هل يرتبط الحب بالسن ؟‏!‏ أو بمعني آخر‏ ,‏ هل يعتبر سن المراهقة هو سن الحب الأول‏ ,‏ الذي تتفتح فيه القلوب مثل أزهار الربيع ؟‏!‏ وهل الحب الأول يعني قي مصطلحه أن هناك حبا ثانيا وحبا ثالثا وهكذا‏..‏؟‏!‏ ربما يتسبب المصطلح نفسه في إثارة هذه التساؤلات‏ ,‏ التي تبدو طبيعية‏,‏ لأن الحب الأول في مفهومه العام‏ ,‏ أنه أول حب يشعر به الإنسان‏!!‏
غير أن واقع الحال ليس كذلك‏..‏ فالحب الأول قد لايصادف إنسانا أبدا‏..‏ وهو إنسان ينتمي إلي طائفة غير مهيأة بطبيعتها وبخلقتها للحب‏..‏ ومن بين هؤلاء أناس ‏,‏ فئة تشعر بالتعاسة‏ ,‏ وتحس بأنها تشذ عن المجتمع المحب من حولها‏,‏ وتشكو مر الشكوي من أنها تسمع عن الحب لكنها لاتشعر به ‏!!‏ والسؤال الذي يطرحه أفراد هذه الفئة‏,‏ كيف أحب شخصا‏,‏ وكيف أكون محبوبا؟‏!!‏ وهناك من لايشغله هذا السؤال ‏,‏ بل ويسخر من الفكرة نفسها معتبرا أنها ترف ليس هذا عصره ولا ذلك أوانه ويتخذون من سرعة إيقاع الحياة دليلا ‏««‏علي‏»»‏ أنه لا وقت للحب‏.‏ وهؤلاء لاحيلة لهم فيما يشعرون‏,‏ لأنهم لايعرفون سر شيء لم يتذوقوه‏,‏ فيبدو مجهولا عندهم‏,‏ ويبدو المحبون عندهم غرباء مستغربين‏!!‏
ان الحب الأول قد يقتحم قلبا صغيرا ‏,‏ كما قد يقتحم قلبا كبيرا‏..‏ لأننا حينما نعرف الحب بأنه انجذاب لشخص نحو شخص آخر فإن شرط السن هنا لا عبرة به أبدا‏ ,‏ 
أريد أن ‏««‏‏««‏أقول‏,‏‏»»‏‏» »‏ إن لهب الحب الأول يلفح وجوه القلوب‏,‏ وحين يشعر الإنسان بوهج يكتسح مشاعره لأول مرة‏,‏ فهو ينتقل من حال إلي حال‏..‏ وتبدو الأمور عنده وقد تغيرت أشكالها ومعانيها‏,‏ وفي حديثنا عن حب المراهقة ـ فيما بعد ـ الذي يتخذه الناس مجالا للتفكه وللتندر‏,‏ سوف نري أنه نوع من الحب شديد ‏««‏الفاعلية‏,‏‏»»‏ صادق الاحساس‏,‏ دقيق الملامح بعيد كثيرا عن أساليب الخداع والمكر والدهاء‏,‏ ويبدو الإنسان فيه مثل نهر تتدفق فيه المياه لأول مرة‏!!‏

إلا أن الحب الأول قد يأتي بعد عمر طويل أو قصير‏,‏ أثناء الحياة الزوجية ذاتها‏,‏ لأنه عند بعض الناس ضرورة حيوية ‏,‏ لاتكتمل الحياة عندهم إلا به ومن خلاله‏ .‏ لذلك نراهم عرضة للوقوع في الحب بأشد وبأسرع مما يحدث لمن نلومهم‏ ,‏ بأنهم في عمر المراهقة‏!!‏ والمدهش أننا ندور في حلقة مفرغة محورها الوحيد هو المراهقة‏,‏ فنطلق ‏««‏علي‏»»‏ هذا الحب‏,‏ مراهقة متأخرة‏..‏ أو مراهقة ثانية‏,‏ ونتجاهل الحقيقة الصارخة وهي أن الشعور بالحب‏,‏ بصفة عامة وفي أي ظرف‏,‏ هو احتياج واجتياح طبيعي لا قبل للإنسان‏,‏ لا بتجاهله ولا بصده أو الوقوف ضده‏.‏

