيج ( حياكة الجبّة القيراوانيّة )  وصناعة الأواني النحاسيّة والنقش على الفضّة وصناعة الزرابي التي تتميّزت ولاتزال بأشكالها البديعة ، وألوانها الزاهية، وجودتها الرفيعة تجمع في حياكتها بين أصالة تونس وعراقة تاريخها وتفتح حضارتها  ويعود اكتساب هذه الصّناعة الى الأندلسيين الذي هاجروا الى البلاد التونسيّة فحملوا معهم سجّاد القصور وصاغت تأثيراتهم بالفنون الاسلاميّة والاستعارات المختلفة  من زخارف الخزف  والتطريزبصمات ابداع على الزربيّة القيروانيّة إلّا أن القرويين طوّروا هذه الصّناعة حيث تمّ تحديثها وتحديث طرق نسيجها من "أنوال" وتحسين جودة الصّوف ​
وتطويعه، ووضع مقاييس تقنية للإنتاج والتدريب على حذق فنون هذه الصناعة من تلوين وزركشة وحياكة. 
وتبقى بعض النماذج الأصلية القديمة مبعث إلهام يترك حرية الإبداع للحرفيات لتوسيع حاشية أو تهذيب رسم أو تلوين زهرة، أو رسم أشكال هندسية بديعة...
ولعلّ علاقة القيرواني بالصوف تكاد تكون علاقة ود ووجدان أكثر مما هي علاقة حاجة،.
ويشهد التاريخ عن عراقة صناعة الصوف التقليدية وتأصلها، حيث مدحت المصادر التاريخية اليونانية جمال منسوجات قرطاج كما وردت الزرابي المصنوعة بالقيروان وأكبر مدن إفريقية "تونس" ضمن الخراج الذي كان أمراء بني الأغلب يؤدونه إلى العباسيين.
ويشهد التاريخ عن عراقة صناعة الصوف التقليدية وتأصلها، حيث مدحت المصادر التاريخية اليونانية جمال منسوجات قرطاج كما وردت الزرابي المصنوعة بالقيروان وأكبر مدن إفريقية "تونس" ضمن الخراج الذي كان أمراء بني الأغلب يؤدونه إلى العباسيين.
.. بهذه الحرف انتزعت القيروان الصدارة من منتجات الصناعات التقليدية التونسيّة إذ أغرت الزربيّة القيروانيّة ذوق الوجهاء وأصحاب البلاطات والأعيان وكبار الرسامين الذين استلهموا منها رسوم لوحاتهم ممّا تكتنزه من فنّ أصيل...
إلا أن زوال العديد من الصناعات التقليدية بسبب تغير الظروف والاحتياجات الاستهلاكية والأذواق، أدى إلى زوال بعض أسواقها فلم يبق منها إلا الاسم، وهو ما يحدث في كل بلدان العالم.
انّ العمق الحضاري والديني لما تميّزت به مدينة القيروان على مر العصور من ثراء ثقافي ديني يعكس ما خلّده شعراؤها في قصائدهم
أمّا محمود الغانمي فقد جعل "جمال القيروان " عنوانا للقصيدة:

يقولون إن الجمال مُحَالٌ

 

ومازال في القيروان الجمالُ

فعفوَا إلَهي إذَا قُلْتُ يَومًا

 

لقد حلَّ في القيرَوَان الكمالُ

 

 

 

 

 

taquasim

أرجو من المتصفّح القارئ أن يبدي رأيه بكلّ حريّة من أجل تصحيح مسار الأدب في وطننا العربي...

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 122 مشاهدة
نشرت فى 15 أكتوبر 2015 بواسطة taquasim

ساحة النقاش

تقاسيم شعريّة

taquasim
مجلّة أدبيّة للمتصفّح العربي تتلاقح فيها كلّ الإبداعات الفكريّة و الأدبية بفن القول والتعبير بالكلمة السّاحرة. وثمرة من آثار نثرية أو شعرية تتميز بجمال الشكل والمعاني الدافقة منها وتنطوي، على مضمون ذي بُعْد إنساني يُضفي عليها قيمةً باقية.هيّ بوّابة اخترنا لها تقاسيم شعريّة ليعزف مبدعي الشعر والنثرما تنزف به أوتار »

ابجث في الموقع !!!

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

18,292

إبداعات أدبيّة

https://youtu.be/06ZLih5T6Js


حبرأقلامكم يعصف في سماء الإبداع والكلمة
يذبل الزهر ويبقى عطر كلماتكم 
هنا نزرع أوتار الحروف 
من جروحنا... من أفراحنا 

لنترك على صفحاتنا  دررًا وجواهر من روائع ابداعاتكم .

نور العربي...