يوميــــــات طاهر البهى |
هدية طلبتها أمى
هذا العام هو أشد الأعوام حيرة بالنسبة لى ، فيما يتعلق باختيار الهدية التى انتوى تقديمها إليك يا أمى ، كنت فى أعوام مضت يحلو لى مازحاً أن أسألك عن نوع الهدية التى أقدمها لك لتسعدى بها ... كنت فى المقابل تواجهين سؤالى بقولك : الهدية اللى تشرح قلبى إنى ألاقيكوا جنبى سعدا مع أولادكم ... كنت أكتم بكائى خوفاً من الأيام التى لا أجدك فيها ...
استمر فى الضغط على ترفعك ، والتحايل على "شيعك" وزهدك .
- أعاود السؤال : أجيبلك إيه يا ست الكل ؟
- هات حاجة حلوة وأعطيها لزوجتك ... هى دلوقتى بدالى ، وإلا لبناتك ربنا يحرصهم وينورلك طريقك .
ورغم كل الحيرة التى كنت تضعيننى فيها ، والمأزق الذى تصنعه ظروف كثيرة لم تكن فى صالحى ، إلا أنى فى نهاية الحوار أجدنى أتنفس من الأعماق ، وأحمد الله أن شيئاً لا ينقصك ، وانك حللتى الدين الذى فى عنقى ... فأستسلم لبريق الهدايا الرمزية ، على أمل أن يأتى العام التالى الذى أستطيع أن أقدم لك فيه هدية أرضى عنها وارتاح إليها ... ولم يكن هذا العام يأتى أبداً ، ففى كل مرة يتكرر الحوار وتتشابه الهدايا ...
هذا العام جاء يوم عيدك وكنت أخشى مجيئه ...
هذا العام فاجأنى يوم عيدك ... شعرت أنى تائه ، حيران ، هائم .
حاولت أن تكون هديتى مختلفة ، ليتها تكون هدايا كثيرة ، متنوعة ، أن تعوض تقصير أعواماً عديدة من الهوايا الرمزية .
فكرت أن أناور فى حوارى معك ، ثم رأيت أن أباغت بهدايا تمنيتها... سوف أقدم لك مصحفاً من الذهب الخالص ، ليس من نوعية تلك الحلى التى تختال بها النساء ، ولكن مصحفاً يضم آيات الذكر الحليم كاملة ولكن بصفحات من الذهب الأصفر اللامع ، سوف أرجوك أن تقسمى عليه مع صلوات كل فجر أنك راضية عنى ... عافية عن أخطائى ... متسامحة عن زلاتى . ثم رأيت أن اصطحبك إلى أحد الشواطئ التى تجمعنا منفردين ، سوف أتمرغ على الرمال بالقرب من قدميك ، وأضع رأسى مستنداً إلى ركبتيك ، سوف أحكي لك اكل شئ... منذ عيدك الماضى وحتى اليوم ... سوف أسألك عن أولئك الذين تكبروا واستكبروا.. هل يرضيك يا أمى ؟ أين رضاكى ؟ أين دعاكى ؟
انت تقولين لى دائماً : أنا عارفاك يا حبيبى من غير ما تتكلم ... قلبى سامعك ؟
دائماً وأبداً أبحث عن دعوة الأم وراء كل ناجح ، وأكذب القول المتعجل : وراء كل عظيم إمرأة ، وأصححه إلى : وراء كل ناجح دعوة أم ، وعندى ألف ناجح يتطابق معهم الحكم ...
إذا فأنت غاضبة ؟
لا بأس ... سوف أستميت فى إرضائك ، ليس لأنى أريد اللحاق بركب النجاح ، ولكن لأخرص الهواجس بداخلى أنى مقصر فى حقك ، لا أطيق أن أخالفك ، أن أغضبك ، أن أعصيك ... أن أغفو عن ذكرك . سوف أضع هداياى فوق رأسى ، وأعدو بها ، لأقدمها لك ساجداً ، ملحاً أن تغفرى ... أن تضمينى إلى صدرك ... أن تجففى دموع قلبى ... أن تسمعينى ، فلدى الكثير من المتاعب ، من الاستغاثات ، ولا أحد غيرك يسمعنى يا أمى ... لقد تعبت من مناداتك ... من مناجاتك ... فلماذا نضيع الوقت سوف آتى إليك ... سوف أحتضنك بقوة ، أنا واثق أن لقائى بك يوم عيدك سوف يكون مختلفاً ... رائعاً ... رائقاً ، ولن أتركك تغفين عن هذه المرة ، سوف أتكلم حتى لو لم تسمعينى ...
.................................................................................................
ولكن ... أمى رحلت وهذا هو عيدها الأول بعيداً.. الآن تذكرت أنها سألتنى الدعاء والفاتحة ... لم أعد أملك سواهما من هدايا ... تقبل يا رب .
ساحة النقاش