يولد الطفل ولديه مستوى طبيعي من الخوف الانفعالي وهي حالة خاصة بغريزة حب الذات تتبع ردود فعله تجاه الأشياء والاحداث التي تكون عالمه. هذا الخوف عند الطفل أمرا واردا ومتكرر الحدوث في كل الأوقات، وهو لا يمثل أي خلل في سلوكه طالما ظهر في إطاره المعقول والطبيعي، خاصة اذا كان هذا الخوف احدى الوسائل النفسية الدفاعية التي يستخدمها الطفل للوقاية من الأذى والحرص والحذر من الخطر، فقد يخاف الطفل من أشياء مختلفة مثل، الخوف من الموت وما يرتبط به، الخوف من بعض الحيوانات، الخوف من الظلام، الخوف من الغرباء، الخوف من الاماكن المرتفعة والخوف من بعض الأدوات كالسكاكين وغيرها
وعندما يكبر الطفل قليلاً، فإن هذا الخوف يبدأ بالتناقص ويتحول لديه الى مكونات أفكار وأشياء منطقية وتنضج لديه القدرة على عدم الخلط بين الخيال والواقع، حيث يبدأ بفهم حقيقة الاشياء وأسباب حدوثها وبذلك تتناقص لديه ظاهرة الخوف غير المنطقي تدريجياً مع ما يصادفه من مواقف في حياته. مع ذلك، فان بعض الاطفال لا يستطيعون التخلص من الخوف لدرجة أنه يتمكن منهم ويستفحل لديهم كأي مرض عضوي مزمن يترك آثاره السلبية في تكوين شخصيتهم المستقبلية
هذا النوع من الخوف، تحديداً، سببه الرئيسي بحسب علماء نفس وتربية الطفل، بعض الأخطاء الشائعة التي يتبعها بعض الآباء والأمهات لإلزام الطفل بالسلوك الصحيح او ما يرونه صحيحاً. من اكثر الأساليب شيوعاً في ذلك هو تخويف أطفالهم كوسيلة عقاب وردع وتأديب مؤقتة.. وربما تكون كحجة لثنيهم عن السلوكيات السلبية او كوسيلة لحمايتهم من الأخطار بصورة مبالغ فيها مثل، تخويف الاطفال من الأشباح أو طبيب الاسنان أو اللص أو الشرطي او الكائنات المخيفة وربما تهديده بتركه في الظلام وحيدا... وأشياء عديدة لا يمكن حصرها، هي أغلب انواع الحيل التي يتبعها بعض الآباء والامهات في هذا الاطار، ما يولد لدى الطفل انطباعاً سيئا عن العالم الذي يعيش فيه ورهبة شديدة تجاه المجهول فيتأصل الخوف في داخله وربما يتطور الى حالة مرضية يصعب علاجها في المستقبل
من ناحية اخرى، قد يشمل هذا الأسلوب التخويف من اشياء او اشخاص لهم دور إيجابي في المجتمع مثل الطبيب والشرطي.. في هذه الحالة، فان الأهل يرتكبون خطأ فادحاً تجاه الطفل والمجتمع في آن معا
يعتقد علماء النفس بأن أسلوب التخويف الذي يتبعه بعض الآباء هو من اكثر العوامل تأثيرا في شخصية الطفل فيما يتعلق بالخوف المرضي، خاصة اذا كانت هذه المخاوف تخاطب مخيلته في سنوات طفولته المبكرة. وفي هذه السنوات المبكرة غالباً ما يختلط لديه الخيال بالواقع فتختلط الأشياء في ذهنه ولا يعرف كيف يفسرها، لذلك نراه يخاف من أشياء لا تخيف بطبيعتها.. وعند إقباله على اي عمل فإنه يفترض بانه سيتعرض الى عقاب شديد لا يعرفه وتبدأ مخيلته في العمل بتضخيم الخوف ويصبح جزءا من تكوينه النفسي.. وسيفقد ثقته بنفسه تدريجيا نتيجة وقوعه فريسة لأوهامه الخاطئة.. تلك الأوهام التي زرعها في نفسه أقرب الناس اليه
ولا ننسى طبعا الدور الذي تلعبه الحكايات الشعبية الخرافية في تعزيز هذا الخوف.. بالطبع فإن مكونات هذه الحكايات وشخصياتها لا تمت للواقع بصلة، كذلك فهي لا تسهم بشيء في تنمية المهارات الذهنية للطفل إذ انها تختلف عن القصص والحكايات الخيالية التي تتضمن هدفاً وعظة. من الجميل أن نعتني بالخيال الثري للطفل ونستثمره في تعليمه وتثقيفه وهذا لا يعني بحال من الأحوال ان نخلط بين الخرافات وبين الخيال.. فالأول يؤدي الى إفساد التكوين النفسي للطفل ويقدم الحلول السحرية والتفسيرات الغامضة، أما الخيال الثري فيوسع مداركه وينمي طاقاته وينهض بمواهبه والخيال الأدبي والعلمي يلهمان الانسان بالأفكار المفيدة والسعيدة والانطلاقات المشرقة، بينما تقوم الخرافات بنشر مظاهر الخوف والجبن وروح التشاؤم واليأس والقلق من المستقبل المجهول