ان الذين يحبون لأول مرة‏,‏ أمرهم معروف‏,‏ فالدنيا من حولهم يصبح لها شكل تاني‏..‏ فتتغير ملامح الأشياء والأشخاص‏..‏ ويبدو أن كل شيء ‏««‏علي‏»»‏ الأرض قد اكتسي بمسحة من الجمال‏,‏ وان النفس البشرية أصبحت تسبح في عطر لاندري من أين يتدفق ولا من أين ينبع‏,‏ إنما يتضوع المكان والزمان بعبق يحول الدنيا بأسرها إلى جمال‏,‏ بينما يخفق القلب طربا وفرحا‏!!‏ شكل تاني تكون دنيا الذين يحبون لأول مرة ويستفز الحب عندهم كل المعاني الرائعة في بناء الحياة الإنسانية‏,‏ مثل الشهامة والشجاعة والمروءة والكرم والتضحية والأمل في غد مشرق تحمله أشعة الشمس ‏««‏علي‏»»‏ خيوط ذهبية تمتد مثل أذرع للدنيا‏,‏ تحتضن الإنسان‏!!‏ شكل تاني تكون الأشياء من حولنا جمالا ينبثق من جمال‏,‏ وروعة تتدفق من روعة‏..‏ وثمة دفء غريب يسري في الروح والقلب والبدن‏,‏ وكأن الهويس قد رفع لتتدفق مياه النهر في شرايين كادت تلتصق جدرانها تعطشا وجفافا وتطلعا إلي الري‏!!‏ شكل تاني تلك الحياة في الحب الأول بكل ما فيها من أشخاص وقيم وبكل مافيها من أشياء ومظاهر‏..!!‏
لكن المذهل أن الحب الثاني‏..‏ والثالث‏..‏ إلي ماشاء الله‏,‏ هو نفسه مشاعر وأحاسيس الحب الأول‏!!‏ والإنسان في مقتبل الحب ـ وليس في مقتبل العمر فقط ـ يعتقد أن الحب‏,‏ لمرة واحدة فقط‏!!‏ لكننا هنا نتجاهل أن الأمر ليس بأيدينا‏..‏ واننا في الحب لاسيطرة لنا ‏««‏علي‏»»‏ أنفسنا‏..‏ ويكذب البعض ‏««‏علي‏»»‏ نفسه حين ‏««‏‏««‏يقول‏»»‏‏»»‏ لقد تبت‏..‏ لن أحب مرة أخري‏!!‏ كأنه هو الذي اختار وهو الذي قرر‏!!‏ ولا يدري أنه بعد قليل‏..‏ سيكون هو الذي كرر‏!!‏