ولأن الطفل لا يستطيع التمييز بين الخيال والواقع، فإن تخويفه بالأشياء أو الشخصيات الخرافية التي لا وجود لها قد يسبب لديه انفعالات نفسية مدمرة.. حيث يعاني من كوابيس مستمرة في الليل وقد يتطور هذا الى التبول اللا إرادي وقد يصل به الأمر الى العزلة والانطواء وفقدان الثقة بالنفس.. بل إنه قد يستمر في تغذية خياله بصورة ذاتية بالمزيد من التخيلات المخيفة.. حتى ينتهي به الامر الى الخوف من أمور لا تثير الخوف في الواقع
كما ان بعض الآباء والامهات يرتكبون مزيداً من الاخطاء حين يصرون على تجاهل مخاوف الطفل ومشاعره والاستهانة بها حتى اذا كانوا هم السبب فيها، فيجب أن لا تكون مشاعر الطفل مجالاً للاستخفاف والاستغلال. فاذا ما حدث الخطأ من قبل الأهل يتوجب عليهم معالجته بأسرع وقت ويتم ذلك من خلال عدم كبح جماح الطفل في التعبير عن الخوف اياً كانت أسبابه.. الاستماع الجيد له عندما يعبر عن انفعالاته ومخاوفه وعدم السخرية منه أو وصفه بصفات كالجبن والغباء وغير ذلك، بل يتوجب على الأهل مساعدته في التمييز بين المخاوف الخيالية والمخاوف الواقعية التي تشكل بالفعل خطراً عليه
وما ينصح به علماء النفس والتربية، أن تتاح الفرصة الكاملة للطفل للتعرف الى الشيء الذي يخيفه – اذا كان ملموساً- مثل الطفل الذي يخاف الظلام أو يخاف من وجود اللصوص او الوحوش خلف ستائر غرفته مثلا.. يمكن للأم في هذه الحالة التواجد مع الطفل في الغرفة ومشاركته مثلاً في لعبة الضوء والظلام ومشاركته الجلوس في الغرفة وهي مظلمة.. كذلك التحقق من الستائر وما خلفها بصورة تدريجية أمام عينيه ليتأكد من عدم وجود ما يخافه.. فالتفاهم مع الطفل في هذه المواقف يجب ان يكون بحوار مبني على الاقناع وليس الخداع.. إضافة الى تدريبه على مواجهة خوفه – وبعد موافقته على خوض التجربة من دون تهديد- ولا بأس من محاولة تغيير الأشكال والأشياء من حوله، كتغيير ديكور غرفة نومه مثلاً أو اضفاء بعض اللمسات اللونية على المكان ولصق صور الشخصيات الكرتونية التي يحبها على جدران الغرفة
بعض الحيل الأخرى قد تجدي نفعاً، وهي المتعلقة مثلا بتقليل الحساسية، والقاعدة العامة هي أن الأطفال تقل حساسيتهم من الخوف عندما يتم إقران موضوع الخوف أو الفكرة المثيرة له بأي شيء سار، فمثلاً، لو وضعنا شيئاً يحبه الطفل في غرفة شبه مظلمة كقطعة حلوى، ونطلب منه ان يذهب ويحصل على تلك القطعة، لا بأس من ان نرافقه في الذهاب الى الغرفة في أول الامر. ولكن من ناحية أخرى، يجب عدم محاولة إجبار الطفل على عمل شيء لا يريده كالجلوس بمفرده في الظلام، فقد يصيبه هذا بنوبات ذعر تؤدي لزيادة الخوف لا تقليله والأفضل من ذلك اتباع بعض استراتيجيات التعايش التدريجي مع مصدر الخوف.. مع وجوب الحديث في مواضيع شيقة كسرد حكاية جميلة أثناء النهار وقبل النوم
من المهم أيضا محاولة تعليم الطفل بأن لا يخجل من مخاوفه ويعبر عنها دائما ً، وأن نحاول اقناعه بأن القلق والخوف هي مشاعر طبيعية قد يتعرض لها الكبار مثل الصغار. وتحفيز الطفل وتشجيعه على مواجهة مخاوفه، بتقديم حوافز ومكافآت عينية ومادية له مع استمرار محاولاته في التغلب على مخاوفه