ان عبقرية الحب تبدو في أنه ليس تجربة عقلية‏,‏ تخضع للملاحظة والمراجعة والحساب عن حصيلة الأرباح والخسائر‏!!‏ صحيح أننا نستطيع أن نعدد متاعبنا وأن نحصي العقبات التي صادفتنا‏,‏ ومن المفهوم في التجارب العقلية أن نتفادي الأخطاء وأن نتجنب الابتعاد عن مسببات الفشل والمتاعب‏,‏ لكننا ـ في كل مرة ـ قد نكرر نفس الأفعال‏..‏ نفس المشاعر‏..‏ نفس الأحاسيس‏,‏ ونجد نفس العقبات‏!!‏ فنحن نعيش الحب الحاضر وكأنه حب لأول مرة‏!!‏ كأننا لم نحب من قبل‏..‏ دموع الانتظار في العيون‏..‏ وهمهمات الشجن تهز الصدور‏..‏ وهناك نزوع مثير ومدهش نحو لقاء الحبيب‏..‏ كأننا نلقي حبيبا لأول مرة‏..‏ كأننا سنعرف بعضنا لأول مرة‏..!!‏ و‏...‏شكل تاني هذا الحبيب‏!!‏ ليس فيه من ملامح البشر شيء‏..‏ ملائكي المظهر!!‏ شكل تاني هذا الحبيب‏!!‏ ليس كمثله إنسان‏..‏ فيه الرقة والدعة والحنان‏,‏ وفي كل مرة ألقاه‏..‏ انساه‏..‏ وأتطلع إلي لقياه‏!!‏ شكل تاني هذا الحبيب‏!!‏

ان التجربة بطبيعتها‏,‏ فيها الخطأ والصواب‏..‏ ونحن نسمي حالة الحب تجاوزا تجربة حب مع أن مفهوم التجربة ينبع من فكرة التجريب لاستنباط الصواب والخطأ‏..‏ لكننا في الحب لانمارس التجريب ولا نعيش تجربة وانما نعيش حالة‏!!‏ ان محور التجربة هو العقل‏,‏ يستبعد‏..‏ ويضيف‏..‏ ويعدل‏..‏ أما محور حالة الحب‏,‏ فهو الشعور‏..‏ والشعور حالة وجدانية جوانية‏,‏ وثيقة الصلة بالروح‏..‏ وهي من أمر ربي‏..‏ لايعرف سرها أحد‏,‏ لذلك يقع المحب في نفس المشاكل ويكرر نفس الأخطاء ويكرر نفس الكلام لا عمدا منه ولا جهلا‏..‏ انما لأنه لايدري من أمر نفسه شيئا‏!!‏ هو لايتكلم‏..‏ وهو لايتصرف‏..‏ انما هو مدفوع مقهور ينساق أمام قوي خفية تجرده من القدرة ‏««‏علي‏»»‏ التفكير‏!!‏ ان الذين ‏««‏‏««‏يقولون‏»»‏‏»»� �� نحن فكرنا وقررنا لم يعرفوا الحب‏..‏ ذلك أن جوهر الحب يكمن في انقلاب الحكم والسلطة في الإنسان‏!!‏ فالقلب نائبا عن الشعور يقوم بتنحية العقل عن الحكم‏..‏ ويصبح الحكم كله للقلب‏.‏ وللقلب أحكام تتنافي مع النظام العقلي تماما‏,‏ ونحن نستطيع أن نشبه ـ للمهتمين بالسياسة والاقتصاد ـ حالة السيطرة القلبية‏,‏ إنها أشبه بنظام التأميم‏!!‏ حيث يقوم القلب بتأميم كل المكونات البشرية للإنسان‏,‏ لمصلحة الحب وحده‏,‏ وتنعدم ديمقراطية اتخاذ القرار تماما‏!!‏
هنا‏..‏ وهنا فقط‏,‏ لا مجال لتشغيل عداد الحب لنبدأ في عد الحب الثاني بعد الأول‏..‏ ثم الثالث وهكذا‏..!!‏ فالحب له خصائص لصيقة به‏,‏ لاتتغير‏..‏ هي الشوق‏..‏ والسهر‏..‏ والانتظار‏..‏ واللقاء‏..‏ والهجر‏..‏ والوصال‏!!‏ ويبقي الحب كذلك مهما تكرر‏,‏ والذين عاشوا حالات للحب‏,‏ يدركون وحدهم هذه الحقيقة‏..‏ يدركون أنهم عندما يمرون حتي بالتجربة العشرين‏,‏ فكأنهم يعيشونها لأول مرة‏..‏ وكأنهم لم يتذوقوا الحب قبل ذلك‏..‏ وهذا يعني أن الحب يتفرد بالانطواء ‏««‏علي‏»»‏ الشيء وضده‏..‏ فهو شعور جواني لكنه متجدد الأثر‏..‏ ثابت النتيجة‏!!‏ والجمع بين النقيضين آية من آيات الحب الكبري‏..‏ تحول الشعور به إلي شعور أولي أي كأنه يتحرك لأول مرة‏..‏ فلا تجربة سابقة تنفع ولا محاذير تنفع‏!!‏ ولو قد كان سبب الإخفاق في الحب الأول هو اختلاف السن‏,‏ لتكرر نفس الاختلاف‏,‏ مرة وأكثر‏!!‏ ولو كان لاختلاف الدين‏,‏ لتكرر مرة أخري وأكثر‏!!‏

أريد أن ‏««‏‏««‏أقول‏,‏‏»»‏‏» »‏ إننا لانستطيع أن نتفادي خطأ سبق أن وقعنا فيه‏!!‏ ولا نفهم معني التجنب أو الاستبعاد‏..‏ لكننا نندفع بيد مجهولة قوية إلي بحر متلاطم الأمواج‏..‏ فيه قد غرقنا قبل ذلك‏..‏ وفيه قد بعثنا بعد ذلك‏..‏ وفيه قد سبحنا قبل ذلك وبعد ذلك‏!!‏ ولا أحد يجيد السباحة في بحر الحب بالتكرار‏..‏ ولا أحد يتعلم كيف يسبح‏..‏ ولا كيف يتجنب الغرق‏!!‏ ربما يسبح من تلقاء نفسه وربما يهبط إلي القاع للمرة العشرين‏!!‏

إن الحب الأول‏,‏ ليس هو دائما الحب الأخير كما يتصور الذين يحبون لأول مرة‏..‏ إنه الشعور بالحب لأول مرة‏!!‏ وليس هناك مايحول دون أن يتكرر الشعور بالحب‏..‏ لسبب بسيط‏,‏ هو أن الحب يستعصي ‏««‏علي‏»»‏ التوجيه ‏««‏وعلي‏»»‏ القيادة‏,‏ والحب عند الناس سواء‏..‏ في بدايات العمر حب‏..‏ ربما يكون للمرة الأولي‏..‏ وفي مسارات العمر حب‏..‏ ربما يكون للمرة الأولي أيضا‏..‏ لكنه قابل ‏««‏علي‏»»‏ مدي الحياة‏,‏ لأن يتكرر‏..‏ لا أن يتقرر‏!!‏

إن مشاعر الحب واحدة‏..‏ في المرة الأولي وحتي المرة العشرين أو الخمسين‏..‏ نفس الشوق العارم‏..‏ نفس الدموع الساخنة‏..‏ نفس الشعور بالحرمان‏..‏ وبألم الانتظار‏..‏ وعذاب الاصطبار‏!!‏ وبقدر ما في الحب من هوي‏..‏ وهوا فإن لفح نيرانه لايكف عن الاضطرام‏..!!‏ يتوهج كأنه النسيم مشتعلا‏..‏ وتمتليء الأجفان حتي الأكفان بدموع العذاب‏,‏ هجرا‏..‏ وعذرا وفراقا‏..‏ كما تمتليء المآقي والعيون‏..‏ بدموع الفرح‏,‏ لقاء‏..‏ ووصالا‏..‏ وإخلاصا‏..‏ واندماجا‏..‏
في الحب دنيا‏..‏ يصطدم فيها جليد البعاد‏..‏ بلهب الوصال‏..‏ ومثل برق يخطف البصر‏ - See more at: http://www.hrdiscussion.com/hr13830.html#sthash.QhunhI5g.dpuf

  • Currently 4/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
1 تصويتات / 283 مشاهدة
نشرت فى 21 نوفمبر 2015 بواسطة tahkik-elsa3ada

عدد زيارات الموقع

12,860